عبدالله مكاوي

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل اول: يقول نبي الشعر حميد علي لسان السُرة بت عوض الكريم (ما كنا قايلين في حياتنا يجينا اقسي من المضي/ ساعة مروق الانجليز قلنا الظلم راح وانقضي/ تاريهو كمتر .. وقام دقون .. حلفا وعشر ..معيوقة نال .. دمسيس .. ضريسا وشوك جُمال).

ويبدو ان شوك الجُمال (نبات شوكي سريع الانتشار واسع الضرر صعب المكافحة) الخالق الناطق مليشيا الدعم السريع.
مدخل ثانٍ: (اذا تجسد الخراب في افراد، فإن ما اصاب الدولة السودانية من دمار شامل، بدأ بالدجال الترابي وانتهي بشراكة الجهل والاجرام حميدتي/البرهان).
الحرب الاجرامية الراهنة التي فككت عري الدولة وهتكت النسيج الاجتماعي واهلكت الحرث والنسل ونذرت المستقبل للمصير المظلم. ليست لأخطاء متراكمة لازمت الدولة منذ الاستقلال، ولكنها بالأحرى محصلة مشروع جهل وغرور ونهب واجرام تولي كبره الاسلامويون. وصحيح كانت هنالك اخطاء وممارسات سياسية وعسكرية بعضها كارثي، ولكنها لم تمس كيان الدولة او تتلاعب بمؤسساتها او تتهاون في امنها القومي او تستبيح مواردها، بكل هذه العنجهية والاستهتار والفوضي وقلة المعرفة وضعف الخبرة، كما تعمد الاسلامويون في تعاملهم مع السلطة، وكانهم في عداء مستحكم مع الدولة ويبغضون المجتمع لوجه الله. وباختصار ما قبل الاسلامويين كانت هنالك مشاكل واخطاء قابلة للحل والعلاج، اذا ما توافرت الارادة وصدقت النوايا وكف العسكر عن تدخلهم فيما لا يعنيهم ولا يفقهون فيه شيء. اما مشكلة وجود الاسلامويين، انهم في الاصل مرض عضال، بدليل انهم منذ ميلادهم المشؤوم، لم يطرحوا انفسهم كسياسيين او برامجهم كوصفات سياسية لحل المشاكل المجتمعية، وانما طرحوا انفسهم كأصحاب الحلول الناجعة حصريا، وأيديولوجيتهم كمسفهة لكافة الحلول المطروحة (اليست حلول دينية واصحابها صنو للصحابة الاجلاء)؟!
واستفحل المرض المميت بعد سيطرة الاسلامويين الغادر علي السلطة، واستيلاءهم علي الدولة واستباحة مواردها. وفاقم من حجم الضرر، الافرازات السيئة لواقعة تغييب الدولة لصالح حضور المكونات والاساليب ما قبل الدولة، كوسيلة للإفلات من الرقابة والمحاسبة، وتجلي ذلك في مولودهم مليشيا الدعم السريع، الذي تفنن في ترسيخ الفوضى والارهاب والنهب! وعليه بوصول الاسلامويين المتعالين علي المجتمع الي سدة السلطة، وبتغلغل أيديولوجيتهم الخواء في مفاصل الدولة، حلت اللعنة واستوطن الخراب. لتتحول السياسة من جهود لترقية احوال المجتمع وانشطة لتجويد أداء الدولة، الي مؤامرة تبرر تحول السلطة الي غول يلتهم عافية الدولة ويحطم حياة المواطنين.
والحال كذلك، ضحت الثورة بتقديم خيرة الشبان كقربان، لرد السلطة الي الشرعية والبلاد الي اهلها. ولكن ما فات علي الثوار ان سمو الطرح ونبل الممارسة وعظم التطلعات، لا تتسق ومدي التوحش الذي وصلت اليه السلطة الفاجرة. وهذا التوحش الذي وصلت اليه السلطة لم يكن مصادفة، ولكنه محصلة الانجاز الوحيد الذي اخلص له الاسلامويون، وهو الاحتفاظ بالسلطة باي ثمن وبكافة الوسائل وعلي الاخص القذرة منها.
