يمنيات خلف الكواليس في صناعة الدراما
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
تشهد صناعة الدراما في اليمن تقدماً ملحوظاً من ناحية زيادة حجم الإنتاج خلال السنوات الأخيرة للأعمال الدرامية، لكن في الوقت نفسه ما يزال إنتاج الدراما في اليمن موسمياً ويرتبط بشهر رمضان فقط. هذا العام بثت القنوات المحلية اليمنية ما يقارب 17 مسلسلاً، تشارك المرأة اليمنية فيها ليس فقط كممثلة أمام الكاميرا، وإنما أيضاً خلف الكواليس في العديد من المناصب أبرزها مساعد مخرج ومنتج منفذ.
"ما زال تقبل المرأة كشخص قيادي داخل المجال الدرامي أمراً صعباً"، بهذه العبارة تبدأ سحر عبد الله، حديثها لـ"العربي الجديد"، وهي من أوائل اليمنيات العاملات في مجال الإنتاج الفني في بلادها، فبعد إنتاجها للعديد من الإعلانات والأفلام الكرتونية في القاهرة؛ أبرزها عملها كمنتج فني للنسخة الرسمية المدبلجة لفيلم "سبايدرمان: رحلة العوالم المتوازية"، عادت إلى اليمن لتعمل كمنتج فني منفذ لمسلسل "ماء الذهب"، في رحلة طويلة امتدت لعامين.
تضيف عبد الله: "ما زالت المرأة تواجه صعوبات عديدة ضمن مراكز صنع القرار في مجالات مختلفة، ناهيك عن مجال الدراما الذي يواجه كل أفراده صعوبات، لكن دعم الشركة المنتجة للعنصر النسائي ساهم في تخفيف وطأة هذا الرفض".
فوجود العنصر النسائي في مناصب قيادية كان طاغياً في مسلسل "ماء الذهب"، وهو ما مثل دعماً إيجابياً لجميع أفراد الطاقم على حد وصف عبد الله، وتأكيداً على دعم الطاقم للمرأة.
بدورها، تعتبر هديل الكبسي، وهي مخرج مساعد في المسلسل نفسه، لـ"العربي الجديد"، أن اختيار مواقع التصوير يعتبر من أصعب المهام بالنسبة لهم، مضيفة أن تجمع الجمهور وقت التصوير لعدم اعتيادهم على هذه الصناعة، يجعل التحكم بما يحدث في مواقع التصوير شديد الصعوبة. وعن تجربتها هذا العام في مسلسل "ماء الذهب"، تقول: "قمنا في أحد الأيام بتصوير 30 مشهداً وهو ما يعتبر إنجازاً، لأن متوسط ما يتم تصويره عادة هو 8 مشاهد في اليوم، كان هذا دليلاً على دعم الطاقم الذي تحمل الإرهاق والتعب من أجل إنهاء التصوير".
وهديل الكبسي صانعة أفلام قامت بإخراج وكتابة العديد من الأعمال منها إعلانات وأغان وأفلام روائية آخرها فيلم "أنا تمام"، أما أهمها فكان فيلم "وتر" الذي عرض ضمن مهرجان كرامة اليمن عام 2020 ورشح لعدة جوائز أهمها جائزة بران كأفضل فيلم روائي قصير. كما أخرجت بعض الأفلام الوثائقية مثل فيلم "الملبسة زمزم".
من جهتها، تتمنى مصممة الديكور والإكسسوارات في مسلسل "ماء الذهب"، والمخرجة الفنية للعديد من الأغاني، أمة العليم الشرعبي، بناء مدينة إنتاج سينمائي كما هو الواقع في بقية الدول. وتضيف لـ"العربي الجديد" أن شح الموارد في القرية التي صور فيها المسلسل، واضطرارهم لإحضار بعض المواد من العاصمة صنعاء مثّل لهم صعوبة للحفاظ على كافة المواد من الكسر في طريق سفر بري شديد الوعورة.
