جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-07@03:06:37 GMT

حزن غزة أم حزن العرب؟

تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT

حزن غزة أم حزن العرب؟

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

 

تحزن غزة على أبنائها الذين استشهدوا أو أصيبوا في عدوان ظالم وجائر تجاوز كل القوانين والأنظمة والأعراف، وتجاوز كل ما يُمكن أن يقال عن استباحة الدماء والتنكيل بالبشر، أولئك الذين تم قتلهم بدم بارد أمام أنظار العالم الذي كان يُعطي دروسا في الحضارة والحرية واحترام حقوق الإنسان ليل نهار، يرافق ذلك سكوت مطبق من القريب والبعيد.

إنَّ أحداث غزة قد أماطت اللثام عن قبح هذا العالم، وهيمنة القوى التي تسمي نفسها بالقوى العظمى، التي لا تقيم لحقوق الإنسان أي وزن ولا تراعي إلا ولا ذمة للقوانين الدولية التي شرعتها الأمم المتحدة أثناء الحرب.

أكثر من 180 يومًا والاحتلال الغاشم يقتل وينكل بالمدنيين والعزل من الأطفال والشيوخ والنساء بكل قوته وجبروته التي يستمدها من جسر لا ينقطع من الإمدادات العسكرية واللوجستية ودعم لا محدود من قوى الشر وبمساندة واضحة وفاضحة من قوى أخرى كانت تعطي للعالم دروسًا عن القيم الإنسانية والتعايش والديموقرطية لكنها سقطت في وحل التفرقة والعنصرية، ولا يوجد في الحقيقة سبب لهذه التصرفات سوى الحقد والعنصرية المتأصلين في النخب السياسية في تلك البلدان.

هذه الهمجية والبربرية التي تمارس على أهل غزة والتي يُطلق عليها مصطلح حرب، وهو ليس كذلك؛ حيث إن للحروب أصولا وقواعد لا ينطبق أي منها على هذا العدوان الهمجي الذي يُعد بكل المقاييس جرائم حرب بالأدلة الدامغة، فكيف بآلة الحرب تدور على مدنيين عزل تقُصف بيوتهم ومساكنهم وقراهم وبلداتهم، وتُسوي بها الأرض، بل تقصف دور عبادتهم، وحتى مستشفياتهم، ولا يوجد أي مبرر مهما كان يصل إلى حد اجتياح المستشفيات، وترويع المرضى والأطقم الطبية وأجهزتها المساندة، بل يصل بهم الحال إلى قتل الأطباء أنفسهم واختطاف المرضى.

أية حرب هذه التي تصطاد الأبرياء العزل النازحين من القصف الممنهج على بلداتهم ثم تصطادههم في الشوارع والطرقات لدرجة لا يستطيع المسعفون جمع أشلائهم أسوة ببقية الأموات من البشر؟

أية حرب تختار الأطفال والشيوخ والنساء بشكل ممنهج ومتعمد؟ فالحروب كما عرفت في التاريخ بين الجيوش سواء كانت متكافئة في القوة أم غير متكافئة، ولكن هذه ليست حرب؛ بل هي جريمة بشرية بشعة بكل المقاييس تتمثل في قتل وإبادة للمدنيين العُزل، والجرائم التي يجب ان تسجل في أروقة المحاكم إن كان في هذا العالم ذرة من قيم العدالة والإنصاف وفي ذلك شك كبير.

إن أحزان أهل غزة كثيرة وعظيمة فحزنهم وهم مُحاصرين بلا مأوى، بلا ماء، وبلا غذاء، وحزنهم على شهدائهم وجرحاهم، فقدموا حتى الآن ما يزيد عن 32500 شهيد، وما يزيد عن 77 ألف جريح، وما يزال هناك بعض الشهداء تحت ركام المباني لم تستطيع فرق الإنقاذ الوصول إليهم.