المهم، هذا الانشغال بالسلطة، وخصوصا بعد ان تحولت الي آلية لتلبية الرغبات غض النظر عن معقوليتها ناهيك عن مشروعيتها، رداها الي حالة وسواسية من الهواجس والمخاوف والاطماع تجتاح قيادات الاجهزة الامنية والعسكرية والسياسية، وتاليا تتربص ببعضها البعض داخل كابينة قيادة الانقاذ.
ماذا يقول كل هذا؟ يقول ببساطة ان تكوين الإسلامويين سلطوي، ومن ثمَّ يصدرون من موقع الامتيازات والسيادة علي الآخرين. وطالما الامر كذلك، من نافلة القول ان السلطة حقهم الحصري، وتاليا ان يفعلوا بالبلاد واهلها ما يشاؤون. وهذا بدوره قد يفسر اشياء عدة منها، انعدام حساسية الاسلامويين تجاه معاناة المجتمع التي يتسببون فيها، وهذا عندما لا يُتخذ المواطنون كوقود لحروبهم السلطوية وفئران تجارب لمشاريعهم البهلوانية ومطايا لرغباتهم المكبوتة. كما انه يفسر استباحة موارد البلاد وصرفها البذخي علي ملذاتهم وشراء المناصرين وإغراء المقاتلين، علي حساب حاجات اساسية لبقية المواطنين. اما البينة الكبري علي احتقار الاسلامويين لشركاءهم في الوطن، فهي هذه الحرب القذرة علي السلطة بين قيادات الانقاذ، والتي لا تضع اعتبار لما يصيب المواطنون من انتهاكات فظيعة، والبنية التحتية من دمار شامل.
وبالطبع الكلام علي الاسلامويين لا يعني الاسلامويون كافراد، بقدر ما يعنيهم كثقافة وسلوكيات، وهو ما يجعل الفوارق ممتنعة بين الاسلامويين والدعامة من حيث السوء والقذارة. وان كان هنالك فارق في المقدار يتفوق به الدعامة من جهة الجهالة والانحطاط والهمجية والعمالة والارتزاق. وذلك بالطبع يرجع لتكوينهم الاساس، كمليشيا معنية بأداء المهام القذرة نظير مكاسب مادية. وهو ما يجعل حديثهم عن المدنية والديمقراطية يثير الرثاء، ان لم نقل الاساءة لهذه المصطلحات بعد تلطيخها بقاذوراتهم. وعموما تاريخيا امثال اوباش وبرابرة الدعم السريع يلعبون دور اعداء الحضارة ورسل الخراب وسوط العذاب.
وما سلف يقول شيئا واحدا، ان هذه الحرب في اصلها حرب مرض مزمن اصاب الدولة السودانية، وتشخيصه ارتبط بوجود الاسلامويين وتحكمهم بالسلطة، ورفضهم التخلي عنها ولو تفتت البلاد وهلك اهلها. وبما انها حرب الاسلامويين وافرازاتهم الشيطانية، فطبيعي ان تصطبغ بسلوكياتهم وتنتهج نهجهم، من حيث القذارة والهمجية وانعدام الحس الانساني واخلاق الفرسان، كما انها تنذر بشر مستطير بسبب تدني منسوب مسؤوليتهم تجاه الدولة والمواطنين.
واحتمال هذه الحرب الفاجعة بوصفها نتاج لمكونات سلطة تمتاز بالقسوة والتجبر والمكر والتدليس، هو ما اضفي عليها الطابع التراجيدي المأساوي من جهة، ومن جهة اخري الغموض والتناقضات والمفارقات المدهشة، بحيث لا يحيط بها احد علما! لانه ورغم تبيُّن الخطوط العريضة لهذه الحرب، بين الجيش المدعوم من الاسلامويين ومليشيا الدعم السريع المدعومة من الاماراتيين، إلا ان الحيرة تلفها من كل جانب! وعلي راس الغموض ان الجيش ليس بهذا الضعف ولا مليشيا الدعم السريع بهذه القوة، عكس ما يجري علي ارض الواقع! بدليل ان الجيش يعمل وكأن ليس له جهاز استخبارات يمده بمعلومات عن تحركات ونوايا مليشيا الدعم السريع، رغم ان الجيش هو من انتدب ضباط يعملون داخل مليشيا الدعم السريع! بينما المليشيا تتحرك وكأنها تعلم كل خفايا الجيش! وهو ما يشئ بان هنالك قوة خفية تحرك خيوط اللعبة! بمعني هنالك حسابات خاصة وموازين قوي، يلعب فيها النفوذ والطموحات المستقبلية وخارطة الحلفاء الدور الاساس في هذه الحرب. وهذا ما يضرب بكل المخاوف علي مستقبل البلاد وما يصيب اهلها من عناء لا يحتمل، عرض الحائط.
