موسكو- تشكل ذكرى تأسيس حلف شمال الأطلسي (ناتو) الـ75 مناسبة للوقوف عند ملف التحالفات العسكرية الأخرى في العالم، التي جاء تأسيسها محاولة لإحداث توازن عسكري يسد الفراغ الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو في العام 1991.

في الـ15 مايو/أيار 1992 وقعت دول ما بعد الاتحاد السوفياتي المستقلة، وهي روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، على "معاهدة الأمن الجماعي"، ثم تبعهم كل من أذربيجان وجورجيا وبيلاروسيا -على التوالي- ووقعوا على الاتفاقية عام 1993.

دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 20 أبريل/نيسان 1994، وصممت لمدة 5 سنوات قابلة للتمديد، وفي 2 أبريل/نيسان 1999، مدد رؤساء أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان المعاهدة لمدة 5 سنوات أخرى، لكن أذربيجان وجورجيا وأوزبكستان رفضت تمديدها.

ورغم أن الأهداف الرئيسية لمنظمة "معاهدة الأمن الجماعي" تكمن في ضمان الأمن الوطني والجماعي، وتعميق التفاعل العسكري السياسي، وتنسيق مواقف السياسة الخارجية في قضايا الأمن الدولي والإقليمي وغيرها، إلا أن بعض الوقائع كشفت عن أن التحالف الذي قام على أنقاض النظام العسكري والأمني السوفياتي لم يشكل ثقلا موازنا لحلف الناتو أو نظيرا له.

فقد اضطرت المنظمة لاستخدام القوة مرة واحدة فقط، وذلك في الاحتجاجات الدامية التي شهدتها كازاخستان عام 2022، والتي توجه فيها الرئيس قاسم جومارت توكاييف، بطلب الدعم، وبالفعل وصلت الوحدات الأولى إلى كازاخستان في السابع من يناير/كانون الثاني، وكان الهدف الرئيسي المعلن لوحدة حفظ السلام التابعة للمنظمة هو حماية المنشآت الحكومية والعسكرية المهمة، ومساعدة القوات الحكومية في تحقيق استقرار الأوضاع، وهو ما تحقق في النتيجة.

قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي تعود إلى قرغيزستان بعد مهمة في كازاخستان (رويترز) أزمة ثقة

يرى الخبير في الشؤون الإستراتيجية نيكولاي بوزين، أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي هي منظمة أكثر تعقيدا ومتعددة الأوجه، علاوة على أن لكل دولة داخل المنظمة مشاكلها الخاصة، إذ تشعر روسيا بالقلق إزاء تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها الرامية إلى تقويض البنية الأمنية الدولية، بينما في بيلاروسيا مخاوف إزاء توسع حلف شمال الأطلسي وتصاعد التوترات على حدودها الغربية.

أما كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان فالتوجسات قوية فيما يخص تأثيرات الأوضاع في أفغانستان، أي على الحدود الجنوبية لآسيا الوسطى، وبالنسبة لأرمينيا فلديها مواجهة مباشرة مع أذربيجان.

ويقول بوزين للجزيرة نت إنه "عندما تبدأ المصالح الشخصية في السيطرة على الأهداف المشتركة، تقع المتاعب"، ويوضح "طوال تاريخها، واجهت المنظمة أزمة ثقة داخلية، فعلى سبيل المثال طلبت قرغيزستان من شركائها المساعدة 3 مرات وتم رفضها في كل مرة، الأولى في عام 1999، عندما قام إسلاميون مسلحون من أفغانستان وطاجيكستان بغزو البلاد، والثانية في عام 2010 عندما حدث صراع عرقي دموي بين قرغيزستان والأوزبك، والأخيرة في عام 2021 أثناء النزاع المسلح العنيف على الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان".

من هنا يرى بوزين أنه لا يمكن مقارنة المنظمة بحلف شمال الأطلسي، الذي تتمتع دوله بتوجه سياسي مشترك، فالأعداء الرئيسيون بالنسبة لهم واضحون، وهم روسيا والصين، واستباقًا لمواجهة محتملة ظهرت الأسلحة النووية في أوروبا، بما فيها البلدان المتاخمة لروسيا والمجاورة للصين.

كما يرى بالمقابل أن الشيء ذاته لا ينطبق على دول معاهدة الأمن، التي تعاني بدلا من ذلك من هواجس دائمة من بروز عوامل فقدان الثقة بين أعضائها، فضلًا عن الطابع الدفاعي المحض التي تتسم به، وعدم وجود محددات واضحة للخصوم والأعداء، في مقابل الإستراتيجية "الهجومية" لحلف الناتو.

ويوضح أنه منذ الحرب العالمية الثانية وقع أكثر من 250 صراعاً عسكرياً في 153 دولة، و80% منها كانت من صنع الولايات المتحدة وشركائها في التحالف، أي أنه منذ تأسيس الحلف، لم يكن هناك عام واحد لم يشارك فيه بصراع مسلح على هذا الكوكب.

المحك الأوكراني

ويشير الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين إلى إشكالية أخرى تتعلق بغياب "دولة ريادية" داخل الحلف، خلافا لحلف وارسو الذي كان الاتحاد السوفياتي هو "رأسه وعقله"، وهنا، حسب رأيه، تختلف منظمة معاهدة الأمن في هذا المعيار عن الناتو، المتماسك والذي له قائد (الولايات المتحدة) "على أنغامه يرقص بقية أعضاء التحالف". ولكن من ناحية أخرى، بفضله، تعمل الدول الأعضاء على زيادة قوتها العسكرية.

