بر وإحسان|حكايات أشهر موائد الرحمن في مصر
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
في شهر رمضان المبارك يتنافس المسلمون على فعل الخيرات والتقرب الي الله، كل على قدر استطاعتهم، بالتصدق علي المحتاجين واليتامي وإطعام الفقراء والمساكين، من خلال مائدة الرحمن، وهو الاسم الذي عرفت به مائدة الإفطار المجانية في أيام صيام شهر رمضان الكريم.
وتعد موائد الرحمن من أهم مظاهر الخير والتراحم فيما بين الناس، والذي يميز هذا الشهر عن أغلب شهور العام، وتختلف الأطباق والأكلات حسب المكان من حي راقي أو شعبي وحسب الإمكانيات المادية لصاحب المائدة.
وسبب إطلاق اسم مائدة الرحمن، يعود إلى قصة شهيرة متداولة عن رجل يدعي عبد الرحمن كان يحب عمل الخير ومساعدة الفقراء والغلابة، وقرر هذا الرجل إقامة مائدة خارج بيته لعابري الطريق والمحتاجين للإفطار عليها، ومنذ ذلك الوقت أطلق علي الموائد اسم مائدة الرحمن، كما أنشئ سبيل باسمه في شارع المعز ومسجد في ميدان الأوبرا.
أصل موائد الرحمن علي مر العصور والأزمنة
البداية في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، أقام مائدة لأهل الطائف عند زيارتهم له في شهر رمضان، فكان صلي الله عليه وسلم يرسل طعام الإفطار والسحور مع سيدنا بلال بن رباح، وتوالت هذه العادة المباركة في عهد الصحابة والخلفاء الراشدين، يذكر أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقام دارا للضيافة في عهده لإفطار الصائمين.
وفي عصر هارون الرشيد أقيمت موائد الرحمن في حديقة قصره في بغداد، وكان يحب تفقد الصائمين متنكرا بين الموائد للسؤال عن رأيهم في الطعام ومدي احتياجهم له وعن الطعام المفضل لهم.
أول مائدة رحمن في مصر
ولموائد الرحمن في مصر تاريخ عظيم ممتد علي مر العصور والأزمنة، ومنها اعتياد أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية، على العطف على المحتاجين والفقراء، وإقامة الولائم لهم على مدار العام، خاصة في شهر رمضان، حيث أمر في عام 880 بإقامة موائد الإفطار للصائمين في رمضان، ويقدم فيها أفخر الأكلات لسنوات، وكان بعد توليه البلاد أقام وليمة كبيرة للأمراء ومسئولي الدولة في بداية شهر الصيام، وفي السنة الرابعة طلب حضور الأعيان والتجار والأثرياء إلى وليمة كبيرة فاخرة تشمل كل ما لذ وطاب من الطعام والشراب فلما انتهوا منها ، خطب فيهم وقال : "جمعتكم لأعلمكم طريق البر بالناس وأخبرهم بأنه يعلم جيدا أنهم ليسوا في حاجة إلى هذا الطعام والشراب".
وأضاف: “ولكن آمركم من الآن أن تفتحوا بيوتكم ، وتمدوا موائدكم للسائل والمحروم ، ومن لا ينفذ هذا الأمر يتعرض لأشد العقاب"
في عهد الفاطميين
توقفت موائد الرحمن لفترة من الزمن، ثم بدأت مرة أخري في الظهور في عهد الخليفة المعز لدين الفاطمي، وكانت تسمي بموائد الرحمن "دار الفطرة"، وكان المعز لدين الله الفاطمي يخرج عدد كبير من انواع الطعام من قصره، لتوزيعها على الفقراء، ولكن اختفت الموائد للمرة الثانية بسبب الحروب في عصر المماليك والعثمانيين.