وقامت الشرعبي وزملاؤها في فريق الديكور والمنحوتات بتنفيذ 150 موقعاً من تصميمها، بالإضافة إلى تنفيذ إكسسوارات المشاهد مثل الجنيهات والمخطوطات الأثرية والمشاعل.
اختلاف الطقس والبيئة بين المحافظات اليمنية مثَل أيضاً تحدياً لجميلة الوادعي، مالكة محل "أورجينال وومن" لبيع وتأجير الأزياء التراثية، ومصممة أزياء مسلسل "دروب المرجلة". تطلّب تصميم الأزياء لهذا العمل البحث عن ملابس من محافظة شبوة، بسبب خصوصية كل محافظة. ولا تتوفر هذه الأزياء التقليدية في كافة المحافظات ويعود ذلك إلى صعوبة السفر البري بينها بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو عشر سنوات، بالإضافة إلى عدم توفر خامات لصناعة هذه الملابس.
وترى الوادعي أن أحد الحلول للتغلب على عدم توفر الخامات بسهولة وضيق الوقت؛ هو تجهيز قسم للملابس الخاصة بـ "الدراما التلفزيونية" يجهز فيه على مدار العام ملابس فلكلورية متنوعة.
وتقول مصممة الأزياء سندس الجبوبي، وهي مالكة ماركة "شيباء"، التي تركز على التصميم والعمل المحلي، وتولت مهمة تصميم أزياء مسلسل "ماء الذهب" بشكل كامل؛ إن "قلة الكوادر في مجال تصنيع الإكسسوارات يمثل لنا عقبة كبيرة. فعلى سبيل المثال، ونتيجة لعدم استخدام صانعي النحاس لوسائل وبرامج التصاميم الحديثة، فإننا حين احتجنا تنفيذ تاج أثري كقطعة في المسلسل، اضطررنا لأخذ القياسات وتنفيذه يدوياً من الورق حتى يتمكن عامل النحاس من فهم ما نريده وصنع نموذج يحاكي النموذج الورقي".
وترى الجبوبي أن أصعب ما في مجالهن هو عدم وعي العاملين في الصناعة بأهمية ملاءمة ملابس وإكسسوارات كل شخصية.
إشكالية أخرى تكلمت عنها الجبوبي وهي تأثير تأخر وصول التصاريح الأمنية، قائلة "تأخير حصولنا على تصاريح التصوير قد يؤدي للتصوير في أوقات غير تلك التي كنا نصمم الملابس بناء عليها، لذا قد يحدث أن نصمم ملابس ملائمة لفصل الصيف، لكن يتم التصوير في فصل الشتاء مما يجعل طاقم الممثلين مستاء من عملنا، لذا فالاضطرار للتبرير والدفاع عن بديهيات هذا المجال أمر مرهق نفسيا لنا".
وفي مجال المكياج والخدع السينمائية، تواجه سوما صالح، خبيرة التجميل في مسلسلي "دروب المرجلة" و"ممر آمن" ذات المشكلة المتعلقة بشح مستلزمات وأدوات المكياج في اليمن. تقول لـ"العربي الجديد": "هذه الإشكالية دائماً ما تواجهنا، وهو ما يدفعنا لمحاولة توفيرها من خارج البلد بأسعار مضاعفة، وتضييع الوقت في انتظار وصولها، أو الاضطرار لاستبدال تلك المواد بمواد عادية ذات جودة أقل من أن تسمح لنا بالخروج بعمل محترم للجمهور".
وفي مجال الرسوم المتحركة، كان للمرأة اليمنية وجود بارز أيضاً، فقد برزت أمة الرحمن الدالي، المتخصصة في مجال الرسم الرقمي وصناعة أفلام الأنميشن، في المسلسل الكرتوني "يا سالم" كرسامة مخطط القصة (ستوري بورد) بالإضافة للتحريك والتلوين.
وبالرغم من كونها رسامة جريئة في استخدام الخامات المختلفة حسب وصفها لنفسها، فإن الدالي أكدت لـ"العربي الجديد"، أنها واجهت تحدياً كبيراً أثناء مشاركتها في المسلسل الكرتوني "يا سالم" والذي تدرجت خبرتها فيه، فمن قضاء شهر في رسم الحلقة الأولى إلى أن وصلت إلى مرحلة رسم الحلقة في ثلاثة أيام فقط.
