يُبدي الدكتور هادي بن مسلم الحكماني اهتماما كبيرا بصون النمر العربي منذ أكثر من 20 عاما، ويمتلك تجربة رائدة في تطوير استراتيجيات وبرامج لحماية هذا الحيوان المهدد بالانقراض في سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، ويعمل حاليا ضمن جهود الحفاظ على الحياة البرية والتنوّع البيولوجي في الهيئة الملكية لمحافظة العلا بالمملكة.

ويوجد النمر العربي فقط في جبال شبه الجزيرة العربية، ويمتد نطاق انتشاره سابقا من فلسطين في الشمال الغربي وعلى طول الجبال المحاذية للبحر الأحمر في المملكة العربية السعودية واليمن، وشرقا باتجاه جبال حضرموت والمهرة في اليمن وصولا إلى جبال ظفار وجبال الحجر الشرقي والغربي بما فيها جبال مسندم في سلطنة عُمان، وكان يوجد أيضا في جبال دولة الإمارات العربية المتحدة.

أما في الوقت الحاضر، فإن نطاق انتشاره أصبح محصورا في مجموعات صغيرة منفصلة عن بعضها في جنوب سلطنة عُمان "محافظة ظفار"، وجبال جنوب وشرق اليمن، وعدد محدود في جنوب المملكة العربية السعودية، ويعد سلالة نادرة من النمور، ومصنّف بأنه مهدد بالانقراض بالمستوى الحرج - حسب تصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، وفي هذا السياق يقول الدكتور هادي بن مسلم الحكماني قائد المحافظة على النمر العربي بالهيئة الملكية بمحافظة العلا بالمملكة العربية السعودية لوكالة الأنباء العُمانية: إنّ بداياتي مع صون النمر العربي بدأت عام 1998م خلال مشاركتي متطوّعا مع الفريق المختص بالنمر العربي من مكتب مستشار حفظ البيئة التابع لديوان البلاط السلطاني آنذاك، مبيّناً أن المشروع بدأ من جبل سمحان بمحافظة ظفار وصولا إلى معظم الجبال بالمحافظة، فقد تمت تغطية معظم نطاق انتشاره التاريخي في سلطنة عُمان خصوصا بمحافظة ظفار وكذلك في بعض أجزاء محافظة مسندم.

وأوضح، أن دراسة النمر العربي ليست سهلة مقارنة بالنمور في أفريقيا؛ نظرا لوجوده بأعداد قليلة، وهو حيوان انعزالي وحياته غالبا منفردة، فتتم دراسته بطرق غير مباشرة باستخدام الكاميرات الفخيّة، والتتبع اللاسلكي، وكذلك من خلال تتبع العلامات والآثار المتعلقة به لمعرفة جيناته الوراثية مشيرا إلى تأثيرات إنشاء الطرق والتجمعات السكانية مثل القرى الكبيرة في المناطق الجبلية بمحافظة ظفار على حركة وتنقل النمور.

ولفت إلى مشاركته في إجراء دراسة شاملة عن التنوّع الجيني والجينات الوراثية للنمر العربي التي استخدمت فيها عينات نمور مختلفة من سلطنة عُمان والجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إذ وفّرت هذه الدراسة معلومات وبيانات مهمة جدا للمختصين والجهات المعنية بصون النمر العربي لاتخاذ الإجراءات المناسبة والفاعلة لحماية هذا الحيوان المهدد بالانقراض.

وبيّن أن القتل المباشر وفقدان الفرائس الطبيعية في البريّة وكذلك الموائل الطبيعية التي كان يعيش فيها النمر العربي هي من أبرز التحديات والتهديدات التي تواجه هذا الحيوان؛ فقد أسهمت هذه التهديدات مجتمعة في انقراض النمر العربي من فلسطين والأردن والإمارات العربية المتحدة وشمال سلطنة عُمان وأجزاء كبيرة من اليمن والمملكة العربية السعودية، لافتا إلى أن نطاق انتشاره حاليا لا يتعدى 2 بالمائة من نطاق انتشاره التاريخي في جبال شبه الجزيرة العربية.

ووضّح أن أعداد النمر العربي الموجودة في البريّة وفقا لآخر دراسة نشرت بحسب تصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة قُدرت بأقل من 120 نمرا، منها 50 نمرا في سلطنة عُمان و50 في اليمن، وأقل من 20 نمرا في المملكة العربية السعودية.

