هل تسبب الاقتصاد المتدهور بهزيمة العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية؟
تاريخ النشر: 4th, April 2024 GMT
إسطنبول – أثارت الخسارة المدوية التي أصابت حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية التي جرت الأحد الماضي موجة من النقاش الحاد في الأوساط السياسية والإعلامية حول الديناميكيات والأسباب التي كانت وراء هذا الانخفاض الملحوظ في الدعم، في حين وصف بعض المحللين هذا التحول بأنه تصويت عقابي من الناخبين، معبرين فيه عن احتجاجهم ضد سياسات الحكومة التركية والحزب الحاكم في شتى المجالات.
وشهد حزب العدالة والتنمية انخفاضا ملحوظا في سيطرته البلدية، حيث تقلصت إدارته من 39 بلدية إلى 24 فقط، منهم 12 بلدية كبرى، ليحل بذلك في المركز الثاني بنسبة 35.5% من الأصوات على مستوى البلاد.
من ناحية أخرى، تمكن حزب الشعب الجمهوري المعارض من تعزيز موقفه بشكل لافت، إذ ارتفع عدد البلديات التي يديرها من 21 إلى 35 بلدية، شاملة 14 من البلديات الكبرى، كما استمر في الحفاظ على قيادته لبلديات المدن الرئيسية، متصدرا الانتخابات بنسبة 37.8%، وهو ما بات يعرف بأكبر هزيمة لحزب العدالة والتنمية منذ عام 2002.
محللون وصفوا الخسارة بكونها تصويتا عقابيا من الناخبين (وكالة الأناضول) الاقتصاد سببويشكو المواطنون الأتراك من الحالة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها تركيا منذ عدة سنوات، والتي أثرت على شتى مناحي الحياة، وهو ما جعل القضايا الاقتصادية مقعد الصدارة في دائرة اهتمام الناخبين، وذلك على خلفية تزايد معدلات التضخم لا سيما في المدن الكبرى وانخفاض سعر صرف الليرة التركية.
إذ جرت الانتخابات هذه المرة في سياق اقتصادي لم يسبق له مثيل خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، فوصلت أسعار الفائدة في تركيا إلى 50%، موازاة مع تسجيل التضخم لأعلى مستوياته عند 68.5% خلال مارس/آذار الماضي.
كذلك، واصلت الليرة التركية مسيرتها الهبوطية، مسجلة تراجعا بنحو 9% منذ بداية العام الجاري، كما ساهم الزلزال المدمر الذي ضرب كهرمان مرعش في إضافة عبءٍ اقتصادي ثقيل على عاتق البلاد، معمقا الأزمات الاقتصادية الراهنة.
هذه المعطيات، أدت إلى تراجع الوضع المعيشي، المتمثل بشكل خاص في ارتفاع تكاليف الحياة الأساسية؛ مثل: الإيجارات، وهو ما يضع ضغوطا كبيرة على ميزانيات الأسر، لا سيما في المدن الكبرى، فوجد الناخبون في هذه الانتخابات فرصة مهمة لإظهار مدى استيائهم من الأوضاع الحالية.
إضافة إلى ذلك، كانت الزيادات الهامشية في المعاشات التقاعدية محور استياء بين المتقاعدين الأتراك، الذين يناهز عددهم الـ15 مليون شخص، وهو ما ساهم بشكل ملحوظ في تراجع الدعم للحزب، فقد اختار بعض هؤلاء المتقاعدين الامتناع عن التصويت في الانتخابات، بينما وجد الباقون أنفسهم منقسمين بين تأييد الحزب ومعارضته.
أسعار الفائدة في تركيا ارتفعت إلى 50%، موازاةً مع تسجيل التضخم أعلى مستوياته عند 68.5% (رويترز) التحولات في السياسة الاقتصاديةلعبت الإسهامات الاقتصادية الرئيسية التي نفذها حزب العدالة والتنمية في مستهل فترات حكمه دورا محوريا في دعم مساره الناجح وتأمين انتصاراته في العديد من المواعيد الانتخابية المتعاقبة.
فمنذ توليه الحكم عام 2002، رسم حزب العدالة والتنمية مسارا إيجابيا ومتطورا في البنية الاقتصادية والاجتماعية لتركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان، فحقق نجاحات متعددة شملت نقلات نوعية في حجم الصادرات التركية، وأحرز اكتشافات مهمة في مجال النفط، موقعا اتفاقيات رئيسية تعزز مكانة تركيا في استغلال موارد الغاز والنفط، بالإضافة إلى ذلك، شهدت البلاد تحديثا كبيرا في الصناعات الدفاعية وتوسعا ملحوظا في القطاع السياحي.
ويعتبر أبرز نجاحات حزب العدالة والتنمية اقتصاديا، بعد عام 2003، أنه أزال الأصفار الستة من العملة المحلية، ورفع من قيمتها أمام الدولار، فبعد أن كان الدولار يعادل ملايين الليرات، أصبح في عام 2005 الدولار يعادل 1.34 ليرة.
