في ختام رسالته التي وجّهها في يوم المسرح العالمي الذي يوافق 27 مارس من كلّ عام، يصل الكاتب المسرحي النرويجي يون فوسيه إلى خلاصة من ثلاث كلمات هي (الفن هو السلام)، جعلها عنوانًا لرسالته، التي ترجمها المخرج التونسي أنوار الشعافي، فالفنّ ضدّ الكراهيات والصراعات، والنزاعات، والحروب؛ لأنه يقف في صفّ الحياة، لتبدو أجمل، والحرب، كما يقول فوسيه الحائز على جائزة نوبل للآداب 2023م: «صراع ضدّ ما يكمن في أعماقنا، ضدّ ما هو متفرّد وهو أيضا صراع ضدّ الفنّ، ضدّ جوهر كلّ فنّ»، هذا الانتصار لروح السلام، أعادني إلى أول رسالة كُتبت بمناسبة يوم المسرح العالمي الذي أقرّه المعهد الدولي للمسرح، بالتعاون مع منظّمة اليونسكو الدوليّة عام 1961م وجرى الاحتفال به لأوّل مرّة في 27 مارس عام 1962، تلك الرسالة التي وجّهت بتلك المناسبة، كتبها الفرنسي جان كوكتو، وقد لفت نظري المقطع الذي يوضّح فيه أهمّيّة المسرح في حياة الشعوب، فهو يقول: «مثّل اليوم العالمي للمسرح فرصة لالتقاء الغرائب: المفرد والجمع، الموضوعي والذاتي، الوعي واللاوعي، وفرصة ليظهر المسرح للعالم عجائبه كل الخلافات التي يعيشها العالم نتيجة لانفصال العقول بفعل الحواجز اللغوية، ستصبح الأمم والشعوب، بفضل أيام المسرح العالمي، على دراية بكنوز بعضها البعض، وستعمل معًا لتحقيق السلام العالمي»، مستشهدًا بمقولة نيتشه: «إن الأفكار التي تغيّر وجه العالم تأتي إلينا على أرجل الحمام»، وكما تلاحظون، ففي الرسالتين، الأولى التي كُتبت عام 1962م والأخيرة التي كُتبت هذا العام، ثمّة قاسم مشترك أعظم، رغم الفاصل الزمني بينهما الذي يبلغ أكثر من ستة عقود، هو الدعوة للسلام العالمي، والتآخي، وإذابة الخلافات، فالسلام يبقى هدفا للمشتغلين في الفنون جميعا، وفنّ المسرح تحديدا، فللمسرح دور كبير في إحداث التغييرات الاجتماعية، والسياسيّة، كونه على تماس مباشر مع الجمهور، وقد عرفت الحكومات والمؤسسات ذلك، فقامت بدعمه، فهو السبيل الوحيد لترسيخ قيم المحبّة والسلام، والقضاء على العنف، والدمار الذي عانى منه العالم بعد حربين عالميتين طاحنتين، فعقب الحرب العالمية الثانية أنشئ المعهد الدولي للمسرح، الذي يعدُّ أكبر منظمة للفنون المسرحية في العالم، وذلك عام 1948م.
وما أحوج عالمنا اليوم للسلام! فرغم كلّ تطوّر حضاري حصل، وتقدّم تكنولوجي جعل العالم قرية كونيّة صغيرة، بقيت الحروب مستمرة، وكيف لا تستمرُّ ومشعلو الحرائق يغذّونها بالكراهيات خدمة لمصالحهم !؟، وكيف لا تكثر الفتن وحسابات تجار الحروب في البنوك ترتفع يومًا بعد آخر إثر كلّ حرب؟ ولا يدفع فواتير الحروب التي تهدّد أمن المجتمعات غير الشعوب المقهورة من أعمارها، وقوت يومها، على حساب أمنها واستقرارها، ولكن إلى حدّ يمكن للمسرح أن ينجح في أداء رسالته السامية المتمثّلة في الإقلال من الضغائن، والدعوة إلى إحلال السلام؟
بلا شكّ، أن المسرح كونه يقف على مسافة قريبة من الجمهور الواسع، قادر على ذلك؛ نظرا لقاعدته الشعبية الواسعة، وقدرته العالية على التأثير، وانحيازه للضعفاء، والمعدمين، وقضايا الإنسان، تقول الفنانة المغربية الراحلة ثريا جبران في رسالتها التي وجّهتها بمناسبة اليوم العربي للمسرح سنة 2013م: «يَعتني المسرح بمَعطُوبي الحروب، والمهزومين والمظلومين والمَكْلُومين. ويُعطِي الصوتَ لِمَنْ لا صَوْتَ له، وينْتَصرُ للجنون الذي يَقُولُ الحِكْمةَ وينْطِقُ بالمَوْعظةِ الحَسنَة»، ومن هنا برزت أهميّة المسرح، وكثرت المهرجانات، والفرق، والملتقيات المسرحية، وفي سلطنة عُمان دعت وزارة الثقافة والرياضة والشباب، مؤخّرًا، الفرق المسرحية العمانية التي يبلغ عددها (54) فرقة للمشاركة في مهرجان المسرح العماني بنسخته الثامنة الذي سيقام في 22 من سبتمبر القادم، في مدينة العرفان، ومنذ يوم نشر الإعلان، والفرق المسرحية تكثّف الجهود من أجل المشاركة في هذه التظاهرة المسرحيّة التي تعدُّ الأكبر من نوعها في سلطنة عُمان، والجمعية العمانيّة للمسرح مستمرّة في برامجها، وقد أعلنت عن مسابقة في التأليف المسرحي، والعيون تتجه إلى مجمّع عُمان الثقافي الذي يضمّ مسرحا وطنيا، وهذا يوفّر قاعة كبيرة مجهّزة للعروض المسرحيّة، وقاعات للتدريبات، وكلّ هذا الدعم يأتي، لإدراك سلطنة عمان الدور الكبير للمسرح في الحياة، وأهميّته في نشر ثقافة المحبّة ورسائل السلام التي تحملها أرجل الحمام.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
