#تأملات_رمضانية
د. #هاشم_غرايبه
كثير من الناس يعتقدون ان العبادات هي مجرد تكاليف لابتلاء الإنسان أيصبر عليها أم لا.
في الحقيقة هذا فهم قاصر، فرغم أن الله تعالى لم يذكر لنا حكمته من أي تكليف من تكاليفه التي فرضها على عباده، إلا أنه حثنا على دوام التفكر في القرآن الكريم، والتوسع في فهم معاني ودلالات أحكامه، ومن لم يسعفه عقله فليسأل أهل الذكر الذين فتح الله عليهم من علمه.
الشريعة ليست مجرد أوامرٍ ونواهٍ فرضها الله علينا ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وإنما هي مصلحة كلها، فلم يُحرّم الله طيبا مفيدا، بل كل خبيث ضار، ولم يفرض علينا عبادات ليرهقنا بها، بل هي منفعة كلها، منها ما ندرك حكمته وأغلبها لم نؤتَ العلم بعدُ، الذي نفهم به الأبعاد العميقة والمنافع العظيمة التي ننالها بها.
للتقريب لنضرب مثلا – ولله المثل الأعلى – : التلميذ الذي يفرض عليه المعلم واجبات بيتية يراها ثقيلة عليه، هو يعتقد أنه يؤديها لإرضاء المعلم، لكنه لا يعلم إلا بعد أن يكبر ويتخرج، كم كانت تلك الواجبات ضرورية للتعلم، وكم نفعته بتحصيل درجات عالية أدت فيما بعد لقبوله في كلية لا يتحقق دخولها لغير المتفوقين، وتخرجه منها أدى الى تبوئه مكانة مرموقة في المجتمع، ومرتبة رفيعة على الدوام.
في كل عبادة أعطانا القرآن الكريم العنوان وترك لنا التبحر في التفاصيل، فالزكاة لتزكية المال مما قد يكون خالطه من حرام لم يعلم به صاحبه، وتطهيرالنفس من الشح وخوف الفقر “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا” [التوبة:103].
فهي ليست ضريبة يقصد بها تحميل الغني كلف الدولة التي كفلت له أمنه وحماية ماله، وليست عقوبة على استحواذه على نصيب كبير من أموال البلد، بل هي أداة للتقويم والصيانة وتحقيق الأمن المجتمعي بإزالة الضغائن والتحاسد.
يتجلى ذلك في:-
1 – تفرض الزكاة على المال المكنوز، وليس على المال المدور المستعمل في الدورة الإقتصادية للمجتمع، والذي ينشئ مرافق الإنتاج ويشغل الناس ويجري السيولة النقدية، فلا تستحق الزكاة على المنشآت الزراعية والصناعية، ولكن على ذلك الجزء من الدخل الذي تدره ومر عليه حول كامل من غير تحريك ولا استعمال، إذا فهو فائض عن الحاجة.
2 – لا تستحق الزكاة على الممتلكات العقارية ولا أدوات الإنتاج بل على ما تنتجه، ولا على المنتجات غير القابلة للخزن من الزروع والثمار والمنتجات الحيوانية، لذا فهي تشجع على الإستثمار والذي يحرك الإقتصاد، وتحفز تسييل المال بما ينفع الناس بدل خزنه في البنوك، وذلك أفضل علاج للتضخم.
3 – الضرائب يحاول المرء التملص منها، بينما يخرج المؤمن ما يستحق عليه من زكاة عن طيب نفس وبقناعة أن ذلك حق لله عليه فهو المنعم والمتفضل، ويحرص على إيفاء الحق بلا إنقاص ولا تأخير، كما يتوخى الإبتعاد عن الكسب الحرام لأن الله لا يقبل إلا طيبا، وبذلك تتحقق الحكمة من الزكاة في تزكية النفس والمال معا، وأما نفع الفقير فهو قيمة مضافة، تساعد على تقليل الفوارق الإجتماعية، وأداة فعالة إزالة الحقد الطبقي، ومنع الصراع الطبقي المدمر للمجتمعات.
4 – زكاة الفطر هي صدقة إضافية، تعزز ما حققه الصيام من صلة وتواد بين قاطني المحلة الواحدة، وتشكل هدية للفقراء والمساكين تكمل فرحتهم في العيد.
هي قيمة رمزية ولا يشترط إخراجها بالعين ذاتها كما كانت في أيام المسلمين الأوائل، الذين كان تعاملهم الأساس بالعينة أكثر من النقد، وكان القمح والتمر والزبيب عماد قوتهم ، والشعير لخيلهم، فقد تغيرت الأولويات والإحتياجات هذا العصر، لذا فإخراجها نقداً أولى وأنفع، ونفع الناس مناط شرعي.