وردًا على سؤال حول المانع من أن تتطور منظمة معاهدة الأمن الجماعي في هذا الاتجاه، فسَّر الخبير رأيه بأنه غالبًا ما تتغلب مصالح الدولة في المنظمة على مصالح التحالف، الشيء الذي أخر ويؤخر تطور المنظمة لسنوات عديدة.

وبحسب رأيه، فإن عدم تجانس الموقف داخل المنظمة تجاه الحرب مع أوكرانيا يعتبر مؤشرا واضحا على ذلك، فضلًا عن عدم تدخل قوات المنظمة في النزاع الدموي الذي حصل بين أرمينيا وأذربيجان سابقًا بسبب ملف ناغورني قره باغ.

في مقابل ذلك، يشير الخبير ذاته إلى أن الناتو تمكن من معالجة مشكلته التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، والمتعلقة بوجود عدو حقيقي وليس افتراضيا، بات الآن متمثلا بروسيا.

ويكاد يجزم في حديثه بأن الحرب في أوكرانيا واستدراج روسيا إلى خطوات اضطرارية لحسم النزاع كان مخططا لإحياء الناتو كقوة عسكرية سياسية، مما يعني أن على دول المنظمة أن تقوم بخطوات فعلية وجادة لتطوير إمكاناتها الصناعية العسكرية، وإحياء المجمع الصناعي العسكري.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات معاهدة الأمن الجماعی منظمة معاهدة الأمن

إقرأ أيضاً:

إذا سافر إلى بولندا..وارسو: سنعتقل نتانياهو

قال نائب وزير الخارجية البولندي فلاديسلاف بارتوشيفسكي، لصحيفة "رزيسبوسبوليتا" أمس الجمعة، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى بولندا، سيتعتقل إذا سافر إلى بولندا، التزاماً من وارسو بقرارات المحكمة الجنائية الدولية.

وحسب "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية اليوم السبت، أكد بارتوشيفسكي، خلال حديثه عن الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الـ 80 لتحرير معتقل أوشفيتز في 27 يناير (كانون الثاني) المقبل "إذا دخل نتانياهو الأراضي البولندية فإنه سيعتقل".

Report | Poland confirmed that PM Netanyahu would be arrested if he landed in Poland for the 80th anniversary of the liberation of Auschwitz.https://t.co/tx4ae1aocB

— The Jerusalem Post (@Jerusalem_Post) December 21, 2024

يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية، وجهت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اتهامات إلى نتانياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. والدول التي وقعت على نظام روما ملزمة قانوناً بالامتثال لأوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة.

وأشارت صحيفة "جيروزاليم بوست"، إلى أن المسؤولين الإسرائيليين رفضوا تأكيد نية نتانياهو حضور الحدث، كما لا يُرجح أيضاً أن يشارك الرئيس الإسرائيلي يسحق هرتسوغ، ليكون وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الممثل الوحيد لإسرائيل في الذكرى السنوية.

ومن جهتها، قالت مصادر بولندية لصحيفة "رزيكزبوسبوليتا"، إن بولندا نفذت أوامر الاعتقال لرغبتها في رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقف أمام المحكمة. حيث وجهت المحكمة إلى بوتين اتهامات في  2022، باختطاف أطفال أوكرانيين.

الامتثال لأوامر الاعتقال 

ووفق الصحيفة، وافقت جميع دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 على نظام روما الأساسي، وهي ملزمة قانوناً بالامتثال لأوامر الاعتقال. وحتى الآن، قال الرئيس المجري فيكتور أوربان فقط إن "نتانياهو لن يُعتقل إذا جاء إلى المجر"، وذهب إلى حد دعوته لزيارة البلاد.

The #ICC arrest warrant against Prime Minister @netanyahu is brazen, cynical and completely unacceptable. I invited Prime Minister Netanyahu for an official visit to Hungary, where we will guarantee his freedom and safety. pic.twitter.com/uRDoP307uL

— Orbán Viktor (@PM_ViktorOrban) November 22, 202

في حين أكدت دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، أنها ستعتقل نتانياهو بغض النظر عن الحصانة الدبلوماسية، بينها إسبانيا، وهولندا، وبلجيكا، وإيرلندا، وليتوانيا، وسلوفينيا.

مقالات مشابهة

  • 2024.. العام الذي أعاد تشكيل خريطة الشرق الأوسط
  • دبلوماسي أوكراني سابق: الانضمام للناتو يمنع تكرار هجوم روسيا
  • الحرية المصري: حديث الرئيس بأكاديمية الشرطة اتسم بالمكاشفة بشأن التحديات التي تواجه الوطن
  • كاتب صحفي: إسرائيل لم تحترم أي معاهدة أو هدنة
  • الأمم المتحدة تمدد مهمة حفظ السلام في الجولان المحتلة
  • السيناريست باهر دويدار: مصر ثابتة أمام التحول الذي يشهده الشرق الأوسط
  • “سوسطارة” تفشل في العودة بالنقاط الثلاث من سطيف و “الكناري” يغرد وحيدا في الصدارة
  • القبة الحديدية تفشل أمام صواريخ الحوثي
  • إذا سافر إلى بولندا..وارسو: سنعتقل نتانياهو
  • حقيبة تحتوى على قنبلة في جراج مطار الغردقة .. تجربة طوارئ | صور