الأمانة العامة للبيجيدي : ما يقوم به وهبي في مدونة الأسرة رعونة وانعدام المسؤولية
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
زنقة 20 | الرباط
استنكرت الأمانة العامة لحزب العدالة و التنمية ، ما وصفته بـ” السلوك الغريب وغير المسؤول الذي أقدم عليه عبد اللطيف وهبي وزير العدل في تعاطيه مع مخرجات اللجنة المكلفة باقتراح إصلاح مدونة الأسرة”.
و قال بلاغ لأمانة البيجيدي ، أن وهبي لم يحترم ” المنهجية التي حددها جلالة الملك حفظه الله واستباقه للإعلان الرسمي عن مخرجات عمل اللجنة، بشكل لم يراع صفته الحكومية والمسؤولية الملقاة على عاتقه، ولم يحترم واجب التحفظ الذي تفرضه عليه عضويته في هذه اللجنة، وهو ما يؤكد الرعونة وانعدام المسؤولية التي يتعامل بها مع عدد من الملفات الكبرى التي تقتضي الكثير من الرزانة والمسؤولية”.
واعتبر الحزب، أن ” الطريقة الغريبة والمستهجنة والمتسرعة التي يتعامل بها وزير العدل مع أوراش هيكلية تخص سير العدالة كالمسطرة المدنية والمسطرة الجنائية، وبالإضافة إلى كونها تسيء للبرلمان وللعمل التشريعي ببلادنا، فإن من شأنها أن تفضي إلى إصدار نصوص مختلة لا تحترم الضمانات الأساسية التي كرسها الدستور للمواطنين والمواطنات، ولن تجيب عن الإشكالات الحقيقية التي أفرزتها الممارسة العملية”.
أمانة العدالة و التنمية ، نبهت “إلى الأهمية القصوى لهذين النصين لارتباطهما الوثيق بتوفير شروط المحاكمة العادلة وإقامة العدل وإنفاذ القانون وضمان الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، و الخطورة الكبيرة لهذه المقاربة المعيبة”.
كما دعا الحزب إلى “عدم التسرع وإلى ضرورة إعمال المقاربة التشاركية الواسعة والاستماع إلى وجهة نظر المهنيين والمعنيين بمجال القضاء، وذلك بإحالة هذه المشاريع قبل اعتمادها على المؤسسات المعنية لتبدي رأيها الاستشاري بشأنها، وفي مقدمتها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والاستماع لرأي الجمعيات المهنية وللسادة والسيدات القضاة والقاضيات والمحامين والمحاميات، ومختلف المتدخلين في منظومة العدالة”.
المصدر: زنقة 20
إقرأ أيضاً:
مراجعة مدونة الأسرة بالمغرب.. سيرورة التحديث وقواعد تفكيك البنيات الشرعية
قبل أيام، تم في المغرب عرض التوجهات الكبرى التي ستؤطر مراجعة مدونة الأسرة، بعد حوالي عقدين من الزمن على تطبيقها (2004)، وقد أثارت هذه التوجهات جدلا غير مسبوق في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وسط حذر وترقب عبرت عنه مواقف مكونات الصف الإسلامي، التي سارعت إلى إصدار بلاغات، أشبه ما تكون بإعلان حالة يقظة وتعبئة، مع التأكيد بأن النقاش لم ينته بعد، ما دام الملك أبقى ورش الاجتهاد الفقهي مفتوحا بالنسبة إلى المجلس العلمي الأعلى، وما دام الجزء الأكبر من العمل المتعلق بالصياغة القانونية التفصيلية، لا يزال مفتوحا إلى أن يتم عرض مشروع قانون مدونة الأسرة على البرلمان بغرفتيه.
