صحيفة التغيير السودانية:
2025-05-01@00:05:52 GMT

الجدل الاتحادي في الحرب والثورية

تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT

الجدل الاتحادي في الحرب والثورية

زين العابدين صالح عبد الرحمن 

عندما بدأت ثورة ديسمبر 2018م و خرجت الجماهير للشوارع تطالب بإسقاط النظام، كانت الحركة الاتحادية بكل أطيافها و تياراتها منقسمة، كان البعض يشارك في نظام الإنقاذ، و البعض الأخر في المعارضة، و الجزء الذي كان في المعارضة، أيضا كان منقسما بين تحالف نداء السودان و أخر مع تحالف قوى الاجماع الوطني، و كانت مجموعة أخرى ليس لها علاقة بالتحالفين، حالة من التشظي تضرب الاتحاديين لا تنسيق بينهما و لا توافق على مشروع سياسي ، البعض كان ينشد الوحدة و العمل على من أجل وحدة هذه التجمعات، حدثت اجتماعات من اجل الوحدة و كانت تنفض بعد الاجتماع.

. بدأت مجموعات تستجيب لنداء الوحدة، و بدأ مشوار الوحدة في الوقت الذي بدأت تتصاعد فيه الثورة، و عندما قدم تحالف المهنيين مسودة ” إعلان الحرية و التغيير” للأحزاب و منظمات المجتمع المدني للتوقيع عليها، وقعت المجموعة التي كانت قد شرعت في عملية الوحدة على الإعلان باسم ” التجمع الاتحادي” و أيضا وقعت فيه عدد من المجموعات الاتحادية الأخرى، و ظلت المجموعتان اللتان كانتا مشاركتين في الإنقاذ بعيدا عن الإعلان..

أن الحركة الاتحادية منذ تكوينها في 1953م في القاهرة، كانت تضم تيارات مختلفة تمثل يمين الوسط و الوسط و يسار الوسط. و تعود التيارات المختلفة حسب القراءات و المرجعيات المعرفية و الثقافية. حيث كان أغلبية القيادات الاتحادية التاريخية موزعة في مجموعات لروابط ثقافية، كما هناك من أجاد القراءة لنشوء التيارات القومية و الماركسية و الفابية و الإسلام و غيرها، لكن كان العمود الفقري الرابط لهذه التيارات إيمانها القوي بالديمقراطية باعتبارها أفضل نظام للحكم، كما أن الليبرالية السياسية تعتبر أحد مرتكزات الاتحاديين، و أن كان الخلاف الدائر حول دور الدولة في تدخلها أو عدم تدخلها في الاقتصاد. و تتجدد الرؤى الفكرية مع تجدد الاجتهادات الإنسانية في مجال الفكر السياسي و الاقتصاد. و الاتحاديون لا يراهنون على السلطة إلا عن طريق الانتخابات أما دون الانتخابات هذا تشبه باليسار..

