من العدوان إلى الطوفان.. خيط مشترك و”ثقب أسود”
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
تصادف يوميات الذكرى الوطنية للصمود اليمني في مواجهة العدوان هذا العام يوميات الإسناد اليمني لغزة في معركة طوفان الأقصى من خلال العمليات المستمرة في البحر، وباتجاه عمق كيان العدو الإسرائيلي، وليس في الأمرين مصادفة، بل نرى أنّ ثمة خيطاً مشتركاً بين العدوان والطوفان سنحاول تبيينه في هذا المقال.
في خطابه السنوي في ذكرى الصمود الوطنية قبل أيام ربط السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ربطاً ذكياً بين العدوان على اليمن، وطوفان الأقصى لناحية الهدف من قبل الحلف الأمريكي، وما أفرزته العشرية الماضية من تحوّلات جعلت من اليمن رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية، وذا تأثير ملموس في المعادلات الدولية من بوابة المسرح البحري الممتد من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي.
وبطريقة غير مباشرة قال السيد عبدالملك إنّ العدوان السعودي الأمريكي أتى في سياق المشاريع الأمريكية في المنطقة ربطاً بمشاريع تصفية القضية الفلسطينية وصفقة القرن، وما تلاها من مسارعة بعض الدول العربية لتوقيع اتفاقيات التطبيع والخيانة مع العدو الإسرائيلي، وبالتالي فإن ما حقّقه اليمن من إنجازات عسكرية وصمود شعبي أفشل أهداف العدوان الأساسية في احتلال البلد بشكل كامل، وتدمير القدرات العسكرية ومنع اليمن من الوصول إلى ترميم قوته، فضلاً عن تطويرها وصناعة أسلحة استراتيجية كاسرة للتوازن القائم أقلّه في التأثير والفاعلية، على أنّ هذا النصر وهذه الإنجازات لم تقتصر على الساحة الوطنية اليمنية، بل مثّلت انتصاراً إضافياً للأمة وللقضية الفلسطينية إلى جانب فشل مشاريع التطبيع والتصفية إلى حد كبير.
ويعزّز هذا الاستنتاج، الدلائل الحسية على أرض الواقع، فاليمن خرج من عدوان السنوات الماضية أكثر قوة وقدرة، كما ظهر التفاعل الشعبي أكثر من أي مرحلة مضت، ولم ينكفئ بعوامل القوة، بل وظّفها بطريقة ذكية وفاعلة ومؤثرة لصالح القضية الفلسطينية، ونصرة لسكان غزة في مواجهة العدوان والحصار المفروضين على القطاع منذ ستة أشهر، وسط صمت عربي إسلامي دولي رهيب، باستثناء جبهات الإسناد المعروفة وما يرافقها من مظاهرات في عدد من عواصم العالم للضغط باتجاه إيقاف جرائم الإبادة وسياسية التجويع، وبما تشيء بتحوّل غير عادي في الرأي العام الدولي، أعاد للقضية الفلسطينية اعتبارها وأعادها إلى صدارة الاهتمام الدولي سياسياً وإعلامياً وحتى عسكرياً، بخلاف ما خطط له الحلف الأمريكي الإسرائيلي خلال العشرية الماضية.
على أنّ انخراط اليمن رسمياً وشعبياً وبكلّ ما يملك من قوة في معركة طوفان الأقصى، لا يعني إغلاق الصفحة السوداء المظلمة للدول التي دمّرت وقتلت في اليمن خلال التسع السنوات الماضية، فكان تذكير السيد بما حصل من جرائم بالأرقام والإحصائيات، يهدف إلى أمرين أساسيين:
– إنعاش الذاكرة اليمنية والتذكير بفظائع وجرائم العدوان على مدى تسع سنوات، سواء كانت بالعدوان أو الحصار أو الحرب الاقتصادية.
– إيصال رسالة من أعلى المستويات في اليمن إلى دول العدوان بأنه لا يمكن منحها صك براءة وإعفاؤها مما ارتكبت من جرائم، والتأكيد لتلك الدول بأنها لا تزال أمام استحقاقات إنسانية وعسكرية وسياسية ملحة لا يمكن التنازل عنها، وهي تمثّل مفتاح الحل والسلام، وسنشير إليها في سياق هذا المقال.
المسألة الأخرى، أن السيد عبد الملك نبّه دول العدوان بشكل ضمني إلى خطورة وكلفة توريط أمريكا لها مجدداً في العدوان على اليمن على خلفية الموقف من غزة، ويتضح ذلك جلياً من التحذير المباشر من خطورة التبعية لأمريكا، ومن خلال استعراضه بالأرقام خسائر دول العدوان على مستوى العديد والعتاد من ناحية، إضافة إلى ما حقّقته اليمن من إنجازات عسكرية على مستوى العمليات البرية، والبحرية، والدفاعات الجوية، والتدريب والتأهيل والتصنيع، وكيف جعلت من التهديد والتحدّي فرصة أهّلتها لهذا الدور الذي تقوم به حالياً في المسرح البحري، وتحديداً ضد الملاحة الصهيونية وبعدها الأمريكية والبريطانية حد إغراق السفن والسيطرة عليها، واستهدافها بشكل أربك الأمريكيين أنفسهم وأظهر عجزهم.
وذلك ما أكدته مؤخّراً صحيفة بلومبرغ الأمريكية بأن “اليمن نجح في إفشال أكثر الجيوش تطوراً”، ونقلت عن مارك ميجز قائد حاملة الطائرات الأمريكية أيزنهاور بأنّ “ما يملكه اليمن من صواريخ في ترسانته هو بمثابة ثقب أسود للاستخبارات الأمريكية، وبأن واشنطن تدفع تكاليف باهظة الثمن”.
هذه القناعة الأمريكية بالفشل من أعلى المستويات العسكرية، تؤكّد بأن المتغطّي بأمريكا عريان، وبأنّ واشنطن التي تعجز عن حماية سفنها وسفن ربيبتها “إسرائيل” هي أعجز عن تقديم الحماية للدول العربية التي تريد الزج بها إلى مستنقع اليمن مجدّداً، وخصوصاً بعد إدخال المفاجآت مؤخراً على خط المواجهة من خلال توسيع النطاق الحيوي للعمليات العسكرية البحرية، ومن خلال إدخال أسلحة جديدة وصل بعضها إلى إيلات متجاوزاً كل منظومات الدفاع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة وفلسطين.
وبموازاة ذلك جدّد السيد عبد الملك تطمين الدول العربية وفي مقدّمتها السعودية، بأن اليمن لا يشكّل أي خطورة على الأمن القومي العربي، بل هو حريص على سيادة الأمن، وأن تكون العلاقات الإيجابية قائمة على أساس وحدة الدين والقومية، وبمواجهة تحديات مشتركة، وأن على كل الشعوب العربية والإسلامية أن تنظر لليمن كسند أساسي وليس كعدو أو تهديد لها، وهذا في قلب وصميم المشروع الفكري والسياسي لليمنيين، بخلاف المغالطات الأمريكية الإسرائيلية التي قدّمت العدو صديقاً والصديق عدواً، فقدّمت “إسرائيل” صديقاً وإيران ومحور المقاومة أعداء.
مع أنّ خطة “إسرائيل الكبرى” تمثّل أكبر تهديد للأمن القومي العربي، كما أن مشروع التطبيع الذي لا تزال مساعيه مستمرة لتوريط دول جديدة للمضي فيه قفز ويقفز فوق الحقائق والاعتبارات المتصلة بالأمن القومي العربي، فقدّمت الدول العربية خلال عشرية النار الماضية كلّ ثقلها وقدراتها لمواجهة الأمة ودعم الصراعات البينية داخلها، وبما يخدم مصلحة كيان العدو الإسرائيلي، من سوريا الى العراق واليمن ولبنان.
من هنا، وتفويتاً للمساعي الأمريكية الإسرائيلية في إشعال الحرائق الداخلية والصراعات البينية، أتى التأكيد مجدّداً من السيد عبد الملك بأن اليمن يجدّد ويؤكّد “الحرص على التفاهم والسلام والأخوّة والعلاقات الأخوية وليس لديه أي توجّه عدائي نحو الأمة العربية والإسلامية، وأن المواجهة مع ثلاثي الشر”. إلى جانب رسائل تصل بعيداً عن الإعلام إلى من يهمه الأمر في عواصم تلك الدول التي اعتدت على اليمن.
وكشرط أساسي لإرساء السلام العربي واليمني السعودي، وجّه السيد عبد الملك رسائل واضحة للسعودية، ودعاها للانتقال من “مرحلة خفض التصعيد” إلى استحقاق السلام وفق اتفاق واضح يتضمن ما أكدته صنعاء، بما يفضي لإنهاء العدوان والحصار والاحتلال وتبادل الأسرى وإنهاء المشكلة، وهذه هي استحقاقات السلام ومحدّداته، بعيداً عن الاستمرار في خدمة السياسة الأمريكية التي لا تحترمهم أصلاً، وليس لهم ولا لبلدانهم أي مصلحة في ذلك.
الملاحظ أن السيد عبدالملك لا يزال يعتبر أن العدوان قائم عسكرياً وإنسانياً، ويتضح ذلك من خلال رسالته الأخيرة بأننا “قادمون في العام العاشر بالقدرات العسكرية لحماية شعبنا ومساندة فلسطين، قادمون بجيش قوي ومدرّب، وبالتعبئة العامة، بوعي شعبي، وتماسك داخلي غير مسبوق”.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
المستقبل الاقتصادى للعلاقات العربية الأمريكية بعد صعود ترامب (4 - 10)
تناولنا فى المقالات السابقة أن عودة ترامب تعلن عن تبعثر أوراق الإقتصاد العالمى خاصة فى الدول العربية، بسبب السياسات الخاصة المرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية. والتى إنخرطت فى صراعات مدتها 231 عاما من أصل 248 عاما من وجودها، واستنادًا على شعار ترامب «أمريكا أولًا»، فإن توجهاته تعكس هذا الشعار. ففى الولاية السابقة عام 2017 اتسمت السياسات الاقتصادية لترامب بتوجهاتها الداعمة للنمو الإقتصادى المحلى وتعزيز القوة التنافسية. وفى هذه السلسلة من المقالات سوف نتناول تأثير ذلك على الدول العربية بصورة منفردة، وفى هذا المقال سوف نتناول الأثر الاقتصادى على الجانب السورى، الذى يمر بأكبر فوضى فى تاريخه عبر عنها ترامب بأن سوريا فى فوضى، لكنها ليست صديقتنا، وأضاف لا ينبغى للولايات المتحدة أن يكون لها أى علاقة بما يحدث، هذه ليست معركتنا، لندع الأمور تجرى، دون أن نتدخل. ولكن يجب وضع تعاطف سوريا من انطلاق عملية «طوفان الأقصى» فى الحسبان، والأخذ فى الاعتبار نجاح سوريا فى حرب عام 2006 عبر حزب الله فى إجهاض ولادة «شرق أوسط جديد»، ما يحدث الآن فى سوريا ما هو إلا تحديد لقواعد جديدة لموازين القوى، تراها مصر بشكل واضح، بعد انتظار أكثر من 400 يوم من حرب ميلاد شرق أوسط جديد. وعملياً يشير كثير من التقارير إلى حاجة الاقتصاد السورى إلى نحو 10 سنوات من أجل العودة إلى مستويات 2011، بعد أن فقد نحو 85% من قيمته خلال 12 عامًا ليصل إلى تسعة مليارات دولار فى 2023 مقابل 67.5 مليار دولا فى 2011، أما الآن فالقيمة تقترب من الصفر، فالنظام السورى دمر الإقتصاد بجعله إحتكاريا محصورًا بعدد من الأفراد، وبذلك تراكمت الأرباح.كما لم يكن هناك سوق إشتراكى ولا سوق حر، كان هناك سوق يمكن تسميته برأسمالية النخبة أو العائلة، وبالتالى لم يكن هناك سياسات مالية أو نقدية بل مجرد اقتصاد حرب يسعى إلى دعم الآلة العسكرية للنظام ضد شعبه، امتزج هذا بدعم بشار الأسد للفساد خاصة الفساد الإدارى الذى استشرى فى النخب السورية والمراكز البحثية والجامعات،عبر تقليد الفاسدين للمناصب، مما نجم عنه ضياع للأمن القومى السورى، وإذا كانت سوريا مع نهاية السنة الثامنة من النزاع السورى، والذى بدأ عام 2011 خسرت اقتصادياً ما يفوق 442 مليار دولار. وهذا الرقم الهائل لا يعبر وحده عن معاناة شعب أصبح 10 ملايين منه على الأقل لاجئين، إلا إنه من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 800 مليار دولار بعد انهيار نظام بشار والسقوط الإقتصادى لسوريا. وبالتالى نرى أنه من المبكر الحديث عن مستقبل الدولة السورية. ولكن يمكن تحديد سيناريوهات محتملة أبرزها، سيناريو استمرار الوضع الراهن مقترناً بفوضى الانقسامات الجغرافية والطائفية، كذلك سيناريو التقسيم الفعلى إلى مناطق نفوذ بين اللاعبين الرئيسيين. وهو ما قد يؤدى إلى تفاقم النزاعات بين الأطراف، خاصة على الحدود والموارد. أيضًا سيناريو التسوية السياسية الشاملة من خلال اتفاقات دولية تقضى بتشكيل حكومة جديدة. وهو سيناريو يتطلب تنازلات كبرى وإصلاحات دستورية كبيرة لإعادة بناء الثقة بين الشعب والحكومة، لكنه يظل الأكثر استدامة. السيناريو الأخير الفوضى الشاملة بانهيار كامل، وفقدان السيطرة، وبروز فصائل جديدة تتقاتل على السيطرة، وهو سيناريو، يجعل من سوريا ساحة حرب مفتوحة لجميع الأطراف الدولية. ما سيزيد من التدخلات الأجنبية ويعزز الإرهاب. وللحديث بقية إن شاء الله.