في الواقع، لا يهمنا في هذا الاجتهاد التفاعل بشكل تفصيلي مع التوجيهات الستة عشر التي انتهى إليها عمل الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة، بقدر ما يهمنا أن نساهم في بلورة رؤية تحليلية واستشرافية، للتوتر القائم بين بنية المحافظة والتحديث في المجتمع المغربي من خلال ديناميات الفاعلين المجتمعيين حول موضوع مدونة أسرة، والطرق التي يتم بها إدارة الصراع في المستوى المؤسساتي والتشريعي، بل وحتى على مستوى المفردات وحمولتها الشرعية أو القانونية. ذلك أن الجدل والتوتر الذي ينشأ عن بعض القضايا المتعلقة بالمدونة مثل زواج التعدد أو زواج القاصر أو تدبير الأموال المكتسبة خلال العلاقة الزوجية وغيرها، يغطي في الحقيقة عن فهم القواعد والآليات والسيرورات التي يتم بها تدبير جدل المحافظة والحداثة، ولا يسمح بملاحظة عناصر الاطراد والاستمرارية في استكمال عناصر الدولة الحديثة، والقطع مع المؤسسات التقليدية، والبنيات التشريعية التي تؤسس لها.
لا خلاف بالمطلق في استقراء تجارب التحديث سواء لحظة الاستعمار أو لحظة الدولة الحديثة أن الصياغة القانونية، والخيارات التشريعية لبعت دورا مركزيا في إنهاء البنيات التقليدية والشرعية لفائدة بنيات حديثة تمنح كل الامتيازات لتبرر وجودها وتؤمن استمرارها.وإذا كان الصراع على مستوى الخطاب لا يخفي حقيقة أن جبهة الحداثيين تعبر بشكل علني عن رغبتها في أن تستكمل هذه المهمة، وأن يتم الفطام بشكل كامل عن ثقافة الأم (كما هي فلسفة العروي الحداثية) فإن مكونات الجبهة المحافظة، هي الأخرى، لا تخفي كونها تقوم بعملية مقاومة لهذه السيرورة، متمترسة في ذلك خلف الحماية المجتمعية.
في المغرب، تعرف هذه السيرورة ـ أي سيرورة تفكيك بنيات المحافظة ـ طابعا خاصا، بحكم احتفاظ النظام السياسي بالشرعية الدينية (إمارة المؤمنين)، والتزام نظام إمارة المؤمنين، بأن تكون مدونة الأسرة غير متعارضة مع مرجعية الشريعة، مما يجعل تتبع عناصر هذه السيرورة تأخذ هي الأخرى طابعها الخاص، وتتوقف عند أهم التعقيدات التي تكتنف عملية التحول نحو البنية الحديثة في كل مستوياتها، بما في ذلك التشريعية التي تهم قضايا الأسرة.
سيرورة التحديث العلماني ومشكلة بنية الدولة ومرجعيتها
في سنة 2000، عرف المغرب أكبر انقسام مجتمعي على خلفية مرجعية وإيديولوجية، بسبب الخلاف حول استراتيجية قدمتها وزارة التنمية الاجتماعية في حكومة التناوب سميت وقتها باستراتيجية إدماج المرأة في التنمية. وتسبب هذا الخلاف في خروج مسيرتين، الأولى مليونية، تزعمها المحافظون في الدار البيضاء، والثانية ألفية، قادها العلمانيون بالرباط، وترتب عنها تدخل الملك، بتكليف لجنة لإعداد مدونة الأسرة، وكان من اللافت، أن حضور العلماء في اللجنة كان مركزيا، فخرجت المدونة، متضمنة لبعض المطالب العلمانية، لكن دون أن يصل ذلك إلى سقف تطلعات الحداثيين، ولم يثر من جهة الجبهة المحافظة أي اعتراض يذكر، بحكم أن موادها، ولغتها القانونية، كانت مصاغة بمفردات تنحت من اللغة الشرعية. وقد تأكد العلمانيون عندها أن خوض معركة حاسمة لتأمين السيرورة القسرية نحو التحديث وهزم التقليد، يتطلب بالضرورة خوض صراع ضد الدولة وبنيتها ومرجعيتها، وأنه لا أفضل في هذه المرحلة من التوافق، والقبول بالحد الأدنى الذي تحقق، في أفق ترتيب معارك أخرى للمستقبل، فكانوا عند كل محطة تقييم لتجربة تطبيق المدونة يعيدون مطالبهم بخصوص تجريم زواج القاصر وزواج التعدد وإنهاء دعوى سماع الزوجية، فضلا عن مطالب بالمساواة في الإرث وإلغاء التعصيب وتقاسم الثروة المكتسبة خلال قيام الزوجية بين الزوجين. وفي المقابل، كان الإسلاميون مطمئنين، بأن مطامح العلمانيين لا يمكن أن تتحقق، لأنهم يواجهون المجتمع والدولة في آن واحد، فكانوا في الغالب الأعم يكتفون بالانفعال وإصدار دود فعل على مطالب العلمانيين.