الخلاف الفكري الذي يدور بين الاتحاديين و المجموعات السياسية التي تأثرت بفكر اليسار بتنوعاته تتمحور حول “ألثورية و الثورة” كمصطلحين متشابهين في اللغة و مختلفين من حيث المدلولات السياسية. الثورة هو فعل تقوم به الجماهير تستخدم فيه العنف من أجل التغيير مثل الذي حصل في الثورة الفرنسية عام 1789م التي اطاحت بالملك لويس السادس، ولكن بعد الثورة لم يتأسس النظام الديمقراطي رغم تعريف الثورة الفرنسية بأنها جاءت بالنظام الديمقراطي. بعد الثورة جاء نابليون الذي اقام نظاما ديكتاتوريا.. و في ظل هذه التحولات استطاعت طبقة النبلاء و المفكرين الليبراليين أن ينظروا إلي التحولات الجديدة.. و أيضا يمكن أن تكون الثورة سلمية كما كانت ثورة ديسمبر 2018م في السودان.. و تنتهي الثورة عند وجود تشريعات تحكم البلاد.. أما الثورية و هي محاولة للفهم التروتسكي للثورة بهدف استمراريتها، و هذه ليس لها أي علاقة بالديمقراطية، هذا تحايولات اليسار من أجل انجاز مهام و مطلوبات اليسار بالقوى الثورية من خلال ممارسة الضغط على السلطة الحاكمة.. القضية الأخرى دائما الثورة انفجار شعبي ضد السلطة الحاكمة لا تحمل شعارات سياسية، و هدفها تغيير النظام، أما الشعارات التي تردد في التظاهرات هي شعارات سياسية لأحزاب سياسية ترددها ثم تحاول أن تلبسها للجماهير.أي محاولة تحايل من قبل السياسيين أو أحزاب بعينها أن تعطي الشعارات قدسية شعبية من جانب، و من جانب الأخر تجعلهم يتحدثون باسم الجماهير. يقولون نريد أنجاز شعارات الثورة.. الشعارات إذا كانت أثناء الثورة أو بعدها هي شعارات حزبية صرفة ليس لها علاقة بالجماهير المشاركة في الثورة.. راقب قيادات اليسار إذا كانوا ماركسيين أو قوميين دائما يستلفون لسان الجماهير، لا يستطيعون الحدث بمفردة حزبية.. يقولون الجماهير قالت الجماهير طلبت و هي برأ من ذلك..

الاتحاديون منذ تاريخهم و مرجعيتهم لا علاقة لهم ” بالثورية” علاقتهم فقط بالديمقراطية، و طريق تحقيق الشعارات يتم من خلال تقديم مشاريعهم السياسية للجماهير التي توافق عليها أو ترفضها من خلال صناديق الانتخابات. الاتحاديون يعتقدون أي عملية سرية سياسية هي مؤامرة، لذلك تربيتهم السياسية هي الحوار في الهواء الطلق، و هذا الذي يجعلهم يتحدثون بقوة في بيوت الافراح و الاتراح، و يفكرون بالصوت العالي، و ليس عليهم قيود في إبداء الرأي في أي قضية أن كان ذلك داخل منظومتهم الحزبية أو خارجها، لذلك لم يتهموا بتكوين خلايا سياسية داخل المؤسسة العسكرية كما فعلت العديد من الأحزاب.

عندما أندلعت الحرب؛ نجد إن أغلبية الاتحاديين أعلنوا موقفهم القوي الداعم للقوات المسلحة باعتبارها هي العمود الفقري للدولة و هم غير محايدين بل منحازين للقوات المسلحة، و رغم أن الاتحاديين ساهموا في حل الحزب الشيوعي عام 1965م عن طريق البرلمان ” خطأ تاريخي” لم يتعاملوا بالمثل مع موقف الشيوعيين من الزعيم أسماعيل الأزهري عند وفاته و نعيه بأنه الأستاذ في التربية و التعليم. بل تعاملوا معهم ما يتطلب الموقف الوطني التسامح من أجل الديمقراطية.. و أيضا رغم موقفهم السياسي الذي كان مناهضا لحكم الإسلاميين إلا أنهم يعتقدون أن التحول الديمقراطي في البلاد لا ينجح إلا بالحوار السوداني السوداني الجامع.. لذلك لا يهابون الحوار مع القوى السياسية و لا يتحفظون منه.. أن رؤيتهم لوقف الحرب وجوب خروج الميليشيا من جميع منازل المواطنين و إرجاع كل المنهوبات، و أيضا الخروج من كل مؤسسات الدولة الخدمية و غيرها.. و العمل مع الجماهير لتحقيق ذلك.. و إذا كانت هناك قوي سياسية و تحالف لها رؤية أخرى، عليه إقناع الميليشيا بالخروج من جميع الأماكن المذكورة.. وقف الحرب تعني تشكيل حكومة تكنوقراط لإنجاز تهيئة االبيئة و لدولة للانتخابات العامة. و يقع على السلطة الشرعية المنتخبة عملية الإصلاح في مؤسسات الدولة و من ضمنها القوات المسلحة و الأجهزة الشرطية و الأمنية…

