واشنطن- مع حلول الذكرى الـ75 لتأسيس حلف شمال الأطلسي (ناتو)، يعود شبح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وموقفه من الحلف، ليهز مضاجع كثيرين في واشنطن والعواصم الأوروبية.

وكان الإنفاق الدفاعي للناتو موضوعا متكررا في حملات ترامب الانتخابية منذ عام 2016، إذ دفع بأجندته "أميركا أولا"، وهاجم منافسيه الديمقراطيين لتركيزهم على التحالفات الدولية.

ودفع اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل أكثر من عامين، لبروز معضلة علاقة واشنطن بالحلف ضمن قائمة قضايا سباق انتخابات 2024. ويملك ترامب سجلا حافلا من العداء والتناقض والاستهتار بإرث الحلف العسكري الأكبر والأكثر رسوخا وقوة في العالم.

مقر حلف الناتو في بروكسل (الأناضول) وحدة مهددة

وفي حديث للجزيرة نت، أشار ألكسندر داونز، مدير معهد دراسات الأمن والصراع بجامعة جورج واشنطن، والخبير في الصراعات الدولية، إلى أن "وحدة الناتو قد تتأثر بشكل صارخ إذا فاز ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024 الرئاسية".

وأضاف "سيكون ذلك كارثيا بالنسبة لأوكرانيا، وربما لبعض دول الناتو بالنظر إلى تصريحات ترامب بأنه سيشجع روسيا على فعل ما تريد لأعضاء الحلف، الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع".

تعود آراء ترامب حول الناتو إلى حملته الرئاسية الأولى عام 2016، إذ قال إن "الحلف يكلفنا كثيرا من الثروة، نعم نحن نحمي أوروبا معه، لكننا ننفق كثيرا من المال".

وفي وقت لاحق سنة 2017، عامه الأول في منصبه، ظهر ترامب إلى جانب قادة دول الناتو الآخرين، ووبخ علنا الدول الحليفة لعدم دفع "حصتها العادلة". كما قال عام 2018 إن الحلف "عفا عليه الزمن".

وفي سنة 2019، ضغط ترامب على ألمانيا، على وجه الخصوص، لزيادة إنفاقها العسكري، قائلا إنه إذا لم يفعلوا ذلك، "فسأضطر إلى القيام بشيء فيما يتعلق بالتجارة"، وبعد ذلك زادت برلين تدريجيا من إنفاقها الدفاعي.

وخلال تجمع انتخابي حاشد في ولاية كارولينا الجنوبية في العاشر من فبراير/شباط الماضي، صرح ترامب بأنه إذا تم انتخابه رئيسا مرة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني القادم فلن تدافع الولايات المتحدة عن أي دولة عضو لم "تدفع".

وأضاف أنه سيشجع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين على "فعل ما يريدان" مع أي دولة عضو في الناتو "فشلت" في دفع تكاليف الدفاع عنها.

وعقب حديث ترامب، أصدر أمين عام الحلف، ينس ستولتنبرغ، بيانا قال فيه إن اقتراح ترامب "يقوض كل أمننا، بما في ذلك أمن الولايات المتحدة، ويعرض الجنود الأميركيين والأوروبيين لخطر متزايد".

تهدئة

وعاد ترامب وغيّر موقفه، وقال في لقاء تلفزيوني قبل أسابيع لقناة "جي بي نيوز" إن "الولايات المتحدة ستبقى بنسبة 100% في الناتو تحت قيادته طالما أن الدول الأوروبية تلعب بشكل عادل". وردا على سؤال مباشر عما إذا كانت واشنطن تحت رئاسته ستأتي لمساعدة دول الناتو التي تتعرض للهجوم، أجاب بأنها "ستفعل ذلك".

وربما تساعد تصريحات ترامب الأخيرة على تهدئة أعصاب الزعماء الأوروبيين، لكن القلق من أنه قد يسحب أميركا رسميا من الحلف وينسحب منه إذا فاز بفترة ولاية ثانية، لا يزال على طاولة حسابات العواصم الأوروبية.

في الوقت ذاته، يشجع موقف ترامب، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أصواتا داخل الحزب الجمهوري لتتساءل "لماذا يجب على أميركا أن تتحمل عبء الدفاع عن أوروبا، بينما لا تدفع هي ثمن الدفاع عن نفسها؟".

