الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس: يومًا بعد يومٍ تزداد الشواهد بأنّ إسرائيل الـ “عظمى” (!) تُعاني من الردع المتآكل حتى الاختفاء أمام الـ “تنظيم الإرهابيّ الشيعيّ” (!)، حزب الله في لبنان، الذي تمكّن في حرب لبنان الثانية، صيف العام 2006، من فرض قواعد اللعبة والاشتباك، ودفع دولة الاحتلال للتوجّه إلى مجلس الأمن الدوليّ ضدّ لبنان زاعمًا أنّ حزب الله لا يلتزِم بقرارات الشرعيّة الدوليّة، علمًا أنّ الدولة العبريّة، نعم الدولة العبريّة، التي باتت تلجأ لمجلس الأمن هي بنفسها لم تُنفِّذ عشرات القرارات الصادرة عن المجلس عينه.

ولكن التوجّه لمجلس الأمن الدوليّ يحمل في طيّاته الأبعاد والتداعيات لما آل إليه وضع “أحد أقوى جيوش العالم”، أيْ الإسرائيليّ، أمام حزب الله، إذْ جرت العادة في الماضي أنْ يقوم الاحتلال بغطرسة وعنجهيّةٍ بتوجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لكلّ مَنْ يرفع رأسه ويمسّ بالأمن القوميّ للكيان، وما التوجّه للشرعيّة الدوليّة إلّا إعلان عن الإفلاس وفقدان قوّة الردع الإسرائيليّة، التي لطالما افتخرت وتباهت بها. الردع الإسرائيليّ تآكل نتيجةً للحرب الأهليّة بالكيان وفي هذا السياق، رأى محلّل الشؤون العربية في موقع القناة الـ 14 بالتلفزيون العبريّ، المُستشرِق إيدي كوهين، أنّ ما أسماه الردع الإسرائيليّ ضدّ حزب الله تآكل في أعقاب الأحداث والاحتجاجات التي يشهدها الكيان في الآونة الأخيرة، لافتًا في الوقت عينه الى أنّه “ليس واضحًا ما إذا كان حزب الله يخطط للحرب، لكن هذا الوضع يخدمه”. “حالة من الشماتة بالوطن العربي اليهود يقتلون بعضهم وإسرائيل تنهار” وطبقًا لكوهين، فإنّ “حالةً من الشماتة تسود الوطن العربيّ على كلّ المستويات، بما في ذلك كتّاب المقالات ومحلّلي الشؤون الإسرائيليّة، إذ يرى جميعهم أنّ إسرائيل تنهار واليهود يقتلون بعضهم البعض”.  كوهين تطرق إلى كلام وتصريحات مسؤولين إسرائيليين سابقين في المؤسستيْن السياسية والأمنية، قائلًا: “كلّ أمرٍ يُنشر، كلّ كلمةٍ، تصريح (رئيس حكومة الكيان الأسبق إيهود باراك ورئيس حكومة العدو الأسبق إيهود أولمرت كلّ شيءٍ يُنشر، هم يتابعون وينشرون كلّ شيءٍ، هم مسرورون جدًا، يتوقعون أنْ تحصل حربًا وأنْ تتحرر فلسطين”. أفلامٌ عربيّةٌ عن زوال إسرائيل كوهين، المُقرّب من خارجية الاحتلال، شدّدّ في تحليله على أنّ “الحديث في الوطن العربيّ يدور حول خراب ثالث، وهناك كاريكاتير نشر لعلم إسرائيل يحترق”، مُشيرًا إلى أنّ “الردع مع حزب الله تآكل، إنّه يختبرنا، في البداية نصب خيم، بعد ذلك أثار مواجهات على السياج وفي المرحلة المقبلة سيكون احتلال مدينة نهاريا الشاطئيّة بالشمال، ولا أحد يردعهم”. وتابع كوهين: “لا شكّ أنّ كلّ أعدائنا يخططون لشيءٍ ما، فعندما يكون عدوّك ضعيفًا سيستفيد الجميع من الزخم”، وخلُص إلى القول “لقد باشروا بتصنيع كلّ أنواع الأفلام عن انهيار إسرائيل، وكذلك قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه إنّ (إسرائيل تُواجِه الخراب والتفكك والانهيار)”، على حدّ تعبير المُستشرِق الإسرائيليّ. الحرب قادِمةٌ لا محال وعلى إسرائيل البقاء على أهبة الاستعداد من ناحيته، استبعد مئير بن شبات، رئيس مجلس الأمن القوميّ السابق والمسؤول الكبير في (الشاباك) سابقًا، استبعد أنْ يكون حزب الله وإسرائيل “يسيران حاليًا باتجاه مواجهةٍ عسكريّةٍ، بفضل الردع الذي تحقق في حرب لبنان الثانية 2006، وأثبت نفسه ولا يزال”. وشبّه ما يدور بين كيان الاحتلال وحزب الله بـ “حرب استنزاف”، لافتًا إلى أنَّ “إسرائيل يجب أنْ تبقى على أهبّة الاستعداد لاحتمال انزلاق هذا الاستنزاف إلى مواجهةٍ مُسلّحةٍ تخرج عن السيطرة”. وأضاف: “إسرائيل لا تتسّرع في شنّ حربٍ، لكنّها تستعد لهذا السيناريو باستمرار، وهي تأخذ بعين الاعتبار، أنّ خيار الحرب يحمل في طيّاته، معركة متعددة الجبهات”، على حدّ تعبيره.

