عادل الباز: ضرورة هندسة التحالفات
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
1 تضجّ الساحة السياسية بمتغيرات شتى وهي متغيرات تشيء بأننا مقبلون على مستقبل سياسي مختلف نوعاً ما لا يُشبه الأوضاع التي عشنّاها منذ تأسيس دولة 56 وطيلة تاريخنا السياسي. من شأن هذه المتغيرات إذا طوّرناها وأحسنّا إدارتها ترتيب تنافس القوى السياسية المختلفة، ليس من خلال أحزاب صغيرة وضعيفة ومتشرذمة ومنقسمة على نفسها، إنما من خلال كتل سياسية بينها مشتركات ويربطها برنامج محدد.
2
أول هذه المتغيرات نشوء تحالفات متعدّدة أهمها حتى الآن سبعة تحالفات هي الكتلة الديمقراطية / تنسيقية القوى الوطنية/ تخطي / التيار الإسلامي العريض /تحالف التيار الجذري/ تقدم / الحراك.
المتتبع لنشوء هذه التحالفات وتطوراتها وتصوراتها لما يجري في الساحة السياسية يلحظ أن هناك قواسم مشتركة كثيرة بينها، إذا استثنينا تحالف التيار الجذري وتقدم. أولها هذه التحالفات متنوعة بشكل كبير وتضم بداخلها أحزابا ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات قومية وحركات مسلحة تضم كيانات شبابية.
الثاني أن لهذه التحالفات موقف موحد تجاه الصراع السياسي الجاري في الوطن فكلها تقريباً تدعم القوات المسلحة فهي موحدة الهدف ( دحر التمرد) ولأول مرة تتفق أكثر من 5 كيانات على هدف واحد في تاريخ السودان الحديث.
الملاحظة الثالثة أن هذه التحالفات بحكم حداثتها ليس بينها صراعات مثل أحزابنا التاريخية التي ظلت الصراعات المزمنة مستمرة بينها لعقود ولم تزل، هذه التحالفات الجديدة ليس بينها صراعات وعداوات كما ليس بينها اختلافات عميقة حول الأهداف وإن كان ينقصها جميعاً البرنامج الواضح المعالم.
3
هذه التحالفات ضرورتها تكمن في أنها يمكن أن توحد القوى السياسية المتنافسة في الساحة، فبدلاً من التشرذم والانقسامات المستمرة من الأفضل أن ينهض التنافس السياسي على كيانات كبيرة تتفق على الحد الأدنى من السياسات والبرامج وتتوافق على قيادات تقودها بالتراضي.
تمثل هذه التحالفات خطوة نحو المستقبل إذ يمكن أن نأمل في المستقبل القريب، وإذا تجاوزت قيادات تلك التحالفات وخاصة التي ليس بينها تناقضات جذرية وتجمعهم أهداف مشتركة، أن تنخرط في جسم واحد أكبر في مقابل تحالفات اليسار الأخرى (الجذري وتقدم) وبذا تكون الساحة السياسية قد اتضحت معالمها من خلال كتل معلومة وبرامج متوافق عليها بدلاً من هذه الأجسام الهلامية التي لا تُرى بالعين المجردة. إذا حصلنا على تحالف واحد أو إثنين معتبرين سنجد أننا جمعنا اليسار واليمين على صعيد برنامج وأهداف مشتركة سنكون قد جمعنا أيضاً تحالفات شبابية مع أحزاب أصحبت كأعجاز نخل خاوية وبذا سندفع في شرايينها دماء جديدة ونجدد لها شبابها وتصنع هي نفسها مستقبلا جديدا مع الأجيال القادمة.. بمعنى أن توطن نفسها في المستقبل.
4
المشكلة الوحيدة التي تواجهنا في هندسة تحالفات للمستقبل هو شُح الأنفس وتكالبها على السلطة، لقد درج قادة الأحزاب والتيارات المختلفة أن يؤسسوا صراعاتهم وفق أهوائهم ومصالحهم المرتبطة بالسلطة دائماً وليس عبر الأهداف والبرامج التي تعمل لمصلحة الوطن. ولذا فإن المهدد الوحيد لتأسيس تحالف أعرض وموحد أو حتى استمرار هذه التحالفات متماسكة لفترة طويلة هو سؤال القيادة والنفوذ بغض النظر عن مصالح الوطن أو التحالف نفسه، فمن لم يتنسم سدة القيادة في تحالف ما يتحول إلى معارض يعمل على انقسام التحالف لتستمر الدائرة الخبيثة.
الغريب أن مرض التشظي هذا والانقسامات المستمرة ضربت اليمين واليسار على حد سواء، ومنذ أمد بعيد ونتائجها أصابت الحركة السياسية عموماً في مقتل حتى أضحى داء بلا دواء .طبعاً العلاج معلوم لهذه الانقسامات هو إنشاء تحالفات فضفاضة تحتمل رؤى متنوعة ولكنها تتفق على برنامج الحد الأدنى لكي تستطيع هذه التحالفات خوض التنافس السياسي في الانتخابات بأجسام وازنه تمكنها من الوصول للسلطة.
5
نحتاج لعقلاء موجودون في هذه التحالفات يلتقون لتأسيس تحالف واحد كبير على رؤى وأهداف مشتركة، وهي أصلاً موجودة، ولقيادة موحدة قادرة على تنفيذ البرامج، يمكن أن يوفر مثل هذا التحالف دعماً مؤثراً لمجهودات الجيش في دحر التمرد ومن ناحية أخرى يرسل رسالة للعالم مفادها أن بالسودان مجتمع سياسي عريض وليس فقط شراذم تقدم، ويمكن أيضاً لمثل هذا التحالف أن يهب الفترة الانتقالية القادمة قدراً كبيراً من الاستقرار، وليس بالضرورة أن يعمل حاضنة للجيش، إنما ليهيئ نفسه لاستحقاقات المستقبل الذي يرونه بعيداً ونراه قريباً.
