الثورة نت|

واصل المؤتمر الثاني “فلسطين قضية الأمة المركزية ” أعماله اليوم، بعقد أربع جلسات عمل جرى خلالها استعراض أعمال أكثر من 40 باحثاً وأكاديمياً من اليمن وفلسطين والجزائر وتونس ولبنان.

حيث ترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور، جلسة العمل الأولى التي حضرها وزيرا التعليم العالي بحكومة تصريف الأعمال حسين حازب، والشباب والرياضة محمد المؤيدي، ونائب وزير الخدمة المدنية والتأمينات عبدالله المؤيد، ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الدكتور عبدالرحيم الحمران، ومنسق عام المؤتمر الدكتور أحمد العرامي، وجمع من الأكاديميين والمهتمين.

وخلال الجلسة جرى عرض 12 ورقة عمل، منها ورقة مقدمة من الدكتور جعفر فضل الله من لبنان، بعنوان “طرح طوفان الأقصى مجموعة من الظواهر أو المتغيرات التي ترتبط بقضيتي الصراع والتطبيع مع العدو الصهيوني”، وأخرى للدكتور نور الدين أبو لحية من الجزائر، عن دوافع نصرة اليمنيين لفلسطين برؤية قرآنية.

فيما تناولت الورقة الثالثة للدكتور جهاد سعد من تونس، طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني وإبعاده وآفاق المواجهة الكبرى، والرابعة مقدمة من الدكتورة سندس الأسعد من لبنان بعنوان” نظام المنامة: نظام قمعي لخدمة المشروع الصهيوني”.

وحملت الورقة الخامسة للدكتور صلاح الداودي من تونس عنوان ” ثلاثة احتلالات، وتحريران وفلسطين واحدة “، والسادسة للدكتور محمد البحيصي من فلسطين بعنوان ” الصراع مع العدو مآلاته: زوال الكيان وسقوط المطبعين”.

واستعرضت الورقة السابعة المقدمة من الدكتور عبدالواحد مقشر من جامعة الحديدة، دور اليمن في جهاد الأمة الإسلامية ضد العدو الصهيوني بفلسطين “منذ 1917م وحتى طوفان الأقصى”، والثامنة للدكتورة هناء المهدي من جامعة ذمار، بعنوان “فلسطين في التاريخ القديم”، وتناولت الورقة التاسعة المقدمة من الدكتورين محمد النظاري من جامعة البيضاء، ومعتز القاعود من جامعة فلسطين بقطاع غزة، التحديات والصعوبات التي تواجه الرياضة الفلسطينية في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي.

فيما ركزت الورقة العاشرة المقدمة من الدكتورة أمل الحميري من جامعتي صنعاء والحضارة، على القضية الفلسطينية في مناهج التعليم بالجمهورية اليمنية، قراءة تاريخية تحليلية لنماذج مختارة.

وتناولت الورقة الحادية عشرة المقدمة من الدكتورة هدى العماد، من جامعة صنعاء، أثر التطبيع ومخاطرة في الواقع الإسلامي وبيان أبعاد وطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني وأثره على القضية الفلسطينية، فيما استعرضت الدكتورة بدور السنباني من جامعة ذمار، في الورقة الأخيرة دور اليمنيين في حرب فلسطين عام 1948م.

وعقّب الدكتور بن حبتور، على المشاركين، معبراً عن الشكر لكافة المشاركين من الدول العربية الشقيق والجامعات اليمنية.. منوهاً بمشاركتهم الهامة في أعمال المؤتمر وإسهاماتهم البحثية القيمة حول القضية الفلسطينية ودور اليمن في إسنادها ونصرتها وأبعاد الصراع مع العدو الصهيوني وخطورة مسار التطبيع على القضية.

وأكد أن النظام العربي الذي جاء بعد انتهاء الحربين العالميتين الأولى والثانية صُمّم بعناية من قبل النظام الغربي الاستعماري لخدمة الكيان الصهيوني .. لافتاً إلى أن الأمة لا يمكن لها أن تتحرر إلا بتطهير فلسطين المحتلة من الرجز الصهيوني.

