(نبض العقل الطبي) … مبادرة تطوعية لتحويل الأبحاث العلمية النصية لصيغ بصرية
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
دمشق-سانا
تهدف منصة نبض العقل الطبي التطوعي التي أطلقها طلاب وخريجون جامعيون من كليات طبية وهندسية بدمشق عبر مبادرة تطوعية إلى تحويل الأوراق البحثية والمقالات العلمية الطبية إلى محتوى مرئي ومسموع باللغة العربية.
وأوضحت الدكتورة ديمة الكراد المشرفة على المبادرة في تصريح لمراسلة سانا أن المنصة يشرف عليها فريق طلابي متخصص باستخدام أحدث التقنيات في الذكاء الاصطناعي لتوضيح المعلومات والأفكار التي تتضمنها البحوث الطبية.
ويسعى الفريق وفقاً للكراد إلى بناء جسر يربط بين الأطباء والباحثين بأحدث الدراسات الطبية والعلمية، ما يسهم في نشر الفوائد العلمية وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمرضى أو للمستفيدين من الأبحاث.
ولفتت الكراد إلى أن المبادرة التي دخلت عامها الثالث متاحة للجميع عبر المنصة من خلال موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وانستغرام، مبينة أنها تعتمد على بث فيديوهات ملخصة للأوراق البحثية والدراسات المنشورة بما يشبه مجلة إلكترونية مرئية وسمعية للدراسات الطبية.
كما تعمل منصة نبض بحسب الكراد على تسخير نواظم التعلم الذكية من خلال المرئي والمسموع، وعرض تجارب وأرقام وإحصاءات ودراسات تسهم بتطوير وزيادة كفاءة الأطباء أثناء الممارسة السريرية، إضافة لرفد المعلومات الطبية بالجديد والمميز.
وأشارت الكراد إلى أن منصة نبض وفريقها التطوعي للمبادرة يشاركون أيضاً في المؤتمرات الطبية وورشات العمل بهدف استقطاب متطوعين جدد واستكشاف آفاق جديدة في البحث العلمي.
وحول كيفية اختيار الأبحاث بينت الكراد أنه يتم التركيز على الأبحاث التي من الممكن أن تزيد كفاءة التدريب العملي والاستقصاءات السريرية للمرضى، كالدراسات الحديثة للأمراض الشائعة وغيرها، موضحة أن الجانب التقني يتم باستخدام برامج تصميم متنوعة لنقل المعلومات إلى المتابعين من خلال الصور والنصوص والرسوم، وإعداد التصميمات المتضمنة رسوما وصناعة الفيديوهات الرقمية.
وفي لقاءات مع أعضاء الفريق الذي يضم أطباء مقيمين للاختصاص في المشافي، وطلاباً من كليات الطب البشري وطب الأسنان والهندسة أوضح الطبيبان خالد جعبو وسارة الصالح أنهما اكتسبا عبر المبادرة مهارات عدة في مجال البحث وكتابة المقالات الطبية والترجمة والعمل التعاوني الجماعي والمشاركة، وهذا ما أكده الدكتور رامي قطان الذي عززت مشاركته بالمنصة مهاراته باللغة الإنكليزية، ولا سيما المصطلحات الطبية، وساعدته على الاطلاع على الكثير من المعلومات التي تتعلق بمجال اختصاصه في طب الأسنان.
بدورها أشارت طبيبة الأسنان نور قرلباش إلى أن وجودها بالفريق أتاح لها التعرف على طرائق البحث وترجمة الأوراق البحثية واستخلاص المعلومات وصياغتها بطريقة بسيطة وتحويلها لصيغة بصرية تسهل على الطبيب المقيم الاطلاع على ما في مضمونها، فيما رأت الدكتورة سارة حمزة أن تجربتها مع الفريق أعطتها دافعاً وشغفاً أكبر في مجال إعداد البحوث العلمية.