المطران حداد: ما شاهدَته عيوننا في العمق الجنوبي كان شديد العنف وهدّد السلام
ترأس رئيس أساقفة الروم الكاثوليك للروم في ابرشية صيدا المطران ايلي بشارة الحداد قداسا من اجل السلام في بازيليك سيدة المنطرة في مغدوشة، عاونه فيه نائب الاسقف نعمان قزخيّا ، الاب شارل صوايا، الارشمندريت سمير نهرا والاب جهاد فرنسيس، بمشاركة النائب ميشال موسى، سفير الباراغواي فارس عيد، رئيسة المؤسسة المارونية للانتشار روز الشويري والمدير العام هيام البستاني وفاعليات.
وقال المطران الحداد في عظته:" أنتم في مزارٍ عالمي زاره يسوع ومريم أمه. مزارٌ ينضم إلى الأراضي المقدسة من حيث ورود ساحل صور وصيدا في الكتاب المقدس. لهذا الموقع أهمية كبرى في أصالة التاريخ، حجمه حجم القدس وبيت لحم والناصرة، فلا تترددوا بالحج إليه وسيكون يسوع وأمه بانتظاركم".
تابع:"ندخل في نهج جديد بتأسيس القداس الإلهي كلّ أول سبت من الشهر في هذه البازليك في مزار سيدة المنطرة - مغدوشة. كانت الفكرة محلية أولا بدعوة من جماعة يسوع ومريم، ثم أتتنا دعوة من مزار فاطمة في البرتغال على لسان العذراء مريم بتخصيص كل أول سبت من الشهر لإحياء مئة عام على ذكرى الظهورات المريمية هناك، ففهمنا الرسالة بأنها مشيئة الأم العذراء أن يحيي هذا المزار ما عاشه مزار البرتغال. فقبلنا المشاركة في الرسالة بفرحٍ كبير، بخاصة وإن مزارنا قد رقّي منذ العام 2016 إلى عداد المزارات العالمية، ويتحسّس بالتالي نحو كل النداءات العالمية وبنوع خاص من أجل السلام."
وتابع:"بعد ظهورات فاطمة العام 1917 والعام 1925 تحديدا، ظهرت العذراء من جديد للوسيا في دير بونتيفردا في إسبانيا وطلبت الصلاة لخمسة أيام سبت متتالية للتكفير عن الخطايا ضد قلبها الطاهر. وقالت لها: "أنظري يا ابنتي قلبي المحاط بالأشواك التي من خلالها يجرحني الناس بعدم عرفان الجميل وبإهاناتهم المتتالية ضد بتوليتي وضدّ الأمومة الإلهية، وبسبب عدم تربية الأطفال على الإيمان وجعلهم غير مبالين مبغضين لمظاهر الدين ولمحبة مريم، سأكون على الرغم من ذلك مرافقة للجميع في حين وفاتهم لأسهم بخلاص نفوسهم. وأدعو ذوي الإرادات الطبية الذين يريدون تعزيتي أن يعترفوا لدى الكهنة بخطاياهم في أوّل سبتٍ من الشهر ولخمسة سبوت متتالية، ثم يتناولون القربان المقدس ويتلون المسبحةالوردية. بعدها يتأملون معي لربع ساعة الأسرار الخمسة عشرة من الوردية. وبذلك يعيدون السلام إلى قلبي".
واضاف :"وفي العام 1939 طلبت لوسيا الصلاة للسلام في العالم. وبمبادرة من L’alliance Salve cordaعام 2016 دعت المؤمنين إلى تكريس كل أول يوم سبت من الشهر خاصة هذه السنة اليوبيلية لقداس من أجل السلام وتحقيق رغبات مريم. وقد عملنا مع إدارة المزار في سيدة المنطرة بخطوةٍ سابقة مع جمعية على خطى المسيح في الجنوب، وجماعة يسوع ومريم في مغدوشة وكهنة وقف المزار لإحياء هذا القداس الشهري في الثامن من كل شهر تذكارا لعيد مولد العذراء، بمعزلٍ عن نية المؤسسة كوردا. لكن وبتدخل العناية الإلهية والتواصل العفوي مع أصدقاءٍ هنا وهناك، فهمنا الرسالة التي أتتنا لاحقا بأننا مدعوون للمشاركة في نداء العذراء ليس فقط على الصعيد المحلي بل والعالمي أيضاً، وقررنا الاحتفال بالقداس على نية السلام يوم السبت الأول من كل شهر".