في تفكيك بنى المحافظة.. في وظائف الشرعنة
كان أول سؤال طرح لحظة تعيين أعضاء الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، هو وضع العلماء، والمؤسسة التي تنتظمهم، أي المجلس العلمي الأعلى، وهل ستكون عضوا مشاركا في اللجنة، أم مجرد مرجعية يتم اللجوء إليها بعد استقبال مقترحات الطيف المدني والسياسي والعلمي والأكاديمي؟ وما معنى أن تكون مرجعية؟ هل يؤول إليها أن تعيد صياغة المدونة وفقا لمخرجات الاستشارة الموسعة، أم تتم صياغة المقترحات من قبل أعضاء الهيئة المعنية، ويتم حصر نظر العلماء في إبداء القبول أو الرفض في المقترحات المعروضة قياسا إلى رأي الشرع؟ وفي حالة الرفض، فهل توجد بدائل داخل الشرع تسوغ مثل هذه المقترحات؟
في الواقع، كانت منهجية 2004، ملهمة، بحكم أنها حققت إنجازا مهما، وجنبت المغرب من احتقان كبير، لم يكن وقتها أحد يتصور ما هي الخيارات لتدبيره، ولذلك، لم يكن هناك اعتراض على منهجية 2024، بحكم أن موقع العلماء، كان قويا، إذ يفترض أن يؤول عمل الهيئة إلى نظر العلماء، الذين يكلفهم الملك بوصفه أميرا للمؤمنين للقيام بهذه المهمة.
واقع العمل الذي أظهرته كلمة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق خلال اللقاء التواصلي لعرض توجهات الهيئة، والتي تحدثت عن عمل المجلس العلمي الأعلى، يبين أن وظيفة العلماء كانت ملخصة في النظر في شرعية أو عدم شرعية المقترحات المعروضة عليه، دون أن يكون له رأي في الفلسفة التي تنتظم هذه المقترحات، ولا البنية الفكرية التي تجمعها، ولذلك، تحدث وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عن مقترحات تم قبولها (10) ومقترحات تم رفضها (3) لمعارضتها لقطيعات الشريعة، ومقترحات تم فيها إعطاء حلول بديلة (2) ومقترحات تحتاج إلى قرار ولي الأمر (2).
مضمون هذه المنهجية، أن العمل الأهم المرتبط ببنية نص المدونة، وهندسة الزواج والطلاق، واللغة التي سيكتب بها نص المدونة، سيكون بعيدا عن العلماء، وهو الجانب الأهم في استراتيجية تفكيك بنى التحديث، إذ ترتكز هذه الاستراتيجية على عنصرين متلازمين: الأول، حصر وظيفة العلماء في شرعنة التحديث، وفي حالة الاستعصاء إيجاد بديل لهذه الشرعنة. والثاني، هو الاستفراد بهندسة العلاقات داخل السرة، واستنبات بنيات التحديث، والتحكم في الصياغة القانونية واللغوية للمدونة.