وحزن أهل غزة على الشهداء من الأهل والأقارب، وحزن على الأسر الكثيرة التي تم محوها من السجلات، وحزن على مدنهم وقراهم، وحزنهم على هيامهم في الشوارع بلا مأوى، بلا ماء، بلا طعام، أو خوفهم من القصف والموت في أي لحظة، حزن أهل غزة الأكبر على القريب الذي يشاركهم اللغة والدين والمصير والذي تخلى عنهم واكتفى بعبارات الشجب والإدانة، وأخيرًا حزن أهل غزة كذلك على أنظمة العالم وقياداته التي لم تقف معهم ومع قضيتهم العادلة.

إن أهل غزة لم يرهبوا الدول، ولم يتدخلوا في شؤون أحد، أهل غزة جل ذنبهم أنهم متمسكون بترابهم وأرضهم، ولم يتلحفوا بسماء غير سمائهم.

جريمة أهل غزة أنهم يريدون العيش في أرضهم بحرية وبكرامة ، يتنفسون فيها هواءً نقيا بعيدًا عن الذل، والاستبداد، والقهر، والاحتلال، ويطلبون من العالم بجميع منظماته ويطالبون أحرار العالم بجميع أجناسه بالوقوف معهم في المطالبة بحقهم بإقامة دولتهم في أرضهم التي سلبها الاحتلال.

هذه هي بعض أحزان أهل غزة، فماذا عن حزن العرب؟ 22 دولة بعدد سكان يتجاوز 456 مليون نسمة بمساحة تتجاوز 13.5 مليون كيلومتر مربع، تُنتج النفط والغاز، وتملك الثروات الطبيعية المتعددة وغير المحدودة، مع موقع جغرافي لا يُقدر بثمن؛ بل هي مهد الحضارات، وحاضنة لأعظم الديانات السماوية وهي الإسلام.

هذه الدول معظمها بلا هُوية سياسية واضحة ومستقرة، وبعضها حتى اليوم لا يوجد لديها حكومات ونظام سياسي مُستقر، هذه الدول رغم أن الإسلام هو دينها، والقرآن دستورها، لكن لا يوجد ما يعكس هذا الأمر في أنظمتها وسياستها إلا في الورق وعلى دساتيرها.

22 دولة يقع غالبيتها تحت خط الفقر، وشعوبها لا تعرف الرفاهية ورغد العيش.

حزن من هو الأكبر؟ هل حزن أهل غزة الذين يقدمون دماءهم قرابين الحرية والكرامة؟ أم حزن أمة بلا رأي ولا هُوية؟

وصدق المتنبي حين قال:

أَغايَةُ الدينِ أَن تُحفوا شَوارِبَكُم

يا أُمَّةً ضَحِكَت مِن جَهلِها الأُمَمُ

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اليمن.. يوسفُ العرب الذي سيُعيد المجد من رُكام الخيانة

عدنان ناصر الشامي

سلامٌ على الشهيد القائد صالح الصماد، الذي لخص بخطابه جوهر الصراع ومآلات التاريخ، وأسقط كلماتٍ هي أثقل من الجبال على واقعٍ مليء بالخيانة والغدر. حين قال: “تآمر العرب على اليمن كما تآمر إخوة يوسف على يوسف، وأتى اليوم الذي لم ينفعهم إلا يوسف، وسيأتي اليوم الذي لا ينفع العرب إلا اليمن” لم يكن يتحدث بلغة التمني أَو الخيال، بل بصوت الحقيقة التي تسري في أعماق هذا الزمن العاري من المروءة.

اليمن هو يوسفُ الأُمَّــة الذي اجتمعت عليه خناجر الأقربين قبل الأباعد. أُلقي في ظلمات المؤامرات والحصار، وحُكم عليه بالنسيان والموت البطيء. لكنه، كما كان يوسف رمز الطهر والصبر والنقاء، ظل اليمن بقيادة الحكيمة، عظيمًا في صموده، شامخًا في وجه الطغاة، عصيًّا على الانكسار حتى وهو يُحاصر من كُـلّ صوب.

في كُـلّ زاوية من هذه الأرض يسطع نورٌ يُذكر العالم بأن اليمن ليس وطنًا عابرًا، بل هو الأصل والجذر، وهو التاريخ الذي صنع المجد للحضارات، وهو الحاضر الذي يكتب بدماء أبنائه مستقبلًا يليق بالكرامة.

كما أعمى الحسد إخوة يوسف عن مكانة أخيهم، أعمى الخوف والجبن عقول العرب عن اليمن. فتآمروا عليه بأيديهم حينًا، وبصمتهم حينًا آخر، وظنوا أن بإمْكَانهم دفن اليمن في غيابة النسيان. لكنهم لم يُدركوا أن الحفرة التي حفروها له ستُصبح يومًا منطلقًا لمعجزته، وأن ذلك المظلوم الذي ألقوه في الجب سيخرج منه قائدًا، حاملًا مفاتيح العزة والنجاة.

وأتى اليوم الذي لم ينفعهم إلا يوسف، وسيأتي اليوم الذي لا ينفع العرب إلا اليمن.

نعم، ستتبدل الموازين كما تبدلت مع يوسف. لقد عاد يوسف ليسامح، ليقود، ليُحيي الأرض التي قست عليه، وهكذا سيعود اليمن بقيادته الحكيمة ليكون قائد السفينة التي تُنقذ الأُمَّــة من الغرق.

سيأتي اليوم الذي سيبحث فيه العرب عن اليمن ليحتمي بهم بيت المقدس، ويقفوا خلفه في معركة الكرامة ضد العدوّ الصهيوني والطغاة الجدد.

إن من يُشاهد اليمن اليوم وهو يُحاصر من تحالف العدوان، ويُواجه حروبًا على كافة المستويات، قد يظن أن هذا البلد لن ينهض. لكن الحقيقة أن اليمن يصنع المجد من رحم المعاناة، يُربي الأجيال على العزة والإباء، ويُعد نفسه ليكون رائد التحولات الكبرى في المنطقة.

كما ندم إخوة يوسف حين وجدوه سيدًا على عرش مصر، سيندم العرب حين يرون اليمن يقود الأُمَّــة نحو الكرامة والنصر. لكن الندم لن يُعيد لهم ما أضاعوه، ولن يُكفّر عن خيانتهم.

سيندمون؛ لأَنَّهم جعلوا من أنفسهم أدَاة في يد أعداء الأُمَّــة، وسيندمون؛ لأَنَّهم لم يُدركوا أن كرامتهم مرهونة بكرامة اليمن، وأن عزتهم لن تكون إلا بوقوفهم خلف هذا البلد العظيم.

اليمن ليس بلدًا عاديًّا، بل هو اختبار الأُمَّــة، وميزان الحق الذي يُفرز الصادقين عن المنافقين. وكما كان يوسف رحمةً لأرض مصر وما حولها، سيكون اليمن رحمةً لهذه الأُمَّــة، وحاملًا لراية التحرّر والكرامة.

يا عرب، سينفعكم اليمن يوم تقفون عُراة أمام حقيقة خيانتكم، وسيكون اليمن السيف الذي يقطع خيوط العنكبوت التي تحتمون بها. فتعقلوا قبل أن يفوت الأوان، واعلموا أن المجد الذي تبحثون عنه لن يُولد إلا من رحم اليمن.

مقالات مشابهة

  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم الحلقة 3
  • رابطةُ العالم الإسلامي تعزي في ضحايا حادثة إطلاق النار التي وقعت في مدينة أوربرو بمملكة السويد
  • التهجير في زمن التهريج
  • ‏إيران قد تعود لسوريا إذا لم يستعجل العرب!..
  • رسائل الإمبراطور وجوائز «الأنتيم»
  • العرب وأسرار “العنبر”!
  • احتلال جديد: أمريكا في غزة
  • مونديالات العرب .. بين التنظيم واسس النظام !
  • اليمن.. يوسفُ العرب الذي سيُعيد المجد من رُكام الخيانة
  • هلاوس ترامب