ناصر أبوعون

أعادتني أجواء قصة مارتينيز لـ"سعود الطائي" إلى الحقائق المُرّة في كتاب "الأدب السري للموريسكيين" لكاتبة بورتوريكو الشهيرة "لوثي لوبيث بارالت" والذي ترجمه الدكتور محمد برادة والرابط بين مأساة الموريسكيين (العرب المسلمين) في شبه جزيرة (ايبريا/الأندلس) و(العرب الفلسطينيين)، وكلتا الفئتين من عرق عربيٍّ واحد مضطهدتين، والمأساة التي تلحق بهما ترتدي ثوب العنصرية المقيتة، وتمارس تكتيك الإبادة والتهجير القسريّ تحت سمع وبصر العالم.

ما تمارسه الصهيونية على الفلسطينيين ليس جديدًا؛ بل إنه تنميط وأدلجة للقهر، وتحديث لأساليب الإبادة الجماعية، واستيلاد لثقافة "الجيتو" استنادًا لخلفية أيديولوجية مقيتة توظّف النصوص الدينية المحرّفة بعد صبِّها في قالب من القداسة الزائفة ثم تعيد تدويرها تحت بساطيل جيش الدفاع، الذي تديره الصهيونية العالمية، بعد نجحت جزئيا في خداع الشعوب الغربية وترويج أكاذيبها تحت عنوان "إسرائيل الدولة الديمقراطية في الشرق الأوسط"- وهي في حقيقتها "ديمقراطية الأحذية"- وتارةً أخرى باسم تعاليم "التلمود" التي داست بها التوراة، وجرفت معها المسيحية المتصالحة مع الذات والعالم إلى مستنقعات الانحياز الأعمى، وتجنّت بها على الإسلام وأهله، ووظّفت آلتها الإعلامية لوصمه بالإرهاب، ومعاداة السامية، وصولا إلى الغاية الكبرى والمنتظرة لإنهاء الأديان السماوية الثلاثة، وتنصيب الشيطان حاكما بأمره على العالم.

ومع الإيغال في قصة "مارتينيز" للكاتب سعود الطائيّ يقفز إلى الذاكرة القانون الأممي رقم: 194 بتاريخ /11/12/1948" مؤكدا على حق العودة والتعويض "للفلسطينيين في الشتات"، مقرونًا بعجز مفضوح أصاب المجتمع الدولي وفشله في تطبيقه، أو إجبار "إسرئيل" على تنفيذ بنوده التي تختبيء في حضن الفيتو الأمريكي. وعلى هامش الظلم التاريخي الواقع على الفلسطينيين تتجدد في الحلقو العربية غصة قضية الموريسكيين العرب المسلمين الذين اعتنقوا المسيحية عنوةً وقهرا بعد سقوط دولتهم في الأندلس.

ويأخذنا الحوار في قصة سعود الطائي بين (الراوي العليم) وبطل قصته مارتينيز إلى مشهدين متقابلين يتقاسمان الحاضر والماضي؛ حيث نسترجع تاريخ (الأندلس/الماضي من خلال شخصية مارتينيز)، ونعيش أحلام اليقظة المرضية في وطن المسرات والجنة الأرضية التي صنعها العرب في شبه جزيرة ايبريا بعقولهم ورووا ثراها بدمائهم، وتقابلها على الجهة الأخرى من التاريخ (مزرعة الفلاح التركي/الحاضر المعاش من خلال شخصية الفلاح التركي) الذي صنع فردوسه الخاص على عينه وحرثه بيديه في قصة "اسمع أيها الصديق" للأديب التركي "يشار كمال"، وفي القصتين يحدث التقابل بين شخصية الراوي العليم/سعود الطائي في إلحاحه على "مارتينيز الإسباني" لركوب آلة الزمن والعودة تاريخ أجداده "بني مردنيش" والتشبث بأصوله العربية والإسلاميّة، ولكنه أعرض بوجهه ونأى بجانبه عن الانتساب لتلك الصورة الانهزامية التي التصقت بهم، وكلما ألحّ الطائي تملّص مارتينيز من عار الانكسار والضعف، كما تملّص صديق الفلاح التركي من إلحاحه وممارسة ضغوطه وإن كانت مغلّفة في قطعة من حرير الجدل العقلي والمنطقي والوعود المصحوبة بالمنِّ والسلوى.