في عهد المماليك
في عهد المماليك أقيمت موائد الرحمن ، وعمل السلاطين علي تخصيص أموالهم للإنفاق على هذه الموائد، وكان من بينهم السلطان"حسن بن قلاوون"، الذي كان يقوم كل يوم في رمضان بذبح أكثر من 117 ذبيحة بالاضافة للمأكولات المتنوعة طوال شهر رمضان.
وكان الحكام والأمراء يداومون علي إقامة موائد الرحمن فى حديقة قصورهم، حتى وإن كانت تتغير مساحة المائدة وعدد الصائمين عليها .
أول مائدة إفطار قبطية
في العصر الحديث أقام أحد الأقباط أول مائدة إفطار قبطية في رمضان من أجل الإفطار في ميدان الأفضل بحي شبرا عام 1969م، والتي أقامها ونظمها القمص صليب متى ساويرس، راعي كنيسة مار جرجس، وكانت مائدة إفطار تضم المسلمين والمسيحيين في شهر رمضان، ومنذ ذلك الوقت بدأت موائد الرحمن في الظهور حتى انتشرت في كل الميادين والشوارع المصرية
ومن أشهر الموائد الرمضانية، مائدة جامع الأزهر الشريف تخدم عددا كبيرا من الصائمين، وتقدم أكثر من 5 آلاف وجبة ساخنة يوميا ويشرف عليها مسؤولين من الأزهر، كما تستقبل الطلاب المبعوثين من جميع البلاد.
ثم تأتي مائدة ميدان المطرية، والتي تقام خلف قسم المطرية بمنطقة شرق القاهرة، وهي الأشهر والأهم حتي الآن وتناقلتها وكالات الأنباء العالمية وحضرها سفير كوريا الجنوبية وهي تخدم أكثر من 7 آلاف صائم ويساهم فيها رجال الأعمال وعدد من الفنانين حيث لفتت انتباه أنظار العالم.
مائدة فيفي عبده
حرصت الفنانة فيفي عبده على إعداد مائدة الرحمن الخاصة بها، منذ سنوات عديدة بشارع جامعة الدول العربية، وتقول عنها: «ده أمر بين العبد وربه ومحبش حد يتدخل فيه يا رب كل السنة تبقي رمضان وكل سنة ومصر بخير».
مائدة شيرين عبد الوهاب
اهتمت الفنانة شيرين عبد الوهاب، بإعداد مائدة الرحمن الخاصة بها بحي البساتين، فيقوم والدها بالإشراف عليها بنفسه، كما حرصت على أن تقدم فيها أشهي أنواع المأكولات.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: هارون الرشيد شهر رمضان المبارك صيام شهر رمضان عمر بن الخطاب مائدة الإفطار في مصر موائد الرحمن فی مائدة الرحمن فی شهر رمضان فی عهد
إقرأ أيضاً:
من حكايات جميل مطر
يبدو الزمن غير الزمن، والناس غير الناس، لذا كانت الصحافة غير الصحافة.
يسرد لنا الكاتب الكبير جميل مطر فى كتابه الرائع «حكايتى مع الصحافة» الصادر مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية لقطات من أزمنة ولت كانت فيها الصحافة سلطة حقيقية، والكتابة مؤثرة وفاعلة فى المجتمع.
فى التسعين من عمره مازال جميل مطر يكتب ويقرأ ويحلل ويفكر ويؤكد لنا أنه لا تقاعد للكاتب المتميز، ذى الثقافة الواسعة، والاطلاع العميق. فهو دليل على تفرد جيل الكتاب الأوائل الذين تخرجوا من مدرسة الإتقان والإجادة، ومثلوا آخر موجات مثقفى مصر الليبرالية المنفتحة. ورغم مصاحبته الطويلة لمحمد حسنين هيكل، إلا أن إغراءات القرب من السلطة لم تجرفه، فظل مستقلاً تماماً، معتزاً بفكره.