منذ بدء الحرب الأوكرانية، عملت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على استغلالها كعنصر موحّد ومحفّز للناتو. وشهد الحلف توافقا كبيرا على ضرورة هزيمة روسيا ومنعها من الانتصار في أوكرانيا، وزادت نفقات الدفاع في العديد من دول الحلف الذي تمدد ليقترب من الحدود الروسية بانضمام فنلندا ومن بعدها السويد للدول الأعضاء.

وقدمت واشنطن مساعدات عسكرية وتسليحية تقترب قيمتها من 100 مليار دولار، وظهر توافق نادر في الكونغرس بين الديمقراطيين والجمهوريين، على ضرورة دعم أوكرانيا بكل السبل المتاحة من دون التقيد بأي إطار زمني.

وأمدت واشنطن كييف بأسلحة متقدمة منها طائرات إف 16، ودبابات أبرامز إيه 1 إم 1، وصواريخ غالفين، وراجمات الصواريخ المتعددة "ملرز" (MLRS) و"هيمارس".

إلا أنه وبعد سيطرة الجمهوريين على أغلبية مجلس النواب الأميركي، عقب انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تغيرت أولويات الكونغرس مع تحكم التيار اليميني القريب من ترامب في المجلس.

وعرقل المجلس خلال الأشهر الأخيرة تقديم أي مساعدات إضافية جديدة لأوكرانيا بعدما تعهد بايدن بتقديم أسلحة ومساعدات إضافية تفوق قيمتها 60 مليار دولار لكييف.

ورفض ترامب هذا الطرح، وتعهد بوقف الحرب خلال 24 ساعة من وصوله للبيت الأبيض، ودفع ذلك إلى تجميد تشريع تقديم المساعدات لأوكرانيا، إذ ربطه الجمهوريون -بإيعاز من ترامب- بقضية تأمين الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك لمواجهة الهجرة غير النظامية.

عبء مالي

وتنص المادة 5 من معاهدة الناتو لعام 1949، على "أن جميع دول الحلف توافق على الدفاع عن أي دولة أخرى فيه في حالة وقوع هجوم عليها". وليس للناتو جيش دائم، ويعتمد على جيوش الدول الأعضاء لتنفيذ أي أعمال عسكرية.

ولا تدفع الدول الأعضاء رسوما سنوية مقابل تمتعها بمزايا الحلف خاصة ما يتعلق بالدفاع الجماعي، لكن كل هذه الدول اتفقت على إنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي، كحد أدنى، على ميزانية الدفاع.

وينتقد ترامب ما يعتبره عبئا ماليا مفرطا على واشنطن لضمان الدفاع عن 32 دولة أخرى، وهذا مخالف للواقع. وأعضاء الناتو لا يدفعون مقابل الانضمام له، ولا يدينون له بأي شيء آخر غير المساهمات في صندوق إداري صغير لدفع مرتبات العاملين به، وبعض النثريات الأخرى.

وتخصص بعض الدول الأعضاء، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا وفنلندا واليونان ودول البلطيق إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، أكثر من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري. في حين ينفق أقل من ذلك، بقية الدول بما فيهم ألمانيا وفرنسا، والنرويج، وإسبانيا، وتركيا.

ولا يُعد ترامب أول رئيس أميركي يثير قضايا مع الناتو، فقد ضغط الرئيسان السابقان باراك أوباما وجورج بوش الابن على حلفاء الناتو لزيادة إنفاقهم الدفاعي، لكنه لم يسبق وهدد أي رئيس أميركي بإنهاء علاقات التحالف العسكري عبر الأطلسي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات الولایات المتحدة الدفاع عن

إقرأ أيضاً:

برحيل الأسد تزداد خطورة عودة داعش

بعد أكثر من ثلاثة وخمسين عاما من الدكتاتورية، وقرابة أربعة عشر عاما من الصراع المنهك، سقط حكم الأسد في أقل من أسبوعين، ولقد أحدث الانهيار المباغت للنظام ـ الذي قتل وعذَّب وقمع من السوريين من لا حصر لهم ولا عد ـ إحساسا لافتا بالوحدة والنشوة تجاوزت الانقسامات القديمة في البلد.

ثمة أيضا شعور واضح بتزايد الخوف في شمال شرقي سوريا التي سيطر على أجزاء شاسعة منها ذات يوم ما عرف بتنظيم «داعش». فبرغم أن الجماعة فقدت تقريبا كل ما كانت تطلق عليه ذات يوم الخلافة، فإن تهديدها لم يتبدد، فعلى العكس من ذلك، قامت «داعش» بقرابة سبعمائة هجمة في سوريا منذ يناير وفقا لحساباتي، بما يضعها على طريق زيادة معدل هجمات السنة الماضية إلى ثلاثة أمثاله، كما ازدادت كفاءة هجمات داعش ودمويتها زيادة كبيرة خلال العام الحالي فضلا عن انتشارها جغرافيًّا.