ولكن ما يهم ان الخاسر الاكبر من هذه الحرب بعد المواطنين الضحايا والبلاد المدمرة، هم السياسيون وبقية مكونات المجتمع المدني، الذين انحسر حتي الهامش التاريخي الذي لازمهم بسبب سيطرة العسكر. وبما ان السياسيين بهذه القدرات المتواضعة، ولا ينفك يتشاكسون علي الدوام علي قضايا ومشاكل وطرق حل، اسهل وبما لا يقاس من هذه الحرب الكارثية التي تستهدف وجود الدولة. فالمؤكد ان هنالك حاجة ماسة لوجود طرف ثالث قادر علي تهديد مصالح الاطراف المتصارعة. وكان يمكن ان يكون هذا الطرف المجتمع المدني او قوي الثورة او حتي الاحتمال الضعيف بوحدة القوي السياسية، ولكن حتي لو حصل ذلك وهو ما لا يمكن توقعه، إلا ان القوي المتقاتلة وبما علم عنها من ارتباطها بالسلطة كهوية وكينونة او مصالح وجودية، لا تضع أي اعتبار لهذه القوي المفتقرة للقوة العسكرية، او هي سلفا لا تعلم سوي لغة السلاح، ولا تتعامل إلا بها كوسيلة لحسم الخلافات ونيل المآرب. وإلا لماذا التنمية الوحيدة التي لازمت الحكومة الانقاذية/الاسلاموية هي التنمية العسكرية واللغة العسكرية والمكونات العسكرية وانتشار السلاح في كل اتجاه؟ بل حتي اذا قدر الله وحدث تفاوض واتفاق بين الطرفين المتقاتلين وهو افضل السيناريوهات السيئة، فالمؤكد انه سيكون اتفاق تربص ببعضهما البعض، لان طابعهما الغدر! ولكن ذلك لا يمنع ان أي اتفاق مهما كانت درجة هشاشته واتجاه مصبه، فهو افضل من استمرار هذه الحرب العدمية. بعكس ما يدعي المهجسُون بحدوث تغيير شامل كامل، يجُب ما قبله من تعقيدات ومشاكل واخطاء متراكمة، ان هشاشة الاتفاق دعوة مؤجلة لحرب اشد وطأة. وهنا يبرز سؤال ما هو دور السياسيين اذا لم يعالجوا الهشاشة وينزعوا اسباب عودة الحرب، ويقودون البلاد لبر الامان بمواهبهم السياسية؟ اما اذا عجزوا عن هذه المهام فاليتركوا الساحة لغيرهم.
وللاسف ما يجهله الاسلامويون ان الثورة كانت آخر فرصة لمعالجة مرض طال امده، اضر بالدولة وانهك المواطنين. وبمعالجة مرض الدولة وتحسين احوال المواطنين، تستقيم حتي احوال الاسلامويين كمواطنين علي المدي البعيد، اذا ما اعترفوا بأخطائهم واستردوا وعيهم وانسانيتهم، وسيكتشفون ان البلاد رحبة اذا تصافت النفوس، وخيراتها تكفي الجميع وتفيض.
اما ما يجهله الثوار، ان هذه البلاد من الهشاشة وحكامها من الغشامة، بحيث أي هزة عنيفة تدمر اسسها وتدفع بها للفوضي العارمة. وان الهبوط الناعم الذي يُساء له وكانه عيب، اثبتت التجارب انه كان افضل وسيلة، اذا ما أُحسن استخدامه، لخلخة حكم الاسلامويين وتجريدهم بالتدريج مما اغتصبوه بغير وجه حق، او أقلاه لا يعرض البلاد للانهيار وخسران كل شيء وبما فيها فرصة التغيير. ولكنه كعادة كل حكمة متأخرة، فهي تأتي بطعم العلقم بعد فوات الأوان. ولكن ما يحير بعد كل هذه الفوضى والدمار والنفق المظلم الذي لا يبدو ان هنالك ضوء في آخره، ما زالت تطرق اسماعنا المطالب القصوى والرغبات الوردية، وكأنها متاحة مجانا وليس دونها خرط القتاد!
