السلطة وحرية التعبير منذ سقراط وحتى وسائل التواصل الاجتماعي
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
تأتي كلمة الحرية والحريات من الأشياء المسلّم بها للمخلوقات فما بالك بأهميتها للإنسان. لقد فطر الله الإنسان بسعيه الدؤوب من خلال البحث عن الاستقلال والحرية المطلقة التي لا ينازعه فيها كائن من كان، إلا أن هذا السعي اصطدم في مراحله الأولى من التكوين الإداري أو السلطوي إن صحّ التعبير في البدايات الأولى للتحضُّر البشري فقد نصّت قوانين الحيثيين، الذين عاشوا في تركيا بين عامي 1650 و1500 قبل الميلاد تقريبًا، على أنه «إذا رفض أي شخص حكم الملك، سيصبح منزله كومة من الخراب» وفي الكتاب المقدس «يرجم من يلعن الله والملك» كما جاءت تعليمات بـ «تاح حتب»، وهي مجموعة مصرية من المبادئ التي تعود إلى عام 2350 قبل الميلاد تقريبًا، تنص على «عدم التحدث إلى رجل أعظم منك، تحدث حين يطلب منك فقط وستكون قيمتك مرضية»، كذلك شدد الفيلسوف الصيني كونفوشيوس على أهمية طاعة الرؤساء، إلا أن الأباطرة الذين جاؤوا بعده حظروا الأدب والسجلات الكونفوشيوسية، وفي عام 213 قبل الميلاد تم دفن 460 باحثًا بسبب انتهاكهم للحظر وحرق المؤلفات ليسجل التاريخ أول حرق جماعي منظم للكتب في التاريخ المسجل وبدايات تغول السلطة ضد الحريات وظهور الطغاة الذين يقدسون الدم.
ولم يكن قانون حمورابي بعيدا عن تكريس السلطة والنفوذ سواء للملك أو للسادة «فقد سمح قانون حمورابي البابلي بين عامي 1792 و1750 قبل الميلاد لأصحاب العبيد بقطع آذان عبيدهم إذا نطقوا بعبارة «أنت لست سيدي» وفي المقابل أصدر كورش العظيم، بعد تأسيسه الإمبراطورية الأخمينية الفارسية في القرن السادس قبل الميلاد، أسطوانة طينية يعلن فيها حرية العبادة لمختلف رعايا الإمبراطورية الشاسعة، والذي يعتبر إعلان قديم لحقوق الإنسان».
ثم تطل علينا «أثينا» كعروس البحر التي تمشّط شعرها بالفلسفة وتخضب أياديها الحكمة والديمقراطية، والتي يصفها بريكليس قائلا: «نحن الأثينيين نأخذ قراراتنا السياسية أو نخضعها للمناقشات المناسبة؛ لأن ما من شيء أسوأ من التسرع في العمل قبل مناقشة العواقب بشكل مناسب» على الرغم من ذلك كانت لحرية التعبير حدود لا يسمح بتخطيها، فمن يقترح قانونا أو تشريعا ينتقد القوانين المعمول بها يعاقب، ولعل أبرز مثال على ذلك تخلي أثينا عن النقاش والتسامح في قضية سقراط فقد صوت الأغلبية على إعدام سقراط بتهمة إفساد أخلاق الشباب، وقد دافع أفلاطون عن معلمة ونقل محاوراته وبالتالي حافظ على إرث حضاري مشفوعا بعبارته الشهيرة «تكلم حتى أراك»، ورغم ذلك لم تكن أثينا بعيدة عن تغول السلطة، فقد كانت مشاعر أرسطو حول الديمقراطية مختلطة إلا أن السماح لهما بالتدريس وإنشاء الأكاديميات يعتبر من صنوف الحريات التي ناضلوا من أجلها في ظل نظام رقابة سياسية ودينية صارمة.
أما في روما فقد اتسمت المناقشات السياسية في مجلس الشيوخ بالحرية، وهاجم أعضاء المجلس بعضهم البعض بشراسة أحيانا، وكان من أهم المدافعين عن هذه المجالس التي تضم النخبة، الفيلسوف «شيشرون» الذي طالب بمنح حرية التعبير أولا لأفضل الرجال وليس للعوام «الجاهزين لإفلاس الدولة أو الحرفيين أو أصحاب المتاجر وهؤلاء الحثالة» رغم النموذج النخبوي الذي ساد روما إلا أن المواطن الروماني عاش تحت سقف من الحريات التي منحتها القوانين لكافة المواطنين سواء الحقوق المدنية والحريات السياسية والدينية.
