الجدل الاتحادي في الحرب والثورية
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما بدأت ثورة ديسمبر 2018م و خرجت الجماهير للشوارع تطالب بإسقاط النظام، كانت الحركة الاتحادية بكل أطيافها و تياراتها منقسمة، كان البعض يشارك في نظام الإنقاذ، و البعض الأخر في المعارضة، و الجزء الذي كان في المعارضة، أيضا كان منقسما بين تحالف نداء السودان و أخر مع تحالف قوى الاجماع الوطني، و كانت مجموعة أخرى ليس لها علاقة بالتحالفين، حالة من التشظي تضرب الاتحاديين لا تنسيق بينهما و لا توافق على مشروع سياسي ، البعض كان ينشد الوحدة و العمل على من أجل وحدة هذه التجمعات، حدثت اجتماعات من اجل الوحدة و كانت تنفض بعد الاجتماع.
أن الحركة الاتحادية منذ تكوينها في 1953م في القاهرة، كانت تضم تيارات مختلفة تمثل يمين الوسط و الوسط و يسار الوسط. و تعود التيارات المختلفة حسب القراءات و المرجعيات المعرفية و الثقافية. حيث كان أغلبية القيادات الاتحادية التاريخية موزعة في مجموعات لروابط ثقافية، كما هناك من أجاد القراءة لنشوء التيارات القومية و الماركسية و الفابية و الإسلام و غيرها، لكن كان العمود الفقري الرابط لهذه التيارات إيمانها القوي بالديمقراطية باعتبارها أفضل نظام للحكم، كما أن الليبرالية السياسية تعتبر أحد مرتكزات الاتحاديين، و أن كان الخلاف الدائر حول دور الدولة في تدخلها أو عدم تدخلها في الاقتصاد. و تتجدد الرؤى الفكرية مع تجدد الاجتهادات الإنسانية في مجال الفكر السياسي و الاقتصاد. و الاتحاديون لا يراهنون على السلطة إلا عن طريق الانتخابات أما دون الانتخابات هذا تشبه باليسار..
الخلاف الفكري الذي يدور بين الاتحاديين و المجموعات السياسية التي تأثرت بفكر اليسار بتنوعاته تتمحور حول “ألثورية و الثورة” كمصطلحين متشابهين في اللغة و مختلفين من حيث المدلولات السياسية. الثورة هو فعل تقوم به الجماهير تستخدم فيه العنف من أجل التغيير مثل الذي حصل في الثورة الفرنسية عام 1789م التي اطاحت بالملك لويس السادس، ولكن بعد الثورة لم يتأسس النظام الديمقراطي رغم تعريف الثورة الفرنسية بأنها جاءت بالنظام الديمقراطي. بعد الثورة جاء نابليون الذي اقام نظاما ديكتاتوريا.. و في ظل هذه التحولات استطاعت طبقة النبلاء و المفكرين الليبراليين أن ينظروا إلي التحولات الجديدة.. و أيضا يمكن أن تكون الثورة سلمية كما كانت ثورة ديسمبر 2018م في السودان.. و تنتهي الثورة عند وجود تشريعات تحكم البلاد.. أما الثورية و هي محاولة للفهم التروتسكي للثورة بهدف استمراريتها، و هذه ليس لها أي علاقة بالديمقراطية، هذا تحايولات اليسار من أجل انجاز مهام و مطلوبات اليسار بالقوى الثورية من خلال ممارسة الضغط على السلطة الحاكمة.. القضية الأخرى دائما الثورة انفجار شعبي ضد السلطة الحاكمة لا تحمل شعارات سياسية، و هدفها تغيير النظام، أما الشعارات التي تردد في التظاهرات هي شعارات سياسية لأحزاب سياسية ترددها ثم تحاول أن تلبسها للجماهير.أي محاولة تحايل من قبل السياسيين أو أحزاب بعينها أن تعطي الشعارات قدسية شعبية من جانب، و من جانب الأخر تجعلهم يتحدثون باسم الجماهير. يقولون نريد أنجاز شعارات الثورة.. الشعارات إذا كانت أثناء الثورة أو بعدها هي شعارات حزبية صرفة ليس لها علاقة بالجماهير المشاركة في الثورة.. راقب قيادات اليسار إذا كانوا ماركسيين أو قوميين دائما يستلفون لسان الجماهير، لا يستطيعون الحدث بمفردة حزبية.. يقولون الجماهير قالت الجماهير طلبت و هي برأ من ذلك..
