لجريدة عمان:
2024-10-03@07:17:31 GMT

لماذا يستفزنا نديم قطيش لهذا الحد؟

تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT

رغم أن مستخدمي الشبكات الاجتماعية ما قصروا في نديم قطيش، إلا أنني أُريد تحليل خطابه أكثر لنفهم لما يستفزنا هراء «الشرقين أوسطين» لهذا الحد. أعتمد في نقدي على المقال الذي نشرته الشرق الأوسط في 26 مارس 2024، الذي يحمل شكلا ومضمونا ما قاله على سكاي نيوز، ربما مع بعض التفصيل.

يقول في الفقرة الثانية: «في غزة، يصارع أكثر من مليون فلسطيني شبح المجاعة، في حين تنفق مدن مئات المليارات من الدولارات للتطوير».

وصياغة الأمر بهذه الطريقة يقول لنا أن ثمة واقعين: الأول، واقع تفرض فيه قوى متحكمة (إسرائيل ومسانديها) على مجتمع غزة المجاعة، فيما تصل مجتمعات من الرفاه بحيث تُقامر بملايين الدولارات في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الجديدة. فيما يُدرج في الفقرة التالية الأسباب التي يعتقد قطيش أن المجاعة نتيجتها، فيقول: «غزة اليوم فريسة للنتائج المميتة لمشروع تهيمن عليه أيديولوجيا المقاومة، وضحية مكشوفة بناسها وعمرانها لسياسات محددة عاجزة عن تجاوز صراعات الماضي والتأسيس لمستقبل آخر.» وفقا لقطيش ثمة سببان للإبادة في غزة. الأول، يتمثل في تبني أهالي غزة لأيدولوجيا المقاومة، أما الثاني فيتمثل في عدم تحركهم باتجاه تجاوز صراعات الماضي. نفهم أن صراع الماضي الذي يعنيه هنا هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. اعتبار هذا الصراع ينتمي إلى الماضي، يعني أن الكاتب لا يؤمن أن إسرائيل -ما قبل 7 أكتوبر- كانت تفرض على الغزيين بشكل يومي ظروفا خانقة تمنعهم من ممارسة الحياة الطبيعية، هذا إذا ما استثنينا الحروب المُدمرة العديدة التي مرت على القِطاع. ينطلق الكاتب في نقده من منطق مغلوط وهو اعتبار أن الفلسطينيين والخليجيين تتوفر لهم الظروف ذاتها، في تجاهل لوقوع أراضيهم تحت الاحتلال لثلاثة أرباع قرن، تعرضهم للتطهير العرقي، للحصار، الفصل العنصري، القتل، السجن، التعذيب، النزوح المتتالي، العقاب الجماعي، إلى آخره من أشكال القهر التي تجعل الحياة الطبيعية غير ممكنة. فما بالك بأن يكون لديهم رفاه التخطيط للمستقبل، والمقامرة بملايينهم في استثمارات غير محسوبة، توحي -على نحو مزيف ومقنع- بالتنمية والتطوير (وهذا سنتناوله لاحقا). فوق هذا فهو يُحمّل الضحايا مسؤولية مصيرهم، عوضا عن نقد الفاعل، ونقد المتواطئين. فثمة سياق جعل حماس تحكم القطاع. تأييد ما فعلته حماس من عدمه شيء، والفصل بين السلطة الحاكمة والمحكومين شيء آخر تماما. هذا في الظروف التي تتولى فيها القوة الحاكمة السلطة على نحو طوعي عبر الانتخابات، فما بالك ببؤرة صراع، تحكم فيها قوة تمكنت من تولي السلطة عبر انقلاب.

أما عن تبنيهم للمقاومة، فالمقاومة -كما أفهمها- وبحكم التعريف، تأتي كردة فعل للتعرض للظلم (أيا كان)، إنها تعني أنك الطرف الأضعف في الصراع، وأنك تستخدم ما بيديك من أدوات (مهما قلت، ومهما ضعف مفعولها) لرفع هذا الظلم. فأنت لا تُسمي افتعال روسيا لحربها ضد أوكرانيا مقاومة، بينما ينطبق على دفاع أوكرانيا عن نفسها مفهوم المقاومة. المقاومة إذن ليست خيارا، ويُمكن أن ينبري تحتها عدد لانهائي من الأفعال. فحمل مفاتيحك حول عنقك حتى تحين العودة - مقاومة، وزرع أشجار الزيتون كُلما اقتلعت - مقاومة، وأن تطبخ العدس كل يوم لمن هُجروا من الشمال - مقاومة أيضا، وحمل السلاح مقاومة لا شك في مشروعيتها. ولنفترض أن للفلسطينيين أن يختاروا بين الرضا بالاستعمار، ومقاومته. كيف لنا أن نجعل الرضا أرفع شأنا أخلاقيا من المقاومة؟ عندما نكون أمام معضلة أخلاقية كثيرا -أجرؤ أن أقول غالبا- ما يكون الفعل الفاضل (كما يحب أن يسميه الفلاسفة) أصعب من الرذائل. الاستسلام أسهل من التغيير، والرضا بالشيء أيسر من رفضه وتحمل ثمنه الذي كثيرا ما يكون باهظا.