 

 

عمليات حزب الله ضدّ الكيان تؤكّد انعدام الردع أولاً: في آذار (مايو) الفائت، أرسل (حزب الله) أحد عناصره من لبنان، والذي تمكّن من الوصول إلى مفترق مجيدو، على بعد سبعين كيلومترًا من الحدود، ووضع في المكان عبوّةٍ ناسفةٍ تحمل متفجرّاتٍ شديدة الانفجار، ومن إنتاجٍ روسيٍّ، انفجرت في المكان، وبحسب إسرائيل فإنّه بأعجوبة لم تقع إصابات في الأرواح، وبعد ذلك غادر عنصر حزب الله المكان وحاول العودة إلى لبنان، ولكنّ قوّات الأمن الإسرائيليّة تمكّنت من اعتقاله على بعد عدّة كيلومترات من حدود لبنان، عندما كان في طريق عودته لبلاد الأرز. ثانيًا: بعد ذلك، قامت “جهة مجهولة” من الجنوب اللبنانيّ بإمطار الشمال الإسرائيليّ بالصواريخ، وللتملّص من الردّ على حزب الله عسكريًا، والذي بحسب تل أبيب يُسيطِر على المنطقة، ودون إذنه لا يُمكِن إطلاق عيارٍ ناريٍّ، اتهمّت إسرائيل ما أسمتها بـ (حماس لبنان) بإطلاق الصواريخ، وامتنعت عن الردّ على حزب الله. ثالثًا: في الفترة الأخيرة تصاعدت حدّة التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان بعد أنْ حذرت إسرائيل في “رسالةٍ دبلوماسيّةٍ” من خلال الأمم المتحدة، من أنّها ستستخدم القوة العسكرية لإخلاء موقعيْن اثنيْن، قالت إنّ (حزب الله) أقامهما داخل الأراضي الإسرائيليّة، في إشارةٍ إلى مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، ولكنّ التهديد لم يخرج إلى حيِّز التنفيذ، رغم أنّ مجلس الأمن القوميّ أوصى الحكومة باللجوء للخيار العسكريّ بهدف “تأديب” حزب الله. رابعًا: في الأسبوع الماضي، وجّه حزب الله اللبنانيّ وباعترافٍ إسرائيليٍّ صفعةً مدويّةً لكيان الاحتلال عندما نشر فيديو وثّق فيه زيارة قائد جيش الاحتلال الجنرال هرتسي هليفي وقائد المنطقة الشماليّة إلى الحدود مع لبنان، وقالت المصادر الأمنيّة في تل أبيب إنّ هذه الخطوة تدخل في إطار الاستفزازات والتحرشات التي يقوم بها الحزب مؤخرًا وتؤكِّد استعداده وجاهزيته لخوض حربٍ ضدّ الدولة العبريّة، وأنّ الفيديو هو بمثابة انتصارٍ إضافيٍّ لحزب الله في المعركة على كيّ الوعيْ، فيما اعتبر خبراء في الكيان أنّ رسالة (حزب الله) كانت “كان بمقدورنا قتل هليفي وقائد المنطقة الشماليّة”، على حدّ تعبيرهم. خامسًا: نشرت أوّل من أمس وسائل إعلام عبريّة فيديو قالت إنّه لعناصر من (حزب الله) اللبنانيّ، يُسيّرون دورياتهم بمحاذاة السياج الحدودي مع إسرائيل. ووصفت هيئة البث الإسرائيليّة الفيديو بأنّه “مثير للقلق”، وعلقت عليه بالقول: “توثيق من الحدود الإسرائيليّة اللبنانيّة: قام عناصر مسلحون يرتدون الزيّ العسكريّ في حزب الله صباح اليوم بدوريةٍ على الحدود بالقرب من موشاف دوف في الجليل الأعلى”، مُشيرةً إلى أنّ “سكان المنطقة قلقون للغاية وهم محقون في ذلك”.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: الإسرائیلی ة حزب الله