الاتحاديون منذ تاريخهم و مرجعيتهم لا علاقة لهم ” بالثورية” علاقتهم فقط بالديمقراطية، و طريق تحقيق الشعارات يتم من خلال تقديم مشاريعهم السياسية للجماهير التي توافق عليها أو ترفضها من خلال صناديق الانتخابات. الاتحاديون يعتقدون أي عملية سرية سياسية هي مؤامرة، لذلك تربيتهم السياسية هي الحوار في الهواء الطلق، و هذا الذي يجعلهم يتحدثون بقوة في بيوت الافراح و الاتراح، و يفكرون بالصوت العالي، و ليس عليهم قيود في إبداء الرأي في أي قضية أن كان ذلك داخل منظومتهم الحزبية أو خارجها، لذلك لم يتهموا بتكوين خلايا سياسية داخل المؤسسة العسكرية كما فعلت العديد من الأحزاب.
عندما أندلعت الحرب؛ نجد إن أغلبية الاتحاديين أعلنوا موقفهم القوي الداعم للقوات المسلحة باعتبارها هي العمود الفقري للدولة و هم غير محايدين بل منحازين للقوات المسلحة، و رغم أن الاتحاديين ساهموا في حل الحزب الشيوعي عام 1965م عن طريق البرلمان ” خطأ تاريخي” لم يتعاملوا بالمثل مع موقف الشيوعيين من الزعيم أسماعيل الأزهري عند وفاته و نعيه بأنه الأستاذ في التربية و التعليم. بل تعاملوا معهم ما يتطلب الموقف الوطني التسامح من أجل الديمقراطية.. و أيضا رغم موقفهم السياسي الذي كان مناهضا لحكم الإسلاميين إلا أنهم يعتقدون أن التحول الديمقراطي في البلاد لا ينجح إلا بالحوار السوداني السوداني الجامع.. لذلك لا يهابون الحوار مع القوى السياسية و لا يتحفظون منه.. أن رؤيتهم لوقف الحرب وجوب خروج الميليشيا من جميع منازل المواطنين و إرجاع كل المنهوبات، و أيضا الخروج من كل مؤسسات الدولة الخدمية و غيرها.. و العمل مع الجماهير لتحقيق ذلك.. و إذا كانت هناك قوي سياسية و تحالف لها رؤية أخرى، عليه إقناع الميليشيا بالخروج من جميع الأماكن المذكورة.. وقف الحرب تعني تشكيل حكومة تكنوقراط لإنجاز تهيئة االبيئة و لدولة للانتخابات العامة. و يقع على السلطة الشرعية المنتخبة عملية الإصلاح في مؤسسات الدولة و من ضمنها القوات المسلحة و الأجهزة الشرطية و الأمنية…
صحيح هناك بعض الاتحاديين مستلفين لسان اليسار و هؤلاء عليهم قراءة تاريخ الحزب الاتحادي، منذ أن كان مجموعة أحزاب اتحادية و اشقاء و وحدة وادي النيل، مرورا بالوطني الاتحادي و الانشقاق الذي حدث بعد الاستقلال و انتج ” الوطني الاتحادي و الشعب الديمقراطي” ثم الوحدة عام 1967م بأسم ” الاتحادي الديمقراطي” و هو مشوار طويل.. و الذين يتحدثون باسم الثورية يراجعوا المصطلح إذا كان يوجد في أدبيات الاتحاديين.. أن رؤية الأغلبية المذكورة هي التي سوف تمثل العمود الفقري لوحدة الاتحاديين… نسأل الله حسن البصيرة..