وأكد على أهمية الجهود التي تبذلها سلطنة عُمان للحفاظ على هذا الحيوان النادر، وتعزيز وعي المجتمع المحلي، منها مشروع دراسة النمر العربي وحمايته من الانقراض، وإنشاء المحميات الطبيعية التي تشمل نطاق انتشاره مثل محمية جبل سمحان الطبيعية ومحمية خور خرفوت الطبيعية في جبل القمر بالإضافة إلى تنفيذ مشروع تعويض حالات افتراس الماشية إذ تم تعويض أكثر من 100 حالة منذ عام 2014م.

كما أشار الحكماني إلى جهود المملكة العربية السعودية في هذا الشأن، والمتمثلة في إنشاء المحميات الطبيعية، وتنفيذ برامج الحفاظ على النمر العربي وإعادة توطينه في مناطق انتشاره التاريخي في جبال المملكة بالإضافة إلى برامج دراسة النمر العربي في البريّة، وبرنامج لإكثار هذا الحيوان المهدد بالانقراض، إذ يوجد نحو 27 نمرا في مركز إكثار النمر العربي التابع للهيئة الملكية لمحافظة العُلا بالمملكة.

وأوضح، أن هناك تعاونا مشتركا بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية بشأن تبادل النمور بين مراكز الإكثار في البلدين وبناء القدرات في مجال صون النمر العربي مؤكدا على أهمية هذا التعاون من أجل المحافظة على التنوع الجيني للنمور العربية.

وأشار الدكتور هادي الحكماني إلى إسهاماته في نشر العديد من الدراسات العلمية في مجلات محكّمة علمية إلى جانب مشاركته في تأليف كتاب بعنوان "النمر العربي في سلطنة عُمان" الذي يُعد أول كتاب متخصص عن النمور العربية بشكل عام مستفيدا من خبرته الطويلة في هذا المجال التي تجاوزت 20 عاما.

وتسعى الدول التي ينتشر فيها النمر العربي إلى حماية هذا الحيوان من الانقراض والحفاظ على ديمومة مناطقه البيئية الطبيعية بهدف تحقيق التوازن البيئي والتنوع البيولوجي في مختلف مكونات البيئة.

جدير بالذكر، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت عن تخصيص العاشر من فبراير من كل عام يوماً دوليّاً للنمر العربي نظرا لأهميته الحيوية للنظام البيئي في شبه الجزيرة العربية، إذ يُعد أحد أنواع النمور التسعة المسجلة لدى الاتحاد الدولي لصون الطبيعة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: والمملکة العربیة السعودیة المملکة العربیة السعودیة النمر العربی هذا الحیوان فی جبال

إقرأ أيضاً:

في اليسار المتطرف.. رؤية من الداخل

إن أية حركة سياسية أو فكرية، تمارس الإقصاء هي نمط من التفكير المتطرّف. وهو نمط، نخطئ – كما عوّدنا الثقافيّون الغربيون والعرب على ذلك – حين نربطه بالإسلام ـ  والذي لا يمكننا فهمه حسب محمد أركون إلا في صيغة الجمع ـ أو نعتبره نتيجة ضرورية لمبادئ الدين الإسلامي، حتى وإن كنا لم نقرأ هذه المبادئ، أو لم نترجمها بعد إلى لغة الحداثة.

قراءات اختزالية

إنه نمط في التفكير يرتبط بفشل المشروع التحديثي، أو مشروع الدولة الوطنية في السياق العربي. ويقوم هذا النمط من التفكير على إقصاء الآخر المختلف من الحقيقة، ومن الفضاء العام، وممارسة الوصاية عليه، وتهميش إرادته السياسية وثقافته والحطّ من تقاليده المتوارثة.

وقد عبّر هذا النمط الإقصائي في التفكير عن نفسه من خلال صيغ مختلفة، ومنها: صيغة "الدولة ضد المجتمع" أو "النخبة ضد الشعب" أو "العلمانية ضد الإسلام" وهلمّ جرا. وهو نمط سابق بعقود على ظهور الحركات المتطرفة، بل وهو الذي عبّد الطريق لظهور الإسلام السياسي.