وتستطرد: "كنت أصل إلى مرحلة الرسم وعيناي مليئتان بالدموع وبدون خجل من الزملاء؛ حتى أتمكن من تفريغ الضغط الذي أشعر به، لأتمكن من إنهاء العمل، لكن النقاشات المتواصلة مع المخرج وتوجيهاته هي التي ساعدتني في تخطي المرحلة الصعبة وتطوير مهاراتي في هذا المجال، وكان من الصعوبة خلق التوازن بين عملي وطموحي في بيئة مثل اليمن، لكني استطعت أن أنجز الكثير".
وترى الدالي أن الصعوبة التي تواجه العاملين في مجال الرسوم المتحركة تتمثل في قلة المعاهد التدريبية في مجال أساسيات الرسم والتحريك وحتى كتابة القصص، كون هذا المجال مازال في بداياته، والمفاهيم والمناهج في الجامعات اليمنية متأخرة جدا، وهناك لبس بين القصص المصورة "الكوميكس" ومخطط القصة "الستوري بورد".
و تضيف: "الحل هو أن تتكفل الجهات الخاصة بتوفير منح للفنانين، تقدم لهم من خلالها أدوات مثل أجهزة مزودة بالتطبيقات والبرامج الذي يحتاجها الرسامون". وتدعو الدالي الزميلات والزملاء للبدء بعقد العديد من الدورات التدريبية لنشر معرفتهم وعلمهم للشباب الموهوب الذي يطمح لتطوير نفسه، لضمان استمرار هذا الفن، وهو ما سيفتح فرص مستقبلية للجميع. وتتفق معها المصممة سندس الجبوبي، والتي ترى أن الحل الأسرع يكمن في عقد العديد من الدورات التدريبية للكوادر والعاملين في هذه الصناعة.
فيما ترى سحر عبد الله أن صناعة الدراما تحتاج إلى منتجين لديهم نية حقيقية في إثراء الصناعة، وفق أسس أكاديمية ترتكز على قصص تليق بتاريخ حكاوى المجتمع اليمني، كونه مجتمعا لديه من التنوع الفلكلوري ما يمثل مادة دسمة سيكون وقعها ساحرا على المشاهد العربي وليس اليمني فقط. وترى عبدالله أن التأطير التي تفرضه القنوات التلفزيونية المحلية على شركات الإنتاج الناشئة؛ من كل النواحي ليس فقط في جانب المعايير الفنية وإنما حتى على مستوى اختيار المواضيع وطريقة عرضها، يمثل عقبة لكافة الكوادر وليس الكادر النسائي فقط. وتختم بالقول: "من المهم فتح المجال لشركات الإنتاج ومعاهد التمثيل، وتأسيس منصات رقمية لتمثل بديلا عن قنوات البث الإعلامي التقليدية التي تصر على أنها صاحبة الإمكانات الكاملة في صناعة الدراما بالرغم من عدم تخصصها".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الدراما فتيات صناعة الدراما العربی الجدید فی المسلسل ماء الذهب العدید من عبد الله فی مسلسل فی مجال وهو ما
إقرأ أيضاً:
صناعة فارق
تتردد كثيرا جملة «صناعة فارق» فتوصف؛ على سبيل المثال؛ اللحظة الزمنية على أنها تصنع الفارق، وذلك عندما يكون هناك موقف يحتاج إلى صنع قرار سريع، فـيوصف القرار الذي اتخذ على أنه لحظة زمنية فارقة، ويذهب مفهوم الـ «فارقة» على أن ما هو آت يمثل أهمية كبيرة للفرد أو المجموع، وأن ما سبقه لم يكن بتلك الأهمية التي عليها القادم، أو أنه أقل شأنا أو أهمية، فالفارقة هنا؛ فـي أغلبها لحظة زمنية واسعة بين زمنين، يمثل أحدهما أهمية أكبر من الآخر، انعكاسا لما