تفكيك بنى المحافظة.. تقويض البنيات الشرعية من خلال هندسة نص المدونة
تجسد مدونة الاسرة مركزية البيات الشرعية التي تتعلق بالزواج والطلاق والنفقة والحضانة والنيابة الشرعية والإرث والتعصيب.
في مدونة 2004، لم يحدث اختراق كبير لهذه البنيات في نص المدونة، فتم إلغاء مؤسسة الولي ضمن أركان الزواج، وتم في مقابل ذلك إدخال نوعين جديدين من الطلاق، أعطي الأول اصطلاحا شرعيا، هو طلاق الشقاق، جاء ليغطي حالات طلب الطلاق بدون إثبات، ليتم بذلك حل مشكلة الإثبات في التطليق (لضرر أو عيب أو غيبة أون إعسار بنفقة أو غيبة أون هجر أو إيلاء)، وسمي الثاني بالطلاق الاتفاقي.
لحد الآن ليس لدينا نص مدونة 2024، لكن التوجهات الستة عشر التي أعلنت الهيئة أنها ستؤطر نص المدونة في كتبها السبعة، تعطي صورة عن وجود رؤية لتغيير جوهري في البنيات الشرعية المرتبطة على الأقل بالنسبة إلى الزواج والطلاق.
في حالة الطلاق يبدو الأمر أكثر وضوحا، إذ تضمن التوجه السادس، أي:"جعل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين، دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، وتقليص أنواع الطلاق والتطليق، بحكم أن التطليق للشقاق يغطي جلها".
يعني هذا التوجه، أن هندسة الطلاق في المدونة سيتغير كليا، وأن السيناريو الأقرب أن يتم الاكتفاء في الأقصى بثلاثة أنواع في الطلاق (الرجعي، والمملك، والاتفاقي) ونوع واحد في التطليق هو طلاق الشقاق، وفي الأدنى بنوعيه فقط هما الطلاق الاتفاقي وطلاق الشقاق.
تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية يبين بشكل واضح كيف يتم استنبات بنيات حديثة مجاورة للبينات الشرعية (نموذج الطلاق) وكيف ينتهي الأمر بإنهاء البنيات الشرعية لفائدة لبنيات الحديثة، إذ تفيد الإحصاءات داخل نوع الطلاق الذي يغطي 28 في المائة من مجموع الطلاق بالمغرب، أن الطلاق الاتفاقي يغطي جلها، بنسبة حوالي 21 في المائة من مجموع حالات الطلاق، وأنه داخل نوع التطليق، الذي يغطي 72 في المائة من مجموع حالات الطلاق بالمغرب، فإن طلاق الشقاق (البنية المستحدثة) يغطي 71.50 بالمائة، وهذا يعني، أن إعادة هندسة نص المدونة في أنواع الطلاق، بحسب التوجه السادس أعلاه، يعني إنهاء البنيات الشرعية، لصالح البنيات المستحدثة، بداعي أنها تغطي مجموع حالات الطلاق، علما أن تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية قدم تفسيرا لذلك، كون طلاق الشقاق لا يطلب إثباتا ومسطرة البث فيه سريعة، فيبين ذلك، أن إضفاء امتيازات على البنيات المستحدثة، هو جزء من منهجية تفكيك البنى الشرعية.
