حكم الدعاء بالعتق من النار للأحياء والأموات في رمضان
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم الدعاء بالعتق من النار في شهر رمضان الكريم للأحياء والأموات؟ حيث يقنت إمام المسجد عندنا في شهر رمضان، ويقول في دعائه: «اللهم أعتق رقابنا ورقاب أمواتنا من النار»، فأنكر عليه أحد الناس هذا الدعاء؛ وذلك بحجة أنه لا توجد أحاديث صحيحة في السُّنَّة النبوية قد ذكرتْ أن الأحياء ولا الأموات يعتقون في رمضان، فما حكم الشرع في ذلك؟".
لترد دار الإفتاء موضحة، أن قول الإمام في دعاء القنوت: «اللهم أعتق رقابنا ورقاب أمواتنا من النار» أمرٌ مستحبٌّ ولا حرج فيه؛ لأن الدعاءَ بطلب النجاة من عذاب الله والأمن من عقابه، فالدعاء للأحياء والأموات عبادة مستحبة شرعًا، والعتقاء من الأحياء والأموات في شهر رمضان من النار كُثُر كما دلَّت على ذلك الأحاديث الصحيحة، فرحمة الله واسعة، والرجا منه مقبولٌ، فضلًا منه تعالى وتكرمًا.
دعاء ليلة القدر 25 رمضان .. كثفوا الدعاء لعلها تكون الليلة عبادة بسيطة وأجرها كبير وعظيم فى العشر الأواخر من رمضانبيان فضل شهر رمضان
أنعم الله عزَّ وجلَّ على هذه الأمة بشهر رمضان الكريم، فما مِن عبدٍ مسلم يتقرب إلى مولاه في هذا الشهر بالصيام والقيام والصدقة وقراءة القرآن وغير ذلك من أنواع الطاعات إلَّا نال الثواب الجزيل والأجر العظيم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".
يقول القاضي ابن العربي المالكي في "المسالك في شرح موطأ مالك" (4/ 249، ط. دَار الغَرب الإسلامي): [«وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ»" اعلموا -وفَّقكم الله ووفَّق لكم المعلِّم- أن لله سبحانه عتقاء من النار في كلِّ ليلةٍ ويومٍ، وفي كلِّ ساعةٍ من كلِّ شهرٍ، ولعتقه أسباب من الطاعات، فلله عتقاء من النار بالتوحيد، وبالصلاة، وبالزكاة، وبالصيام، فعتقاء رمضان بثواب الصيام وبركته، وفي الحديث الصحيح: «والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرهَانٌ، والصَّبْرُ ضِيَاءٌ والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعتِقُها أَوْ مُوبِقُها» فهذا الحديث يفسر لك معنى قوله: «عتقاء» والحمد لله] اهـ.
وقال الإمام الكَرْمَاني في "شرح المصابيح لابن الملك" (2/ 507، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [«وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ»؛ أي: يعتق الله عبادًا كثيرًا من النار بحرمة هذا الشهر] اهـ.
سورة فرح النبي بنزولها فرحًا شديدًا وشيعتها الملائكة بالتسبيح.. الأزهر للفتوى يوضحها أعمال العشر الأواخر من رمضان.. اغتنمها فى الثلث الأخير من الليلطلب المؤمن الاستعاذة بالله من النار وهل يعني ذلك أنه مستحق لدخولها
طلب المؤمن في الدعاء النجاة من عذاب الله ونار جهنم لا يعني أنه مستحق لدخولها، فشأن المؤمن في الدعاء أن يدعو مولاه عزَّ وجلَّ طمعًا في رضاه ونعيمه وجنته، وخوفًا من سخطه وعقابه وناره؛ يقول تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56].
قال الإمام النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (1/ 574، ط. دار الكلم الطيب): [﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ حالان؛ أي خائفين من الرد طامعين في الإجابة، أو من النيران وفي الجنان، أو من الفراق وفي التلاق، أو من غيب العاقبة وفي ظاهر الهداية، أو من العدل وفي الفضل] اهـ.
وقد جاء في نصوص الشرع الشريف ما يحث المؤمن على الدعاء وطلب النجاة من عذاب الله، والتعوذ من النار، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 16].
وقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان: 65-66].
ومن السُّنَّة النبوية حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ويقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ» أخرجه البخاري.
وعنه أيضًا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» أخرجه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالهَرَمِ، وَالمَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَعَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ» أخرجه البخاري.
الرد على ما يدعيه بعض الناس من أن الدعاء بالعتق من النار لا يصح
أما بالنسبة لما يدعيه بعض الناس من أن الدعاء بالعتق من النار لا يصح؛ وذلك بحجة أن مَنْ سَيُعْتَقُ من النار هو كل مَنْ كان يستحق دخولها، ويحتج بأن السُّنَّة الصحيحة ليس فيها هذا الدعاء، فهذا قول مردود عليه، كما بينا في نصوص القرآن والسُّنَّة، بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد وصف بعض أصحابه بأنه من عتقاء الله من النار، فعن عائشة رضي الله عنها، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أَنْتَ عَتِيقُ اللهِ مِنَ النَّارِ» فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا. أخرجه الترمذي في "جامعه".
ومعلوم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن مستحقًّا للنار، بل مناقبه في الإسلام كثيرة، منها ما وصفه به القرآن الكريم من كونه صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في قوله تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40].
قال الإمام النيسابوري في "إيجاز البيان عن معاني القرآن" (1/ 379، ط. دار الغرب الإسلامي): [مكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثًا مع أبي بكر رضي الله عنه في نقب في جبل بمكة يقال له: ثور] اهـ.