جرت كل هذه الأحداث على متن "قطار" سريع مسافر من "غرناطة" إلى "مدريد" عبر جبال الثلج "سييرا نيفادا"، وما تحمله مفردة "القطار" من دلالات وإيحاءات رمزية استدعها القاص من الخارج الواقعي، واستجلبها إلى داخل النص الأدبيّ في إطار قماشة عريضة جمعت بين ثلاث طبقات من السرد تتنوّع بين (السرد البصريّ)، و(السرد التاريخي)، و(السرد الواقعي)؛ فالأول البصري يقدم للقارئ رؤية جمالية للطبيعة، وبساطة الحياة التي يمرق فيها القطار وفيها مقاربة وفانتازيا تخييلية هامسة. أمّا النوع الثاني من السرد وهو التاريخيّ، فكان يشبه مبضع الجراح يشق لحم الحقيقة، ويحشوه ملحًا بمقاربته بين ضياع الأندلس وضياع فلسطين. أمّا السرد الواقعي فقد لعب دور الحاضنة الأدبية الحاملة للنص القصصي.

والقطار- وفق تعبير د. مصطفى الضبع- "عندما ينتقل إلى سياق النص القصصى يكون له الصورة المغايرة التى يكون لمجرد اختيارها من الأسباب ما يحفز المتلقى على أن يبحث فى وعن هذه الأسباب وصولا إلى العلاقة التبادلية بين بين النص والعلامة المختارة، والنص عندما يستثمر الدلالات الكامنة فى القطار يخالف الواقع بأن يشحن العلامة المختارة بهذا الكم الهائل من الرموز والدلالات والإسقاطات التى من شأنها أن تجعل القطار علامة على الواقع قبل أن يكون عنصرا من عناصره، والقطار بدوره عندما يحل فى النص يغير الرموز الأخرى التى يمكن استخدامها فى هذا السياق نقلا من الواقع"؛ فالقطار في قصة مارتينيز لـ"سعود الطائي" هو المعادل الموضوعي للتاريخ الإنسانيّ أو آلة الزمن التي تتجه إلى المستقبل بسرعة غير مرئية ولا محسوسة، وهذا القطار- وفق الشروط والأحكام المطبّقة سلفا على الأمم- لا ينتظر الذي لايجيء ولا يأبه للذين سقطت رؤوسهم على صدورهم في بهو المحطات.

وكان "القطار" أيضا رمزًا لحركة التاريخ الممتدة في خط طوليّ مستقيم، ومن يسافر معه من المبتدأ إلى المنتهى على أعتاب القيامة الكبرى لا يعود أبدًا نفيًا لأكذوبة (التاريخ يعيد نفسه) وِفْقَ المعتقد الإيمانيّ بالنظرة الخطيّة للزمن - كما أشارت إليها بعض المصادر في الميثولوجيا الدينية للعقائد السماوية الثلاث – التي يضعها الكاتب سعود الطائي على لسان مارتينيز مخاطبا الراوي العليم: "ٍأترك لك عنواني في "ألمرية" لتتواصل معي عندما تنبعث أمتكم الإسلاميّة من الكهف من جديد، وعندها سوف يعود لي اسمي: (ابن مردنيش) بدلًا من مارتينيز".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خطر حقيقي يهدد الوجود الاسرائيلي