ولهذا لم يكن غريباً وهو أحد الملتحقين المبكرين بالسلك الدبلوماسى بعد ثورة يوليو أن يتخلى عن لطف هذا العمل ورونقه الاجتماعى فى أول خلاف مع رئيسه، ليعمل فى الصحافة وتحديداً فى مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام.
تبدو حكايات الرجل معبرة وبليغة، إذ يحكى لنا مثلاً عن واقعة موحية عاشها فى نهاية الخمسينات عندما كان ملحقاً سياسياً فى سفارة مصر بالهند، وهى تدلل على «فهلوة» كثير ممن يحوزون مناصب مهمة. كان جميل مسئولاً عن إرسال الرسائل المشفرة، وفى يوم أملاه السفير المصرى نص تقرير ذكر فيه أنه قابل مسئولاً هندياً، وأبلغه معلومة مهمة وذكرها، فلفت جميل مطر نظر السفير إلى أن الرجل الذى يشير إلى أنه قابله، سافر خارج البلاد منذ يومين، وأن المعلومة الواردة منشورة فى الصحف. وهنا بهت السفير وشعر بالإحراج، وخرج جميل مطر متصوراً أن السفير لن يرسل التقرير، لكنه فعل ذلك ثم انقلبت الدنيا على الملحق الشاب، وعرف أن السفير بذل كل جهد لإبعاده من الخارجية كلها تحت زعم ضعف كفاءته، ولولا ثقة ومساندة دبلوماسيين آخرين لتم استبعاده تماماً.
على أى حال، استقال جميل مطر بعد ذلك بإرادته، وعمل فى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية فى عهد هيكل، ومعه التقى كبار الزعماء والملوك العرب، حيث كان المركز يمثل بوتقة أفكار وقراءات مستقبلية عظيمة ساهمت فى خدمة الدولة المصرية فى زمن الحرب والسلم.
ومما يحكيه أن الرئيس معمر القذافى كان يعتبر مركز الأهرام مزاره الأهم فى القاهرة، وكان يأتى كل زيارة للاجتماع برموز المركز والتشاور معهم. وفى يوم تحدث القذافى بسطحية عن تاريخ الخلافة الإسلامية العظيم، وهو ما استفز أحمد بهاء الدين، فتحداه بأسلوب مهذب أن يختار عهداً من عهود الخلافة الإسلامية ينطبق عليه وصف العهد الذهبى، ولم يجب القذافى، فاستعرض له بهاء الدين التاريخ وصولاً إلى العصر العثمانى بمخاصمته للعلوم والفنون. وكثيراً ما صرح لهم القذافى بأنه فقد الثقة فى شعب ليبيا ويود استبداله بشعب آخر!
فى جلسة مع الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة، لاحظ تأثره كلما تذكر حياته فى مصر قبل الحكم، لدرجة تغرغر عينيه بالدموع، ليتحدث عن كازينو كان يجلس عليه فى ميدان الأوبرا أمام تمثال إبراهيم باشا الذى فتنه جداً، وعندما تولى الحكم أقام تمثالاً مشابهاً لنفسه ممتطياً جواداً فى أهم ميادين تونس.
عند لقاء صدام حسين لاحظ جميل افتخار الرجل الدائم بقسوته الشديدة، وحكى كيف أخبرهم بأن بعض أحبائه دفعوا أعمارهم ثمناً لأخطاء بسيطة ارتكبوها، فحاكمتهم الثورة بتهمة الخيانة وأعدموا. وحكى كيف كان يتم عمل قرعة لاختيار منفذ الإعدام وأن حاشيته تقديراً له كانوا لا يضعون اسمه فى القرعة لكنه كان يصر على المساواة بالآخرين.
عاش جميل مطر دبلوماسياً ثم كاتباً سياسياً فى الأهرام، ووجهات نظر، والشروق، وعايش أجيالاً من الصحفيين وخلص بعد طول تجوال إلى أن الحقيقة الزائفة والدفاع عنها هى مهمة الصحافة فى النظم غير الديمقراطية.
والله أعلم
[email protected]