وبالإضافة إلى حملة هجمات داعش المستمرة منذ شهور على صناعة النفط السورية، نرى أن شبكتها الابتزازية سيئة السمعة قد رجعت هي الأخرى، بما يوفر لها تجدد التمويل ويشير إلى مستوى من العمل المخابراتي المحلي الذي يبعث القلق.

لقد قضت الولايات المتحدة قرابة عقد في مكافحة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق المجاور، بتمركز تسعمائة من القوات الأمريكية في سوريا وانصباب تركيزها على هذه المهمة. وفي هذه اللحظة الحرجة من تاريخ سوريا، لا بد من خطوات عاجلة لضمان ألا يضيع التقدم هدرا.

وليست مكافحة «داعش» بالعمل المباشر، وهي تقتضي مجموعة معقدة من الاستجابات المترابطة، ولا تقتصر على العمل العسكري وحده. فداعش في نهاية المطاف كانت ولا تزال من أعراض الفوضى التي تسببت فيها الحرب الأهلية السورية، لا سببا لها. وهي تعتمد على انعدام الاستقرار والمعاناة الإنسانية والمظالم المحلية وقودا لسرديتها ودافعا للتجنيد وتبريرا لأفعالها. ولمنع داعش من ملء الفراغات الناجمة عن سقوط الرئيس بشار الأسد، لا بد أن تستعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها كل أداة متاحة لمحاربة عودتها وانبعاثها من جديد.

لقد تخلت قوات الأسد ـ التي كانت تحاول صد «داعش» الراغبة في التوسع ـ عن مواقعها في كامل وسط سوريا، ومقاتلو المعارضة السورية سعوا بالفعل إلى ملء بعض ذلك الفضاء، لكن عددهم ضئيل وقدرتهم على تنسيق حملة صحراوية معقدة ضد «داعش» محدودة في أفضل الأحوال، وقد جاءت استجابة الولايات المتحدة الأولى لهذا الفراغ المفاجئ الأسبوع الماضي، حينما ضربت طائرات أمريكية أكثر من خمسة وسبعين هدفا لداعش في جميع أنحاء وسط سوريا. وسوف يلزم أن يبقى الجيش الأمريكي يقظا في الأسابيع القادمة، ومستعدا لضرب داعش حيثما تسعى إلى حشد الموارد وإعادة التجمع وشن الهجمات.

لا تزال أغلب أجزاء سوريا خليطا من الميلشيات الفصائلية، ولكل منها أهدافه، وعلى مدى السنوات الثماني الماضية، شاركت الولايات المتحدة القوات الديمقراطية السورية ـ وهي تحالف كردي القيادة مهد الطريق لسقوط «داعش» في الرقة سنة 2017. وهذه القوات تواجه الآن لحظة وجودية محتملة. فالجيش الوطني السوري، وهو تجمع ميلشيات آخر منافس تسانده تركيا، استولى على بلدات استراتيجية من القوات الديمقراطية، ويتطلع الآن إلى مدينة كوباني الكردية ذات المكانة الرمزية. تم التوصل بوساطة أمريكية إلى هدنة بين هذه الفصائل المتحاربة يوم الثلاثاء، لكنها هدنة هشة.

اعتبارا من يوم الجمعة، تبدو علامات التعثر واضحة على سيطرة القوات الديمقراطية السورية في المناطق التابعة لها. فالمظاهرات ضد القوات الديمقراطية السورية في الرقة ودير الزور انحدرت إلى العنف والفوضى، مع ورود تقارير عن إطلاق هذه القوات النار على مدنيين. ولا بد أن تتدخل الولايات المتحدة بقوة لدى القوات الديمقراطية السورية لتثبيط هذا التصعيد. وسوف يقتضي هذا إشرافا عسكريا والمزيد من العمل الدبلوماسي. ولقد كان سفر وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن إلى أنقرة قبل أيام قليلة خطوة جيدة، ففي يد تركيا الكثير من مفاتيح الصراع.