يتحدث قطيش في الفقرة نفسها عن «(إعلاء) أولويات السلام». فكرة السلام في السياق الفلسطيني مهمة؛ لأنها لطالما استخدمت كعذر لاستدامة توسيع المستعمرات، وكل أشكال الظلم التي تأتي مع الاستعمار، بينما تجري مباحثات السلام مثل إلهاء عما يحدث على الأرض. لمباحثات السلام أيضا وظيفة أخرى، وهو تأطير القضية بشكل يُساوي بين الطرفين. فيما ينزع من الفلسطينيين حقهم في استعادة الأرض، العودة، تحديد المصير، والتأكيد أن الوجود الإسرائيلي غير مشروع البتة، وما كانت الدولة الإسرائيلية لتوجد لو أن العالم -لا أقول يسير بمبادئ العدالة- ينبري للمبادئ نفسها، دون تمييز. مفاوضات السلام تضع العرب في موقع مساومة، وتعرضهم لضغط يدفعهم للقبول ببعض ما لهم، عوض أن يُرد لهم حقهم الكامل.

لن أُعلق على عدم سياقية ما يقوله عن هجمات السابع من أكتوبر؛ لأننا «خلّصنا الكلام» في هذه المسألة لكثرة ما «عدنا وزدنا فيها».

قبل أن أُنهي المقال، أُحب التعليق على تقليعة الذكاء الاصطناعي. من يُتابع مبادرات الإمارات والسعودية في هذا المجال، يُدرك بسهولة أن استثماراتهم في المجمل شكلية، إنها تدعي المواكبة، بل والريادة، دون أن توفر الظروف للتطوير وأهمها الوعي الحقيقي، والمساءلة الأخلاقية والقانونية لهذه التكنولوجيا.

نعم ثمة شرقان أوسطان، شرق نجحت فيه القوى الاستعمارية للتوصل إلى صيغة تُقنّع فيها استعمارها تحت أقنعة الاستشارات والصفقات الاقتصادية، وشرق آخر يظهر فيه بجلاء بطش الاستعمار والاستغلال والعنصرية. شرق وُفرت له ظروف تُلهيه بما يكفي ليكون راضيا ومستكينا، وآخر تُجبره الظروف على أن يصمد ويقاوم. شرق تقدر فيه السلطة على شراء الأصوات، وملاحقتها -إن تعذر الشراء-، وشرق لا يملك رفاهية اللعب الناعم، فتتواطأ فيه السلطة مع الجناة، وتساهم في الإبادة. شرق يشتعل، وشرق يُوشك أن يشتعل.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الشعبوية والوعود الاقتصادية المكسورة

ترجمة: نهى مصطفى -

على مدى العقود القليلة الماضية، تولى الشعبويون إلى السلطة في العديد من البلدان. انتخبت إيطاليا سيلفيو برلسكوني، وكان في فنزويلا هوجو شافيز والآن لديهم نيكولاس مادورو؛ بينما جارتها البرازيل، كان يرأسها جايير بولسونارو حتى عام 2023. ومن الواضح أن رئيس الأرجنتين الحالي، الأناركي الرأسمالي خافيير مايلي، هو بالتأكيد شعبوي. صوتت الولايات المتحدة لوصول دونالد ترامب إلى السلطة في عام 2016، وقد تفعل ذلك مرة أخرى.

يتميز القادة الشعبويون، أحيانًا بالإبهار والترفيه وأحيانًا بالغلو والتطرف، ويتواجدون على امتداد الطيف السياسي. شافيز ومادورو اشتراكيان، بينما ميلي وترامب محافظان. في بعض الأحيان، يتجاوز هؤلاء القادة التصنيفات التقليدية لليسار واليمين. القاسم المشترك بينهم جميعًا هو الرغبة في تعزيز السلطة باستخدام نفس الرسالة الغاضبة. يسوق الشعبويون أنفسهم على أنهم غرباء يقاتلون من أجل الجماهير، ويمثلون "الشعب الحقيقي" ضد النخبة الفاسدة.

