تقدم حلم تزويد عالمنا بوقود هيدروجيني مستدام ونظيف خطوة واعدة إلى الأمام بفضل التطور الأخير في علوم المواد، وكجزء من الجهود المستمرة لتطوير المواد التي يمكن أن تمكن مصادر الطاقة البديلة اكتشف فريق بحثي دولي من جامعة دريكسل في الولايات المتحدة بالمشاركة مع المعهد الوطني لفيزياء المواد في بوخارست برومانيا مادة نانوية أحادية الأبعاد من أكسيد التيتانيوم.

نشرت نتائج الاكتشاف في دورية "ماتر" في التاسع من يونيو/حزيران الماضي، وأعلن عنها في 13 يوليو/تموز الحالي على الموقع الرسمي لجامعة دريكسل.

حاورت الجزيرة الدكتور حسين بدر الباحث الأول في الدراسة والباحث في هندسة وعلوم النانو وأحد أعضاء مجموعة برسوم في جامعة دريكسل.

لماذا الهيدروجين؟

يعد الهيدروجين وقودا خاليا من الانبعاثات الحرارية المسبب الرئيسي للتغيرات المناخية والاحترار العالمي، ولذلك فإن إنتاج الهيدروجين من الماء باستخدام ضوء الشمس مصدرا للطاقة المتجددة هو البديل الأكثر استدامة وصداقة للبيئة.

أظهر المحفز الضوئي للخيوط النانوية من أكسيد التيتانيوم نشاطًا أعلى بكثير من نظيره التجاري (جامعة دريكسل)

لكن استخلاص الهيدروجين من الماء ظل مهمة صعبة، وتتضمن هذه العملية -التي تسمى "التحفيز الضوئي"- فصل الهيدروجين عن الماء باستخدام ضوء الشمس فقط.

ودُرس التحفيز الضوئي لسنوات عديدة، لكنه ظل خارج نطاق الاعتبار، لأن المواد المحفزة التي تمكن العملية لا يمكنها الصمود إلا لأيام معدودة، مما يحد من كفاءتها على المدى الطويل وبالتالي جدواها التجارية، وهنا يأتي دور تطوير عوامل التحفيز الضوئي.

ويقول الدكتور حسين بدر إن "المحفزات الضوئية مواد تساعد على إتمام التفاعل الضوئي عن طريق امتصاص الفوتونات الضوئية، فإذا ما نظرنا في تركيبها الفيزيائي فسنجد ما يسمى نطاق التكافؤ الذي يحتوي على إلكترونات ذات مستوى طاقة منخفض، بالإضافة إلى نطاق التوصيل الذي يحتوي على إلكترونات ذات مستوى طاقة أعلى، ويشار إلى فرق الطاقة بين هذين المستويين بفجوة نطاق الطاقة، وهو المقدار الذي يحدد فعالية المادة كعامل حفز ضوئي".

يعد الهيدروجين وقودا خاليا من الانبعاثات الحرارية والمسبب الرئيسي للتغيرات المناخية والاحترار العالمي (غيتي) افتح النافذة لضوء الشمس

ويضيف بدر "عندما يمتص العامل المحفز مقدارا كافيا من الطاقة اللازمة (تساوي أو تزيد على فجوة نطاق الطاقة) يقفز الإلكترون من مستوى نطاق التكافؤ (الأدنى) إلى مستوى التوصيل (الأعلى) تاركا فجوة موجبة الشحنة في نطاق التكافؤ.

ويشكل الإلكترون ذو الشحنة السالبة والفجوة ذات الشحنة الموجبة طرفي الدائرة الكهربائية على سطح المادة المحفزة، وهذا ما يحدث تماما أثناء عملية فصل الهيدروجين والأكسجين من الماء، إذ تلعب الإلكترونات دورا في اختزال الماء إلى غاز الهيدروجين، فيما تقوم الفجوات الموجبة بأكسدته إلى غاز الأكسجين.

وأضاف "يحدد حجم فجوة نطاق الطاقة أيضا أي الأطوال الموجية للضوء قادرة على إثارة الإلكترونات لبدء هذه التفاعلات، وتتطلب المحفزات الضوئية ذات فجوات نطاق الطاقة الأصغر فوتونات طاقة أقل حتى تتمكن من امتصاص المزيد من طيف الضوء المرئي، وهذا هو مفتاح التحويل الفعال للطاقة الشمسية".