صحيح هناك بعض الاتحاديين مستلفين لسان اليسار و هؤلاء عليهم قراءة تاريخ الحزب الاتحادي، منذ أن كان مجموعة أحزاب اتحادية و اشقاء و وحدة وادي النيل، مرورا بالوطني الاتحادي و الانشقاق الذي حدث بعد الاستقلال و انتج ” الوطني الاتحادي و الشعب الديمقراطي” ثم الوحدة عام 1967م بأسم ” الاتحادي الديمقراطي” و هو مشوار طويل.. و الذين يتحدثون باسم الثورية يراجعوا المصطلح إذا كان يوجد في أدبيات الاتحاديين.. أن رؤية الأغلبية المذكورة هي التي سوف تمثل العمود الفقري لوحدة الاتحاديين… نسأل الله حسن البصيرة..

الوسومزين العابدين صالح عبد الرحمن

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إذا کان من أجل

إقرأ أيضاً:

المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا

في ظهيرة يوم شديد الصعوبة من أبريل/ نيسان عام 1975، بثت إذاعة الجيش الأميركي خبراً مفاده أن "درجة الحرارة في سايغون تبلغ 105 درجات وترتفع"، كانت تلك رسالة مشفرة تعني أن الوضع قد وصل إلى حد الانفلات التام في أعقاب هجوم واسع لقوات حكومة فيتنام الشمالية، وأنه قد بدأ الإجلاء الفوري لجميع الأميركيين المتبقين في فيتنام، بعدما كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها القتالية من فيتنام وفقا للاتفاقية الموقعة في باريس عام 1973، تاركة نحو 5000 أميركي في مهام دبلوماسية واستخباراتية.

وخلال ساعات؛ وثقت الكاميرات مشهد عشرات الأميركيين والجنود الفيتناميين الجنوبيين واقفين على سطح مبنى في سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)، أعينهم معلقة بطائرة هليكوبتر أميركية تهبط على عجل. رجال ونساء وأطفال يصطفون على درج معدني ضيق، يتدافعون بحذر وخوف نحو الطائرة التي لا تسع إلا عدداً قليلاً.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نصف مليون جندي و8 ملايين طن من القنابل.. لماذا هُزمت أميركا في فيتنام؟list 2 of 2في حال وقع المحظور النووي هل ستنحاز أميركا للهند أم باكستان؟end of list

كان ذلك المشهد ذروة عملية الإجلاء السريع التي عُرفت باسم "عملية الريح المتكررة" (Operation Frequent Wind)، وأصبحت رمزًا مريرًا لنهاية أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في القرن العشرين.


لكن كيف وصلت فييتنام إلى هذه اللحظة؟ وكيف تحوّل بلد زراعي صغير على هامش خريطة آسيا إلى ساحة صراعٍ دوليّ دمويّ، وإلى اختبارٍ عسير لطموحات القوى الكبرى ومرآة لانكساراتها؟ ولفهم هذه التحولات التي باتت تمثل واحدة من أهم المعارك العسكرية في القرن العشرين؛ لا بد من العودة إلى البدايات؛ إلى الحسابات الجيوسياسية لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وماقبل ذلك في زمن الاستعمار القديم، تلك الحسابات التي تجاوزت حدود فيتنام الضيقة وجعلت منها ساحةً لصراع استمر أكثر من عقدين من الزمن.

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية (الفرنسية) المحطة الأولى: فيتنام تحت الظل الاستعماري

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية، إلى جانب لاوس وكمبوديا (كانت الدول الثلاث تعرف باسم الهند الصينية). وكانت البلاد أشبه بساحة خلفية للإمبراطورية الفرنسية، حيث نُهبت ثرواتها الطبيعية، وقُمعت حركاتها الشعبية، وزُرعت فيها بذور الانقسام الطبقي والثقافي.