الشعبوية تتصاعد. ولكن على الرغم من أن تأثيراتها على الأنظمة السياسية في البلدان ومدى تعزيزها للانحلال الديمقراطي كانت موضع نقاش واسع النطاق في السنوات الأخيرة، إلا أن آثارها الاقتصادية لم تُدرس بالقدر الكافي. ما هي السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الشعبويون، وما هي نتائجها؟

لسد هذه الفجوة، أجرينا دراسة شاملة حول القيادة الشعبوية عبر العالم. أنشأنا مجموعة بيانات تغطي 120 عامًا من التاريخ و60 دولة، وحددنا 51 قائدًا شعبويًا، عرّفناهم على أنهم القادة الذين يضعون الصراع بين "الشعب" و"النخب" في قلب حملاتهم الانتخابية أو سياساتهم الحكومية، ثم قمنا بدراسة السياسات الاقتصادية التي انتهجوها والنتائج التي ترتبت على ذلك.

النتائج كانت مقلقة. فعلى الرغم من أن القيادة الشعبوية قد تبدو على السطح ذات تأثيرات اقتصادية متباينة، إلا أننا وجدنا أن معظم الشعبويين يضعفون اقتصاد الدولة، خاصة على المدى الطويل. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى تقويضهم لسيادة القانون وإضعاف الضوابط والتوازنات السياسية. توضح دراستنا أن الشعبويين، رغم أنهم يروجون لأنفسهم على أنهم الحل لمشاكل البلاد، يميلون في الواقع إلى جعل الحياة أسوأ. بعبارة أخرى، الشعبويون يضرون "الشعب الحقيقي" الذين يدّعون أنهم ينقذونه.

على مر التاريخ الحديث، شهدت الشعبوية موجتين رئيسيتين. جاءت الموجة الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي خلال فترة الكساد الكبير وما أعقبها من اضطرابات. خلال الحرب الباردة، تراجعت الشعبوية، لكنها عادت بقوة بعد سقوط جدار برلين في عام 1989. واليوم، يعيش العالم مرة أخرى في عصر الشعبوية التي بلغت ذروتها في عام 2018، حيث حكم الشعبويون 16 من أصل 60 دولة شملتها دراستنا، تمثل أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. واليوم، لا يزال الشعبويون يحكمون أكثر من 12 دولة.

على الرغم من أن الشعبويين يتجاوزون الطيف الأيديولوجي، إلا أن هناك اختلافات كبيرة بين الشعبويين اليساريين واليمينيين. يركز الشعبويون اليمينيون على الانقسامات العرقية والثقافية، متهمين النخب بالتواطؤ مع الأقليات والمهاجرين وتفضيل مصالحهم على مصالح "الشعب الحقيقي". أما اليسار، فيهاجم الشعبويون النخب الاقتصادية والمالية، متهمين إياها بنهب البلاد على حساب السكان المحليين من الطبقة العاملة. شكلت الشعبوية اليسارية ظاهرة أساسية في منتصف القرن العشرين، وعادت لفترة وجيزة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن الشعبوية اليمينية شهدت ازدهارًا كبيرًا في الآونة الأخيرة.

في كلتا الحالتين، الشعبوية تعد ظاهرة متكررة. البلدان التي حُكمت من قبل قادة شعبويين لديها احتمال أعلى لعودة شعبوي آخر إلى السلطة: الأرجنتين، التي تعد موطن أول قائد شعبوي حديث، هيبوليتو يريجوين، حُكمت من قبل شعبويين لنحو 40% من تاريخها منذ عام 1900. إيطاليا شهدت قيادات شعبوية خلال 29% من تلك الفترة. أما سلوفاكيا، فقد حُكمت من قبل الشعبويين لما يقرب من 60% من الوقت منذ استقلالها في عام 1993.

سبب من أسباب هذه الاستمرارية هو أن الشعبويين يتمتعون بقدرة على البقاء في الساحة السياسية. نادرًا ما يختفون بسرعة أو من تلقاء أنفسهم. بدلاً من ذلك، يقومون بكل ما في وسعهم لزيادة فرصهم في الاحتفاظ بالسلطة، سواء من خلال استراتيجيتهم الأساسية المتمثلة في الاستقطاب والتحريض، أو من خلال وسائل أكثر تطرفًا مثل سن قوانين انتخابية جديدة، واحتلال وسائل الإعلام، وتخويف السلطة القضائية والمعارضة.