اما الوجه الآخر لحرب السلطة القذرة، ان افتقار الاسلامويين والدعامة للحد الأدنى من العقلانية والوطنية والانسانية، يجعل كل السيناريوهات كارثية. والاسوأ من ذلك حتي السيناريو الاقل سوء كالتدخل الدولي الذي يردع الطرفين المتقاتلين. هو نفسه محكوم عليه بالفشل او التباطؤ، بعد انشغاله بالحالة الانسانية وتغاضيه عن مسبباتها. كما ان حوافز تدخله يبدو انها خاملة حتي اللحظة، او دونها عقبات لوجستية وتضارب مصالح مكوناته. او كما يري البعض انها جزء من مخطط تقسيم البلاد كمقدمة لعدم استقرارها ونهبها. ولكن غض النظر عن كل ذلك، وامام جنون الاطراف المتقاتلة وضخامة الانتهاكات علي المدنيين، وعلي الاخص من جانب الدعامة الهمجيين، والعجز عن صدها او مجرد التصدي لها، وما يتهدد الدولة من خطر الفناء، كل ذلك وغيره يجعل الهم الاساس يتجاوز الطموحات السياسية الي المحافظة علي كيان الدولة وتخليص اهلها من العذاب. ويبدو ان الطريق الي ذلك يمر عبر تكثيف الجهود لإزاحة كل العقبات امام التدخل الخارجي لفرض ايقاف القتال والفصل بين الاطراف المتقاتلة وحماية المدنيين. ومجرد حصول ذلك يصبح انجاز يستحق الاشادة، اما ما بعده فلكل حادث حديث.
واخيرا
دون التخلص من طريقة التفكير واساليب العمل القديمة او ما يسمي الوسائل المجربة، فيبدو ان ما ينتظرنا ما لقبل لاحد به. واول خطوة للخلاص من العادات القديمة، هي الاعتراف بالواقع كما هو والتعامل علي ضوءه، أي نفوذ الدعامة والاسلامويين وصعوبة تخطيهم في أي افق حل يمر بإيقاف هذه المجزرة. وصحيح يصعب تجرع هذه الحقيقة سواء بوصف الاسلامويين هم المرض الذي سبب كل هذه المصائب، او من جانب الدعامة الذين لا يشبهون السودانيين ولا ينتمون للإنسانية بصلة، وتاليا قبولهم في الحياة الاجتماعية يكاد يشبه بلع الحنظل. ولكن من نكد الدنيا علي السودانيين التعايُش مع اعداءهم وسبب كل مصائبهم وبلاويهم، فقط لكف شرهم الذي يبدو انه لا يتوقف عند تهديد سلامة البلاد وقتل وتشريد اهلها بدم بارد.
نرفع القبعة للاستاذ فيصل محمد صالح وعثمان ميرغني ودكتور الوليد مادبو وغيرهم ممن يتصفون بالاحترام والموضوعية ويقدمون قراءات تحترم عقل المشاهد حتي ولو اختلف معهم. عكس الهرجلة التي يقدمها داعمو الحرب لدرجة احدهم (كنت احترمه غفر لي الله) يتحدث ملء فيه عن ان المواطنين يشعرون بالأمان في كل منطقة يدخلها الدعم السريع! واحدهم وللمفارقة تتقدمه صفة الدكتوراة تحدث عن مقرات الجيش التي استولي عليها الدعم السريع في دارفور سواء بالانسحاب او بمقاومة خجولة، بانها تحولت الي ملاعب اطفال! اما في المقلب الآخر الذي ينظر اصحابه للجيش بعين المحاسن وتقدم بعين المساوئ، لدرجة الانتقال من البهتان البسيط (ان تقدم ظهير الدعامة) الي البهتان العظيم (الدعامة ظهير تقدم) دون ان يطرف لهم جفن. والحال كذلك، اما كفانا عذاب الحرب واهوالها، حتي يتحدث بالإنابة عنا امثال هؤلاء، الله يكفينا شرهم وحقدهم. ودمتم في رعايته.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع هذه الحرب ان هنالک وهو ما