وقد تحدّث الفيلسوف الأميركي مايكل والزر عن ذلك في كتابه: "مفارقة التحرر" (2015)، وأوضح كيف انتهى فشل المشروع التحرري العلماني إلى عودة المكبوت الديني، وذلك ليس فقط في سياق عربي. ومن هنا شرعية الحديث عن يسار متطرف في الثقافة العربية المعاصرة، ارتبط بجيل الدولة الوطنية والنخب التي أنتجتها وارتبطت بها، وانتهت به مغالاته اليوم إلى الدفاع عن دول الممانعة، أو دول الاستعمار الداخلي، وعن حداثة مفرغة من مضمونها السياسي والحقوقي.

وما لا نلتفت إليه كثيرًا، هو أن جناية هذا اليسار على الثقافة العربية لا تنحصر فقط في حربه الشعواء على كل ما هو إسلامي، وأنا أستعمل هنا عن قصد مفردة الحرب، لأنني مؤمن بأن الثقافة الإسلامية مثل أي ثقافة لا يمكنها أن تتقدم إلا بالنقد والنقد الذاتي، كما علّمنا علال الفاسي، ولكنها لا تتقدم في ظل اليسارية المتشددة منها واليمينية، أو لا تتقدم وتتطور في سياق يحكمه العنف.

إن جناية اليسار المتطرف على الثقافة العربية، تتمثل أيضًا في القراءة التي قدمها ويقدمها للحداثة الغربية. ومثلما كانت قراءته للتراث العربي الإسلامي متسرعة، اختزالية، أيديولوجية، قد تنتهي في بعض الأحيان إلى نوع من الحقد على الذات، فإن قراءته للحداثة الغربية ومنجزها الفكري لا تقل اختزالية، بل ولا تقل عنفًا.

أيديولوجيا استئصالية

ويمكننا توضيح ذلك من خلال مفهوم العلمانية الذي ساد الفكر العربي لعقود كثيرة، والذي تحول إلى نوع من الأيديولوجيا الاستئصالية التي ستبرر هيمنة البعثيين على المجتمع. وحتى وإن كنا لا نوافق محمد عابد الجابري في دعوته لنا إلى التخلص من هذا المفهوم والاكتفاء باستعمال مفهومي الديمقراطية والعقلانية، فإنه لا يمكننا إلا أن نتفهّم هواجسه، وخصوصًا بالنظر للاستعمالات الأيديولوجية للمفهوم في السياق العربي.

ولكن، يظل من الضروري أن نسلط الضوء على تعددية التجارب والتصورات الحديثة عن العلمانية، كما يتوجب أن نفعل ذلك مع مفاهيم وتصورات وتجارب أخرى، مثل: الديمقراطية، والتنوير، والعقلانية. ويمكن تقديم مثال آخر – يوضح بشكل أفضل القراءة الاختزالية والانتقائية والناقصة للحداثة من طرف اليسار المتطرف، والذي يمكننا أن نميز داخله، بين يسار قومي، ويسار ستاليني، وثالث ليبرالي، أو بالأحرى نيوليبرالي – هو تلك القراءة التي سيقوم بها الفكر العربي، في صيغته القومية، للفلسفة الألمانية في القرن التاسع عشر، أو للتيار الرومانسي المتمرد على التنوير، وخصوصًا لفيشته.

فبسام طيبي، يذكر في كتابه الشهير عن القومية العربية، وعن رائد الفكر القومي عربيًا ساطع الحُصري، أنه لم يقرأ من فيشته إلا "خطابات إلى الأمة الألمانية"، وبلغة أخرى، فإنه اكتفى بفيشته القومي، وفيشته التربية القومية، ولم يطلع أو لم يلزم نفسه الاطلاع على فيشته الكوسموبوليتي.

طابور خامس

بل الأكثر من ذلك أن الحُصري سيكتفي، وهو ما لم يقله بسام طيبي، بقراءة أيديولوجية للخطب، ضاربًا صفحًا عن القراءات الأخرى التي كانت ترى في التربية القومية لفيشته تربية على الإنسانية وليس دفاعًا عن القومية أو الشعب الألماني. ولا بأس من التذكير بأن كتاب "الخطب" لفيشته، هو الذي سيحظى باهتمام حسن حنفي أيضًا، وستتردد تصوراته الرومانسية في مقدمته السحرية لكتابه: " مدخل إلى علم الاستغراب".