نتيجة لذلك، يبقى الشعبويون في السلطة لمدة تصل إلى ست سنوات في المتوسط، مقارنةً بثلاث سنوات للحكام غير الشعبويين. وهم أكثر عرضة للانتخاب مرة أخرى، حيث تبلغ احتمالية إعادة انتخابهم 36%، مقارنةً بـ 16% فقط للحكام غير الشعبويين، وهو فارق يمكن تفسيره بشعبيتهم وتفوقهم في عزل أنفسهم عن أدوات الديمقراطية.

لنأخذ على سبيل المثال رئيس الوزراء الإيطالي السابق برلسكوني، قطب الإعلام الملياردير الذي صعد إلى السلطة من خلال التظاهر بأنه سياسي مناهض للمؤسسة في أعقاب فضائح الفساد في البلاد في أوائل التسعينيات. غالبًا ما يشار إليه باسم "المهرج" من قبل المعارضين ووسائل الإعلام الدولية بسبب الفضائح التي لا نهاية لها على ما يبدو والتي حددت فترة وجوده في نظر الجمهور، ومع ذلك احتفظ برلسكوني بالسلطة لفترة أطول من أي رئيس وزراء آخر في تاريخ إيطاليا ما بعد الحرب. وقد ترك منصبه في عام 2011، بعد أن حكم البلاد على فترات متقطعة لما يقرب من عقدين من الزمن، لكن السياسة الإيطالية تظل تتشكل بشكل أساسي من خلال صورته الشعبوية. وكان العديد من خلفائه شعبويين، بما في ذلك رئيسة الوزراء الحالية جيورجيا ميلوني، التي استمدت حملتها المناهضة للمهاجرين والاتحاد الأوروبي بشكل كبير من قواعد اللعبة الشعبوية.

على الرغم من ديمومة الشعبوية، لم يكن هناك سوى القليل من الأبحاث المنهجية حول كيفية تطور الاقتصادات وأدائها عندما يصل الشعبويون إلى السلطة. ولكن من السهل العثور على أمثلة للشعبويين الذين يتسببون في أضرار اقتصادية. أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي كان السياسي الشعبوي بوريس جونسون بطله الرئيسي، إلى تدهور اقتصادي في جميع المجالات. تخلفت "بريطانيا العالمية" التي تصورها أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن نظيراتها منذ ذلك الحين، حيث نما اقتصادها بنسبة أقل بـ 5 % من البلدان المماثلة على مدى السنوات الثماني الماضية. وأدى فصل الاقتصاد البريطاني عن السوق الأوروبية الموحدة إلى انحدار التجارة والاستثمار والاستهلاك.

تستحق السياسات التي انتهجها برلسكوني في إيطاليا علامات سيئة مماثلة. منذ وصوله إلى المشهد السياسي في إيطاليا، ظل الاقتصاد في حالة ركود، مع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية؛ فمنذ عام 2000، ظل متوسط معدل النمو الاقتصادي السنوي عالقًا عند نحو نصف نقطة مئوية. ولا يزال نظام التعليم في أزمة، وقد هاجرت ألمع العقول في البلاد.

ويمكن العثور على أمثلة أكثر جذرية في أمريكا الجنوبية. لقد نجح شافيز ومادورو معًا في تحويل فنزويلا، التي كانت ذات يوم مصدرة ثرية للنفط، إلى ملجأ فقير في غضون عشرين عامًا. خلقت الحمائية والمحسوبية وتأميم صناعات النفط والتعدين والتمويل والاتصالات والزراعة، من بين قطاعات أخرى، كارثة اقتصادية لم يسبق لها مثيل في دولة حديثة في زمن السلم - مما أدى إلى المجاعة والأزمات الطبية والهجرة الجماعية خارج البلاد. وفي الأرجنتين، قام الرئيس نيستور كيرشنر وخليفته وزوجته كريستينا فرنانديز دي كيرشنر أيضًا بقيادة بلادهم من حافة الهاوية المالية. ولكن بعد سنوات قليلة من النمو القائم على التصدير، أعقب ذلك تضخم جامح وإفلاس وطني.

لكن الأداء الاقتصادي للقادة الشعبويين لا يمكن تعميمه بسهولة. شهدت الولايات المتحدة في عهد ترامب معدلات نمو اقتصادي مماثلة لتلك التي شهدتها الرئاسات السابقة. كما حقق آخرون، مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، درجة معينة من النجاح الاقتصادي خلال فترة وجودهم في مناصبهم.