#سواليف

#خطر_حقيقي يهدد #الوجود_الاسرائيلي

الاستاذ #عقيل_العجالين
ان هذا الخطر يتمثل بالبنيه الداخليه الضعيفه والهشه للمجتمع الاسرائيلي ويبدو ذلك واضحا من خلال نص وعد بلفور وفقاً لما يلي:-
أن وعد بلفور قطعته الحكومه البريطانيه على نفسها بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وكان هذا الوعد في الثاني من نوفمبر من عام 1917 خلال الحرب العالميه الاولى وقبل نهايتها.
نص هذا الوعد على ان اقامةهذا الوطن القومي لن يؤثر على الحقوق المدنيه والسياسيه التي يتمتع بها اليهود في اوروبا وهذا واضح من خلال عبارات هذا الوعد التي ورد بها مايلي:-.
(تنظرحكومة جلالة الملك بعين العطف إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين……على ان يفهم جلياً إنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من…… الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر).
ان هذا الوعد يعني بوضوح ان لليهود الذين قدموا الى فلسطين بطريق الهجره أن يعودوا الى اوروبا بكامل الحقوق – وحتى السياسيه منها – ان لم يجدوا العيش الملائم لهم في فلسطين وهذا يعني ان اي مناغصات يتعرض لها او يشعر بها هؤلاء اليهود ستكون سببا كافيا لمغادرتهم الاراضي المحتله بلا رجعه وحتى لو كانت هذه المنغصات طفيفه او بسيطه حيث يوجد البديل الافضل من جهه ومن جهه اخرى شعورهم الداخلي بان وجودهم على هذه الارض هو وجود دخيل لا يرتكز الى مقومات الانتماء الوطني الحقيقي.
ان جميع ما ذكر يفسر التصريحات المتكرره لرئيس الحكومه الاسرائيليه بنيامين نتنياهو التي يرددها دوما وهي ضرورة المحافظه على وجود اسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس وحقها في الوجود.
ان هذه التصريحات التي تتردد مرارا وتكرارا في اليوم الواحد سببها ما سبق ذكره وما تضمنه الوعد البريطاني من ابقاء الباب مفتوحا لعودة اليهود من فلسطين الى بلدانهم الاصليه.
لقد غادر حوالي نصف مليون يهودي الاراضي الفلسطينيه منذ عملية السابع من اكتوبر وتناولت هذا الحدث وسائل الاعلام المختلفه كما اننا نرى اصوات كثيره تطلب من الاسرائيليين عدم المغادره
من خلال ما تقدم يتضح جليا بان الخطر الذي يهدد وجود اسرائيل هو عدم الانتماء الحقيقي من قبل الشعب الاسرائيلي للارض التي تم استباحتها والإقامة فيها بغير حق وان الشعب العربي في فلسطين الذي يسعى لإستعادة حقوقه المغتصبه ليس هو الخطر الحقيقي الذي يهدد اسرائيل في وجودها وانما الخطر الذي يهدد هذا الوجود هو عدم مشروعية الاساس الذي اقيمت عليه هذه الدوله وهذا الكيان حيث انه هو السبب الرئيسي الذي تتفرع منه باقي الاسباب الاخرى.
والله المستعان على هذا البلاء العظيم

مقالات ذات صلة استثمارات الجامعات في السليح يدعو للقلق! 2024/06/30

مقالات مشابهة

  • حراك عربي لعقد أولى جلسات مجلس كركوك وتلويح باستبدال المتغيبين
  • حراك عربي لعقد أولى جلسات مجلس كركوك وتلويح باستبدال المتغيبين- عاجل
  • يورو 2024.. مدرب البرتغال يرفض انتقاد أرضية ملعب فرانكفورت قبل مواجهة سلوفينيا
  • خطر حقيقي يهدد الوجود الاسرائيلي
  • لاوتارو مارتينيز يكشف سبب احتفاله مع ميسي
  • مصطفى بكري: ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من الخراب والدمار وأخونة الدولة وضياع الهوية
  • شاهد.. لاوتارو يقود الأرجنتين للفوز على بيرو بكوبا أميركا
  • جامعة الإمام محمد بن سعود: فتح باب القبول في كلية التمريض.. الاثنين المقبل
  • مصرع سيدة أسفل عجلات القطار بالبحيرة
  • جولة رقابة على الأغذية في حي الأندلس