وتوّجه الدكتور بن حبتور، بالشكر لرئيس اللجنة التحضيرية ومنسق عام المؤتمر، على جهدهما في التحضير لعقد المؤتمر بإسناد ودعم مباشر ورعاية من قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وفخامة المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى.

وفي الجلسة الثانية التي حضرها عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي ورأسها رئيس جامعة البيضاء – منسق عام المؤتمر الدكتور أحمد العرامي، قدّمت 10 أوراق علمية، تناولت الورقة الأولى المقدمة من الدكتور فيصل النهمي “المخلفات الكيميائية والإشعاعية للقصف الإسرائيلي على غزة ومستقبل المياه والتربة”.

وقدّم وزير الشباب والرياضة بحكومة تصريف الأعمال محمد حسين المؤيدي ورقة علمية استعرض فيها دور وزارة الشباب والرياضة في نصرة القضية الفلسطينية من خلال الأنشطة الشبابية والرياضية، فيما استعرض نائب وزير الخدمة المدنية والتأمينات عبدالله المؤيدي في ورقة علمية مشروع المجلس السياسي الأعلى حول القضية الفلسطينية.

وتضمنت الجلسة الثانية عدداً من أورق العمل حول “محورية القضية الفلسطينية في مشروع المسيرة القرآنية، والعلاقة بين نشوء الكيان الصهيوني وحركة الاستعمار الأوروبي دراسة تحليلية، وورقة أخرى بعنوان “بحبل من الله وحبل من الناس .. دراسة قرآنية في أسباب نشوء الكيان الإسرائيلي المحتل”.

وركزت أوراق العمل المقدمة في الجلسة الثانية على القضية الفلسطينية بين الصراع مع الكيان الصهيوني ومخاطر التطبيع، وطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني ومخاطر التطبيع.

واستعرضت المشاركات، دور الإعلام وأثره في إبراز الدلالات النفسية لدى الشعوب العربية في نصرة القضية الفلسطينية، وتأثير عملية “طوفان الأقصى” والدعم اليمني المساند في البحر الأحمر على اقتصاد الكيان الصهيوني.

وفي الجلسة الثالثة التي رأسها الدكتور عرفات الرميمة، ناقش 12 ورقة علمية تمحورت حول” دور أهل اليمن الحضاري في فلسطين قبل وبعد الفتح الإسلامي وأثرها في حركة الفتح الإسلامي، وموقف اليمن من القضية الفلسطينية في جامعة الدول العربية 1948 – 1978م، والأبعاد الدينية والثقافية لمواقف أهل اليمن تجاه القضية الفلسطينية.

وتمحورت الأوراق العلمية حول الدور الأمريكي – البريطاني الممهد لزرع الكيان الصهيوني في جسد الأمة العربية، ودور الإعلام المقاوم في نصرة القضية الفلسطينية – قناة المسيرة أنموذجاً، وأهمية المقاطعة الاقتصادية في نصرة القضية الفلسطينية، وأثر التطبيع العربي الإسرائيلي وانعكاساته على مستقبل القضية الفلسطينية.

واستعرضت أوراق العمل البنية التاريخية للمشروع الصهيوني تجاه فلسطين “1897 – 2017 ” التحدي والاستجابة والمستقبل، وتصوراً مقترحاً لتفعيل دور الجامعات اليمنية في نصرة القضية الفلسطينية من منظور الرؤية القرآنية.

وتطرقت الأوراق إلى أثر عملية “طوفان الأقصى” على القضية الفلسطينية .. المكاسب والتضحيات، والرأي العام الغربي تجاه القضية الفلسطينية بعد عملية “طوفان الأقصى .. المعطيات والتحولات”، والرؤية القرآنية للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي حول القضية الفلسطينية.

في حين تناولت الجلسة الرابعة التي رأسها عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الدكتور حمود الأهنومي، 11 ورقة علمية، شملت “المنهجية القرآنية في دعوة اليهود إلى الإسلام ومظاهر إنصافهم وبيان مسالك كيدهم ونفسيتهم الخبيثة وخطرهم”.

