ضرب زلزال قوي تايوان خلال ساعة الذروة الصباحية اليوم، الأربعاء، ما أدى إلى انهيار المباني وإطلاق تحذيرات من حدوث تسونامي في اليابان والفلبين.

وقال مسئولون إن سبعة أشخاص على الأقل لقوا حتفهم، فيما ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن أكثر من 700 شخص في عداد المفقودين.

وقد وقع الزلزال بالقرب من مدينة هوالين الشرقية في الساعة 7:58 صباحا بالتوقيت المحلي (2358 بتوقيت جرينتش)، وبلغت قوته 7.

4 درجة، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ما يجعله أقوى زلزال يضرب منذ عام 1999، وكان عمق الزلزال حوالي 35 كيلومترا. 22 ميلاً، والتي تعتبر ضحلة.

وقالت وكالة مراقبة الزلازل في تايوان إن قوة الزلزال بلغت 7.2 درجة، وقد شعر الناس بهزات قوية في العاصمة تايبيه، على بعد حوالي 100 ميل، مع استمرار الهزات الارتدادية لمدة ساعتين تقريبًا، وكانت هناك تقارير في الصين تفيد بأن الناس في أماكن بعيدة مثل شنغهاي، على بعد حوالي 500 ميل إلى الشمال، يمكن أن يشعروا بالزلزال.

 

المباني منهارة 

وقد أظهرت الصور التي بثها التلفزيون أضرارا جسيمة، بما في ذلك المباني التي انهارت على الجانب بعد أن تم زعزعتها من أساساتها، وقد أوقفت السلطات العمل والمدارس في هوالين، وهي منطقة يسكنها حوالي 300 ألف نسمة، كما أغلق المسئولون ثماني محطات لتوليد الطاقة لأسباب تتعلق بالسلامة، وانقطعت الكهرباء عن 87 ألف ساكن في مدينة هوالين، مركز الزلزال، على الرغم من استمرار الكهرباء في بقية أنحاء الجزيرة.

وذكرت وكالة بلومبرج نيوز أن شركة TSMC، الشركة الرائدة عالميًا في تصنيع الرقائق الدقيقة، قامت بإخلاء خطوط الإنتاج بعد الزلزال، وتظهر لصورة مأخوذة من مقطع فيديو بثته قناة TVBS، مبنى منهار جزئيًا في هوالين، شرق تايوان اليوم.

واستمرت الهزات القوية بجزيرة تايوان بأكملها في وقت مبكر من اليوم، الأربعاء، ما أدى إلى انهيار المباني في مدينة جنوبية وحدوث تسونامي جرف الشاطئ في جزر جنوب اليابان.

 

 

شلل كامل بالبلاد.. وقف القطارات والمترو

وقالت سلطات النقل في تايوان إنه تم تعليق خدمة القطارات في جميع أنحاء الجزيرة، وكذلك خدمة مترو الأنفاق في تايبيه. 

وتظهر مقاطع الفيديو من مركز الزلزال الانهيارات الصخرية التي تغطي الطرق والمنازل التي دمرت، ورفعت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية التحذير الأولي من حدوث تسونامي في وقت لاحق اليوم الأربعاء.

وذكرت وكالة “أسوشييتد برس” أنه تم اكتشاف موجة يبلغ ارتفاعها 30 سم (حوالي قدم واحدة) على ساحل جزيرة يوناجوني بعد حوالي 15 دقيقة من وقوع الزلزال، فيما قالت JAMA إنه من المحتمل أيضًا أن تضرب الأمواج سواحل جزيرتي مياكو وياياما.

وفي الفلبين، لم يصدر أي تحذير من حدوث تسونامي، ولكن تم نصح السكان في مختلف المناطق الساحلية بالانتقال إلى مناطق مرتفعة أو الانتقال إلى الداخل، ووفقا لوسائل الإعلام التايوانية، فإن آخر زلزال بقوة 7 درجات أو أكثر يضرب الجزيرة كان زلزال "جيجي" في 21 سبتمبر 1999 بقوة 7.3 درجة، والذي دمر آلاف المباني وقتل أكثر من 2400 شخص.

 

حصيلة القتلى ترتفع إلى 9 والإصابات تصل إلى 1000

وقد ارتفعت حصيلة قتلى الزلزال الذي ضرب تايوان اليوم، الأربعاء، إلى تسعة أشخاص، فيما أصيب 882 شخصا، بحسب ما أعلنت وكالة الإطفاء الوطنية في تايوان.