ونجح أردوغان لأول مرة في خفض سعر الفائدة لخانة الآحاد عام 2014 بفائدة 9%، وإلى 7.8% عام 2017، لتمثل أفضل سنوات الأداء والاستقرار الاقتصادي لحكومات العدالة والتنمية.
وفي مواجهة الانخفاض الحاد لقيمة الليرة التركية، ظل أردوغان ثابتا على موقفه المناهض لزيادة أسعار الفائدة. وعبر عن قناعته بأن هذا الضعف في الليرة لا يمثل بدقة الوضع الاقتصادي الراشد للبلاد، معتبرا أن أسعار الفائدة تمثل أداة للإثراء تصب في مصلحة الأثرياء على حساب تعميق جروح الفقراء.
شيميك جاء تعيينه مع انتهاج الحكومة نموذجا أكثر تشديدا في تحول عن النهج الاقتصادي السابق (رويترز)ووفق رؤية أردوغان، كانت النسب المرتفعة للفائدة، سواء 24% أو حتى 19%، تشكل حجر عثرة أمام مسار الإنتاج والتوسع الاستثماري، وهو ما يؤدي إلى تكديس الأموال في البنوك والاستسلام للركود، بدلا من خوض غمار الأعمال والمشاريع.
إلا أنه ومع تدهور الوضع الاقتصادي الناتج عن نموذج محاربة الفائدة، قررت الحكومة التركية انتهاج سياسة التشديد الاقتصادي مع تعيين قيادات اقتصادية جديدة كان أبرزها وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك، ومحافظة البنك المركزي حفيظة غاية أركان التي استقالت لاحقا.
وقد أزاح الفريق الاقتصادي الجديد الستار عن برنامج اقتصادي متوسط المدى للفترة من 2024 إلى 2026، يهدف إلى النمو بالاقتصاد التركي بنسبة 4% هذا العام، مع انخفاض معدل التضخم إلى 33%، وبوصول عجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي نحو 6.4%، على أن يبلغ معدل البطالة 10.3%.
هذا التوجه الجديد في السياسة الاقتصادية أثار استياء العديد من المواطنين، بمن فيهم كل من المعارضين لإستراتيجية خفض معدلات الفائدة والداعمين لها. المعارضون يعتقدون أن الإدارة الحالية قد دفعت بالاقتصاد التركي نحو حالة بالغة الصعوبة تتطلب جهودا مكثفة لإعادة بنائه، بينما ينظر الآخرون إلى النهج الاقتصادي المتجدد على أنه تغيير جذري في الأيديولوجيات والمبادئ التي كان يروج لها حكم أردوغان.
ما بعد الانتخابات
لا يبدو أن السياسات الاقتصادية في تركيا ستشهد تغيرا جديدا، ففي كلمته بعد نتائج الانتخابات المحلية أمام الشعب، تعهد الرئيس التركي أردوغان بمواصلة تنفيذ أجندته الاقتصادية، ومنح فريقه الاقتصادي مزيدا من الوقت لتنفيذ إجراءات تهدف إلى عكس مسار الانكماش الاقتصادي، معربا عن تفاؤله برؤية نتائج إيجابية في النصف الأخير من العام.
وفي تحليله للوضع الاقتصادي الحالي وتأثيره على الساحة السياسية، يقول المحلل الاقتصادي محمد أبو عليان للجزيرة نت: "أظهرت الظروف الاقتصادية المتدهورة والضغوط التضخمية الراهنة تأثيرها المباشر على مشاركة بعض الشرائح الاجتماعية في الانتخابات، خاصة مع تصاعد تكاليف المعيشة التي تلقي بثقلها بوجه الخصوص على الطبقات المتوسطة، ذوي الدخل المحدود، والمتقاعدين".
ويتوقع أن تواصل الحكومة تبني نهجها القائم على السياسة النقدية التقييدية والانضباط المالي، استجابة لمحاربة التضخم المرتفع الذي يُعد من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجهها تركيا في الوقت الراهن.
ويضيف أبو عليان، أنه نظرا لعدم وجود انتخابات مقررة خلال الأربع سنوات القادمة، تتاح للحكومة فرصة ذهبية لتنفيذ إصلاحات اقتصادية جوهرية، كما يتوقع أن تسعى الحكومة إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية، خاصة من خلال تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، بتقديم حوافز ومزايا تعزز من جاذبية البيئة الاستثمارية في البلاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات حزب العدالة والتنمیة فی الانتخابات أسعار الفائدة وهو ما
إقرأ أيضاً:
بعد المراجعة الرابعة لـ صندوق النقد.. إشادة دولية بإصلاحات مصر الاقتصادية رغم التحديات
اختتمت بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة إيفانا فلادكوفا هولار مناقشاتها مع الحكومة المصرية في الفترة من 6 إلى 20 نوفمبر 2024 في القاهرة، في إطار المراجعة الرابعة لتسهيل الصندوق الموسع.
وأصدرت البعثة بيانًا أشادت فيه بالتقدم الذي أحرزته مصر في الإصلاحات الاقتصادية، رغم التحديات الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة في المنطقة.
بعثة صندوق النقد الدوليالتحديات الاقتصادية والجيوسياسيةالتوترات الجيوسياسية المستمرة، بما في ذلك النزاعات في غزة وإسرائيل، وانقطاعات التجارة في البحر الأحمر، أثرت سلبًا على الاقتصاد المصري.
وانخفضت عائدات قناة السويس بنسبة تصل إلى 70%، مما شكل ضغطًا على موارد العملة الأجنبية.
ومع تزايد عدد اللاجئين، أضاف ضغوطًا على الخدمات العامة، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم، وناقشت البعثة أيضًا تدابير الإصلاح التي يمكن أن تقلل المخاطر الاقتصادية الكلية المرتبطة بالتغير المناخي، لدعم طلب مصر للحصول على تسهيل المرونة والاستدامة.
الإصلاحات الاقتصادية المنفذة1. تحرير سعر الصرف منذ مارس الماضي، وأدى توحيد سعر الصرف إلى:
- القضاء على تراكم الطلب على النقد الأجنبي.
- تسهيل عمليات الاستيراد.
- دعم استقرار الاقتصاد ضد الصدمات الخارجية.
2. السياسة النقدية:
- ساهم تشديد السياسة النقدية في احتواء التضخم، رغم تأثير الزيادات في الأسعار الإدارية.
- أكد البنك المركزي التزامه بالحفاظ على نظام سعر الصرف المرن.
3. الانضباط المالي:
- ركزت الحكومة على تقليل نقاط الضعف المرتبطة بديون القطاع العام.
- تم الاتفاق على تعزيز الإيرادات المحلية واحتواء المخاطر المالية، خاصة تلك المتعلقة بقطاع الطاقة.
1. تنمية القطاع الخاص:
- يشكل القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو المستدام وخلق فرص العمل.
- رحبت البعثة بخطط الحكومة لتبسيط النظام الضريبي وتحسين الإجراءات الجمركية وتسهيل التجارة.
2. خصخصة الأصول:
- أوصت البعثة بتسريع خطط سحب الاستثمارات لتقليل بصمة الدولة في الاقتصاد وضمان تكافؤ الفرص.
3. إصلاحات السياسة الضريبية:
- تعزيز تعبئة الإيرادات المحلية عبر:
- تقليل الإعفاءات الضريبية بدلاً من زيادة معدلات الضرائب.
- تحسين العدالة الضريبية.
- توفير الحيز المالي اللازم لتمويل برامج الإنفاق الاجتماعي في الصحة والتعليم.
4. شبكة الأمان الاجتماعي:
- أهمية دعم الفئات الأكثر ضعفًا عبر برامج التحويلات النقدية المشروطة، للتخفيف من تأثير السياسات الاقتصادية الصارمة وارتفاع تكاليف المعيشة.
رغم التحديات، أشادت البعثة بالإصلاحات التي قامت بها الحكومة المصرية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي. كما أكدت على أهمية استمرار الجهود في تنفيذ السياسات والإصلاحات المتبقية لدعم استكمال المراجعة الرابعة.
مؤشرات إيجابية.. خبير يكشف تفاصيل المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي لبرنامج مصر ماذا قالت مديرة صندوق النقد عن مصر وقرض المراجعة الرابعةوتأتي هذه الإشادة الدولية لتعكس الثقة في قدرة مصر على التعامل مع التحديات الاقتصادية المتزايدة، مع التركيز على ضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة لصالح جميع المصريين. في الأيام المقبلة، ستستمر المناقشات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي لإنجاز الاتفاق على السياسات الداعمة للإصلاحات الاقتصادية المستقبلية.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي خالد الشافعي، إن مصر نجحت في تبني اصلاحات اقتصادية ناجحة واعتمدت على استراتيجيات تنويع مصادر التمويل وتمديد فترة الدين الخارجي، إلى جانب التركيز على زيادة موارد العملة الصعبة.
وأضاف الشافعي في تصريحات لـ"صدى البلد"، أنه يوجد توجه إيجابيًا نحو تحسين الاقتصاد وخفض نسبة الدين إلى 88% من الناتج المحلي الإجمالي، مؤكدًا أن تنويع أدوات التمويل مثل السندات المقومة بالعملات الأجنبية يساعد في تقليل تكلفة الاقتراض، ما يسهم في تحقيق التوازن المالي وسد العجز في الموازنة العامة.
ولفت الشافعي إلى أن الأسواق الدولية أبدت تجاوبًا مع السندات المصرية، بما في ذلك السندات الخضراء وسندات الساموراي والباندا، مما يعكس ثقة المؤسسات المالية العالمية في الاقتصاد المصري. وأكد أن تغطية السندات المصرية، رغم الانتقادات المتعلقة بالتزامات السداد، تعد دليلًا على استقرار الاقتصاد المصري ونجاحه في استعادة مكانته في السوق الدولية.
وأوضح أن المكانة الدولية لمصر تتيح لها جذب تمويلات متنوعة من مؤسسات مالية مختلفة، وهو ما يدعم خطط الحكومة في التوسع بالسوق الدولية، ويعزز استدامة الاقتصاد الوطني حتى في ظل التحديات العالمية.