إعلان

لم تكن فيتنام تحديدا مجرد مستعمرة بعيدة، بل كانت عقدة حيوية في خريطة النفوذ الفرنسي في آسيا. ميناء "هايفونغ" التجاري الأهم في فيتنام، والمزارع التي كانت تنتج الأرز والمطاط، وخطوط السكك الحديدية التي تربط الهضاب بالمرافئ، كلها كانت تُدار لخدمة باريس، وليس لخدمة هانوي.

المحطة الثانية: فرصة خاطفة للاستقلال

في منتصف القرن العشرين، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ بدأ التوازن الاستعماري القديم يتصدع. اجتاحت اليابان الهند الصينية عام 1940، تاركة الإدارة الاسمية لفرنسا الفيشية، لكنها عمليًا أضعفت القبضة الفرنسية وأفسحت المجال لنمو تيارات المقاومة المحلية. من بين هذه التيارات، برزت شخصية استثنائية ستغيّر وجه آسيا، ويحمل الفيتناميون صورته اليوم وهم يحتفلون بالذكرى الخمسين لتوحيد بلادهم: هو تشي منه.

أسّس هو تشي منه "رابطة استقلال فييتنام" أو "الفييت مينه"، وهي حركة قومية شيوعية، مزجت بين الكفاح المسلح والتحريض الشعبي. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإعلان استسلام اليابان، كانت الفرصة سانحة أمام هو تشي منه، فأعلن استقلال فيتنام عن الامبراطورية اليابانية في ساحة "با دينه" بهانوي.

جنود فيتناميين خلال حرب الهند الصينية الأولى (غيتي) المحطة الثالثة: عودة الاحتلال الفرنسي

لم يعمر حلم الاستقلال طويلًا. فرنسا، التي خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية، أرادت استعادة "هيبتها" من خلال إعادة بسط نفوذها على مستعمراتها القديمة. تجاهلت إعلان الاستقلال في هانوي، ونزلت قواتها مجددًا إلى الأراضي الفيتنامية، لتبدأ بذلك حربًا دموية جديدة. وبذلك؛ وُلدت حرب الهند الصينية الأولى، والتي ستُشكّل الأساس لحرب فيتنام القادمة.

لم يكن الاستعمار هذه المرة مثل الاستعمار القديم منحصرا فقط في استغلال الموارد؛ بل برز في قلبه صراع أيديولوجي ناشئ حول رؤيتين للعالم: فرنسا التي تمثّل الغرب الرأسمالي الإمبريالي، وفيتنام التي بدأت تتجه نحو الفكر الشيوعي، مدفوعة بإرث الاحتلال، وبحلم العدالة الاجتماعية.

إعلان

كانت التربة الفيتنامية قد تشبعت بما يكفي من الغضب، وكان المشهد الإقليمي والعالمي مهيأً لانفجار طويل الأمد، لن ينتهي إلا بعد ثلاثة عقود من الدم والنار.

المحطة الرابعة: "ديان بيان فو" حيث دفنت فرنسا رايتها وورثت أمريكا عبء الإمبراطورية

في وادٍ بعيد تحيط به التلال شمالي غرب فيتنام، خسرت فرنسا آخر رهاناتها الاستعمارية الكبرى. بدأت المعركة في مارس 1954، واستمرت 57 يومًا من القصف والحصار والنار. حاصرت المقاومة الفيتنامية بقيادة  فو نغوين جياب الجنود الفرنسيين. واعتبرت المعركة لاحقا  أحد الدروس التاريخية المذهلة في فنون وتكتيكات حرب العصابات وقدرتها على التفوق على الجيوش النظامية.

