منظمات المجتمع المدني ورؤية "عُمان 2040"
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
علي العايل الكثيري
في ظل الجهود المبذولة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتحول إلى ترسيخ العمل الديمقراطي والشراكة المجتمعية كضرورة تفرضها الحاجة إلى تفعيل سياسة التقارب بين الحاكم والمحكوم، والتعايش السياسي المُلح بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، والذي يعد مدخلا لممارسة الحياة الديمقراطية بكل صورها الإيجابية التي تجعل من الشعب شريكا فاعلا من خلال منظماته وأطره السياسية والاجتماعية والقانونية التي تكفل له حرية الحركة والتعبير دون قيود، فيما يتماشى مع خدمة الوطن والمواطن.
وفي سبيل تحقيق كل ما سبق، لا بُد من إنشاء منظمات مجتمع مدني فاعلة ومؤثرة ذات صلاحيات يكفلها النظام الأساسي للدولة لتكون منظمات فاعلة في المجتمع تشارك الجهاز الإداري للدولة والحكومة في تعزيز التنمية وتقدمها، وكل ذلك لا يتأتى إلا بإيجاد وتفعيل الاتحادات الطلابية والشبابية والاتحادات العمالية والاتحادات النسوية واتحاد الكتاب والأدباء، وكل من له صلة بهذا المجتمع وفئاته المختلفة، إضافة إلى إشراك القوى الوطنية الفاعلة التي تحتاج إلى المشاركة بفعالية في تنمية هذا الوطن كجزء من التعايش السياسي مع الحكومة، لتكون داعمًا وشريكًا في التنمية المستدامة التي تتبناها رؤية "عُمان 2040"؛ حيث يعبر المجتمع المدني عن سلسلة من التطلعات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، التي يبحث عنها كل مجتمع يحتاج إلى ممارسة حياة اجتماعية وديمقراطية سليمة، تتسم بالمشاركة الفعالة دون قيود أو حكر للحريات؛ بما يخدم الفعل التنموي والمجتمعي، في حياة تسودها الشفافية والتعاون البناء لخدمة الوطن والإنسان معًا، وذلك لتحقيق مجتمع مدني ديمقراطي سليم ومعاصر، ليلعب دورا أساسيا في التنمية، كلبنة أساسية تقع على عاتقها كل مسؤوليات المجتمع، ورافد أساسي من روافد الدولة، حيث تعمل مؤسسات المجتمع المدني، على مراقبة السياسات الاقتصادية ومراقبة أداء الجهاز الإداري للدولة والمؤسسات ذات الصلة بالمال العام، ومحاربة بؤر الفساد، كما إن مؤسسات المجتمع المدني تعزز الشراكة المجتمعية لتذليل الكثير من الصعاب التي قد تواجه أجهزة الدولة وتخفيف العبء عليها في حل الكثير من السلوكيات الخاطئة في المجتمع وتعزيز وإبراز ما هو مفيد من هذه الممارسات والسلوكيات والعادات الحميدة في المجتمع العُماني، وترسيخ ماهو إيجابي منها، كثوابت اجتماعية يجب الحفاظ عليها.
كما إن الموقف الرسمي للحكومة من القضايا العربية المصيرية، وخاصة ما يحدث في فلسطين وفي غزة بالتحديد، والذي سجل سبقا مشرفا، تجاوز كل المواقف الخليجية، إضافة إلى موقف السلطة الدينية المتمثلة في سماحة المفتي، فإنها تحتاج إلى سند جماهيري تمثله منظمات المجتمع المدني والقوى والشخصيات الوطنية ذات التأثير السياسي والاجتماعي، والتي تستطيع تحريك الجماهير في مثل هذه المواقف المصيرية لتكون سندًا قويًا في الشارع يقوي الموقف الرسمي من هذه القضايا ذات الصلة بالوعي المصيري للأمة، ولهذا فإنَّ منظمات المجتمع المدني والقوى والشخصيات السياسية ذات التأثير السياسي والاجتماعي هي التي تستطيع تحريك الشارع ليكون رافدًا داعمًا للموقف الرسمي الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب قاتل الأطفال والنساء والعجزة، ومن يقف خلفه من المستعمرين ومن لف لفهم،
وبما أن الفعل الثقافي والفكري في المجتمع أصبح أكثر نضجًا ووعيًا، فإنه من الضرورة بمكان تفعيل هذا النضج وما يحيط به من مؤثرات سياسية واجتماعية وأخلاقية فرضها التطور العلمي والتكنولوجي على المجتمعات العربية والتي نحن في عُمان جزءٌ لا يتجزأ منها. وعليه فقد أصبح من الضرورة بمكان تفعيل طاقات هذا المجتمع وتسخيره لخدمة هذا الوطن ومجتمعه، وفق ما يتطلبه العصر من مشاركة ديمقراطية فاعلة، وصهره في المشاركة بفعالية في الحياة السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، قبل أن تتقاذفه أمواج الصراعات الطائفية والانتماءات السياسية والحزبية التي لا تمت لمجتمعنا بصلة؛ فاستغلال الطاقات الفكرية والسياسية والاقتصادية الوطنية لخدمة هذا الوطن وشعبه، كسمة من سمات التعايش الدمقراطي بين الحاكم والمحكوم، تفرضه ضرورات المرحلة الآنية والمقبلة، فإنه يجسد الوعي الوطني العام، فالمسار الديمقراطي أصبح لا بُد منه كمشاركة مجتمعية يفرضها الواقع السياسي والاقتصادي الذي يمر به العالم اليوم.