هيلانه الهندي
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
في العقل العربي.. الحل في الفصل بين «المعرفي» و«السياسي»
حين ينصرف العقل العربي لجعل كل فاعلية فيه ما هي إلا شكل من تجلٍ سياسي خشن أو مصنوع، فإنه يغلق بوابات الوعي على معنى واحد، وهو الظن بإطلاق أن السياسة هي من تشكل الظاهرة، أي أن الوعي السياسي هو المسؤول على تركيب الجمعي في المجتمع، وهنا الأذى كله، الأذى من تحقيب المعقد في البسيط، وهو القول بألا جدوى من تحليل مظاهر سلوكنا أو ردَّات فعلنا أو حتى كمون تصورنا حول الذات والعالم، والحقيقة أنه لا فائدة من أية مقاربة تريد تدبير أحوالها المعرفية بجعل السياسة أساس البنية وليست جزءًا منها، وفي ظننا أن جملة مشكلاتنا في الواقع العربي مردها هذا الوعي المقلوب، الوعي الشقي الذي يحمل صليبه ويعلن توبته من أي جهد عقلاني لتفسير الواقع لا الاعتراف به كتراكم ظاهراتي يحتاج التفكيك لأجل فهم طبائعه وتحديد مساراته. ومن مظاهر أزمة العقل العربي أنه غارق في التأملات المُجَرْمة حتى قبل تشكلها، عقل يريد من العالم أن ينحاز إليه لا أن يعمل لأجل تحريك واقعه بالصورة التي يجبر بها العالم على الاعتراف بجدارته مساهماً في اللحظة الكونية الراهنة، عقل مفارقٌ لأسباب الفعل ومختبئٌ في التنكر والانتصار لكل ما هو غير عقلاني.
فمشكلاتنا ليست قدراً مكتوباً كما نظن، هي مشكلات تركبت وتعملق حضورها بسبب الغياب الحرج للعقلاني فينا، فما ظل يمارسه العقل العربي ويشيع بين أبنائه أن أزماته قادمة من الخارج، وأنه مستهدف في وجوده لا شيء إلا لكونه يشكل خطراً على العالم، والحقيقة أن مثل هذه التصورات ليست إلا استغلالاً معيباً لتراث يحكمنا دون أن نبدي أدنى قدرة على مقاومته، والتنصيص على صلاته بالراهنية التي ننتمي، إنه تراث متحكمٌ فينا بصورة قاهرة، والحل، هو العمل على تحييد العناصر المتكلسة فيه لصالح علاقة إيجابية مثمرة.. فما السبيل إلى ذلك؟!.
إن الراهن الذي يعيشه العربي ويمارس من خلاله وصفه لذاته والعالم، يعيشه في حالات من إنكار المشكلات، والعمل على رفعها إلى أعلى، فكل الذي يصيبنا ليس من صنع أيدينا، والحل في إعادة فهم مفردات التكوين والتشكل، ولنبدأ حقاً فواجبنا العمل على الخروج من الحالة التوفيقية إلى المواجهة المنتجة، وهي معركة ثقافية بامتياز، فالحل المقترح لا يريد الذهاب بالمسألة إلى حيز التأسيسات النظرية، بل هو إيمان عميق بأننا سننجو إن واجهنا أنفسنا بأكبر متاعبنا، وهي غياب التفكير الناقد والمواجهة الصريحة مع الذات، والسبب ببساطة أن رصيدنا من التحليل الثقافي متواضع في مقابل طغيان التسييس لكل شيء، إن المجتمع العربي وهو يحزم حقائب حزنه على انهزاماته، ليس بقادر على فعل شيء أكثر من الحزن المجاني، ذلك أننا لم نفهم بعد طبيعة الاجتماعي لدينا وهو ما قيَّد فاعليتنا في الالتحام بقوة من أجل قضايانا العادلة، إن غياب أثر العامل الثقافي هو المسؤول مباشرة عن تصلَّب حضورنا السياسي والاقتصادي، فالسياسة حين ترشد تبدو