ولم تشر NFA إلى خطورة الإصابات، فيما كان هناك العشرات محاصرين.

وبحسب السلطات المحلية، فإن هناك 131 شخصًا محاصرون حاليًا، من بينهم 50 موظفًا في فندق Silks Place Hotel Taroko، الذين كانوا يسافرون في أربع حافلات صغيرة، ولم تتمكن السلطات من الوصول إليهم عبر الهاتف، وأدرجتهم على أنهم محاصرون في الوقت الحالي.

وأضافت الهيئة أنه تم إنقاذ مواطنين ألمانيين كانا محاصرين في وقت سابق في نفق في مقاطعة هوالين.

وكذلك قالت وكالة الإطفاء التايوانية إن ما لا يقل عن 930 شخصًا أصيبوا في الزلزال، ولا يزال عدد القتلى عند 9 أشخاص، وقد تم إنقاذ خمسة وسبعين شخصًا تقطعت بهم السبل في أنفاق مختلفة في مقاطعة هوالين من قبل المستجيبين للطوارئ، وبحسب السلطات المحلية، فإن المستشفيات  تعمل في جميع أنحاء العاصمة التايوانية، مدينة تايبيه، بشكل طبيعي على الرغم من الأضرار التي لحقت بها بسبب الزلزال.

وبحسب ما ورد، تعرضت سبعة مستشفيات على الأقل في المدينة لبعض الأضرار الهيكلية، بما في ذلك سقوط البلاط، والأسقف المتساقطة جزئيًا، والشقوق في الجدران، وانقطاع الكهرباء، وذلك وفقًا لبيان حكومي.

وأضافت أن مستشفى واحدا فقط ما زال خارج الخدمة بعد الزلزال، وقال البيان: "جميع المستشفيات تعمل بشكل طبيعي باستثناء مستشفى الخدمات العامة فرع سونغشان الذي أوقف الخدمة مؤقتا بسبب انقطاع التيار الكهربائي وسقوط الأسقف وتسرب المياه".

 

 

غالبية المحاصرين عالقون في نفق واحد

وقالت وكالة الإطفاء الوطنية في تايوان إن حوالي 60 عالقون في نفق جينوين في مقاطعة هوالين الشمالية.

وبشكل منفصل، قالت الرابطة إن 15 شخصًا محاصرون في نفق داتشينشوي، الواقع أيضًا في مقاطعة هوالين الشمالية، مضيفة أن مواطنين ألمانيين محاصرين في نفق ثالث، ونفق جينوين الذي يبلغ طوله 400 متر هو واحد من أكثر من اثنتي عشرة نفقًا تربط طريق سوهوا السريع، وهو طريق ضيق وغادر يمتد لمسافة 118 كيلومترًا (73 ميلًا) على طول الساحل الشرقي لتايوان.

ويتعرج هذا الطريق على طول المنحدرات العالية فوق المحيط الهادئ، وهو أحد أخطر الطرق في تايوان، ولكنه أكثرها جمالًا، وقد تم إغلاق الطريق السريع الذي يربط هوالين بشمال تايوان، بعد أن تعرض لأضرار جسيمة بسبب الانهيارات الأرضية والصخور المتساقطة في الزلزال.

 

 

كل ما تريد معرفته عن تايون ومركز الزلزال

وتايوان هي دولة ديمقراطية تتمتع بالحكم الذاتي، ويبلغ عدد سكانها حوالي 23 مليون نسمة، تعيش الغالبية العظمى منهم في العاصمة تايبيه والمدن المنتشرة على الساحل الغربي الصناعي، ويبلغ عدد سكان تايبيه حوالي 2.5 مليون نسمة.

بينما تضم ​​مدينة تايبيه الجديدة الأوسع نطاقًا 4 ملايين شخص آخرين، ويبلغ عدد سكان مدينة كاوشيونغ الساحلية الجنوبية 2.7 مليون نسمة، وفي المقابل، فإن الساحل الشرقي - حيث وقع زلزال الأربعاء - أقل كثافة سكانية بكثير، وتتعرض الجزيرة بانتظام للزلازل. 

