تواجه مصر، مثل العديد من الاقتصادات الناشئة، مجموعة معقدة من التحديات الاقتصادية. واستجابة لهذه التحديات، نفذت الحكومة المصرية تدابير متنوعة مثل تحرير سعر صرف الجنيه ورفع أسعار الفائدة منذ مارس 2022. وقد أثارت هذه القرارات نقاشات بين الاقتصاديين وصناع السياسات بشأن مدى فعاليتها وعواقبها المحتملة.
بشكل عام، كان قرار تحرير العملة مسألة استراتيجية من وجهة نظر الحكومة لتعزيز القدرة التنافسية للصادرات ومعالجة الاختلالات التجارية.

فالعملة الأضعف تجعل الصادرات فى متناول المشترين الأجانب، وتسهم فى تعزيز عائدات التصدير وتضييق العجز التجارى، كما أنه يمكن أن يحفز الصناعات المحلية من خلال جعل الواردات أكثر تكلفة نسبيًا، وبالتالى تشجيع المستهلكين على شراء السلع المنتجة محليًا.
إلا أنه ومع ذلك، فإن انخفاض قيمة العملة له أيضًا جوانبه السلبية، فقد أدى تراجع قيمة العملة إلى ارتفاع نسب التضخم وتكلفة السلع المستوردة، وأثر على القوة الشرائية للمستهلكين وتفاقم مسألة عدم المساواة فى الدخل. وبحسب الآراء الاقتصادية، فإن الانخفاض الحاد فى قيمة العملة من شأنه أن يؤدى إلى تراجع ثقة المستثمرين، وتردد رؤوس الأموال ويؤدى بالتبعية إلى المزيد من انخفاض قيمة العملة. بالفعل، فى حين أن انخفاض قيمة العملة يمكن أن يوفر فوائد قصيرة الأجل، إلا أن العملية يجب أن تدار بعناية ودقة شديدة من صناع السياسات لتجنب العواقب السلبية الطويلة الأجل.
نأتى إلى موضوع رفع أسعار الفائدة، والتى تُعد أداة السياسة النقدية التقليدية، لمكافحة التضخم وتحقيق استقرار العملة. وطمحت الحكومة من هذه الخطوة تمكين البنوك المركزية أن تعمل على تقييد الطلب المحلى، وبالتالى الحد من الضغوط التضخمية، وعلى أمل أن تجتذب أسعار الفائدة المرتفعة تدفقات رأس المال الخارجية، ودعم العملة الوطنية وتدعيم احتياطيات النقد الأجنبى. إلا أن الآراء الاقتصادية طرحت بعض الأثار العكسية التى قد ترافق هذ القرار وإمكانية أن يؤدى إلى إضعاف النمو الاقتصادى ورفع معدلات البطالة، وزيادة تكلفة الاقتراض للشركات المستثمرة والمستهلكين. إلى جانب أن أسعار الفائدة المرتفعة يمكن أن تثقل كاهل الموارد المالية للحكومة وترفع تكاليف خدمة الدين، وتؤدى إلى مزاحمة الإنفاق على الخدمات العامة الأساسية والبنية التحتية.
لتجنب الآثار السلبية، من الضرورى أن يتبنى صناع السياسات منهجية متوازنة فى التعامل مع خفض قيمة العملة، والتركيز على تعزيز القدرات التنافسية للصادرات مع تخفيف التأثير السلبى على المستهلكين المحليين. ويجب أن يشمل ذلك ليس مجرد تنفيذ برامج الإعانات والدعم بل تعزيز شبكات الأمان الاجتماعى لتخفيف آثار ارتفاع أسعار الواردات على الفئات السكانية الضعيفة، خاصة المرتبطة بتوسيع نطاق الوصول إلى برامج الرعاية الصحية والتعليم والمساعدة الاجتماعية لضمان النمو الشامل.
كما أن التواصل الفعال من جانب صانعى السياسات يُعدّ أمرًا ضروريًا لإدارة توقعات السوق وبناء الثقة. وينبغى للبنوك المركزية أن توضح مُبرراتها وراء قرارات أسعار الفائدة بشكل علمى ومنطقى وتقديم إرشادات وتوجيهات مُسبقة لتوجيه استراتيجيات المشاركين فى السوق واتخاذ القرارات.
وينبغى التركيز أيضًا على معالجة نقاط الضعف الهيكلية الأساسية فى الاقتصاد المصرى لتحقيق الاستدامة على المدى الطويل. يتعين على صناع السياسات أن يعطوا الأولوية للإصلاحات الرامية إلى تحسين الإنتاجية، وتعزيز القدرات التنافسية، وجذب الاستثمار الأجنبى. ويجب أن تشمل المخصصات الاستثمارية تطوير قطاعات التعليم والبنية التحتية، وتبسيط الأنظمة الحكومية والتحول الرقمى، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال.
ويتوجب أيضًا التركيز على تنويع قاعدة الصادرات لتنويع وتوسيع القطاعات والأسواق الرئيسية. ومن شأن ذلك أن يعزز قدرة الدولة المصرية على الصمود فى مواجهة التوترات الجيوسياسية والعالمية ويعزز النمو الاقتصادى المستدام. ويتعين على صناع السياسات استكشاف الفرص المتاحة لتطوير صناعات جديدة وتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق الناشئة.
فعالية هذه التدابير تتوقف على تنفيذها الدقيق وتناغمها مع الإصلاحات الاقتصادية الأوسع.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصر الحكومة المصرية الاقتصاديين السياسات انخفاض قیمة العملة أسعار الفائدة

