تخطّت الاعتداءات الإسرائيلية على أكثر من موقع إيراني في سوريا، حتى قبل عملية "طوفان الأقصى" وبعدها بمجموعها ما يفوق الثلاثين، وكان آخرها استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق. ويلاحظ أن الغارات الإسرائيلية، وبالأخص قبل 7 تشرين الأول، استهدفت مواقع الرادارات، ومرافق المراقبة والدوريات، ومراكز تطوير الأسلحة، خاصة الصواريخ الذكية، وأنظمة التوجيه الخاصة بها.
في المقابل يجد المراقبون أن ردة فعل طهران تجاه هذه الاعتداءات غير متطابقة مع الواقع الميداني، بحيث تكتفي بتحريك حلفائها في المنطقة لتولي مهمة الردّ، الذي يبقى دون حجم هذه الاعتداءات، بدءًا من الحوثيين في اليمن مرورًا بما تتعرّض له المواقع الأميركية في العراق وسوريا من عمليات، وصولًا إلى جنوب لبنان عبر العمليات النوعية التي تقوم بها "المقاومة الإسلامية" تحت شعار "دعم الشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم في قطاع غزة ومساندته".
ولكن هذه "العمليات البديلة"، كما يراها المراقبون، لا تعفي طهران من مسؤولية الردّ، وإن كانت ظروفها التفاوضية مع واشنطن لا تسمح لها بتوسيع هامش حركتها الميدانية، إذ أن تمادي تل أبيب في اعتداءاتها الاستفزازية، وإن جاء الاعتداء على القنصلية الإيرانية في دمشق كردّ على استهداف موقع عسكري في ايلات، قد يعيد موازين القوى إلى مربعها الأول، مع ما يرافق التردّد الإيراني من مخاوف لجوء إسرائيل إلى "زر" قنابلها النووية، وهو أمر غير مستبعد في عملية الربح والخسارة، خصوصًا إذا وجدت طهران أن الأجواء الدولية غير مؤاتية لإعادة التوازن إلى ميزان القوى في ظل السكوت الدولي عمّا يرتكب من مجازر في حق الفلسطينيين، وبالأخص في حق الأطفال والشيوخ والنساء، وما تتعرض له المستشفيات من تدمير وحشي.
في قراءة أولية لتداعيات الغارة الإسرائيلية على مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، ترى أوساط سياسية مراقبة أنه يمكن اعتبار ما حصل بمثابة وصل خط دمشق – طهران بخط غزة – جنوب لبنان، مع ما يشهده البحر الأحمر من عمليات متتابعة للحوثين وما يتعرضون له من هجمات في مواقعهم العسكرية في اليمن.
ولكن ما يستتبع هذه الاعتداءات، أسئلة باتت مطروحة بالنسبة إلى موقف طهران المباشر من هذه الاعتداءات المتكررة، والتي أدخلتها في موقع شديد الحرج تجاه حلفائها في المنطقة، وقد تصل إلى مرحلة متقدمة لن تستطيع معها أن تكتفي بتحريك هؤلاء الحلفاء، الذين يقومون بالأدوار المطلوبة منهم على أكمل وجه، ولكن ضمن مقاييس محدّدة الأهداف. فإن لم تتدّخل بالمباشر للردّ على ما تتعرّض له مواقعها في الداخل السوري من اعتداءات قد تدفع إسرائيل إلى الاستمرار في استفزازاتها، وهي التي تريد أن تثبت للعالم أجمع، وبالأخص للأميركيين، الذين يمارسون عليها ضغوطات غير مسبوقة لمنعها من اجتياح رفح، أنها قادرة على أن تحارب على أكثر من جبهة، وهذا ما يسقط في رأيها نظرية "حرب المساندة"، التي تنطلق من جنوب لبنان، والهادفة بحسب ما يقوله الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله إلى الهاء جيش العدو وتكبيده خسائر فادحة تجعله يردّ أذاه المتمادي على غزة الجريحة.
وفي رأي هذه الأوساط أن الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية على أكثر من موقع إيراني في سوريا يهدف في الدرجة الأولى إلى إحراج طهران بالدرجة الأولى، ومن ثم دفع "حزب الله" إلى قيامه "بعمليات بديلة" نوعية تتناسب وحجم هذه الاعتداءات، الأمر الذي يعطي تل ابيب وحكومتها الحربية ذريعة لشنّ حرب واسعة على لبنان، قد تكون مدخلًا لحرب أشمل قد تطال شظاياها أكثر من دولة إقليمية.