وكان مركز الزلزال هو مقاطعة هوالين، والتي يبلغ عدد سكانه حوالي 300 ألف نسمة، يعيش حوالي 100 ألف منهم في مدينة هوالين الرئيسية، لكن الكثيرين في المنطقة يعيشون في مجتمعات ساحلية أو جبلية نائية يصعب الوصول إليها، لذلك قد يستغرق الأمر بعض الوقت لفهم مدى زلزال، وضرب زلزال بقوة 6.2 درجة  المنطقة في عام 2018 ، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن  17 شخصًا وإصابة أكثر من 300 آخرين، وهناك دورا عالميا لتايوان، حيث تعد الجزيرة الصغيرة اقتصادًا كبيرًا له تأثير كبير على الأعمال والتجارة العالمية، ويرجع ذلك أساسًا إلى صناعة الرقائق التي تتفوق عالميًا.

 

تسونامي في اليابان

من جانبها، وجهت السفارة السعودية باليابان، نداءً عاجلا لمواطنيها المتواجدين في اليابان، بضرورة التقيد بتعليمات السلطات المحلية، إثر الزلزال القوي الذي ضرب تايوان المجاورة، ووفق بيان صادر عن السفارة؛ فإن السلطات اليابانية حذرت من احتمالية حدوث تسونامي في مناطق جنوب غرب اليابان، وذلك بعد الزلزال العنيف الذي ضرب تايوان هذا الصباح، واهابت السفارة برعاياها ضرورة التقيد بتعليمات السلطات المحلية.

وأشارت إلى أنه في حالة الطوارئ يرجى التواصل مع هاتف شئون السعوديين بالسفارة، معربة عن أمنياتها للجميع بالسلامة.

وقد صدرت أوامر فورية بإخلاء المناطق الساحلية في أوكيناوا باليابان بعد الزلزال، تزامناً مع توقعات بوصول أمواج ارتفاعها 3 أمتار إلى ساحل أوكيناوا في جنوب غرب اليابان.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: السلطات المحلیة حدوث تسونامی بعد الزلزال فی الیابان تسونامی فی فی تایوان أکثر من فی نفق

إقرأ أيضاً:

حين تنهار الضمانات.. سباق التسلح النووي يعود من جديد

ترجمة: نهى مصطفى -

بينما تمضي إدارة ترامب الثانية بسرعة في تفكيك عناصر أساسية من النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، يبدو أنها تغفل بعض العواقب الواضحة لسياساتها، وأبرزها احتمال اندلاع موجة جديدة من الانتشار النووي، لكن هذه المرة، لن يكون التهديد صادرًا عن دول مارقة أو جماعات إرهابية، بل عن دول كانت تُعد سابقًا من بين أقرب حلفاء الولايات المتحدة.

لن تمحو محاولة إعادة عقارب الساعة في السياسة الخارجية إلى الوراء قرنًا من الزمان التهديد الوجودي الذي يواجه العالم اليوم: الخبرة النووية الواسعة، والتكنولوجيا التي أصبحت أرخص وأسهل في المنال، فالنظام القائم على الحد من انتشار الأسلحة النووية يعتمد على التزام طوعي من الدول بضبط النفس الجماعي، وهو التزام ينبع من شعورها بالأمان داخل منظومة دولية تُدار عمومًا تحت مظلة القوة الأمريكية، لكن هذا الشعور بالأمان كان دائمًا مرتبطًا بوجود نظام دولي مستقر، تدعمه شراكات تعاونية مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو تحديدًا ما تعمل إدارة ترامب على تفكيكه الآن.

سيؤدي انهيار هذا النظام الليبرالي حتمًا إلى انهيار نظام الحد من الانتشار النووي، والمفارقة أن القوى الأكثر إقبالًا على امتلاك الأسلحة النووية لن تكون بالضرورة خصوم الولايات المتحدة، بل قد تكون حلفاؤها الذين فقدوا الثقة بقدرتها على حمايتهم ولم يعودوا يرون في الضمانات الأمنية الأمريكية رادعًا كافيًا، بل ربما يخشون حتى من استخدامها كورقة ضغط ضدهم، وكما قال عالم السياسة كينيث والتز: «قد يكون المزيد أفضل» فيما يتعلق بالانتشار النووي، إذ إن التوازن القائم على الردع المتبادل قد يفرض نوعًا من الاستقرار الدولي، وربما يكون العالم الآن على وشك اختبار هذه الفرضية عمليًا.

