لجريدة عمان:
2025-02-21@13:21:26 GMT

الاستثمار في اللقاحات لا يحتاج الى تفكير

تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT

في عالم تتعدد أزماته وتفاقم مشاكله المتقاطعة بعضَها البعض وتندُر فيه الانتصارات السهلة من المهم جدًا معرفة الخيارات الواضحة حقًا والمتاحة لواضعي السياسات. الاستثمار في اللقاحات أحد هذه الخيارات.

منذ أعوام الستينيات استأصلت حملاتُ التطعيم مرضَ الجدري وقللت من انتشار شلل الأطفال واحتوت الحصبة. لقد أنقذت أموالٌ متواضعة تم انفاقها على الصحة العامة أرواحَ عشرات الملايين من البشر وقللت الإصابة بالأمراض، وأتاحت للأطفال حول العالم نموًا طبيعيًا وحياة صحية ومنتجة بعد بلوغهم سن الرشد.

بعد سنوات من جهود التطوير شهد عام 2023 المصادقة على لقاح ثان للملاريا التي تتسبب في أكثر من 600 ألف وفاة سنويًا. ووجدت دراسة أجريت مؤخرًا على لقاح ضد «ستريب أ» وهو نوع من البكتيريا يتسبب سنويًا في 600 ألف وفاة و600 مليون حالة التهاب في الحلق أن استثمار أقل من 60 بليون دولار من شأنه تحقيق فوائد تزيد في قيمتها عن 1.6 تريليون دولار.

بل ما هو أكثر إثارة النجاح الذي تحقق ضد كوفيد-19 حيث تم استخدام لقاحات معتمدة بالكامل خلال أقل من سنة واحدة. وعلى الرغم من إخفاقنا في تقديمها للعديد من أفقر الناس في العالم إلا أنها أنقذت أرواح 14 مليون شخص على الأقل. وحقق اقتصاد العالم بعد استئناف نشاطه ما قيمته تريليونات الدولارات من الإنتاج الإضافي. هذه القدرة على استخدام لقاح أثناء تفشي الجائحة فتحت صفحة جديدة في تاريخ الطب.

في قمة استضافتها الحكومة البريطانية بالاشتراك مع «تحالف ابتكارات التأهب للجائحات» في مارس 2022 تم الإعلان عن هدف جديد يتمثل في تجهيز لقاحات آمنة وفعالة للجائحة التالية خلال 100 يوم من تفشيها.

ذلك سيحتاج إلى بذل بعض الجهد. فلقاح كوفيد أمكن تطويره بسرعة بسبب سنوات من الأبحاث التي أجريت على فيروسي ميرس وسارس. وللتأهب للجائحة التالية علينا جمع مخزونات من السلالات التي قد تكون خطرة وتشديد المراقبة العالمية.

يمكن أن نحاول التنبؤ بمسبِّبات الأمراض (البكتيريا والفيروسات) التي يُرجَّح أن تشهد تحوُّرات تنتقل بها من الحيوان إلى الإنسان. وفوق كل شيء يمكن أن نبدأ الآن المراحل الأولى لتطوير لقاحات للأمراض التي نعرفها سلفًا.

بالطبع هذا يكلف مالًا. لكن الاختراقات العلمية تتحقق بتكلفة زهيدة مقارنة بالاستثمارات الأخرى. فالانتقال بلقاحٍ لمرض واحد على الأقل من حوالي 11 مرضًا جائحيًا ومُعْديًا إلى تجارب المرحلة الثانية قُدِّرَت تكلفته بأقل من 8.5 بليون دولار. وفي كتابها بعنوان «المرض المجهول» تقدر الكاتبة المتخصصة في شؤون العلوم كيت كيلاند أن 50 بليون دولار تكفي لسداد تكلفة مكتبة (تشكيلة) شاملة من اللقاحات.

من غير الواقعي أن نتوقع قدوم ذلك التمويل من القطاع الخاص. فالعمل المطلوب باهظ التكلفة وينطوي على مخاطر عالية وعائداته غير مؤكدة. قد ينجح العمل الخيري والشراكات بين القطاعين العام والخاص في ذلك. لكن في نهاية المطاف الحكومات هي التي عليها سداد الفاتورة.

لسوء الحظ، في السياسة العامة كثيرًا ما يُوكَل تمويل التأهب للجائحات إلى وكالات التنمية التي تفتقر ميزانياتها إلى المال أو يُدرج ضمن مخصصات الموازنات المحدودة للخدمات الصحية. مثل هذا الإنفاق يجب تضمينه في بنود السياسة الصناعية والأمن القومي.