تحقق فـيها من إنجاز بشري، يمكن أن يشار إليه بالبنان، ومع أن الناس ارتبطوا أكثر بالزمن، إلا أنه يمكن أن تكون المادة حالة فارقة فـي ذاتها، وفـي تأثيرها، فصناعة أداة أو وسيلة فـي أي شأن من شؤون الحياة أكثر تطورا من سابقتها تعد علامة فارقة فـي مفهوم الصناعة لذات المادة، نظرا لما تحمله من خصوصية ذاتية تجعلها قادرة على أداء مهام ومسؤوليات أكبر من سابقتها، وكما ترتبط المسألة ذاتها بالإنسان وهو الفاعل الحقيقي فـي اللحظات الفارقة فـي الحياة، ولذلك يقال أيضا: فلان من له القدرة على صناعة الفارق، وذلك نظرا لمجموعة المواهب والقدرات الذاتية التي تجعله أن يصنع فوارق مختلفة فـي المجال الذي يشار إليه فـي اللحظة الآنية هنا أو هناك، فهناك أشخاص؛ فعلا؛ صنعوا فوارق مادية، ومعنوية فـي المجال الذي عملوا فـيه، وقد يكون صناعة الفارق على مستوى الأسرة الواحدة، عندما يتميز فرد من أفرادها فـيعلي من شأن أسرته نظرا لما حققه من منجزات ارتفع بها شأن أسرته، ولذلك فهؤلاء الناس تتجاذبهم الأيدي، وتتسع لهم القلوب والنفوس بالترحاب، وتبسط لهم أردية المودة، ويتم إغراؤهم بالمال، والجاه جنبا إلى جنب، كل ذلك ما أرّخوه فـي مسيرتهم الحياتية من صناعة الفوارق المختلفة، ولذلك يمكن القول أكثر، أن المواهب الذاتية التي يمتلكها البعض من الناس هي التي تؤهلهم لأن يتبوؤوا المنازل الرفـيعة بكل جدارة.
ومع التسليم بأن الإنسان هو الفاعل الحقيقي لصناعة الفارق إلا أن صناعة الفارق ليست أمرا مطلقا خاصا بالإنسان على وجه التحديد، فقد تتلبس الدور الأمكنة، أو الحيوانات، أو الأزمنة كما أسلفت، وهذا الإنسان ليس شرطا أن يكون مستوفـيا شروط الرشد، أو النوع، أو العرق، أو اللون، فبدون ذلك كله، يأتي هؤلاء كلهم صانعوا الفوارق اللحظية فـي مسيرة الحياة فاعلين؛ ومؤثرين، فكم من أمكنة ثائرة، تصنع فوارق عالية فـي مسيرة حياة شعوبها، ويعاد تألقهم وتميزهم لأنهم من سكان هذه الأمكنة التي يتميز موقعها بصناعة الأحداث، والحيوانات كذلك، ولعلنا نشاهد ذلك فـي السباقات، عندما تصل جوائزها إلى مئات الآلاف من النقود، فما بين الهزيمة والنصر ثمة فارق نوعي صنعه هذا الحيوان فـي تلك اللحظة الفارقة، وكما يقاس ذلك على النوع والعرق واللون، ومعنى هذا أن صناعة فارق نوعي ليس مرتبطا بمحدودية المشار إليه، وإنما يتجاوز كل التقديرات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون حكرا على فئة دون أخرى على امتداد هذا الكون الفسيح.
والفارق المصنوع هنا أو هناك لا يحتاج إلى اعتماد جهة رسمية ليشار إليه ببراءة الاختراع؛ لأنه من وحي الفطرة، لا يتخلله تكلف، ولا يحتاج إلى شهود أعيان، فبقدر الحوار الذي جرى، أو الفعل الذي كان، أو الابتسامة التي توزع بياض صفائها عبر الأفق، أو الهدية التي تسللت إلى الوجدان، كل ذلك وغيره رسائل تتجاوز كل مطبات الأنفس التي قد تعيق صناعة فارق نوعي ما، وكل ذلك أمر متاح فعله للناس كافة.