واعلن انه "سيكون مزار الأيقونة العجائبية في باريس محتفلا بالمناسبة عينها ويجري التواصل مع مزاراتٍ عديدة للغرض ذاته. وإلى جانب القداس تطلب مريم الاعتراف وصلاة المسبحة والمناولة وتأمل شخصي بالأسرار الإلهية".
واشار الى ان "موضوع الرسالة في قلب مريم كان السلام، نصلي من أجل سلام العالم وكل منطقةٍ معرّضة للحرب والعنف وكلّ أشكال التهميش والتهجير والقتل والدمار. فالغريب في الأمر، أنه وبعد تقدّمٍ كبير على صعيد حقوق الإنسان والحفاظ على كرامته وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وكلّ أشكال العدالة البشرية من خلال أنظمةٍ عالمية مدروسة، اندثر كلّ شيءٍ بدقائق معدودة. وعاد الإنسان إلى الخوف القابع في قلبه وإلى إظهار الحقائق المدفونة في أعماقه وكأنه كان يجيد التمثيل والتمويه عن الواقع المتجذر في المجتمعات. هذا ما نسميه بالحرب الباردة وقد تأخذ أسماء أخرى مشابهة. فالحروب كثيرة هذه الايام وفي بقع الأرض كلها".
وقال:"تعطينا مريم وعداً بإنهاء الحروب في العالم وبتوبة الخطأة، وأنها في حين وفاتنا تكون معنا. وبحسب البابا بندكتوس السادس عشر بأن أسرار ظهورات فاطمة لم تكشف بعد بكليتها. ونحن خارجون من الحرب والتي جرحت سلامنا بالعمق، نتطلع إلى سيدة السلام مريم العذراء كي تحمي لبنان، لا بل تحمي العالم بأسره من طوفان شهوة التسلّط وإلغاء الآخر وخطايا الملاحم والمجازر بحق الإنسانية. فما شاهدته عيوننا في هذه المنطقة وفي العمق الجنوبي كان شديد العنف وهدّد السلام ليس فقط في لبنان بل في العالم. لقد سقط الكثير من الشهداء هنا وفي غزّة، نصلي من أجلهم اليوم بنوعٍ خاص".
ودعا الجميع الى ان "تكون هذه المحطة قوتا روحيا مفعما بالنعم الخلاصية، وان يصلوا من أجل السلام في لبنان والمنطقة العربية فلسطين وسوريا وكل بلدان الشرق الأوسط والعالم".
وقال:"من مزار سيدة المنطرة في مغدوشة سلام إلى العالم كله. ومن المزارات العالمية للبنان ولمزار سيدة المنطرة سلام. بعد اليوم سيأخذ مزارنا حلّة أكثر انفتاحا وشمولية، وهذا ما سينعكس في استقبال الحجاج من الطقوس المختلفة ليحتفلوا بطقوسهم لا بطقسنا فحسب. ويعيشوا لحظات الحجّ بحسب صلواتهم لا صلواتنا فقط. سوف يأتمنوننا على نواياهم لنصلي معهم ومن أجلهم.كما سوف تكون نوايا حجاجنا اللبنانيين محطة صلاة في فاطما – البرتغال – ومزار الأيقونة العجائبية – باريس - على أمل أن تتعدّد المزارات المحتفلة من أجل السلام العالمي فتكبر حلقة المصلّين.فأهلاً وسهلاً بكم جميعاً".
أضاف:"في سنة الرجاء هذه، لتكن مسيرتنا بالاشتراك مع نوايا البابا فرنسيس لنكون بحجٍّ مبارك مع الكنيسة الجامعة. وأدعو أبناءنا في الأبرشية وأدعوكم جميعاً إلى اعتبار هذا المزار وزيارته حجا مقدّسا، وفعل إيمان بالكنيسة الجامعة وبعملها الخلاصي في العالم. شكري الكبير لكل من عمل على إنجاح هذه المناسبة المقدسة. الفريق الإداري في المزار وجمعية كوردا Alliance Cordaوكهنة ووقف مغدوشة والمزار والحركات الرسولية يسوع ومريم والجيك والميداد والكشافة والطلائع والفرسان وكل المتبرعين بوقتهم وإمكاناتهم لنجاح هذا المشروع".
وختم معلنا ان "مزار سيدة المنطرة التابع لأبرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك يلتزم القداس الشهري في أول سبتٍ من كل شهر على نية السلام، وذلك بطلب من العذراء مريم في ظهوراتها للأخت لوسي الرائية في فاطيما، والتي طلبت خلالها، الصلاة من أجل السلام في العالم".