في حين ركزت الورقة الثانية على الجغرافيا السياسية وعملية “طوفان الأقصى .. أبعاد ودلالات”، وركزت الورقة الثالثة على حكم التطبيع في الشريعة الإسلامية وأثره في تأخير النصر على العدو الإسرائيلي وتحرير فلسطين.

بينما تناولت الورقة الرابعة “التطبيع ومخاطره على الأمة وقضاياها المصيرية”، وتطرقت الخامسة إلى عالم الفيزياء البروفيسور منير حسن الفلسطيني عبقري” النانو تكنولوجي” الذي أعاد مجد العلماء العرب في القرن العشرين.

واهتمت ورقة العمل السادسة بالقضية الفلسطينية في فكر الشهيد القائد .. الأسباب والمعالجات”.

واستعرضت الورقة السابعة “الموقف اليمني مع غزة وأثره على الصحة النفسية لدى الفلسطينيين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وكذا مخاطر التطبيع مع العدو الصهيوني وانعكاساتها على قضية فلسطين، والموقف اليمني الأقوى في معركة “طوفان الأقصى” لستم وحدكم، والقرآن الكريم والقضية الفلسطينية الرؤية والعلاقات والروابط، بينما تناولت الورقة الأخيرة، تأثير التضليل الإعلامي على القضية الفلسطينية.

أثريت الجلسات التي شارك فيها وزير التعليم العالي والبحث العلمي بحكومة تصريف الأعمال حسين حازب ونخبة من رجال الفكر والسياسة والعلماء والأكاديميين، بنقاشات ومداخلات مستفيضة حول القضية الفلسطينية ومستقبلها.

وتطرقت المشاركات والمداخلات، دور الموقف اليمني في دعم ومساندة القضية الفلسطينية بالمال والرجال والعتاد، داعية الأنظمة العربية والإسلامية إلى الخروج من حالة الصمت وعباءة الذل والخذلان المريب واتخاذ موقف عاجل وسريع لنصرة الشعب الفلسطيني في غزة إزاء ما يتعرضون له من جرائم وحرب إبادة جماعية من قبل الكيان الصهيوني المدعوم أمريكياً وأوروبياً وفي ظل صمت عربي وإسلامي مريب.

يذكر أن المؤتمر العلمي الثاني “فلسطين قضية الأمة المركزية” المنعقد خلال الفترة 22 – 25 رمضان تحت شعار “لستم وحدكم” بمشاركة محلية وعربية وإسلامية ودولية، يناقش 80 بحثاً ومشاركة علمية توزعت على ستة محاور شملت “الرؤية القرآنية للقضية الفلسطينية، وجهاد أهل اليمن في فلسطين عبر التاريخ، وأطماع العدو الصهيوني في اليمن، وطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني، وأهمية شعار الصرخة والمقاطعة الاقتصادية”.

وتتضمن محاور المؤتمر “دور اليمن السياسي والعسكري والشعبي في نصرة القضية الفلسطينية خاصة بعد السابع من أكتوبر 2023م، فضلاً عن دور الإعلام المقاوم في نصرة القضية الفلسطينية”.

 

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: المؤتمر الثاني فلسطين قضية الأمة المركزية صنعاء فی نصرة القضیة الفلسطینیة الصراع مع العدو الصهیونی على القضیة الفلسطینیة حول القضیة الفلسطینیة القضیة الفلسطینیة فی المقدمة من الدکتور الکیان الصهیونی تصریف الأعمال طوفان الأقصى ورقة علمیة دور الیمن من جامعة

إقرأ أيضاً:

هل أصبحت “سلطة رام الله” عبئاً على القضية الفلسطينية؟

 

ارتبطت “السلطة الفلسطينية” التي تتخذ من مدينة رام الله مقراً لها، بـ “اتفاقية أوسلو” التي وقّع عليها في البيت الأبيض عام 1993 كل من إسحاق رابين، بصفته رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وياسر عرفات، بصفته رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية.