«أنا الذي تربيت على الحرية، ونشأت مع حرية التعبير، لا أستطيع أن أتغير في شيخوختي وأتعلم العبودية بدلا من ذلك» كاتو الأصغر قبل أن يطعن نفسه وينتزع أمعاءه؛ لأنه رفض قبول العفو مقابل ترك معارضته ليوليوس قيصر. ليطوف شبح الموت بعد ذلك على الفيلسوف شيشرون الذي طاردته فرقة الموت التي بعثها أوكتافيوس ومارك أنتوني وشريكهما أميليوس الذين أرادوا تطهير روما من المعارضة ليضع مارك أنتوني رأس ويدين شيشرون أمام الجميع منتشيا بتخليص روما من شخص تحدث وكتب ضده، ثم يأتي أغسطس الذي نصب نفسه رئيس كهنة روما، فقام في عام 12 قبل الميلاد بحرق أكثر من ألفي مخطوطة دينية ومنشور وكتاب، ثم جاء بعده تيبيريوس الذي تجاوزت ضحاياه ما فعله أغسطس حيث جمع المنجمون والعرافون حيث تفنن في وسائل قتلهم.
يشهد عصر الاضطهاد الذي مارسه تيبيريوس حالة نادرة عمليا، فكما لم يترك سقراط أي مخطوط بيده لم يترك المخلص «سيدنا عيسى» كذلك أي عمل بخط يده، ففي هذا العصر حدث صدام ديني نتج عن هذا الصدام صدور حكم على يسوع الناصري من قبل الحاكم الروماني لمقاطعة يهودا «بيلاطس البنطي» بالإعدام بين عامي 30 و33 بعد الميلاد، إلا أن تعاليمه أصبحت فيما بعد الدين الرسمي لروما وغيرها.
جاء الدين الإسلامي مكملا للأديان ومتتما للرسالات السماوية التي ترفع من قدر الإنسان، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يمارس الديمقراطية برغم المجتمع الذي نشأ فيه الدين الإسلامي فقد جاء برسالة عظيمة لا زالت البشرية تنعم بنقاء معينها برغم ما شابها من تشويه نتج عن فكر أحادي رفض المخالف له رغم وضوح المبادئ التي جاءت في الدستور الإلهي كقوله تعالى: «لا إكراه في الدين» وقول رسولنا الكريم لرجل رأى فيه مهابة الملوك، فقال له: «هوّن عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد»، وكذلك جاء الخلفاء من بعده، وما يدلل على المساواة والعدل مقولة سيدنا عمر: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا».
أما في عصرنا الحديث فلقد حدثت ثورات في وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الثورات قادة النظم في العالم لاستحداث تقنيات رادعة وضبط سيبراني لمحاولة القبض على الحريات التي وجدت لها فضاءات مفتوحة للجميع، كما شددت القوانين العقوبات للذين ينتقدون النظم محاولة في السيطرة على هذا العالم المفتوح.
محمد الصالحي شاعر وكاتب عماني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قبل المیلاد إلا أن
إقرأ أيضاً:
ساعتان يوميا على تيك توك كفيلة بخلق مشاكل نفسية خطيرة
قالت صحيفة "كوريري ديلا سيرا" إن إدمان "تيك توك" على المراهقين ينتج عنه من مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والقلق وزيادة السلوكيات الخطيرة.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن دراسة حديثة خلصت إلى أن مراهقا من بين كل خمسة مراهقين يقضي أكثر من ساعتين يوميا على "تيك توك" أو يوتيوب، مما قد يؤدي إلى آثار سلبية منها القلق والاكتئاب، وصولا إلى السلوك العدواني السادي والميل إلى اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر دون تقييم العواقب.
وأكدت الصحيفة أن تيك توك أصبح يشكل حالة من الهوس بين المراهقين، حيث تحول تصفح مقاطع الفيديو على هذه المنصة الشهيرة إلى إحدى وسائل الترفيه الأكثر انتشارا حول العالم.