وفي السابع من مايو 1954، استسلمت القوات الفرنسية في ديان بيان فو، بينما كانت قادة فرنسا يبحثون في جنيف عن مخرج مشرّف. وفي يوليو 1954، اجتمع القوى الكبرى في العالم في مؤتمر جنيف، حيث تقرر تقسيم فييتنام مؤقتًا على طول خط العرض 17، الشمال بقيادة هو تشي منه الشيوعي، عاصمته هانوي. والجنوب بقيادة نظام مدعوم من الغرب، برئاسة إمبراطور صوري ثم رئيس فعلي هو نغو دينه ديم. لكن الاتفاق نص أيضًا على إجراء انتخابات وطنية موحدة عام 1956، لكنها لم تحدث، لأن الولايات المتحدة خشيت من فوز الشيوعيين.

من هنا، بدأت واشنطن تتدخل في فييتنام. لم يكن هناك إنزال عسكري بعد، وكانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو": إذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا! وهكذا، تحوّلت فييتنام من ساحة استعمار قديم إلى مسرح للصراع الأيديولوجي العالمي الذي تصاعد بعد الحرب الباردة.

كانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو"، فإذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا (غيتي) المحطة الخامسة: تقسيم البلاد وصعود ديان دينه ديم

انتهى الوجود الفرنسي رسميًا في جنوب فييتنام في أبريل 1956، وبقيت البلاد منقسمة بحكم الواقع بين حكومة “جمهورية فييتنام” في الجنوب، وحكومة “جمهورية فييتنام الديمقراطية” بقيادة هو تشي منه في الشمال.

إعلان

دشن ديان دينه ديم (حليف أمريكي) سياسة أيديولوجية قومية وعنيفة ضد المعارضين داخليًا، معطياً امتيازات واسعة للكاثوليك وهو ما أشعل اضطرابات اجتماعية وانتفاضات بوذية ضد حكمه. عام 1960 تأسست «جبهة التحرير الوطني» المعروفة بـ"الفيت كونغ" لإعادة توحيد كل قوى المعارضة في الجنوب تحت قيادة الشمال​. اعتمدت الفيت كونغ على تكتيكات حرب العصابات وبنية تحتية سرية في الدول المجاورة من الهند الصينية لتأمين الإمداد اللوجيستي.

المحطة السادسة: خليج تونكين؛ الذريعة التي فتحت أبواب الجحيم

في أغسطس من عام 1964، زعمت البحرية الأمريكية أن مدمّرتها يو إس إس مادوكس تعرّضت لهجوم من زوارق طوربيد فيتنامية شمالية في خليج تونكين. لم تكن التفاصيل واضحة، والصور غير حاسمة، لكن الرئيس ليندون جونسون لم يحتج لأكثر من هذه الشرارة لطلب تفويض مطلق من الكونغرس لاستخدام القوة في فييتنام. وهكذا، صدر قرار خليج تونكين، الذي منح البيت الأبيض يدًا طليقة لشن الحرب دون إعلان رسمي.

كانت الحادثة التي لا يزال الجدل قائمًا حول صحتها الكاملة نقطة تحوّل فاصلة، إذ انتقلت أمريكا من دور المستشار والراعي في الظل إلى قوة محتلة، تمطر الأدغال الفيتنامية بعشرات الآلاف من الجنود والقنابل.

وبحلول عام 1965، بدأ التصعيد العسكري الكبير: إرسال أولى وحدات القتال، ثم القصف الجوي المكثف على شمال فييتنام في حملة سُمّيت "رعد متواصل" (Operation Rolling Thunder).