أما المثل الثالث الذي يمكننا تقديمه، فهو الذي يعبر عنه بشكل واضح الشاعر والمفكر السوري أدونيس، وبعض من حوارييه الصغار، والذي، في شططه اليساري سيربط العنف والإرهاب وكل ما يعانيه اليوم العالم العربي ـ الإسلامي بفكرة التوحيد، وهو موقف نلتقيه، في صيغة أقل كاريكاتورية، عند عالم المصريات يان آسمان، في تحليله لسفر الخروج وصورة  الإله الغيور في "العهد القديم"، أو الفيلسوف الألماني أودو ماركفارد في نقده للأديان التوحيدية.

ولكنه، مع أدونيس، يظل موقفًا سطحيًا، يناقش الأعراض وليس الأسباب، ولا يقول شيئًا عن سياق التخلف والاستبداد، ولا يقول شيئًا عن الدكتاتوريات العربية التي ظلت تحارب كل مظاهر "الانقسام الاجتماعي" كما يسميها لوفور أو كل مظاهر التعددية، والتي ليست بالضرورة حكرًا على الحداثة الغربية في صيغتها الديمقراطية، ولكنها ظلت دومًا تميز الثقافات والمجتمعات الإسلامية، ليس في لحظات ازدهارها فحسب، ولكن حتى في لحظات تقهقرها.

ويكفي هنا أن نقارن، بين القراءة التي يقدمها محمد عزيز لحبابي لمفهوم التوحيد في "الشخصانية الإسلامية"، والذي يرى فيه تحقيقًا للمسلم كإنسان فرد وحر، كشخص وليس كعبد، وبين تصور أدونيس الذي يتماهى، في لاوعي، مع أكثر القراءات رجعية.

إن تطرف الأفكار منظومة شمولية متسلطة ومغلقة، تحكم اليسار واليمين، الليبرالي والقومي والإسلاموي، وتعبر عن نفسها في الخطب السياسية والأدبيات الفكرية، وبرامج الأحزاب والكتب المدرسية، بل وتعبر عن نفسها في العلاقات الاجتماعية والمؤسسات التربوية، من أسرة ومدرسة وجامعة، ولا يمكن التأسيس لثقافة عربية تصالحنا مع ذاتنا وتاريخنا ومع العالم، دون نقد هذه المنظومة الشمولية، وهو ما لن يتحقق، إذا لم نحرر الثقافة العربية من سدنتها وسماسرتها، الذين ما برحوا يتعاملون معها بمنطق الغنيمة، أو في حزبية ضيقة وروح غير نقدية.

إنّ تحرير الثقافة العربية لن يتم في ظل السلطوية، بل هو يبدأ حين نبدأ بتحريرها من هذه السلطوية. وهنا قد تلعب المنافي الغربية دورًا كبيرًا، على الرغم من أن سطوة السلطويات العربية ستطارد المثقفين الأحرار إلى تلك المنافي، بل ولن تتورع عن التحالف مع الإسلاموفوبيا ودعمها ضدهم، وضد أي حضور نوعي للمسلمين في أوروبا، يساعدها في ذلك طابور خامس، يقول عن نفسه عربي، أضحى القاصي والداني مدركًا لدوره الهدّام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • جهاز حماية المنافسة يفوز بجائزة شرفية من البنك الدولي وشبكة المنافسة الدولية
  • «حماية المنافسة» يفوز بجائزة شرفية من البنك الدولي.. اعرف التفاصيل
  • ماذا تبقى من الشارع العربي؟
  • في اليسار المتطرف.. رؤية من الداخل
  • بعد جرب الطوفان: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟
  • سلطنة عُمان تشارك في الدورة الـ28 للجمعية العامة للمنظمة العربية للطيران المدني
  • في تجربة رائدة.. مزارع ينجح في زراعة “هيل” القهوة بمنطقة الباحة
  • مستشار وزيرة البيئة: مصر تحتل مرتبة متقدمة في تطور العمل المناخي بفضل خططها
  • التوقيع على اتفاقية مقر الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لـ"دول الخليج"
  • طالما استمرت حرب غزة.. هكذا قلّل مستشرق إسرائيلي من فرص التطبيع مع السعودية