وقد حقق حسين بدر والفريق هذا الأمر عن طريق معالجة أكسيد التيتانيوم كيميائيا لتوسيع نطاق امتصاص الضوء، وأسفرت التجارب عن المحفز الضوئي القائم على أكسيد التيتانيوم والقادر على توليد الهيدروجين بكفاءة 10 أضعاف مقارنة بنظيره التجاري، وفقا لبدر، ولكن كيف بدأت انطلاقة الهيدروجين في معامل دريكسل؟

مادة خالية من الفلورين

يعد ثاني أكسيد التيتانيوم "تي آي أو 2" إحدى أكثر المواد الواعدة للتحفيز الضوئي، وهو مادة اقتصادية ووفيرة تستخدم على نطاق واسع في الدهانات ومستحضرات التجميل والخلايا الشمسية.

يمتص ثاني أكسيد التيتانيوم الضوء فوق البنفسجي ويولد الإلكترونات والفجوات الموجبة التي تتفاعل مع الماء لإنتاج الهيدروجين والأكسجين، ومع ذلك فإن ثاني أكسيد التيتانيوم له عيب كبير، إذ إنه محدود الكفاءة.

يمتص أكسيد التيتانيوم الضوء ويولد الإلكترونات والفجوات الموجبة التي تتفاعل مع الماء لإنتاج الهيدروجين (غيتي)

قبل عامين من هذه الدراسة اكتشف بدر تحت إشراف البروفيسور ميشيل برسوم أستاذ هندسة وعلوم المواد في جامعة دريكسل البنى النانوية المشتقة من الهيدروكسيدات "إتش دي إن إس" عائلة المواد النانوية لأكسيد التيتانيوم، والتي تنتمي إليها مادة التحفيز الضوئي، حيث كان الهدف تخليق مواد "ميكسين" جديدة، والتي يستكشفها باحثو دريكسل لعدد من التطبيقات.

وبدلا من استخدام حمض الهيدروفلوريك لعملية التقشير الكيميائي لطبقات الميكسين ثنائية الأبعاد استخدم الفريق محلولا مائيا قاعديا، وذلك بهدف إنتاج مادة خالية من الفلورين لا تحتاج إلى حرارة عالية أثناء عملية تخليقها.

ووفقا للتغطية الصحفية المنشورة على موقع جامعة دريكسل، قال العالم الأميركي البروفيسور ميشيل برسوم وقائد مجموعة برسوم البحثية "نحن متحمسون جدا لإمكانيات هذا الاكتشاف، يحتاج العالم إلى أنواع وقود نظيفة جديدة بمعدلات إنتاج ضخمة يمكنها أن تحل محل الوقود الأحفوري، نعتقد أن هذه المادة يمكنها إطلاق العنان لإمكانيات الهيدروجين الأخضر".

قنينة البلاستيك

ويقول الدكتور حسين بدر "كانت الخطة هي تحضير مادة من عائلة الميكسين بطريقة غير مكلفة اقتصاديا وصديقة للبيئة، حيث يتطلب تحضير مثل هذه المواد أفرانا تصل حرارتها إلى 1500 درجة مئوية تحت ظروف خاصة، وأحماضا قوية جدا تنتج عنها مخلفات ضارة بالبيئة من مشتقات الفلور".

وأضاف "حاولنا تحضير المادة الجديدة من هذه العائلة من عناصر موجودة بوفرة وظروف تفاعل غير مكلفة اقتصاديا وصديقة للبيئة، وكانت المفاجأة خيوطا أحادية الأبعاد من أكسيد التيتانيوم، والتي يتم تحضيرها في قنينة بلاستيكية بعشرات الغرامات، فبدأنا بدراسة خواصها وتطبيقاتها الضوئية، أول ما فعلناه آنذاك هو وضع المادة في محلول مائي تحت ضوء صناعي يحاكي ضوء الشمس، وجدنا أنها تمتلك القدرة على تسهيل التفاعل الكيميائي الذي يفصل الهيدروجين من جزيئات الماء عند تعرضه لأشعة الشمس".

وأضاف بدر "أظهر المحفز الضوئي للخيوط النانوية أحادية الأبعاد من أكسيد التيتانيوم نشاطا أعلى بكثير من نظيره التجاري، لكن المذهل حقا هو أن المحفز الجديد ظل مستقرا في الماء لمدة 6 أشهر، مما يعني جيلا جديدا من المحفزات الضوئية التي يمكنها أخيرا تحقيق الانتقال الذي طال انتظاره من المختبر إلى السوق".

يعمل الدكتور حسين بدر مع مكتب دريكسل للابتكار وبرنامج الابتكار للتحرك نحو تسويق المادة كمنتج تجاري (الجزيرة) عائلة أكسيد التيتانيوم والمزيد من التطبيقات الواعدة

اختبرت المجموعة 5 مواد محفزة من عائلة أكسيد التيتانيوم مشتقة من مواد أولية منخفضة التكلفة ومتاحة بسهولة، وقورنت المواد بنظيرها التجاري من شركة "إيفونيك إيروكسيد"، ووجد الفريق أن المحفزات الضوئية الخمسة القائمة على أكسيد التيتانيوم تعمل بكفاءة 10 مرات أكثر من النظير التجاري في تمكين الفوتونات لفصل الهيدروجين من الماء.