إقرأ أيضاً:

هذا هو الفشل الأكبر لـالدعم السريع

لم يعد خافيًا أن "قوى الحرية والتغيير" بقيادة عبدالله حمدوك، المتحوّرة لاحقًا إلى "تقدم"، ثم إلى "صمود"، ثم مؤخرًا إلى "تحالف السودان التأسيسي"، هي الجناح السياسي لمليشيا الدعم السريع والحاضنة المدنية لها، وظلت وما تزال تمثل الحليف السياسي لمليشيا الدعم السريع.

وقد بدأ هذا الحلف عقب أحداث 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، فيما عُرف بـ"الثورة التصحيحية"، التي تم فيها عزل رئيس الوزراء حينها عبدالله حمدوك وحل حكومته من قبل رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان، ثم أعاده مرة أخرى إلى منصبه في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام، وذلك بعد أقل من شهر.

وتم توقيع اتفاق يقضي بإعادة الانتقال الديمقراطي إلى مساره، وتشكيل حكومة جديدة، لكن عبدالله حمدوك لم يتمكن من تشكيلها؛ بسبب الخلافات المتفاقمة داخل قوى الحرية والتغيير نفسها، مما أفضى في نهاية المطاف إلى استقالة حمدوك من منصبه بعد أربعين يومًا فقط من إعادته إليه.

الفشل الأول

كانت هذه نقطة البداية في توثيق عُرى العلاقة والتحالف ما بين مجموعة حمدوك المعروفة بالمجلس المركزي، ومليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتي، الذي كان في ذلك الوقت نائبًا لرئيس مجلس السيادة الانتقالي.

إعلان

وقد كان السبب الرئيسي لقيام هذا التحالف، هو التوافق في طموحات كل من حمدوك ومجموعته السياسية من جهة، وقائد مليشيا الدعم السريع حميدتي من جهة أخرى، فمجموعة حمدوك كان طموحها هو اختصار طريق الوصول إلى السلطة باستخدام بندقية الدعم السريع في مواجهة الجيش، الذي تعتقد أنه ما يزال يدين بالولاء لنظام البشير وللإسلاميين.

أما حميدتي فكان طموحه هو الانتقال إلى كرسي الحكم رئيسًا للدولة باستخدام قوته العسكرية، وتحييد الجيش السوداني بعد اعتقال أو قتل رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وتنصيب نفسه بديلًا له، وذلك بدعم سياسي من مجموعة حمدوك، التي تعهدت بتوفير هذا الدعم حال نجاح عملية الاستيلاء على السلطة بواسطة مليشيا الدعم السريع.

لكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفن المليشيا وحليفها السياسي، على النحو المعروف، حيث كان مصير هذا السيناريو هو الفشل الذريع، فلم تستطع الدعم السريع اعتقال أو قتل البرهان وتحييد الجيش، وعجزت مجموعة حمدوك عن توفير أدنى قدر من الدعم السياسي للمغامرة التي أقدمت عليها المليشيا.

وكانت هذه أولى محطات الفشل من الجناح السياسي للدعم السريع وأول سقوط أخلاقي له، فطالما كانت مجموعة حمدوك تقدم نفسها على أنها داعية للديمقراطية والحكم المدني والتداول السلمي للسلطة، وتصدرت المشهد السياسي في السودان عقب الإطاحة بنظام البشير بهذا اللقب، الذي لقي قبولًا واسعًا من قبل قوى الثورة ومنظمات المجتمع المدني، لكنها نكصت عن التزامها حين وضعت يدها فوق يد مليشيا الدعم السريع للوصول إلى السلطة بالقوة.

الفشل الثاني

وبعد فشل مخطط الاستيلاء على السلطة بالقوة، كان من الممكن للجناح السياسي للمليشيا تدارك الأمر والعمل على إقناع حليفه العسكري بالتراجع عن الخطوة، خاصة أن الفرصة كانت مواتية بعد ثلاثة أسابيع من المحاولة الفاشلة للاستيلاء على السلطة، وذلك حين التأمت اجتماعات "منبر جدة"، التي انعقدت برعاية سعودية – أميركية واستضافتها السعودية، حيث تم التوقيع على اتفاق بين ممثلين للجيش السوداني وممثلين لمليشيا الدعم السريع على التزامات وافق عليها الجانبان، تقضي في مجملها بحماية المدنيين، وأبرزها خروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين التي احتلتها، واشتمل أيضًا على التزامات إنسانية واتفاق على جدولة محادثات مباشرة جديدة.

إعلان

لكن لم تلتزم الدعم السريع بتنفيذ ما وقعت عليه من التزامات، بل عمدت إلى توسيع عملياتها العسكرية واحتلال المزيد من منازل المواطنين والأعيان المدنية، ومارست انتهاكات إنسانية ضد المدنيين، من عمليات قتل وسلب ونهب واغتصاب وتشريد.

وكان من الممكن أن يمارس الجناح السياسي للمليشيا بقيادة حمدوك دورًا أكثر رشدًا بالضغط على قيادة الدعم السريع لتنفيذ ما التزمت به في اتفاق جدة، لكنها على النقيض من ذلك، عمدت مجموعة حمدوك إلى تبرير عدم تنفيذ حليفها العسكري التزاماته وشجعته على التمسك بما سمته بـ"المناطق المحررة".

وكانت هذه محطة أخرى من محطات الفشل والسقوط من جانب الجناح السياسي لمليشيا الدعم السريع، وكانت خطوة قاصمة لظهرها، مثّلت خسارة سياسية كبيرة لها.

إذ كيف تتحول منازل المواطنين والأعيان المدنية إلى مناطق محررة؟ وكانت هذه نقطة تحول فارقة في نظرة قطاعات الشعب السوداني حيال الحرب، التي كانت حينذاك ترى أن الحرب هي صراع بين جنرالين على السلطة، فتحولت النظرة الشعبية للحرب إلى أنها حرب تستهدف الدولة السودانية والمواطن السوداني بالأساس، وليست صراعًا بين البرهان وحميدتي على السلطة.

وقد ساعدت عوامل عديدة في تأكيد هذه النظرة الشعبية، أبرزها مشاركة عناصر أجنبية في القتال ضمن صفوف مليشيا الدعم السريع، ووجود طواقم عسكرية فنية من دول إقليمية كانت تقدم الدعم الفني للدعم السريع، هذا فضلًا عن المعاملة القاسية التي كانت تمارسها عناصر الدعم السريع في حق المدنيين. ولم تشأ مجموعة حمدوك إدانة هذا السلوك من قبل الدعم السريع، وظلت تنفي وجود عناصر وأيادٍ أجنبية تساند الدعم السريع.

وأدى هذا كله إلى التفاف قطاعات الشعب السوداني بمختلف أطيافه حول الجيش وقيادته ومؤسسات الدولة السيادية والتنفيذية دعمًا ومساندة لها، وانخرطت قوات الكفاح المسلح في دارفور تحت إمرة الجيش، وتشكلت مقاومة شعبية مسلحة تحت إمرة الجيش أيضًا من كل ولايات السودان، وهو ما نتج عنه تقدم كبير للجيش على الأرض، قابله تقهقر بنفس القدر لمليشيا الدعم السريع.

إعلان الفشل الثالث

كذلك، من محطات الفشل التي ارتادتها مجموعة حمدوك المساندة للدعم السريع سياسيًا، توسيع رقعة الحرب بانفتاح الدعم السريع في وسط السودان، في ولايتي الجزيرة وسنار وأجزاء من ولاية النيل الأبيض، وإمعانها في ارتكاب مجازر مروعة في حق المدنيين، مما تسبب في وقوع أكبر عدد من الضحايا وحدوث موجة نزوح هي الكبرى منذ بداية الحرب.

وقد خلق هذا التطور مزيدًا من الالتفاف والدعم الشعبي للجيش والمقاومة الشعبية، كما أن هذه المجازر دفعت كثيرًا من الجهات الدولية والمنظمات الأممية إلى إدانتها، ووضع عدد من القادة الميدانيين لمليشيا الدعم السريع في لائحة المطلوبين للعدالة دوليًا. وكل ما فعلته مجموعة حمدوك إزاء هذه التطورات الخطيرة هو الإنكار والنفي.

الفشل الأكبر

ويضاف إلى هذا وذاك من محطات فشل الجناح السياسي للدعم السريع في توفير حاضنة سياسية فعالة له، ذلك التذبذب في الأهداف التي تبنتها مليشيا الدعم السريع وساقتها لتبرير حربها ضد الجيش، ما بين استعادة الديمقراطية والحكم المدني، إلى القضاء على الإسلاميين، ثم إلى تفكيك دولة 1956، وأخيرًا إنشاء حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع، وهي بهذا التوصيف إقليم دارفور، مما يعني الاتجاه نحو فصل هذا الإقليم.

وفي الحقيقة، إن هذا الهدف الأخير كان أكبر محطات الفشل والخسران بالنسبة للمليشيا وجناحها السياسي، وعكس بوضوح سوء تقدير وتدني مستوى التفكير والتخطيط السياسي لهذا الجناح، وسطحية إلمامه بخارطة السياسة الدولية بالعموم، والوضع الإقليمي بالخصوص.