عندما بدأ صانعو السياسات الأمريكيون في الأربعينيات ببناء نظام دولي قائم على القواعد، كان ذلك استجابةً لثلاثة عقود من الحروب والأزمات الاقتصادية. وكان الدرس الذي استخلصوه واضحًا: السعي وراء المصالح الذاتية قصيرة الأجل دون اعتبار للتداعيات الأوسع قاد إلى سياسات اقتصادية تقوم على مبدأ «إفقار الجار»، وإلى استراتيجيات أمنية قائمة على إلقاء اللوم على الآخرين، مما أدى إلى اضطرابات اقتصادية واجتماعية، وصعود أنظمة استبدادية عدوانية، وانتهى في نهاية المطاف بكارثة عالمية، لتجنب تكرار هذا النمط المدمر، اختارت واشنطن تبني نهج طويل الأمد قائم على التعاون، والعمل مع الحلفاء لبناء نظام مستقر وآمن يتيح للجميع النمو والازدهار دون خوف.منذ البداية، استند النظام الدولي إلى قوة أمريكية استثنائية، لم تُوظَّف لخدمة المصالح الأمريكية وحدها، بل لصالح الحلفاء جميعًا. لم يكن ذلك بدافع الإيثار العاطفي أو نزعة إمبريالية مستترة، بل كان إدراكًا لضرورة التعامل مع الاقتصاد والأمن على نطاق يتجاوز الحدود الوطنية، فهم صانعو السياسات الأمريكيون أن الرأسمالية ليست لعبة محصلتها صفر، بل يمكن لجميع الأطراف أن تنمو معًا بدلًا من أن يكون نمو أحدهم على حساب الآخر، والأمن المشترك بين الحلفاء ليس موردًا تنافسيًا بل مكسبًا جماعيًا. لذلك، بدلًا من استغلال قوتها الهائلة كما فعلت القوى العظمى السابقة، اختارت واشنطن تحفيز اقتصادات شركائها وتعزيز دفاعاتهم، ما أدى إلى إنشاء منطقة تعاون متنامية داخل النظام الدولي القائم على مبدأ القوة.

فرضت الأسلحة النووية، باعتبارها الأداة الحربية المطلقة، تحديًا فريدًا على هذا النظام، فمن الواضح أن الدول التي تمتلكها ستتمتع باستقلال استراتيجي وقوة ردعية، بينما ستبقى الدول غير النووية عرضة للابتزاز أو التهديد، ولم يكن مفاجئًا أن العديد من الدول فكرت في تطوير برامجها النووية، كما يحدث دائمًا عند ظهور تكنولوجيا عسكرية جديدة، لكن موجة انتشار الأسلحة النووية على نطاق واسع أُحبطت عندما ظهر حل وسط في الخمسينيات والستينيات: التزمت الولايات المتحدة بردع أعدائها المسلحين نوويًا، مع توفير مظلة ردع لحلفائها، مما جعل امتلاكهم لترسانات نووية مستقلة أمرًا غير ضروري. وقد تم تكريس هذا الترتيب رسميًا من خلال معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) عام 1970، والتي سمحت للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا والصين بالاحتفاظ بترساناتهم النووية لضمان استمرارية الردع، بينما تخلّت الدول الأخرى الموقعة عن حقها في امتلاك السلاح النووي، ومنذ ذلك الحين، لم تنضم إلى النادي النووي سوى إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية.

لطالما انصب الاهتمام في المجال النووي على القوى العظمى، ثم على الدول المارقة، ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة تسلط الضوء على حالتين غالبًا ما يتم تجاهلهما: بريطانيا وفرنسا. بدأت المملكة المتحدة تطوير برنامجها النووي عام 1941، ثم دمجته مع مشروع مانهاتن عام 1943. وعندما أوقفت واشنطن التعاون النووي بعد الحرب، واصلت لندن جهودها بمفردها ونجحت في اختبار أول قنبلة عام 1952، في الوقت نفسه، أطلقت فرنسا برنامجها النووي العسكري السري عام 1954، ثم أعلنت عنه رسميًا عام 1958، قبل أن تنجح في اختبار سلاحها النووي عام 1960.

لكن لماذا سعت فرنسا إلى امتلاك القنبلة رغم أنها كانت تحت المظلة النووية الأمريكية؟ ببساطة، لم يكن الرئيس الفرنسي شارل ديجول يثق في التزامات واشنطن الأمنية. كان يرى أن الردع الأمريكي «الموسع» مجرد وهم، وأن أمن فرنسا لا يمكن أن يكون مضمونًا إلا بقدرة نووية وطنية مستقلة. لأجيال، تعامل معظم المحللين غير الفرنسيين مع هذا المنطق بازدراء، واعتبروه تعبيرًا عن الغرور الفرنسي أو جنون العظمة المفرط، بدلًا من كونه استراتيجية عقلانية، لكن بعد الأسابيع الأولى من ولاية ترامب الثانية، بدا هذا المنطق أكثر وجاهةً من أي وقت مضى، ولم يعد هناك كثيرون يسخرون منه اليوم.

مع نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي، تغيّر المشهد النووي بشكل جذري. أصبحت احتمالات المواجهة بين القوى العظمى بعيدة، وبرزت تهديدات جديدة، أهمها خطر تسرّب المواد النووية والخبرات السوفييتية السابقة إلى دول أخرى أو جماعات غير حكومية.

لكن واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا تمثّلت في مصير بقايا الترسانة النووية السوفييتية المتمركزة في أوكرانيا المستقلة حديثًا. تعرضت كييف لضغوط مكثفة من أطراف دولية لإعادة تلك الترسانة إلى موسكو، مقابل وعود بعدم تعرّضها لأي تهديد. وبقدرات محدودة للمقاومة، وافقت أوكرانيا، وتمت صياغة هذه التسوية رسميًا في مذكرة بودابست لعام 1994، التي انضمت بموجبها بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، مقابل ضمانات أمنية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا.

في ذلك الوقت، رأى البعض أن هذا القرار كان خطأً استراتيجيًا، ففي مقال نشرته مجلة Foreign Affairs عام 1993، حذّر العالم السياسي جون ميرشايمر من أن أوكرانيا ستواجه مستقبلًا عدوانًا روسيًا، وأن امتلاكها لقدرة نووية مستقلة هو السبيل الوحيد لردع ذلك. وكتب: «لا تستطيع أوكرانيا الدفاع عن نفسها ضد روسيا المسلحة نوويًا بالأسلحة التقليدية، ولن تقدم لها أي دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، ضمانًا أمنيًا ذا معنى. الأسلحة النووية الأوكرانية هي الرادع الوحيد الموثوق للعدوان الروسي»، لكن المخاوف من انتشار السلاح النووي طغت على المخاوف من الحروب المستقبلية، وهكذا انتهى الأمر بأوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفييتي إلى جيش تقليدي بحت.

لأكثر من عقدين، لم يشكّل ذلك مشكلة كبيرة، حتى قرر بوتين في 2014 تلقين أوكرانيا درسًا بسبب ميلها نحو الغرب. دعم حركات انفصالية، ثم أرسل قواته، فضمّ القرم وسيطر على أجزاء من دونباس. استمرّ الصراع لسنوات، حتى شنّ في 2022 غزوًا شاملًا لإعادتها إلى الفلك الروسي. رغم تفوّق روسيا العسكري، صمدت أوكرانيا، وحين بدا أن كييف لن تسقط سريعًا، دعمتها الولايات المتحدة وأوروبا عسكريًا واقتصاديًا. تحوّلت الحرب إلى استنزاف طويل، مع احتفاظ روسيا بالقرم ومعظم دونباس، واستعادة أوكرانيا لبعض المناطق قرب كورسك، لكن التزام بوتين بتوظيف موارد بلاده منحه تفوقًا متزايدًا رغم استمرار الدعم الغربي لكييف.

لكن كل شيء تغيّر مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

فقد تعهّد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في يوم واحد، دون توضيح كيف. ومع توليه المنصب، بدأت ملامح استراتيجيته تتضح. فرض تسوية قسرية على أوكرانيا تقضي بالتنازل عن أراضٍ، وتفكيك قدراتها العسكرية، والعودة إلى النفوذ الروسي. وما زال من غير الواضح إلى أي مدى ستذهب الإدارة الجديدة في دعم موسكو، لكن أصبح مؤكَّدًا أن الضمانات الأمريكية السابقة لم تعد موضع ثقة.

وهكذا، مثلما أثبت ديجول صحّة منطقه قبل عقود، كان ميرشايمر محقًا أيضًا. الردع النووي الموسّع كان مجرّد وهم، ومن اعتمد عليه كان ساذجًا. والآن، تواجه العديد من الدول المهددة السؤال الحتمي. لماذا لا نسلك الطريق الفرنسي ونحمي أنفسنا بسلاحنا النووي؟

مع تراجع مصداقية الولايات المتحدة كحليف، تبحث الدول عن بدائل. أحد الخيارات هو الاعتماد على رادع نووي ممتد من قوى أخرى. في هذا السياق، أعلن فريدريش ميرز، رئيس الوزراء الألماني القادم، عن نيته التفاوض مع بريطانيا وفرنسا لتوسيع مظلتهما النووية لتشمل ألمانيا، ومن المرجح أن تحذو دول أوروبية أخرى حذوه. ستارمر في بريطانيا وماكرون في فرنسا منفتحان على الفكرة، ما قد يؤدي إلى ظهور رادع نووي أوروبي حقيقي.

لكن رغم أن ذلك قد يعزز استقرار أوروبا، فإن خيانة واشنطن ستُلقي بظلالها. لقد بات واضحًا أن الضمانات الأمنية ليست التزامات حتمية، بل قابلة للتفاوض. فإذا كانت لندن لم تثق سابقًا بواشنطن، وباريس لم تثق بلندن وواشنطن، فلماذا تثق دول أخرى بهما الآن؟

في النهاية، «من يخدعني مرة، فالعار عليه. ومن يخدعني مرتين، فالعار عليّ».

لذلك، قد تسعى بعض الدول إلى امتلاك أسلحتها النووية لضمان أمنها، رغم العقبات الهائلة التي تعترض هذا المسار، من تكاليف باهظة إلى الحاجة إلى خبرة وتقنيات متقدمة، ومع ذلك، يظل الأمر ممكنًا، كما أظهرت تجارب إسرائيل وباكستان والهند.

اتبعت اليابان نهج «القنبلة في القبو»، حيث تمتلك قدرات نووية متقدمة دون تطوير أسلحة، ما يتيح لها التحول بسرعة إذا لزم الأمر. أما المرشحان الأبرز لامتلاك السلاح النووي فهما أوكرانيا وتايوان، المهددتان من قبل قوى نووية، لكن أي محاولة منهما قد تؤدي إلى ضربة استباقية مدمرة من روسيا أو الصين. كذلك، تواجه إيران احتمال تعرضها لهجوم إذا اقتربت من العتبة النووية.

مع تراجع الثقة في الحماية الأمريكية، قد تصبح كوريا الجنوبية أول دولة تسعى للتسلح النووي، وهو نقاش بدأ بالفعل داخل أروقتها السياسية. وإذا مضت قدمًا، فمن المحتمل أن تحذو اليابان وأستراليا حذوها. في أوروبا، تزايدت الدعوات داخل بولندا ودول البلطيق للبحث في امتلاك قدرات نووية مستقلة، وسط تصريحات رسمية تدعم ذلك.

لا شيء محسوم بعد، لكن إذا استمرت الولايات المتحدة في التراجع عن التزاماتها الأمنية، فقد تعيد دول كثيرة النظر في خياراتها الاستراتيجية، مما قد يؤدي إلى عالم جديد حيث تصبح الأسلحة النووية أكثر انتشارًا، والحواجز النفسية التي حالت دون ذلك تتلاشى تدريجيًا.

جيديون روز محرر سابق لمجلة الشؤون الخارجية وعضو في مجلس العلاقات الخارجية.

نشر المقال في Foreign Affairs

مقالات مشابهة

  • تبكير صرف مرتبات مارس 2025 وزيادات جديدة في الأجور لدعم الموظفين| التفاصيل الكاملة
  • التفاصيل الكاملة لاختفاء المخرج الفلسطيني حمدان بلال الحائز على الأوسكار
  • بهدف إعادة تأهيل المنطقة وضمان سلامة السكان.. مجلس مدينة اللاذقية يقوم بهدم المباني المتضررة جراء الانفجار الذي وقع في حي الرمل الجنوبي
  • اليابان تحتج على بيان صيني تضمن صياغة خاطئة لتصريحات "إيشيبا" حول تايوان
  • تايوان تهدد بالتصعيد ضد الصين
  • حين تنهار الضمانات.. سباق التسلح النووي يعود من جديد
  • دون "تسونامي".. زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب جزر تانيمبار الإندونيسية
  • ترشيح حسام الزناتي لمنصب جديد داخل الزمالك .. التفاصيل الكاملة
  • التفاصيل الكاملة لمهاجمة قط الوشق البري المصري جنود إسرائيل
  • السلطات الفنزويلية تصادر حوالي 10 أطنان من الكوكايين