في هندسة الزواج، حصل في مدونة 2004 تقدم مهم في القضاء على إحدى البنى الشرعية (زواج التعدد)، لكن مشكلة سماع دعوى الزوجية، وعدم مسايرة الواقع السوسيوقتصادي لسيرورة التحديث، أعطى نوعا من الحياة لهذه البنية، فاتجه التوجه الرابع (اشتراط إجبارية استطلاع الزوجة اثناء توثيق عقد الزواج حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه والتنصيص على ذلك في العقد" ومنع التعدد في حالة التنصيص عليه، وحصره في حالة عدم التنصيص عليه في حالتي العقم وحصول مرض مانع من المعاشرة الزوجية)، فاتجه هذا التوجه إلى وضع الآلية القانونية للقضاء على هذه البنية بشكل كامل أو في الأقصى إبقاؤها في حدود جد ضيقة. والأمر لا يختلف بالنسبة لزواج القاصر، إذ تم تضييقه بوضع حد أدنى للسن في الوضع الاستثنائي، أي 17 سنة مع تـأطيره بعدة شروط تضمن بقاءه في دائرة الاستثناء عند التطبيق.
إذا كان الصراع على مستوى الخطاب لا يخفي حقيقة أن جبهة الحداثيين تعبر بشكل علني عن رغبتها في أن تستكمل هذه المهمة، وأن يتم الفطام بشكل كامل عن ثقافة الأم (كما هي فلسفة العروي الحداثية) فإن مكونات الجبهة المحافظة، هي الأخرى، لا تخفي كونها تقوم بعملية مقاومة لهذه السيرورة، متمترسة في ذلك خلف الحماية المجتمعية.يظهر التوتر بين البنيات الشرعية والتحديثية أكثر في هندسة الزواج بشكل أكثر وضوحا من جهة في استحداث أنماط علاقات جديدة داخل مؤسسة الأسرة، ومن جهة أخرى، في تغيير ترتيبات عرفية في زمن مؤسسة الزواج، يترتب عنها لاحقا القضاء على بعض الأوضاع الشرعية.
مثال الأول، في التوجه السابع، المتعلق بتدبير الأموال المكتسبة، أثناء العلاقة الزوجية، واعتماد مقترح تثمين عمل الزوجة داخل المنزل، واعتباره مساهمة في تنمية هذه الموال المكتسبة. فهذا المقترح، الذي يبدو في ظاهرة الانتصار لفئة من النساء المقهورات اللواتي يخرجن بعد سنوات من العمل المنزلي الشاق بدون تعويض لاسيما عند الطلاق، يؤول في مؤداه إلى تمكين المطلقة من حقين، حق شرعي هو المتعة، وحق حداثي هو نصيبها في الأموال المكتسبة، وفي المقابل تكليف المطلق بواجبين شرعي وحداثي، بما يؤول في نهاية المطاف، إلى خلق تذمر من صعوبة الوفاء بهما يلتقي مع مطالب الحداثيين بإلغاء المتعة، بحكم انها تنتمي إلى البنيات التقليدية، أي نفس المنهجية التي تم بها استقبال البنيات الحديثة في الطلاق، والانتهاء بالبنيات التقليدية إلى الإقبار بدعوى عدم الحاجة إليها.
الوجه الثاني في هذا المثال، أن هذا التوجه سيدفع بشكل تقليدي إلى القضاء على دور الزوجة ربة البيت، لفائدة المرأة العاملة، فالزوج الذي سيتحمل أداء واجبات العمل المنزلي ويدفعه لزوجته، سيكون خياره الأفضل هو الزواج بالمرأة العاملة، لتتقاسم معه نفقات الخادمة، بما ينهي بشكل مطلق أنماط من العلاقة التقليدية داخل الأسرة: أي خدمة الزوجة لبيتها، لفائدة التأسيس للعلاقات الحداثية القائمة على منطق المساواة والمناصفة حتى في أداء الواجبات، بما يؤول في نهاية المطاف إلى اختفاء مفهوم النفقة، ومعه مفهوم القوامة.