أكثر طواعية لتمثيل الثقافي فينا، والاقتصاد كي ينمو ويحقق لنا اكتفاءً في الغذاء، وتحسيناً في سلوك الاستهلاك فإنه لن يستطيع ذلك دون أرضية اجتماعية قادرة على تحديد الأولويات وليست محبوسة في أفق مادي يُعَّرِف قيمة الشيء بإشباعه، بل حتى قضية التفاوت بين طبقات المجتمع العربي (الحقيقة لا توجد طبقية في الاجتماع العربي) فإنها مزيفة، والسبب فيها غياب الثقافي في السياسي/الاقتصادي، ففي الاقتصادي لو فكرنا بصورة جدية لإصلاح هذا الفضاء المعقد التركيب فإننا مطالبون بالنظر إلى الطرف الآخر من المعادلة، وهو غياب التنمية الاجتماعية مع بروز مظاهر للنماء الاقتصادي المرتبط بفئات بعينها في الظاهرة وتتمنع فيها عمليات الانتقال بين أفراد المجتمع، وهنا فسياسات مثل «التشغيل» و«الضمان الاجتماعي» وإن أثمرت في لحظات الأزمة إلا أنها ستعمق من مسألة التفاوت الاقتصادي بين الفئات الاجتماعية المختلفة، ولذا فالمطلوب سياسات تجريبية تصنعها الحكومات العربية لأجل إصلاح لوائح العمل بصورة تداركية مما يسهم في توفيق العلاقة بين السوق والخريجين، ومن فوائد ذلك حتمية الإصلاح المؤسسي وإقامته على ديناميكية تراعي في المقام الأول استيعاب منظم للطاقات ومن ثم توزيعها على دوائر الفعل الاقتصادي التنموي في أي قطر عربي.
هذا اقتصادياً، أما اجتماعياً فإن المهمة الرئيس هي وكما نكتب دائماً يكمن في «السياسات الثقافية» وهي التي ستنقل القطاع الثقافي من كونه يرقص خارج الحلبة إلى فاعل رئيس في عمليات التنمية الاجتماعية، إذ تقوم هذه السياسات على ترميز الإنتاج الثقافي ما يصنع له قيمة مضاعفة في السوق، هذا عوضاً عن أنه سيركب أكثر معالم الهوية كونه يفتح الباب أمام عملية استقلال ثقافي مرتبط بالوجدان الاجتماعي المتنوع، وهذا هو الغائب عند المعنيين بإدارة الفضاء الثقافي في الوطن العربي، وبصورة أكثر وضوحاً تقوم السياسات الثقافية بدور مزدوج، فمن ناحية ستسهم هذه السياسات في تطوير الصناعات الثقافية وتحريرها، وهذا ما يمنح الفاعل الاجتماعي القدرة على تحقيق أكبر قدر من التمثيل له في تلافيف الظاهرة الجمعية، ومن ناحية أخرى لكي نستطيع فتح الطريق أمام الصناعات الثقافية فإننا نحتاج حتماً إلى دراسات ثقافية توفر الإطار النظري والمدخل لبناء اقتصاد سياسي للصناعات الثقافية يجعلها رافداً تنموياً مهماً.
إن غرض هذا المقال لفت الانتباه إلى ضرورة الفصل بين المعرفي والسياسي في المجتمع العربي، وأن ينصرف اهتمام الفاعلين الاجتماعيين بتطوير آليات الإصلاح الشعبي وأن يأخذوا مجتمعاتهم إلى ناحية الفعل المنتج وتخفيف تسييس كل شيء. والمهام الملقاة على عاتق المثقفين الوظيفيين أن يعرفوا كيفية استثمار أدواتهم لأجل بناء واقع أكثر ثراء بدلاً عن إضعاف فاعليتهم بأعذار ضيق المجال السياسي، فالسياسة في أقصى تجلياتها لا تعدو أن تكون فعل لمراقبة سريان القوانين في السياق والاطمئنان إلى استقرار البنية الشاملة في المجتمع حفظاً لأمنه وصوناً لسلامه الثقافي..
غسان علي عثمان كاتب سوداني