ووفقا لبدر، فإن الاكتشاف الأكثر أهمية هو أن المواد ظلت نشطة في إنتاج الهيدروجين لمدة تصل إلى 300 ساعة تحت ضوء الشمس، وهذا ما يبشر بالكثير من التطبيقات الواعدة، وأكدنا بما لا يدع مجالا للشك على أن موادنا مستقرة وقادرة على التحفيز الضوئي في خلائط الميثانول المائي لفترات طويلة.

من التخليق إلى التسويق

يمكن استخدام هذه الألياف النانوية أحادية الأبعاد من أكسيد التيتانيوم في تنقية المياه وخلايا البيروفسكايت الشمسية وبطاريات الليثيوم أيون من بين العديد من التطبيقات الأخرى، إن قدرتها على الإنتاج بسهولة وأمان بكميات كبيرة تجعلها في مركز متقدم على المواد النانوية الأخرى في مضمار سباق المحفزات الضوئية.

وبفضل النتائج الواعدة تقدم الفريق بفكرة طرح المادة كمنتج تجاري لبرنامج "إن إس إف للابتكار"، وتم اختيار المشروع للمشاركة في البرنامج، وكاستثمار للاكتشاف يعمل الدكتور حسين بدر مع مكتب دريكسل للابتكار وبرنامج الابتكار التابع لمؤسسة العلوم الوطنية للتحرك نحو تسويق المادة كمنتج تجاري.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: إنتاج الهیدروجین الهیدروجین من من التطبیقات ضوء الشمس من الماء

إقرأ أيضاً:

الشلف: اكتشاف ورشة سرية لصناعة الحلويات التقليدية

تمكّنت شرطة الشلف، ممثلة في عناصر فصيلة الشرطة العامة بالأمن الحضري الأول، والمصلحة الولائية للشرطة العامة، رفقة أعوان الرقابة بمديرية التجارة ومصلحة النظاقة لبلدية الشلف، من حجز 1050 كيلوغراماً من عجينة خاصة بتحضير مادة الزلابية غير صالحة.

كما تم حجز  1050 لتراً من العسيلة، موضوعة ببراميل حديدية غير صحية، مع حجز 116 دلواً من مادة زيت المائدة سعة 5 لتر. 7 أكياس من مادة السكر ذات وزن 50 كيلوغراماً، 16 كيلوغراماً من مادة الملح. 15 علبة خميرة وزن 500 غرام، 50 كيلوغراماً من مادة السميد.

وضبطت المحجوزات على مستوى ورشة سرية لتحضير الحلويات التقليدية بمنطقة النشاطات الصناعية بحي النصر بالشلف. وذلك استغلالا لمعلومات عن نشاط هذه الأخيرة في ظروف غير مهيّأة وتنعدم للشروط القانونية والصحية.

وتم الوقوف على تجاوزات عدة، وممارسات تمسّ بسلامة وصحة المستهلك. بما فيها ظروف تحضير وصناعة هذه المادة في مكان تنعدم فيه تماما شروط النظافة. عدم مطابقة الأدوات والأغراض المستعملة في التحضير، منها أدوات مضرة بالصحة.

وجرى تشميع الورشة وإتلاف المحجوزات، مع اتخاذ الإجراءات القانونية ضد صاحبها البالغ من العمر 51 سنة، بالتنسيق مع النيابة المختصة.

مقالات مشابهة

  • أصدقاء المغرب الكبار يدخلون الصحراء المغربية بإستثمارات قياسية غير مسبوقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر
  • الشلف: اكتشاف ورشة سرية لصناعة الحلويات التقليدية
  • انتقاء 5 مستثمرين لإنجاز 6 مشاريع الهيدروجين الأخضر في 3 جهات بالأقاليم الجنوبية
  • طريقة عمل الفول الأخضر باللبن
  • نواب البرلمان: الهيدروجين الأخضر مفتاح مصر لتعزيز الاقتصاد وريادة الطاقة النظيفة عالميًا
  • إيفلين متى: مشروع الهيدروجين الأخضر يعيد تشكيل الصناعة المصرية
  • برلماني: مشروع الهيدروجين الأخضر يعزز مكانة مصر الاقتصادية عالميًا
  • مدبولي يستعرض مشروعًا لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء بخليج السويس
  • رئيس الوزراء يستعرض مشروعًا مقترحًا لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء بخليج السويس
  • مدبولي يستعرض مشروعا مقترحا لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء بخليج السويس