بحثنا في الحكايات ووجدنا خيطًا مشتركًا. وللقيام بذلك، استخدمنا خوارزمية تقارن الاتجاهات في اقتصاد الدولة قبل وبعد صعود الشعبويين مع تلك الموجودة في بلدان مماثلة لا يحكمها الشعبويون. وبشكل عام، وجدنا أن الشعبويين الموجودين في السلطة يتسببون في أضرار اقتصادية كبيرة، وخاصة على المدى المتوسط والطويل. وبعد 15 عاما، أصبح الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط أقل بنسبة 10% في البلدان التي تديرها الشعبوية مقارنة بالدول غير الشعبوية.

هناك تفسيران رئيسيان لتأثير الشعبويين على النمو الاقتصادي: الأول هو الحمائية. يتاجر الشعبويون بالخطاب القومي، وكما هو متوقع، يمارسون القومية الاقتصادية بمجرد وصولهم إلى السلطة. وعلى اليسار واليمين على حد سواء، يفرض الشعبويون التعريفات الجمركية ويتبعون عددًا أقل من الاتفاقيات التجارية، وبالتالي يبطئون تدفق السلع والخدمات، كما أنهم يقيمون حواجز أمام الاستثمار الأجنبي، مما يقوض النمو الاقتصادي.

والسبب الثاني هو أكثر جوهرية: في جهودهم للبقاء في السلطة، يعمل القادة الشعبويون على تقويض سيادة القانون. إنهم لا يخافون من دوس الأعراف والقوانين وإضعاف المؤسسات الديمقراطية، أو إقالة القضاة أو إجراء تحقيقات في الشركات التي تقف في طريقهم. وانخفضت المؤشرات القياسية للحرية القضائية والانتخابية والإعلامية بشكل كبير بعد وصول الشعبويين إلى السلطة. وهذا الضعف الذي تعاني منه المؤسسات يضر بدوره بالنمو الاقتصادي والاستثمار والرخاء، كما أظهرت سنوات من البحث. وذلك لأن المؤسسات الديمقراطية العاملة تقيد السلطة التنفيذية وتحمي المجتمع المدني (بما في ذلك الشركات) من التدخل التعسفي، وهو أمر مهم للاستثمار والإبداع والنمو.

وبالتالي فإن التاريخ الاقتصادي للشعبوية منذ عام 1900 يوضح أن الحكومات الشعبوية تميل إلى إحداث الضرر. قد يعد القادة الشعبويون بحماية ودعم الناس العاديين، لكنهم غالبًا ما يفعلون العكس. وتشهد بلدانهم تراجعًا في النمو الاقتصادي والحريات السياسية. وقد يتمكن الشعبويون من الاحتفاظ بالسلطة على أي حال من خلال استقطاب الناخبين والتلاعب بالنظام السياسي لصالحهم، لكنهم لا يستطيعون الادعاء بأن لديهم حلولاً للمشاكل الاقتصادية.

ـ مانويل فونكي باحث في معهد كيل للاقتصاد العالمي، دكتوراه في الاقتصاد، جامعة برلين الحرة.

ـ كريستوف تريبيش أستاذ بقسم الاقتصاد، جامعة كيل، مدير مجال البحث "التمويل الدولي والاقتصاد الكلي"، معهد كيل للاقتصاد العالمي.

ـ موريتز شولاريك اقتصادي ألماني، وأستاذ الاقتصاد في جامعة ساينس بو باريس وجامعة بون.

ـ المقال نشر في موقع Foreign Affairs

مقالات مشابهة

  • على هامش تداولات رفع الحد الأدنى للأجور
  • تدرُّج دبلوماسية النار.. تدحرُج ملح السياسة
  • المقاومة اللبنانية: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع جنود العدو الإسرائيلي المتسللين إلى بلدة مارون الراس من الجهة الشرقية موقعين في صفوفهم إصابات عدة وما زالت الاشتباكات مستمرة
  • مقاتلو “حزب الله” يوجهون رسالة إلى قائدهم الراحل حسن نصر الله
  • توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية
  • اليمن: نبارك العملية الإيرانية التي ضربت الأهداف الإسرائيلية
  • الشعبوية والوعود الاقتصادية المكسورة
  • مجاهدو المقاومة الإسلامية للسيد نصرالله: قد أديت الأمانة ونقسم بأننا والله على عهدنا ماضون
  • حسن نصر الله أسد المقاومة
  • لماذا استهدفت إسرائيل قادة المقاومة في لبنان؟