الوسومزين العابدين صالح عبد الرحمنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
من بحري إلى بيالي: قصة الموسيقار اللاجئ الذي يبحث عن الأمل في المنفى
في مدينة بيالي الأوغندية، بعيدًا عن ضجيج الحرب وضياع الأحلام في السودان، يروي آلاف اللاجئين السودانيين قصصهم التي تتأرجح بين المعاناة والنجاح في المنافي القسرية. من بين هؤلاء، تبرز حكاية الموسيقار سعود، الذي كان يسكن منطقة الخوجلاب بمدينة بحري قبل أن تدفعه الحرب إلى مغادرة وطنه، تاركًا خلفه ذكريات عمر كامل، ليبدأ رحلة جديدة في معسكرات اللجوء.
كمبالا: التغيير
الحرب التي تجاوزت عامًا ونصف أجبرت آلاف الأسر السودانية على النزوح القسري، حيث بحثوا عن الأمان داخل البلاد وخارجها. يعيش معظمهم في ظروف إنسانية صعبة، تعكس حجم المعاناة التي فرضها النزاع على حياتهم اليومية.
سعود، المتخصص في العزف على البيانو والجيتار والكمنجة، يصف مسيرته الفنية بأنها رحلة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، بدأت منذ طفولته في الحفلات المدرسية، واستمرت بالدراسة في معهد الموسيقى والمسرح، الذي أصبح لاحقًا كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان.
لحظة قاسيةيقول سعود: “الموسيقى كانت جزءًا من حياتي حتى قبل الحرب، لكن النزوح أضاف لها أبعادًا جديدة. رغم أصوات الرصاص التي أحاطت بنا، كانت الموسيقى دائمًا بداخلي؛ المعاناة كانت مصدر إلهام، وبدل أن تقيدني، فتحت لي آفاقًا للإبداع”.
عبر سعود مع أسرته الحدود إلى أوغندا، متجهًا إلى معسكر نيومانزي عبر منطقة اليقوا بجنوب السودان. يصف لحظة وصوله بأنها كانت قاسية: “كنا في حالة مزرية، وكانت ذكريات الوطن تطاردني. تركنا خلفنا كل شيء، ووجدنا أنفسنا أمام واقع جديد تمامًا”.
وسط هذه الظروف، كانت الموسيقى طوق النجاة. أطلق سعود مبادرة لدعم اللاجئين نفسيًا عبر الموسيقى، حيث شكّل فرقًا صغيرة من الأطفال والشباب لتقديم جلسات غنائية ودعم نفسي. يروي سعود: “في أول حفل نظمته، رأيت الدموع في عيون الناس، خاصة النساء. قالوا لي إن الأغاني أعادتهم إلى السودان، فبكيت معهم”.
تدريب الأطفالرغم التحديات، استمر سعود في تقديم تدريبات موسيقية للأطفال والشباب، على الرغم من انعدام الكهرباء وضيق المساحات في المعسكر. أنتج ست مقطوعات موسيقية خلال إقامته، لكنه لم يتمكن من تدوينها لعدم توفر النوتات الموسيقية.
يعاني اللاجئون السودانيون من أوضاع نفسية صعبة، حيث تلاحقهم ذكريات الفقد والنزوح القسري. ورغم ذلك، يواصل الكثيرون، مثل سعود، صناعة الأمل وسط الألم.
يقول سعود: “الموسيقى ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي رسالة أمل وسلام. سأستمر في استخدامها لتوحيد السودانيين وإعادة بناء الوطن”. في معسكرات اللجوء، تبقى أصوات الفنانين السودانيين شاهدًا على قدرة الإنسان على تحويل الألم إلى إبداع، وعلى قوة الموسيقى في خلق حياة جديدة حتى وسط أقسى الظروف.
الوسومآثار الحرب في السودان اللاجئين السودانيين في يوغندا معسكر بيالي للأجئين يوغندا