مؤشرات خطيرة
وكشفت الدراسة التي أجرتها جامعتا "أوبيرتا دي كاتالونيا" و"بومبيو فابرا" في إسبانيا، ونُشرت في مجلة "نيتشر"، أن مراهقا واحدا من كل خمسة مراهقين يقضي أكثر من ساعتين يوميا على تيك توك، متجاوزا الحدود الموصى بها لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضحت الدراسة أن تيك توك يختلف عن وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى مثل إنستغرام وإكس وفيسبوك، لأنه يشجع على استهلاك سلبي بدرجة أكبر لمقاطع الفيديو مع تفاعل أقل بين مستخدميه، مما يجعله عقبة أمام التواصل الاجتماعي.
وقام الخبراء بعد مقابلات مع 1000 مراهق من أنحاء إسبانيا تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاما، بتحليل إدراكهم الذاتي للرفاهية الرقمية، أي التوازن المثالي بين الوقت الذي يقضونه على الإنترنت وصحتهم العقلية والعاطفية.
وقد وجدوا أن أكثر من نصف المشاركين في الدراسة (أكثر من 53 بالمئة) يقضون أكثر من ساعة يوميا على تيك توك، وأكثر من 35 بالمئةيتجاوزون الساعة والنصف، ويتخطى أكثر من 20 بالمئة الساعتين. وقد بينت الدراسة أن الفتيات يستخدمن تيك توك أكثر من الذكور، حيث تصل نسبة الفتيات اللواتي يقمن بتصفح مقاطع الفيديو إلى 25 بالمئة، مقابل 15 بالمئة بالنسبة للذكور.
وأكدت الدراسة أن إدراك المراهقين للرفاه الرقمي يتناقض بشكل واضح مع الوقت الذي يقضونه على تيك توك. فعلى مقياس من 1 إلى 5، قيّموا قدرتهم على وضع حدود للوقت الذي يقضونه على التطبيق بمتوسط 3.22، بينما بلغت قدرتهم على التعامل العاطفي مع المحتوى الذي يشاهدونه 3.31، أما قدرتهم على تكوين روابط اجتماعية وبناء علاقات فقد بلغت إلى 3.64.
ولكن، كلما زاد الوقت الذي يقضونه على تيك توك، كلما قلت قدرتهم على التحكم في استخدامهم للتطبيق. فالأشخاص الذين يشاهدون مقاطع الفيديو لأكثر من ساعتين يوميا يقيمون قدرتهم على وضع حدود عند 2.93 من 5، في حين أن من يقضون أقل من ساعة يوميا على التطبيق يقيمون قدرتهم على ضبط الوقت عند 3.33.
ولفتت الدراسة إلى أن المعطيات تتناسب عكسيا، حيث تتحسن الدرجة كلما تقلص استخدام التطبيق: إذ تصل إلى 3.47 لمن يستخدم التطبيق لأقل من نصف ساعة، وترتفع إلى 3.53 لمن يشاهد أقل من 10 دقائق يوميا.
وقالت الصحيفة إن هذه البيانات قد تصبح مؤشرا مهما عند ربطها بالأبحاث السابقة التي أكدت أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من ساعتين يوميا يرتبط بانخفاض التقدير الذاتي للجسد، وزيادة خطر الشعور بضيق التنفس والأفكار الانتحارية.
الملل والاضطرابات النفسية
وفقا لدراسة أجرتها جامعة تورنتو ونُشرت في "مجلة علم النفس العام"، فإن الاستخدام القهري لتطبيقات تيك توك ويوتيوب، أي التنقل بشكل متواصل بين مقاطع الفيديو، يرتبط بزيادة الشعور بالملل.
وعلى الرغم من أن أحد الأسباب الرئيسية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو الهواتف الذكية هو "تمضية الوقت"، إلا أن التكنولوجيا قد تؤدي إلى تفاقم هذا الشعور، وفقا للدراسة.
كما أن تصفح الشاشة باستمرار قد يكون له آثار سلبية على الصحة النفسية، إذ يرتبط الملل المزمن بأعراض الاكتئاب والقلق، والسلوك العدواني السادي، واتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر دون تقييم كافٍ للعواقب.
ويعتقد الخبراء أن الاعتماد على الرقابة الأبوية ليس كافيا، وأن هناك حاجة إلى برامج تعليمية تعزز العادات الرقمية الصحية بين الشباب.
وتحذر الدراسة الإسبانية من أن الإجراءات الأكثر صرامة، مثل حظر تيك توك، ليست الحل الصحيح، بل يجب تعليم الشباب كيفية استخدام التطبيق بشكل معتدل، مع إجراء مراجعات منتظمة لخوارزميات وسائل التواصل لمنع آثارها السلبية.