وتقول هذه الأوساط أن عبارة الردّ "في المكان والزمان المناسبين" لم تعد كافية في الظرف الراهن، وأمام إصرار إسرائيل على تحدّي إيران بهذا الشكل السافر غير المقبول، ولكن يبقى السؤال الأهم، الذي ربما قد تُترك الإجابة عنه للميدان، سواء في جنوب لبنان أو في البحر الأحمر، هل أن طهران جاهزة لمواجهة مفتوحة، وهل في قدرتها أن تحارب على أكثر من جبهة في وقت واحد، وهل تستطيع أن تواجه الغرب، الذي بدأ يئن نتيجة ما تتعرض له مصالحه الاقتصادية من خسائر نتيجة العمليات التي يقوم بها الحوثيون ضد سفنه التجارية في البحر الأحمر؟ المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: هذه الاعتداءات على أکثر من جنوب لبنان
إقرأ أيضاً:
الصين تدعو إلى حل دبلوماسي لمسألة ملف إيران النووي قبل محادثات بكين
دعت الصين الخميس إلى حل "دبلوماسي" لمسألة ملف إيران النووي في حين تستعد لاستضافة محادثات يجريها دبلوماسيون من طهران وموسكو، ويأتي ذلك وسط تصريحات وزير خارجية إيران عباس عراقجي بأنه لا يستبعد إجراء محادثات مع واشنطن لكن على "أساس المساواة" بين البلدين.
ومن المقرر أن تعقد الصين اجتماعا غدا الجمعة في بكين مع روسيا وإيران بشأن "القضية النووية" الإيرانية، وسيرسل كلا البلدين نائبي وزيري الخارجية. وسيعقب اللقاء اجتماع مغلق لمجلس الأمن في نيويورك في اليوم نفسه بشأن زيادة إيران لمخزوناتها من اليورانيوم التي تقترب من درجة صنع الأسلحة.
وكانت الولايات المتحدة انسحبت في 2018 خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى العالمية عام 2015، وأعادت فرض عقوبات عليها. وردّت طهران بعد عام بانتهاك القيود التي فرضها الاتفاق على أنشطتها النووية. وفشلت منذ ذلك الوقت جميع الجهود الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ للصحفيين "في الوضع الحالي، نعتقد أن على جميع الأطراف المحافظة على الهدوء وضبط النفس لتجنب التصعيد في الوضع النووي الإيراني، أو حتى التحرك باتجاه مواجهة ونزاع".
إعلانمن ناحيتها، قالت وزارة الخارجية الإيرانية إن الاجتماع سيركز على "التطورات المتعلقة بالمسألة النووية ورفع العقوبات". لكن بكين أشارت إلى أن المحادثات ستهدف إلى "تعزيز التواصل والتنسيق لاستئناف الحوار والمفاوضات في وقت قريب".
وقالت ماو إن "الصين تأمل بصدق أن يكون بإمكان الأطراف كافة العمل معا وزيادة الثقة المتبادلة بشكل متواصل وتبديد المخاوف وتحويل زخم إعادة إطلاق الحوار والتفاوض إلى حقيقة في موعد قريب".
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني، دعا ترامب إلى اتفاق نووي جديد مع طهران، مع إعادة فرض سياسة "الضغوط القصوى" المتمثلة في العقوبات.
كما قال ترامب الأسبوع الماضي إنه أرسل رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي يقترح فيها إجراء محادثات بشأن الملف النووي، لكنه حذر أيضا من أن "هناك طريقتين للتعامل مع إيران.. عسكريا أو التوصل إلى اتفاق".
وفي حين أكدت طهران أمس تسلّم الرسالة، فإن عراقجي أكد الخميس في مقابلة مع صحيفة حكومية إيرانية أنه "يجب إقناع الجانب الآخر بأن سياسة الضغط غير فعالة، حينئذ فقط يمكننا الجلوس إلى طاولة المفاوضات على أساس المساواة".
وأضاف "إذا دخلنا في مفاوضات مع فرْض الطرف الآخر أقصى الضغوط، فإننا سنتفاوض من موقف ضعيف ولن نحقق شيئا".
وأمس الأربعاء صرح خامنئي بأن "التفاوض مع إدارة ترامب "سيؤدي إلى استمرار العقوبات وزيادة الضغوط على إيران"، وأكد أن طهران لن تتفاوض تحت ضغط "البلطجة" الأميركية.