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب (أسوشيتد برس) المحطة السابعة: أميركا ضد نفسها

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب. اللحظة المفصلية جاءت عام 1968، بعد هجوم مفاجئ شنّه الفيتكونغ في رأس السنة القمرية (هجوم تيت) على عشرات المدن في الجنوب، بما فيها سايغون نفسها. ورغم أن الهجوم ألحق خسائر هائلة بالمقاومين الفيتناميين وربما يعتبر خسارة عسكرية، إلا أنه زلزل ثقة الأمريكيين بقدرتهم علي تحقيق النصر. فقد بدا لهم كأن العدو "المنهك" لا يزال قادرًا على الضرب بقوة في عمق المناطق الآمنة، سيظل كذلك.
المحطة الثامنة: "فتنمة الحرب".

إعلان

حين تولّى ريتشارد نيكسون الرئاسة في الولايات المتحدة عام 1969، كانت فييتنام قد أصبحت كابوسًا سياسيًا وعسكريًا. أدرك نيكسون أن النصر الكامل مستحيل، لكنه لم يشأ الانسحاب فجأة. فطرح استراتيجية سمّاها: "فتنمة الحرب" (Vietnamization)، أي تحويل عبء القتال إلى الجيش الفيتنامي الجنوبي، بينما تبدأ القوات الأمريكية بالانسحاب التدريجي.

المرحلة التاسعة: رحيل آخر الجنود المقاتلين

لم تكن "فتنمة الحرب" أكثر من محاولة لتأجيل الهزيمة، لا تجنّبها. فالجيش الجنوبي كان ضعيف التدريب، ويفتقر للحافز القتالي، في حين كان الشمال يزداد صلابة. في الوقت نفسه، وسّع نيكسون الحرب عبر قصف كمبوديا ولاوس بحجة ضرب خطوط الإمداد الفيتنامية (طريق هو تشي منه)، ما أدى إلى توسيع رقعة الصراع، وخلق المزيد من الفوضى في المنطقة، وأشعل المعارضة داخل الولايات المتحدة.

لم يستجب الفيتناميون لرغبة الأمريكان في التفاوض مباشرة، واستمروا في إلحاق الخسائر بهم، حتى عام 1973 حين وقّعت أميركا اتفاقية باريس للسلام مع حكومة فيتنام الشمالية، معلنة انسحابها الرسمي من الحرب، بعد أن خسرت أكثر من 58 ألف جندي، وأبقت على نحو 5000 آلاف جندي فقط في مهام غير قتالية.

 

المحطة العاشرة: سقوط سايجون

في ربيع عام 1975، بدأ الجيش الشمالي الزحف النهائي نحو العاصمة الجنوبية سايغون. كانت القوات الفيتنامية الشمالية مدعومة بخبرة طويلة، وعقيدة قتالية متماسكة، بينما كان الجنوب، رغم الأسلحة الأمريكية المتروكة، منهارًا معنويًا. سقطت المدن الواحدة تلو الأخرى، بلا مقاومة تُذكر. أما واشنطن، فقد اكتفت بالمراقبة، بعد أن قطعت المساعدات العسكرية.

في 30 أبريل 1975، دخلت دبابات الشمال سايغون. لم تكن هناك معركة حقيقية. رفع الجنود علمهم الأحمر بنجمة صفراء فوق القصر الرئاسي، وانتهت الجمهورية الفيتنامية الجنوبية إلى الأبد. لم يُعلن عن هزيمة أمريكية رسميًا، لكنها بقيت محفورة ومستقرة في التاريخ العسكري والاستراتيجي: أن الفيتناميين هزموا الولايات المتحدة.

إعلان

 

مقالات مشابهة

  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • استراتيجية الحركة الإسلامية .. لتصفية الثورة واغتيال الدولة تحت غطاء الحرب (1-3)!!
  • ورطة السائق الذي يؤشر للانحراف في كل الاتجاهات في وقت واحد
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • مدير الشؤون السياسية بحلب والمشرف على عمل مديريتي الصحة بحلب وإدلب يبحثان مع عدد من الصيادلة التحديات التي تواجه القطاع الدوائي
  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • عودة النازحين السودانيين-مناورة سياسية فوق أنقاض وطن ممزق