فالاتجاه نحو الإعلان عن تكوين حكومة موازية للحكومة السودانية المعترف بها دوليًا هو اختيار خاطئ كليًا، لم يأخذ في الحسبان القانون الدولي والمواثيق والأعراف الدولية، وألغى بجرة قلم المؤسسات والمنظمات الإقليمية، والأحوال في دول الجوار العربي والأفريقي للسودان، وما يمكن أن يمثله من تهديد للأمن القومي للعديد من هذه الدول.

إعلان

لذلك، فقد جاءت ردود الأفعال من كثير من هذه الدول سريعة وواضحة بالرفض القاطع والصريح لتكوين حكومة موازية للحكومة القائمة في السودان، بصورة منافية لما توقعته قوات الدعم السريع وجناحها السياسي، وهو ما يظهر أيضًا سوء وخطأ توقعاتها.

فالرشد السياسي يقول إنه، وبحسب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن للأمم المتحدة أن تعترف بحكومة موازية لدولة عضو بالمنظمة ومعترف بحكومتها القائمة، وكذلك الحال بالنسبة للاتحاد الأفريقي والجامعة العربية.

وكذلك، لا يمكن لدول الجوار الإقليمي منفردة الاعتراف بهذه الحكومة؛ بسبب الأوضاع الداخلية لهذه الدول، وتشابه أزماتها مع حالة السودان.

ولما كانت هذه هي ورقة الرهان الأخيرة التي رمى بها الجناح السياسي للمليشيا على الطاولة، فإن ذلك يمكن اعتباره إيذانًا بنهاية مشروع الحلف السياسي – العسكري بين مليشيا الدعم السريع ومجموعة حمدوك، هذا المشروع الذي كان هدفه الرئيسي هو الوصول إلى سدة الحكم في السودان بقوة السلاح.

ويعضد من هذا الاحتمال ذلك الوضع العسكري الميداني الضعيف لمليشيا الدعم السريع، وتوالي الهزائم عليها، وفقدانها لكل المناطق التي احتلتها في العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض، ومقتل معظم قادتها العسكريين، وافتقارها للعناصر المقاتلة، التي أصبحت مشتتة، وجلّها عناصر أجنبية تقاتل بالأجر.

لم يتبقَ للمليشيا إلا أجزاء من إقليم دارفور، تقول كل المؤشرات إنها في طريقها إلى فقدانها في معركة الفاشر، وهي المعركة الفاصلة المنتظرة مع الجيش والقوات المساندة له، والتي أعد لها الجيش العدة والعتاد، في الوقت الذي تعاني فيه مليشيا الدعم السريع ضعفًا كبيرًا وشحًا في القوات، وانسدادًا في مسالك وطرق الإمداد اللوجيستي.

وإزاء هذا الوضع الميداني، تضيق الفرص أمام مليشيا الدعم السريع، خاصة أنه قد أغلق كل من البرهان القائد العام للجيش، ومساعده الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة، الباب في وجه أي شكل من أشكال التفاوض أو التسوية السياسية مع المليشيا وجناحها السياسي، وبالتالي، فإنه ليس أمام مليشيا الدعم السريع إلا أحد خيارين، أحلاهما مرّ: فإما الاستسلام، وإما خوض معركة أخيرة خاسرة بكل المقاييس.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • العملة السودانية تواصل التدهور أمام الدولار
  • الحكومة السودانية ترد على بيان مجلس السلم الأفريقي
  • البرهان ينفي إمكانية التفاوض مع الدعم السريع ويؤكد استمرار القتال لإنهاء التمرد
  • قائد الجيش السوداني يضع شرطا صارما للسلام مع الدعم السريع
  • العريس الذي كان يتجهز لزفافه لكنه زُفّ إلى الجنة
  • البرهاني ينفي إمكانية التفاوض مع الدعم السريع ويؤكد استمرار القتال لإنهاء التمرد
  • رغم الحرب.. الجامعات السودانية تدفع بعدد كبير من الخريجين
  • هذا هو الفشل الأكبر لـالدعم السريع
  • قتلى وجرحى في هجوم الدعم السريع على الخوي
  • مناوي: قائد الدعم السريع هدد بإحراق الخرطوم قبل اندلاع الحرب