ومن هنا وعطفًا على ما سبق، فإنني أرى أنه حان الوقت أن تتفهم الدولة وأجهزتها المختلفة ضرورة ما تطرقت إليه أعلاه من تفعيل وإشراك المجتمع بمؤسساته الوطنية والمجتمعية، وتوسيع رقعة المشاركة لتشمل المؤسسات المجتمعية الموجودة، والعمل على إشراك القطاعات الطلابية والشبابية، في أن تكون لهم مؤسسات مستقلة كاتحادات أو جمعيات طلابية وشبابية، كما هو معمول به في العديد من الدول العربية؛ ففي الدول العربية توجد اتحادات للطلاب وللشباب وللمرأة وللكتاب والأدباء وللعمال، وكل هذه نقابات تشكل نواة المجتمع المدني ومؤسساته الوطنية، وفي عُمان توجد جمعيات لبعض الفئات، وليس اتحادات، وهنا أرى أن الاتحاد أكثر تأثيرًا من الجمعية، وأكثر قبولًا في الأوساط النقابية الأخرى خارج الوطن، إضافة إلى أنني أرى وجوب إشراك القوى الوطنية الفاعلة والقادرة على العمل بفعالية في التعايش السياسي والمساهمة في التنمية الوطنية وتدعيم المسار الوطني لتحقيق رؤية "عُمان 2040".
ولدينا نموذج في مثل هذه المشاركات الفاعلة، وهو من التجارب الناجحة في مجال المشاركة السياسية والاقتصادية وفي كل المجالات التنموية والمجتمعية، وتعد من التجارب الرائدة على مستوى دول الخليج العربي، وأفضل حتى من الكثير من الدول العربية التي تعتبر نفسها ديمقراطية، وهذا النموذج هو دولة الكويت الشقيقة؛ فالتجربة الديمقراطية في الكويت ناجحة ومتميزة، منذ أن استقلت عام 1962، والذي أتمنى أن تحذو حذوه جميع دول مجلس التعاون، لينصب جهد الجميع بكل فئاته السياسية والمجتمعية لخدمة أوطانهم ودرء المخاطر عنها.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مجمع الملك سلمان العالمي" يختتم مؤتمر "اللغة العربية وتعزيز الهوية الوطنية السعودية"
اختتم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بالشراكة مع جامعة القصيم، فعاليات مؤتمر (اللغة العربية وتعزيز الهوية الوطنية السعودية)، الذي أُقيم برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، في مركز المؤتمرات بجامعة القصيم، وسط حضور نوعي من المسؤولين والأكاديميين والمختصين والمهتمين باللغة والثقافة الوطنية، ومشاركة أكثر من 20 جهة.
وثمَّن الأمين العام للمجمع الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي الدعم الذي يحظى به المجمع من صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة رئيس مجلس أمناء المجمع، مؤكدًا أن هذا المؤتمر يمثل إحدى المبادرات الحيوية لتعزيز حضور اللغة العربية في المؤسسات والمجتمع، وربطها بمسارات التنمية والهوية الوطنية وفق مستهدفات رؤية 2030.
وفي كلمته الافتتاحية قدم الوشمي شكره وتقديره لسمو أمير منطقة القصيم على رعايته لأعمال المؤتمر، ولجامعة القصيم دعمها المتواصل لقضايا اللغة العربية.
وأكَّد أن المجمع يعمل على مدّ الجسور مع جميع الجهات المعنية؛ لدعم اللغة العربية، وحمايتها، وترسيخ مكانتها عالميًّا؛ انطلاقًا من الدور المحوري الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في تعزيزها.
وهدف المؤتمر إلى إبراز دور اللغة العربية في تعزيز الهوية الوطنية السعودية، ومناقشة التحديات التي تواجه هذا الدور الحيوي، واستعراض التجارب العالمية في تعزيز اللغات الوطنية، إضافةً إلى طرح المبادرات والمشروعات التي تدعم اللغة العربية، وتربطها بمسارات التنمية والهوية في المملكة العربية السعودية.
وتناول المؤتمر أربعة محاور علمية رئيسة؛ حيث ناقش المحور الأول دور الجهات الحكومية وغير الحكومية في تعزيز الهوية اللغوية، مع عرض جهود مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ومبادرات دعم العربية. وناقش المحور الثاني السياسات اللغوية وأثرها في الهوية الوطنية، مستعرضًا مشروع (منظومة بيانات السياسات اللغوية العربية)، وأثر التشريعات والسياسات السعودية، مع تسليط الضوء على دور الإعلام في تمكين اللغة ضمن رؤية المملكة 2030.
في حين بحث المحور الثالث قضايا الأمن اللغوي ومهددات تمكين اللغة العربية، متضمنًا الحديث عن دور الأسرة، والتحديات المرتبطة باللغة الهجينة، ومزاحمة اللغات الأجنبية، واستعرض المحور الرابع تجارب دولية في تعزيز الهوية الوطنية، مع عرض نماذج من التجارب الإنجليزية والفرنسية والعربية عامة والسعودية خاصة، إضافةً إلى الإسبانية والصينية.
وصاحب المؤتمر معرض تعريفي بأبرز جهود المجمع والجهات المشاركة في دعم اللغة العربية، وربطها بالهوية الوطنية، استمر مدة يومين، وسط تفاعل واسع من المشاركين والزوار.
ويؤكد تنظيم المؤتمر التزام المجمع بدوره الإستراتيجي في قضايا اللغة والهوية، والحفاظ على اللغة العربية، وتعزيز حضورها في شتى مجالات التنمية والثقافة، ويبرز أيضًا الدور المحوري لجامعة القصيم في خدمة اللغة العربية تدريسًا وبحثًا؛ بواسطة برامج أكاديمية متخصصة، ومبادرات علمية تسهم في تطوير الدراسات اللغوية، وترسيخ الهوية الوطنية