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شعبان يكتب: نظرية العصر الإسرائيلي

لا خلاف في أن ما يمر بالمنطقة العربية من تطورات خلال العام الأخير، ومنذ انطلاق طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، جد خطير وغير مسبوق، وإذا قلنا إنه خريف عربي مفعم بالمآسي والأزمات فلن نبتعد كثيرا عن واقع الحال.


والحاصل، أن طوفان الأقصى الذي انطلق لتوجيه لطمة لإسرائيل على ما أتصور، ومقايضتها بآلاف الأسرى الفلسطينيين الموجودين في السجون الإسرائيلية، وإحداث "تحريك" في الملف الفلسطيني بعد أكثر من 17 عاما من الجمود التام وعقب سيطرة حركة حماس على القطاع، قد انقلب إلى كارثة كبرى أو سيل يجرف أمامه البلدان العربية، وأول ضحاياها قطاع غزة نفسه، الذي يشهد حتى اللحظة، أكبر مهزلة إنسانية في التاريخ، بعشرات الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من المصابين ودمار ليس له نظير ووضع على حافة المجاعة.


لكن قضيتنا اليوم، ليست فيما حدث في غزة وهو وضع بالغ الصعوبة وكارثة يراها العالم بأجمعه، ولا يمكن استمراره أكثر من هذا، وإنما المقصود بمقال اليوم هو تداعيات هذا "الطوفان"، والأطراف التي استغلت هذه اللحظة على الأمن القومي العربي والتداخلات الغريبة في المنطقة، والتي من المنتظر أن تشهد تدخلات أكبر وأكثر شراسة مع قرب بدء ولاية ترامب واستلام مهام منصبه رسميا في يناير.


ويمكن إجمال ما حدث من هزّة شديدة في الأمن القومي العربي انطلاقا من دراما غزة في نقاط شديدة الوضوح كالتالي:-
-قطاع غزة تعرض لدمار شديد، ولم ينجح الطوفان في إحداث اللطمة التي كانت مطلوبة لمقايضة الأسرى والتحريك، ولكنه ساعد إسرائيل على مد يدها الطويلة لتمزيق القطاع إربا إربا  والتصريح علانية باستمرار القوات الإسرائيلية فيه، يعني إعادة احتلاله بشكل كامل، ونسف كل ما سبق من تفاهمات بعد قيام إسرائيل باغتيال صف كامل من قيادات حماس بدأت بإسماعيل هنية وحتى يحيى السنوار، فالطوفان أطلق يد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وأصبح حلم الدولة الفلسطينية نفسه على المحك، ومع وصول ترامب وتأييده الشديد لخطوات إسرائيل فإن هذا الحلم قد أصبح بعيدا جدا.


-جاءت تداعيات الطوفان على لبنان، بعدما تدخل حزب الله في المعادلة، وقال إنه يدافع عن غزة أو يقوم بعملية إسناد جبهة غزة، وكانت النتيجة كارثية أيضا، فلم ينجح حزب الله بانتماءاته الإيرانية المعروفة في وقف الحرب على غزة، بل لم ينجح في الدفاع عن نفسه، وتعرض للتدمير شبه التام واغتيال كامل قيادة التنظيم وأولهم حسن نصر الله، والأسوأ أن تدخل حزب الله في الحرب، أطلق يد إسرائيل في لبنان، ما أدى لسقوط 4 آلاف عنصر ودمار شديد في جنوب لبنان ودمار مروع في بيروت، واستمر ذلك حتى وقف اطلاق النار قبل ثلاثة أسابيع، مع ضمان حق اسرائيل في القصف والضرب حال مخالفة حزب الله أو حكومة لبنان ما تم الاتفاق عليه.