عادل الباز
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: هذه التحالفات لیس بینها
إقرأ أيضاً:
تأخر العراق بتهنئة الشرع.. انعكاسٌ لتعقيدات خريطة التحالفات والتوازنات الهشّة داخلياً وإقليمياً - عاجل
بغداد اليوم - بغداد
شهدت العلاقات بين العراق وسوريا، فترات من التقارب والتباعد، فخلال العقود الماضية، كانت العلاقات بين البلدين تتأرجح بين التعاون والتنافس، خاصة في ظل الخلافات الأيديولوجية بين حزب البعث في العراق وحزب البعث في سوريا. وبعد عام 2003، تغيرت ديناميكية العلاقات مع سقوط نظام صدام حسين وبروز دور إيران في العراق، مما أثر على طبيعة العلاقات مع سوريا، خاصة بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011.
وفي خطوةٍ لافتة، امتنعت الحكومة العراقية عن إرسال برقية تهنئة رسمية إلى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، رغم الإجراءات الدبلوماسية السابقة التي أظهرت تقارباً بين البلدين، مثل إعادة فتح السفارات وتبادل التمثيل الدبلوماسي. هذا الموقف يُعيد طرح تساؤلات حول تداخل العوامل الداخلية والإقليمية في صناعة القرار العراقي، خاصة في ظلّ بيئة جيوسياسية تشهد تحولات متسارعة.
الخلفية السياسية
أوضح الباحث والأكاديمي العراقي مجاشع التميمي، في حديث لـ"بغداد اليوم"، أن الموقف العراقي يأتي في إطار محاولة الحكومة العراقية الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها الخارجية، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية الكبيرة التي تشهدها المنطقة. وأشار التميمي إلى أن التغيير الذي حدث في سوريا يمثل "أكبر انتكاسة تعرضت لها جبهة المقاومة بقيادة إيران"، مما أثر على مواقف العديد من الدول المتحالفة مع المحور الإيراني، بما في ذلك العراق.
التأثير الإيراني على السياسة العراقية
أكد التميمي أن الكتل السياسية العراقية القريبة من المحور الإيراني، والتي تشكل الكتلة الأكبر في المشهد السياسي العراقي، تلعب دوراً محورياً في تشكيل مواقف الحكومة.
وأشار إلى أن هذه الكتل هي التي أوصلت رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني إلى السلطة، مما يجعل من الطبيعي أن يكون هناك تردد في تطوير العلاقات مع سوريا في ظل الظروف الحالية.
ويرى مراقبون أن الموقف العراقي قد يشهد تحولاً تدريجياً في حال تحسّن العلاقات العربية مع سوريا، أو إذا ما انخفضت حدّة التوتر بين إيران والقوى الإقليمية الأخرى. لكن في الأمد القريب، يبدو أن بغداد ستستمر في سياسة "الخطوات الصغيرة"، التي تحقق مكاسب دبلوماسية دون كسر التوازنات الهشّة داخلياً وإقليمياً.
الخطوات العراقية نحو سوريا
رغم هذا التردد، أشار التميمي إلى أن الحكومة العراقية بقيادة السوداني قد اتخذت خطوات مهمة نحو تحسين العلاقات مع سوريا، منها الاعتراف بالتغيير السياسي في دمشق، وافتتاح السفارة العراقية في العاصمة السورية، ورفع العلم السوري الجديد فوق مبنى السفارة السورية في بغداد. ووصف هذه الخطوات بأنها "أقصى ما يمكن أن تقوم به الحكومة العراقية في الوقت الحالي".
التوازن الإقليمي
وأوضح التميمي أن امتناع العراق عن تهنئة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع يعكس سعياً للحفاظ على توازن بين المحور الإيراني والمواقف العربية والتركية تجاه الأحداث في سوريا. وأشار إلى أن العراق يحاول تجنب الانحياز الكامل لأي طرف، في محاولة للحفاظ على مصالحه الإستراتيجية في المنطقة.
ردود الفعل الإقليمية
من جهة أخرى، لاحظ المراقبون أن الموقف العراقي قد يكون محكوماً بضغوط إقليمية ودولية، خاصة في ظل التباين الكبير في المواقف بين الدول العربية والإقليمية تجاه النظام السوري الجديد. فبينما تعترف بعض الدول بالتغيير السياسي في سوريا، ترفض أخرى الاعتراف به، مما يضع العراق في موقف دقيق يتطلب مراعاة جميع الأطراف.
ويبدو أن الموقف العراقي من التغيير السياسي في سوريا يعكس تعقيدات المشهد السياسي الداخلي والإقليمي. فمن ناحية، تحاول الحكومة العراقية الحفاظ على علاقاتها مع المحور الإيراني، ومن ناحية أخرى، تسعى لتجنب العزلة الإقليمية والدولية. هذا التوازن الدقيق يجعل من الصعب على العراق اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة في ظل الظروف الحالية.
الامتناع العراقي عن تهنئة سوريا ليس مجرد حدث عابر، بل هو انعكاسٌ لتعقيدات خريطة التحالفات التي تُرسم بألوان إيرانية وعربية ودولية. في هذا المشهد، تبرز بغداد بـ"لا عنوان" يحاول البقاء فوق الصراعات، لكنّ هذه الاستراتيجية قد تتحول إلى سيف ذي حدين: ففي حين تحمي العراق من الاصطدام المباشر مع الأطراف المتصارعة، فإنها قد تُكبّده خسائرَ في فرص التعاون الاستراتيجي الطويل الأمد.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات