لا خير في مجتمع يعيش كل فرد فيه لنفسه، ولا يفكر في ما يحتاجه غيره، فتجد المحتاجين والمساكين منتشرين، ولهذا أوجد الله تعالى الزكاة لتحقيق التكافل والتعاضد في المجتمع الإسلامي، ونشر الألفة بين أفراده، وتعزيز الشعور في دواخل المسلمين بما يعانيه الآخرون.
ولأن جميع المسلمين حريصين على سلامة دينهم وعباداتهم وحفظ أموالهم وزيادتها زيادة حقيقية لا شكلية يخرجون الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام في مثل هذه الأيام من شهر رمضان الكريم، فبيان الحكمة المتوخاة من فرض هذا الركن العظيم الذي ربطه الله عز وجل بالصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام في أكثر من موضع في كتابه الكريم.
ويشترط لِوجوب الزكاة في مال المسلم بلوغ النصاب، وحولان الحول إذا كان المال مما يرصد بهدف الزيادة والنماء والتجارة، كالذهب والفضة، والأنعام، والنقود وعروض التجارة، أما إن كان المال ينمو في نفسه كالزروع والثمار، أو ليس قابلاً للزيادة كالمعادن، فتجب فيه الزكاةُ ببلوغِ النصابِ دون حولان الحول وفي الأخير زكاة الفطر وهي زكاة النفس السنوية ويمكن توضيح كل ذلك بالآتي:
– إن في إخراج الزكاة حصول البركة في المال، وهذا المصطلح (البركة) مصطلح شامل وعام، ولا وجود له إلا في حياة المسلم الذي يعلم أن المال قد يكون مسلوب البركة.
– إن في إعطاء الفقير والمحتاج وذوي العوز والضعيف المسكين العاجز عن توفير قوت يومه إعانة لما في نفسه من ضعف، وتطيبا لخاطره، لأنه لا يملك من متاع الدنيا إلا القليل وربما يفتقد إلى أساسيات الحياة.
– إن إخراج الزكاة سبب من أسباب العيش السعيد ووقاية من الكوارث والمصاعب والبلاء التي لم تكن في الحسبان وإنما هي قدر من أقدار الله.
– تدفع الزكاة الشح والبخل من قلب المزكي وتزيد قلبه طهارة وإيمانا، فتزيد وترفع أخلاقه وتحسن علاقاته مع المجتمع.
– إن البذل والكرم من أسباب اِنشراح الصدر، لكن لا يستفيد منه إلا الذي يعطي بسخاء وطيب نفس، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرجه من يده.
– الزكاة توحد المجتمع وتزيد التكافل بين أفراده، لأنها تجعل الإنسان يحسن للآخرين كما أحسن الله إليه.
– ومن الناحية الاقتصادية الصرفة فأن الزكاة يمكنها أن تساهم بشكل فعال في معالجة الكثير من المشاكل الاقتصادية من خلال أدائها في شكل مؤسساتي كما الحال القائم في بلادنا لان الربط بين النفقات الإيرادات واضحا وبحيث لا تستغل إيرادات الزكاة لمصارف أخرى من غير تلك المخصصة لها أي مصارفها كما إن إخراج الزكاة يسرع بدورة النقود وانتقاله من يد لأخرى حتى يستقر في النهاية عند كبار المكلفين التي أخرجت الزكاة، لأنها هي وحدها من يتاجر بالمال وتتجمع لدية مما يدفعها إلى الاستمرار في الاستثمار، حتى لو كان المعدل الحدى المتوقع للربح أقل من نسبة الزكاة المقررة على الأموال القابلة للنماء، خلاف أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة اللتين تحركان الاقتصاد بشكل سريع، فهما فئتان في الأصل أنها مستهلكة تشتري حاجياتها متى ما توفر لديها المال في سد الحد الأدنى من تكاليف المعيشة، إلى جانب معالجة الركود الاقتصادي من خلال ارتفاع القوة الشرائية للفئات المستحقة للزكاة بهذا يطاع الله ويستحب الأمر، ويستقر المجتمع، وتصفو النفوس، ويزدهر الاقتصاد، وتقوى وشائج المحبة بين أفراد المجتمع، فضلا عن رضا الله وطرحه البركة في المال، ولو لم يكن لها سوى هذا الدور لكفاها أهمية وضرورة.
باحث في وزارة المالية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الأسبوع الثالث للدعوة يختتم فعالياته في سوهاج بمحاضرة حول “دور الشباب بين عمران النفس وعمران الكون”
اختتمت الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، أسبوعها الثالث بجامعة ومساجد ومراكز شباب محافظة سوهاج، اليوم، بمحاضرة حول دور الشباب ببن عمران النفس وعمران الكون، والتي عقدت بجامعة سوهاج.
وقال الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، إن مضاد كلمة العمران الإبادة والخراب، وأمة الإسلام ليست مخيرة في مسألة العمران وإنما مكلفة به، وإن كانت أمتنا خير أمة أخرجت للناس؛ فخروجها للناس لا يعنى التفرد والتميز عن باقي الأمم بلا قيد، بل بتَحمّل المسؤولية والعمل والإخلاص والإصلاح سعيا لعمران الأرض.
وأضاف أمين الدعوة والإعلام الديني، أن التدين ليس مجرد عبادة في المساجد؛ وإنما العبادة في المساجد جزء من التدين، والتدين الحق هو الإصلاح وعمارة الأرض، والناظر إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يجد أن النبي المعلم دائما كان يعطي دروسا لأصحابه في حب العمل وإعمار الكون، فكان يوجه الصحابة للعمل بما يناسب قدراتهم حتى لو كانت زهيدة، كالرجل الفقير الذي أمره الرسول أن يحتطب وألا تمنعه قلة حيلته وضيق رزقه عن مواصلة العمل، وفي ذلك نموذجا في حسن القيادة وحسن التوجيه في الاستثمار، لترسيخ أن العمل واليد العاملة هي من أساسيات فقه العمران.
وأوضح الدكتور أحمد همام مدير عام الإعلام بأمانة الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، أن العمران الحقيقي له دعائم، ومن دعائم العمران سواعد الشباب وإرادته الواعية، شريطة أن يتقرب الشباب من الله، فكم من إنسان تعلم وقدم ولم يُخلّد ذكره ولم يُحفظ اسمه، موضحًا أن أول خطوة من خطوات البناء والعمران هي أن يقرأ الشباب، ومن يقرأ يقرأ لله، ومن يُعمر يُعمر لله، لا لمنصب ولا شهرة ولا سمعة، وقبل إعمار المجتمع يجب على الشباب أن يعمر نفسه أولا، كذلك لا يكفي الدعاء والتضرع لله لإتمام العمران دون عمل وسعي، بل على الشباب أن يجمع بين السعي والعبادة والاستمرار في طاعة الله، حتى يشتد العمران ويكون المجتمع في أبهى صورة.
وشهدت المحاضرة تفاعلًا كبيرًا بين علماء الأزهر وطلاب الجامعة، حيث تم فتح باب النقاش والأسئلة، ومن بين هذه الأسئلة استفسار الشباب عن مدى تأثير الإعلام والثقافة في عمران المجتمع؟ أجاب الهواري، أن النفس البشرية أعقد من أن نحيط بأسرارها، وأصبحنا اليوم نقلد غيرنا تقليدا أعمى بسبب أننا محتلون عقليا، ناصحا الشباب أن لا يملكهم فكر، إلا ما أمرنا الله به، ولا يسلموا لرأي دون مصادرنا الأساسية وهي مصادر الشرع، وعلى الشباب أن يسأل نفسه من أنا وماذا أريد؟، وليعلم الشباب أن الله أعطاه الحرية وكرمه بالعقل والتمييز، مشددًا أن الإسلام إذ أمرنا بالتفكير، فإنه يأمرنا أن يكون تفكيرا مفيدا بناء، وفي حال الاطلاع على آراء وثقافة الغير، يجب أن نتحقق من صحة المصادر والمعلومات وكونها ليست موجهة.
حضر الندوة الدكتور حازم مشنب عميد كلية العلوم جامعة سوهاج، نائبا عن رئيس الجامعة، كما حضر عمداء وأساتذة الجامعة، ولفيف من علماء الأزهر الشريف، وشهد المحاضرة عدد كثيف من طلاب وطالبات جامعة سوهاج.
تأتي لقاءات «أسبوع الدعوة الإسلامي» الثالث، التي انعقدت على مدار هذا الأسبوع في رحاب جامعة ومساجد سوهاج، في إطار مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي،" بداية جديدة لبناء الإنسان"، وتهدف إلى إعداد خريطة فكرية تتناول بناء الإنسان من جميع جوانبه الفكرية والعقدية والاجتماعية، وترسيخ منظومة القيم والأخلاق والمُثُل العليا في المجتمع، وذلك بمشاركة نخبة من علماء الأزهر الشريف.