إقرأ أيضاً:

المركزي التركي يبقي على أسعار الفائدة

 قرر البنك المركزي التركي الإبقاء على معدلات الفائدة الرئيسية للشهر الثالث على التوالي، دون تغيير عند 50 بالمئة، في خطوة تتماشى مع التوقعات.

ما الذي يؤدي إلى انتعاش صافي احتياطيات البنك المركزي التركي

 

ورفع المركزي التركي أسعار الفائدة بقوة بمقدار 4150 نقطة أساس منذ يونيو 2023، لكنه أبقى عليها دون تغيير عند 50 بالمئة منذ إبريل الماضي، لإعطاء فرصة لنهج تشديد السياسة النقدية الذي تبناه في وقت سابق ليحدث تأثيراً، وهو النهج الذي شمل زيادة قدرها 500 نقطة أساس في مارس.وكان وزير المالية التركي، محمد شيمشك، قد قال خلال يونيو الجاري، إن التضخم يوشك على الانحسار بشكل كبير، متوقعا تباطؤ التضخم إلى نحو 15 بالمئة العام المقبل بما يساهم في جذب مزيد من الاستثمارات الدولية.

 

وقال شيمشك خلال حدث في لندن نظمه مركز تشاتام هاوس للأبحاث "يُحتمل أن يصل التضخم في تركيا إلى ما يقل قليلا عن 40 بالمئة أو يزيد قليلا على 30 بالمئة في وقت لاحق من هذا العام، وأن يصل العام المقبل إلى قرابة 15 بالمئة قبل أن يتراجع إلى أقل من 10 بالمئة".

 

وأضاف آنذاك: "بدأت السوق تعتقد أن البرنامج الذي وضعناه يمكن أن يمكّننا من السيطرة على التضخم وخفضه".

مقالات مشابهة

  • بنك إنجلترا: لن نخفض أسعار الفائدة
  • «الانهيار الديموغرافي شبح يهدد إيطاليا».. تقرير جديد لمؤسسة المستقلين الدولية
  • «الاحتياطي الفيدرالي» يبدد توقعات المحللين بخفض الفائدة في النصف الأول
  • النفط يتراجع وسط ضعف الطلب على الوقود في أمريكا
  • انخفاض عقود شراء الذهب الآجلة من قبل الأفراد والصناديق والمؤسسات المالية
  • عاجل| مؤشرات متفائله للاقتصاد المصري.. "هيرميس" تتوقع انخفاض التضخم أسعار الفائدة وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة
  • أسعار النفط ترتفع بنحو 6 بالمئة في شهر
  • فرض رقابة مركزي عدن على حركة التحويلات الداخلية.. جولة جديدة من المعركة الاقتصادية
  • المركزي التركي يبقي على أسعار الفائدة
  • إيهاب الفولي: لا يجب المزايدة على قيمة الأهلي والزمالك