التقنية الحيوية أحد المجالات الواعدة للنمو الاقتصادي في المستقبل. فهي تجمع بين البحث وصناعة التقنية الرفيعة والعمل الخدمي. وكما أعلن صندوق النقد الدولي «سياسة اللقاحات هي أيضا سياسة اقتصادية». إلى ذلك التأهب للجائحات جزء من الأمن القومي. إذ ليس هنالك تهديد أخطر منها للسكان. فنسبة من ماتوا في بريطانيا بسبب كوفيد بين عامي 2020 و2023 (حوالي 225 ألف قتيل من 67 مليون نسمة) أعلى بكثير من نسبة الذين قتلوا بواسطة القنابل الألمانية في الحرب العالمية الثانية (70 ألفا من حوالي 50 مليون نسمة.)

مخصصات موازنة الدفاع السنوية لبلد واحد فقط من البلدان الأوروبية الكبيرة تكفي لتمويل برنامج تأهُّب جائحي عالمي شامل. والأموال التي تنفق بسخاء على واحدة فقط من حاملات الطائرات التي تباهي بها بريطانيا كانت كافية لجعل العالم آمنًا من فيروسي إيبولا وماربورغ المُروِّعين.

فمعدل العائد الى التكلفة ليس فقط لا يُضارع لكن عدم القيام بهذا الإنفاق يعني السعي إلى التهلكة.

في أي عام من الأعوام، حسبما يُعتقد، هنالك احتمال بنسبة 2% لتفشي جائحة عالمية بحجم كوفيد 19 تتسبب في 20 مليون وفاة إضافية. وسنكون محظوظين إذا تجنبنا جائحة كبرى أخرى في العقود القادمة. ذلك كذلك خصوصًا مع الازدياد المطرد لمخاطر انتقال مسببات المرض من الحيوان الى الإنسان؛ نظرًا إلى تزايد أعداد السكان والتمدد الحَضَري. كما يفاقم التغير المناخي أثر ذلك.

هنالك الآن إجماع بوجوب استثمارنا تريليونات الدولارات للتلطيف من التغير المناخي والتكيف معه بإحداث تحول في بنْيَتِنا التحتية للطاقة وأسلوب حياتنا. لكن بالنسبة لمعظم البلدان من الصعب تصور سيناريوهات محتملة لأزمات مناخية تنجم عنها خسائر في الأرواح وتكلفة اقتصادية مماثلة لما شهدناه في جائحة كوفيد 19. لذلك اللقاحات، قياسًا بتكلفة إنقاذ الأرواح، أرخص وأكثر فورية في تحقيق نتائجها وأسرع نجاعة من سياسات مكافحة التغير المناخي.

هذا لا يعني المفاضلة بين الصحة العامة العالمية ومكافحة التغير المناخي. فنحن لا يمكننا اختيار التحديات التي تواجهنا. لكن ما يمكن لنا أن نفعله تقليلُ العبء والذي في عام 2020 هدد بالتغلب على قدرة مجتمعاتنا على اتخاذ القرار وتعطيل آليات عملنا السياسي. وكما لاحظت الكاتبة كيت كيلاند «العدوي حتمية لكن الجائحة خيار».

إذا فشلنا في استثمار المبالغ المتواضعة والضرورية لكي نتيح لأنفسنا فرصة التصدي للأمراض الكبرى المهددة للحياة فإن ما يلقي بنا في التهلكة ليس القدر ولكن المصلحة الذاتية الضيقة وقِصَر النظر الجماعي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التغیر المناخی

إقرأ أيضاً:

«أبوظبي للصادرات» يوسِّع شراكته مع «BGN» إلى 232.5 مليون دولار

 
أبوظبي (الاتحاد)
أعلن مكتب أبوظبي للصادرات (أدكس) عن زيادة تسهيلات تمويل التجارة مع مجموعة (BGN) من 100 مليون دولار إلى 232.5 مليون دولار، بالتعاون مع 9 مؤسسات مصرفية وبنوكٍ وطنية، وذلك في خطوة استراتيجية، تهدف إلى تعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة في الأسواق العالمية.
وتشكّل هذه الاتفاقية نقطة تحوّل رئيسية في دور مكتب أبوظبي للصادرات، الهادف إلى تعزيز قدرة دولة الإمارات على زيادة صادراتها، وفتح آفاق أوسع أمام الشركات الإماراتية للوصول إلى أسواق جديدة.
ويأتي هذا التوسع الاستراتيجي في وقت يشهد فيه القطاع التجاري العالمي نمواً ملحوظاً، مما يعزّز من قدرة الشركات الإماراتية على الاستفادة من الفرص المتاحة على الصعيد الدولي.
ووقّع الاتفاقية خليل فاضل المنصوري، مدير عام مكتب أبوظبي للصادرات، ورويا بايجان، الرئيس التنفيذي لشركة (BGN)، ومسؤولو بنوك الفجيرة الوطني، وأبوظبي الأول، وأبوظبي التجاري، ودبي التجاري، والمشرق، والعربي، ورأس الخيمة الوطني، والإمارات دبي الوطني، وعجمان.
وقال محمد سيف السويدي، مدير عام صندوق أبوظبي للتنمية، ورئيس اللجنة التنفيذية للصادرات في مكتب أبوظبي للصادرات، إن توسيع الشراكة مع مجموعة (BGN)، يمثل خطوة مهمة لدعم المصدرين الإماراتيين، ويفتح أمامهم فرصاً جديدة للنمو والتوسع.
وأكد أن هذه الاتفاقية تعكس التزام دولة الإمارات بترسيخ مكانتها التجارية عالمياً من خلال بناء شراكات استراتيجية تعزز الصادرات وتدعم التنوع الاقتصادي.
وأوضح أن التعاون مع البنوك الوطنية يُعد ركيزةً أساسية في تحقيق هذا الهدف، حيث يسهم في تعزيز القدرة التنافسية للشركات الإماراتية، ويدعم وصولها إلى الأسواق العالمية، مما يحقق النمو المستدام للاقتصاد الوطني.
من جانبها، أكدت رويا بايجان، الرئيس التنفيذي لمجموعة (BGN)، أن زيادة التمويل يدعم استدامة نمو أعمال المجموعة، ويعزّز بناء شراكات جديدة مع مؤسسات إماراتية رائدة في مجال التمويل والتجارة، مشيرة إلى أن هذه الاتفاقية تسهم في نشاط الشركة، ويعزّز دورها في أسواق الطاقة والسلع، وتوفر لها فرصاً كبيرة لتوسيع حضورها عالمياً.
كما أعرب كبار المسؤولين التنفيذيين من البنوك والمؤسسات المصرفية الوطنية المشاركة، عن تقديرهم للتعاون المثمر مع مكتب أبوظبي للصادرات ومجموعة (BGN)، وأكدوا على أهمية هذه الشراكة في تعزيز قدرة دولة الإمارات العربية المتحدة على المنافسة في الأسواق الدولية ودعم النمو الاقتصادي المستدام.
وأشاروا إلى أن هذه الاتفاقية تشكّل خطوة استراتيجية هامة نحو تسريع نمو القطاع التجاري في الدولة، كما تأتي في وقت يشهد فيه قطاع التجارة العالمي نمواً ملحوظاً، مما يعزّز فرص الشركات الإماراتية للوصول إلى أسواق واعدة وفتح آفاق أكبر للتوسع الدولي.
ويسهم مكتب أبوظبي للصادرات (أدكس) التابع لصندوق أبوظبي للتنمية، في دعم الشركات الإماراتية وتمكينها من التوسع في الأسواق العالمية من خلال تقديم أدوات تمويل مرنة وآمنة، مثل خطوط الائتمان وضمانات الائتمان التجاري، كما يسهم المكتب في دعم القدرة التنافسية للصادرات الوطنية، ويعزّز التنوع الاقتصادي لدولة الإمارات.

أخبار ذات صلة تعاون بين «أبوظبي للصادرات» و«ستراتا» لتعزيز تنافسية القطاع الصناعي عالمياً

مقالات مشابهة

  • الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته
  • الحكومة تعلن نتائج استثمارات غير مباشرة بـ3,015 مليار دولار..اليوم
  •  أحمد الوصيف: الاستثمار السياحي يحتاج لأكثر من 25 سنة لإعادة دورة رأس المال
  • ساويرس: الاستثمار الفندقي يحتاج لسنوات لجني الأرباح
  • الرئيس الأمريكي يؤكد أهمية الاستثمارات التي تولد عوائد مالية
  • الرئيس الأمريكي يؤكد أهمية الاستثمارات التي تولد عوائد مالية خلال كلمته في النسخة الثالثة لقمة الأولوية بميامي
  • متلازمة جديدة مثيرة للقلق ترتبط بلقاحات فيروس كورونا
  • أكثر من 290 مليون دولار مبيعات المركزي العراقي بمزاد العملة
  • «أبوظبي للصادرات» يوسِّع شراكته مع «BGN» إلى 232.5 مليون دولار
  • لماذا تحظى إيطاليا بشعبية متزايدة بين المستثمرين العرب؟