هكذا نرى أن الزكاة فوق أنها نظام اقتصادي يحقق العدالة وتقارب الطبقات، فهي العلاج الوحيد لمرض البشر العضال وهو الشح، وهذا المرض أهم أعراضه الطمع، والطمع يؤدي الى الظلم، والظلم مفسدة للمجتمعات ومجلبة لكل الشرور. مقالات ذات صلة #تأملات_رمضانية 2024/04/02
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات رمضانية تأملات رمضانية
إقرأ أيضاً:
القرآن وتأثيرُه على النفس والوجدان
بشرى المؤيد
فن الكلام والخطابة نجدها موهبة يمتلكها الإنسان يزرعها الله فيمن يشاء من عباده فتجدهم فصحاء، بلغاء، لديهم المقدرة في إيصال فكرتهم كيفما يريدون، ويظهر بيان الطفل منذ صغره وأُسلُـوبه في الإلقاء، نلاحظ مثلاً أولاداً صغاراً عندما يجرى معهم حديثاً عن موضوع ما فتنطلق ألسنتهم البليغة الفصيحة وتجود بما تزخر أفئدتهم وعقولهم من كلام يفوق أعمارهم الصغيرة، وهذا يعود لتربيتهم وتنشئتهم القرآنية منذ نعومة أظافرهم.
سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلامه وآله الكرام، كان من أبلغ وأفصح الأنبياء منذ صغره، وكان كلامه له تأثيره على الناس بحيث استحوذ على قلوبهم وعقولهم، وكانت له مكانة كبيرة في قلوب أهله وَعشيرته وَمجتمعه وعالمه، وكان يلقب “بالصادق الأمين” لما عرف عن صدقه وأمانته بين الناس حتى كان الناس عندما تحصل أية مشكلة أَو نزاع بين القبائل لا يحتكمون إلا عند رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “وَأوتيت جوامع الكلم” ونزل عليه القرآن الكريم بلسان عربي مبين “فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ”.
وقوله تعالى: “نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ” (الشعراء193-195).
وحين كان القرآن معجزة سيدنا محمد -صلوات الله عليه وآله وسلم- لما فيه من البيان وسحر الكلام فمن كان يستمع لكلام رسول الله صلى الله عليه وآله، لا يخرج من عنده إلا وقد شهد بأن القرآن حق وكلام رسول الله صدق؛ يقول الوليد بن المغيرة وهو ألد أعداء الإسلام “والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر.
ومن بلاغة القرآن وبيانه حين استمع نفر من الجن لكلام الله ذهبوا إلى قومهم يدعونهم ليؤمنوا برب العالمين “قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا” “وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ، فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا” وفي سورة أُخرى: “قَالُوا يَٰقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ”.
فالقرآن الكريم ومن تمسك به من المؤمنين الصالحين يجعل الله لهم في كلامهم تأثيراً في القلوب والوجدان، ويجعل ألسنتهم تنطلق وفيها من الفصاحة والبلاغة والقوة ما يجعل الناس يتأثرون وتلين وَتنجذب لخطاباتهم القوية المؤثرة، وكثير جِـدًّا من هؤلاء القادة العظام على مسار التاريخ إلى يومنا هذا، على سبيل المثال سماحة السيد/ حسن نصر الله، فما زالت خطاباته رنانة في أسماعنا وَآذاننا ووجداننا، والسيد القائد/ حسين بدر الدين الحوثي -سلام الله عليه- حين تستمع له أَو تقرأ ملازمه تجد هذا التأثير، وجمال وَعمق الكلمات تدخل في القلوب، وَأَيْـضًا الرئيس القائد الصماد -سلام الله عليه- وَخطابات السيد القائد/عبد الملك الحوثي، وغزارة كلماته ومعانيها واتساعها وانتشارها في الناس أجمعين، وقاده عظام كثر تجد عقولهم وقلوبهم زاخرة بالكلمات والمعاني، وحين يتكلمون يأسرون قلوب الناس، فما سر هذا التمكين وهذا البيان الذي يعطيهم الله من فضله؟
هؤلاء القادة العظام صدقوا مع الله فصدقهم وجعل فيهم الخير وَالبركة؛ ليكونوا قُدوة للناس، ويتأثر الناس بهم، وجعل الله في شخصياتهم كاريزما خَاصَّة تجذب الناس إليهم، ويتمتعون بصفات القادة العظام من قوة التأثير، وصدق القول، إيمانهم المرتبط بالله عز وجل، تمسكهم واعتصامهم وَتوكلهم على الله العلي العظيم، حرصهم على هداية وإرشاد الناس، حكماء، فصحاء، بلغاء، مخلصين لله ولرسوله العظيم، فيهم صفات المؤمنين الصادقين مع الله، قال تعالى: “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ” فرسول الله قدوتهم وعلي كرم الله وجهه، معلمهم وقائدهم ومفكرهم ومرشدهم؛ فهو نسخة من رسول الله إلا أنه ليس بنبي، نشأ وتربى على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قالَ الإمام علي -عليه السلام-: “كِتَابُ الله، فِيهِ نَبَأُ مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنْ ابَتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ الله المَتِينُ، وَهُوَ الذّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الّذِي لاَ تَزِيعُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الألْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلى كَثْرَةِ الرّدّ، وَلاَ تَنْقَضَي عَجَائِبُهُ…”.
اللهم جمِّلِ القرآنَ في قلوبنا وثبتنا عليه إلى يوم أن نلقاك ونحن على هدى القرآن ونوره.