-تداعيات الطوفان، لم تقف عند حدود لبنان ولكنها انتقلت لسوريا، فبعد الضربات العنيفة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله في لبنان وطرق الإمداد السورية لأسلحته وتواصل هذه الضربات ضد معسكراته في ضواحي دمشق وغيرها من المدن السورية، ما أدى لانهيار منظومته في دمشق، فإن هيئة تحرير الشام مدعومة بقوة إقليمية، رأت أن ذلك مناسب للهجوم المضاد في أضعف حالات النظام السابق وترنح حليفه حزب الله، ما أدى لسقوط النظام في دمشق خلال 12 يوما فقط لا غير، ولم تكن هذه المشكلة، ولكن استغلال إسرائيل للوضع الذي تمر بها سوريا كان فادحا، بعدما قامت اسرائيل وبتوجيهات مباشرة من نتنياهو، باقتحام المنطقة العازلة في هضبة الجولان السوري المحتل وأعلن نتنياهو سقوط الاتفاقية والسيطرة على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وقام سلاح الجو الإسرائيلي بمسح الأسطول البحري السوري من الوجود، وتدمير كافة مواقع وثكنات الجيش السوري تدميرا ممنهجًا وكافة المراكز البحثية، وأصبحت إسرائيل على بعد عدة كيلو مترات من العاصمة دمشق.


نتنياهو، لم يترك الفرصة وإنما اعترف علانية وفي ظل غياب تحرك عربي قوي وموحد أمامه، أن تل أبيب تغير منطقة الشرق الأوسط، وأن لبنان لم يعد لبنان الذي نعرفه، يقصد وقت وجود حزب الله، ولا سوريا التي نعرفها، يقصد وقت وجود الجيش السوري الذي جرى تفكيكه وتدمير أسلحته وطائراته، ولا كذلك قطاع غزة.


المثير للدهشة، أن جماعة الحوثي في اليمن، لم تتعظ من كل ما حدث وكذلك المجموعات الإيرانية المسلحة في العراق، فاشتعلت الصواريخ والمسّيرات القادمة من البلدين نحو إسرائيل، ما ينذر بحملات جوية عنيفة على البلدين انطلقت منها واحدة اسرائيلية بالفعل نحو اليمن، لتكسير مقدرات الحوثي و"الأشياء الضئيلة" التي يمتلكه الشعب اليمني الذي يعيش خارج العصر، منذ الربيع العربي الأسود في عام 2011.


وهو ما يدفع للسؤال مجددا عما تسبب فيه طوفان حماس؟ وعما إذا كان ذلك قد جرنا بالفعل للعصر الإسرائيلي وهيمنة تل أبيب على مقدرات عدة دول عربية وتغيير أوضاعها، وضربها لتحقيق مصالحها المباشرة، وهو ما دفع رئيس وزراءها للقول علانية أن بلاده تقوم بتغيير الشرق الأوسط وستستمر في ذلك؟!!


فهل هذا معقول أو مقبول او يمكن الاستمرار فيه؟! أعتقد أن الدول العربية عبر مؤسساتها الجامعة وفي مقدمتها الجامعة العربية، مطالبة بالتحرك لمواجهة العصر الإسرائيلي وإيقاف نزيف الخسائر والتفتيت والتقسيم عند هذا الحد.

مقالات مشابهة

  • 3 كلمات ستحدّد مُستقبل لبنان.. مركز أميركي يكشفها
  • السعودية تستضيف غدًا الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب
  • المملكة تستضيف غدًا الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب
  • المملكة تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب .. غداً
  • أبرز هجمات الحوثيين بالصواريخ والمسيّرات على إسرائيل
  • إبراهيم شعبان يكتب: نظرية العصر الإسرائيلي
  • واشنطن تنقذ لبنان بالقوة
  • عميل للموساد الإسرائيلي يكشف تفصيل عملية تفجيرات البيجر في لبنان
  • محمد عبدالمنعم: إسرائيل نفذت أكبر عملية هجوم ضد العرب خلال أيام بسوريا
  • لماذا لا يردّ حزب الله على الخروقات الإسرائيليّة؟