تمثل الحالة الراهنة ـ وإن تكن منذرة ـ فرصا جديدة أيضا للولايات المتحدة في صراعها مع «داعش»، فالقبائل العربية في دير الزور تقاتل «داعش» منذ عقد، حيث إن لها جذورا داخل معارضة الأسد المسلحة في سوريا. وبفرض أن الولايات المتحدة لن ترغب في نشر قوات إضافية في سوريا، فقد يكون ثمة مجال للتعاون ولشراكات جديدة.

وسط كل هذا التغير وانعدام اليقين تكمن أزمة المعتقلين في شمال شرق سوريا، حيث يقبع عشرات الآلاف من سجناء داعش الذكور ومن يرافقهم من النساء والأطفال في أماكن الاحتجاز التابعة لقوات سوريا الديمقراطية. فلا بد من إعادة هؤلاء المعتقلين إلى مواطنهم الأصلية، ومحاكمتهم عندما يكون ذلك مناسبا على الجرائم التي ارتكبوها وهم مرتبطون بتنظيم «داعش». ولكن أطفال تلك المخيمات، وهم كثر، يستحقون فرصة لحياة جديدة. تنتمي أغلبية كبيرة من آلاف السوريين المحتجزين إلى مناطق كانت حتى وقت سابق من هذا الشهر خاضعة لسيطرة نظام الأسد. والآن، أصبحت حرية التنقل في سوريا ممكنة مرة أخرى فما من نظام ليعتقلهم أو يخفيهم أو ينتهكهم عند عودتهم.

وقد يتيح سقوط النظام مسارات جديدة لإعادة الأجانب المحتجزين في هذه المخيمات أيضا. لقد قام الرئيس الأسد بتطبيع العلاقات مع العديد من البلاد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ـ وهي البلاد التي ينتمي إليها جزء كبير من المعتقلين في سجون قوات سوريا الديمقراطية ومخيماتها. وتنظيم العودة من كيان لا يمثل دولة ولا يعترف به الأسد إلى هذه الدول كان أمرا مستحيلا خلال بقائه في السلطة، أما وقد أزيلت هذه العقبة، فيمكن زيادة جهود وزارة الخارجية الأمريكية الجديرة بالثناء طوال سنوات لدفع أجندة الإعادة إلى الوطن.

في نهاية المطاف، ما من حل سريع لمشكلة داعش. ولكن إذا لم يتم اتخاذ بعض هذه الخطوات على الأقل، فقد يتفكك حلفاء أمريكا في سوريا في النهاية بسبب الانقسام الداخلي والهجمات الخارجية - بما يرغم الجيش الأمريكي على الانسحاب السريع. ومع عودة داعش فعلا إلى الظهور واستعدادها لتلقي دفعة كبيرة، سيكون رحيل الولايات المتحدة أمرا كارثيا.

تأتي هذه اللحظة الخطيرة على مستقبل سوريا في وقت يمكن أن يشهد تغير السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة في لحظة. فقد صرح الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالفعل بأن الولايات المتحدة يجب ألا تكون لها «أي علاقة» بمستقبل سوريا، ولكن من شأن عدم القيام بأي شيء أن يعطي تنظيم «داعش» فرصة للظهور مرة أخرى.

تشارلز ليستر كبير زملاء ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط، ومؤسس مجلة (سوريا ويكلي) ومؤلف ثلاثة كتب عن سوريا منها «الجهاد السوري».

خدمة نيويورك تايمز

مقالات مشابهة

  • قبيل تنصيب ترامب .. بكين تغازل واشنطن: قادرون على تحقيق أمور عظيمة معا
  • واشنطن تواصلت مرارا مع تحرير الشام بسوريا للبحث عن تايس‏
  • برحيل الأسد تزداد خطورة عودة داعش
  • تعرف على أقوى القوات الجوية في الناتو.. هذا ترتيب تركيا
  • بوتين: طموحات الناتو تتجاوز حدود منطقة مسؤولية الحلف التاريخية
  • بادرة حسن نية.. أمريكا توافق على رفع علم سوريا الجديد على السفارة في واشنطن
  • عاصفة من الجدل بعد طلب سفير العليمي في واشنطن لـ أمريكا باحتلال الحديدة
  • رمزي عودة: صفقة تبادل الأسرى قد تكون قبل وصول ترامب للبيت الأبيض
  • «فلسطين للأمن القومي»: صفقة تبادل الأسرى قبل وصول ترامب للبيت الأبيض
  • باحث: توقعات بإبرام صفقة تبادل الأسرى قبل وصول ترامب للبيت الأبيض