مثال الثاني، المتعلق بتغيير ترتيبات عرفية في زمن مؤسسة الزواج، فيوضحه بشكل كبير تمتيع الزوجة بحق النفقة مع العقد لا مع البناء (الدخول)، مع أن المالكية ـ مذهب المغاربة وثابتهم الديني-لا يختلفون في أن النفقة على الزوجة لا تجب إلا مع الدخول، فالظاهر، أن اللجوء لهذا الاقتراح الذي يدعم بالاجتهاد الحنفي، سيكون له ضمن الرؤية الحداثية دور مهم، يتعلق بإنهاء مفاهيم شرعية مثل "قبل البناء وبعده"، وما يتعلق بها من أحكام، وهو الوضع الذي سيكون ميسرا إن تقوت الانتقادات لمتعة الطلاق، واتجهت دينامية التحديث إلى الاستعاضة عنها بفكرة تدبير الأموال المكتسبة اثناء قيام الزوجية واعتماد العمل المنزلي سببا ناهضا لاستحقاق نصيب مثمن ضمنها.
تفكيك بنيات المحافظة: ثالثا المفردات واللغة القانونية
الخطوة الثالثة، المستكملة لتفكيك بنيات المحافظة، هي تغيير اللغة، واعتماد اللغة القانونية الحديثة بدلا عن اللغة الشرعية، وإذا كنا قد رأينا في الفقرات السابقة كيف ينتهي تفكيك البنيات إلى إنهاء بعض المؤسسات وأنماط العلاقات وأيضا بعض المفاهيم الشرعية، فإن ما اختتمت به توجهات الهيئة يطرح أكثر من تساؤل حول هذه الخطوة، إذ تم التأكيد بشكل واضح على أن المراجعة، بحكم كونها عميقة، ستشمل بالضرورة تبني صياغات بعبارات حديثة، من خلال استبدال بعض المصطلحات سيما إذا توقف العمل بها في منظومتنا القانونية".
وقد كان تمثيل وزير العدل السيد علد اللطيف وهبي في هذا الموضوع بمصطلح المتعة في الطلاق، واضحا لبيان أهمية هذه الخطوة المتعلقة باللغة في التمكين للبنيات الحديثة وهزم بينات المحافظة.
وقد اتضح من خلال لغة المجلس العلمي الأعلى، ولغة وزير العدل الذي قدم التوجهات فرق شاسع في الاصطلاحات المستعملة، فعلى سبيل المثال يتحدث المجلس العلمي الأعلى عن إيقاف سكن الزوجية، أو عقد "العمرى" الشرعي بين الزوج والزوجة الذي بمقتضاه يمكن استثناء بيت الزوجية من التركة، يتحدث وزير العدل في التوجه الرابع عشر عن حق الزوج أو الزوجة بالاحتفاظ ببيت الزوجية في حالة وفاة الزوج الآخر وفق شروط يحددها القانون.
على سبيل الختم
في الواقع، يصعب اختبار هذه التحليل، وإثبات مصداقيته بمعزل عن حركة التاريخ، أي التاريخ الذي يكشف القواعد التي اعتمدت لإزاحة البنيات التقليدية المرتبطة بالتعليم والقضاء ومختلف التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية التقليدية، في مجتمعاتنا العربية والإسلامية مع مجيء الاستعمار وتشكل الدولة الحديثة، لكن، يبدو أن تحليل مسار ما بين 2004 و 2024، وتحليل تغيرات نص المدونة وما يترتب عنه من تغير في البنيان وأنماط العلاقان والمفاهيم، والأحكام، يؤكد ولو بشكل جزئي بعض الخلاصات التي انتهينا غليها، ليبقى المستقبل الذي سيصبح يوما ما تاريخا كفيلا باختبار هذا التحليل وإثبات مصداقيته.
لكن مع ذلك كله، فلا خلاف بالمطلق في استقراء تجارب التحديث سواء لحظة الاستعمار أو لحظة الدولة الحديثة أن الصياغة القانونية، والخيارات التشريعية لبعت دورا مركزيا في إنهاء البنيات التقليدية والشرعية لفائدة بنيات حديثة تمنح كل الامتيازات لتبرر وجودها وتؤمن استمرارها.