وهو أيضًا أحد العشرة المبشرين بالجنة بل أولهم، كما جاء في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ» أخرجه الترمذي في "جامعه".
حكم الدعاء بالعتق من النار في شهر رمضان المبارك
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن قول الإمام في دعاء القنوت: «اللهم أعتق رقابنا ورقاب أمواتنا من النار» أمرٌ مستحبٌّ ولا حرج فيه؛ لأن الدعاءَ بطلب النجاة من عذاب الله والأمن من عقابه؛ فالدعاء للأحياء والأموات عبادة مستحبة شرعًا، والعتقاء من الأحياء والأموات في شهر رمضان من النار كُثُر كما دلَّت على ذلك الأحاديث الصحيحة، فرحمة الله واسعة، والرجا منه مقبولٌ، فضلًا منه تعالى وتكرمًا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم النبی صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه فی شهر رمضان ا من النار ق من النار أن الدعاء ف ی الج ن ب الله
إقرأ أيضاً:
الدعاء للموتى يوم الجمعة: رحمة ووفاء لمن سبقونا
الدعاء للموتى يوم الجمعة، يوم الجمعة يوم مميز في حياة المسلم، تكثر فيه النفحات الإيمانية والبركات.
ومن أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم في هذا اليوم المبارك هو الدعاء للموتى.
الدعاء للمتوفى من أعظم صور البر والإحسان، وهو دليل على وفاء الأحياء تجاه أحبائهم الذين رحلوا عن الدنيا.
الدعاء للموتى يُخفف عنهم في قبورهم، ويرفع من درجاتهم عند الله عز وجل، ويُظهر روح التكافل والإحسان بين المسلمين.
فضل الدعاء المتوفيالدعاء للمتوفى هو من العبادات التي لا تنقطع، وهو من الأعمال التي ينتفع بها المسلم حتى بعد وفاته.
الدعاء للموتى يوم الجمعة: رحمة ووفاء لمن سبقونافقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له." (رواه مسلم).
وهذا الحديث يؤكد أن دعاء الأحياء للمتوفين يصل إليهم ويُخفف عنهم.
فضل الدعاء للموتى يوم الجمعة1. أثر الدعاء في التخفيف عنهم:
الدعاء للموتى، خاصة يوم الجمعة، يحمل بركة هذا اليوم المبارك.
فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ادعوا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل." (رواه أبو داود). الدعاء يُخفف عن المتوفى ويمنحه الطمأنينة في قبره.
2. صلة وفاء ومحبة:
الدعاء للمتوفى يوم الجمعة هو تعبير عن الوفاء والمحبة، المسلم يظل مرتبطًا بأهله وأحبته بالدعاء، حتى بعد وفاتهم، ويُظهر بذلك صدق محبته لهم.
3. مضاعفة الأجر يوم الجمعة:
يوم الجمعة يوم عظيم تتضاعف فيه الحسنات، لذا فإن الدعاء للموتى فيه أجر عظيم.
كما أن هذا اليوم يُعد فرصة للدعاء المستجاب، وهو من أوقات الإجابة التي وعد بها الله.
4. التذكير بالموت والآخرة:
عندما يدعو المسلم للمتوفى، فإنه يُذكر نفسه بحقيقة الموت والآخرة، مما يزيد من تقواه وإيمانه، ويدفعه للإكثار من الأعمال الصالحة.
1. اختيار وقت الإجابة:
يُستحب الدعاء في أوقات الإجابة يوم الجمعة، مثل ساعة ما قبل غروب الشمس أو أثناء الخطبة والدعاء بين الأذان والإقامة.
2. الخشوع والإخلاص:
عند الدعاء للمتوفى، يجب أن يكون المسلم خاشعًا صادق النية، يسأل الله بصدق أن يرحم المتوفى ويغفر له.
3. التوجه إلى الله بالأسماء الحسنى:
من المستحب أن يبدأ المسلم دعاءه بحمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا.
4. الإكثار من الأدعية المأثورة:
هناك العديد من الأدعية المأثورة التي يمكن الدعاء بها للمتوفى، مثل:
"اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد."
"اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار."
"اللهم ارحم أرواحًا غالية علينا رحلت عن الدنيا، واغفر لهم، واجعل الفردوس الأعلى مثواهم."
الذكر في يوم الجمعة: غذاء الروح وسكينة القلب أعمال أخرى تصل للموتى يوم الجمعة1. الصدقة الجارية:
تقديم الصدقات بنية المتوفى تُعتبر من أفضل الأعمال التي تصل إليه، خاصة في يوم الجمعة، حيث يتضاعف الأجر.
2. قراءة القرآن:
قراءة القرآن وإهداء ثوابها للمتوفى تُعد من الأعمال المستحبة، خاصة قراءة سور مثل الفاتحة ويس.
3. زيارة القبور:
زيارة القبور يوم الجمعة تُذكر المسلم بالآخرة وتُتيح له فرصة الدعاء للموتى مباشرة.
الدعاء للموتى يوم الجمعة هو من أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم وفاءً ومحبةً لمن سبقوه. إنه عمل يجلب الرحمة والمغفرة للمتوفى، ويزيد من أجر الداعي نفسه. فلنجعل من يوم الجمعة محطة للدعاء لأحبائنا الذين فارقونا، ولنكثر من الأعمال الصالحة التي تهدي ثوابها لهم، لعل الله يجعلنا من أهل الرحمة والمغفرة.