لم تكن هذه الاتفاقية “معاهدة سلام” بالمعنى المتعارف عليه في القانون الدولي، وإنما مجرد “إعلان مبادئ” يوضح الأسس التي ينبغي الاستناد إليها عند تحديد مصير ومستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، والتي تم التوافق على التزام “إسرائيل” بالانسحاب منها تدريجياً، وذلك وفقاً لجدول زمني محدد. وتأسيساً على هذا “الإعلان” أمكن التوصل إلى اتفاق تم التوقيع عليه في 4 مايو 1994، عُرف باسم “اتفاق غزة-أريحا”، ثم حلّ محله اتفاق آخر تم التوقيع عليه في 24 و28 سبتمبر عام 1995، عُرف باسم “اتفاق أوسلو 2”.

كان يُفترض، وفقاً لما تم التوافق عليه في هذه الاتفاقيات، وضع الأراضي الفلسطينية التي تنسحب منها “إسرائيل” تحت سلطة تتولّى إدارتها خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، تسمّى سلطة “الحكم الذاتي”، ثم تجري مفاوضات لاحقة تستهدف تحديد الوضع النهائي لمجمل الأراضي الفلسطينية المحتلة “تبدأ في أسرع وقت ممكن وكحد أقصى في بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية”.

غير أن هذه الاتفاقيات، والتي شكلت انعطافة كبرى في مسيرة الصراع الفلسطيني الصهيوني الممتد، وُوجهت بعاصفة من التحديات على الجانبين، وخضعت لتفسيرات وتوقعات متباينة إلى حد التناقض. فبينما تعامل معها عرفات باعتبارها خطوة مهمة تمهّد لقيام دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 كافة، تعامل معها رابين باعتبارها إحدى أدوات إدارة الصراع التي تساعد على حل معضلة الأمن الإسرائيلي، عبر منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً لا يرقى إلى دولة مستقلة، وتمكين “إسرائيل” في الوقت نفسه من تفكيك “قنبلة ديمغرافية” قد تنفجر في وجهها، في حال إذا ما قررت ضم الضفة والقطاع، وبالتالي تجنيبها المخاطر المترتبة على احتمال فقدانها هويتها اليهودية خلال سنوات معدودة .

لم يكن من المستغرب، في سياق كهذا، أن تساعد ردود الأفعال الغاضبة والمتعاكسة على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي في تهيئة أجواء تفضي إلى اغتيال رابين في 4 نوفمبر 1995، ثم إلى التخلص من عرفات في 11 نوفمبر 2004. بل يمكن القول إن التطرف الصهيوني كان هو المسؤول عما جرى في الحالتين. فمن الثابت الآن أن اليمين الديني المتطرف في “إسرائيل” هيّأ أجواء مواتية لاغتيال رابين، المتهم بالتفريط في حقوق يهودية، رغم شيوع نظريات تدّعي ضلوع أجهزة “الدولة اليهودية العميقة” في ارتكاب هذه الجريمة، وتحيط شكوك كثيرة بالملابسات التي أفضت إلى رحيل عرفات، المتهم فلسطينياً بالتفريط في الحقوق الوطنية وإسرائيلياً بتشجيع الإرهاب والعنف، حيث تشير قرائن متعددة إلى أنه قُتل مسموماً على أيدي عناصر ينتمون إلى الموساد، وذلك بالتواطؤ مع شخصيات فلسطينية تنتمي إلى الدائرة المقربة من عرفات نفسه.

تجدر الإشارة هنا إلى أن عرفات ظل متمسكاً بالأمل في أن تفضي “اتفاقيات أوسلو” إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، حتى بعد سنوات من رحيل رابين، ولم يبدأ هذا الأمل بالتراجع والانحسار إلا عقب فشل مفاوضات كان الرئيس الأميركي بيل كلينتون قد دعا إلى عقدها في كامب ديفيد عام 2000، وشارك فيها إيهود باراك، رئيس وزراء “إسرائيل” في ذلك الوقت، وبعد أن تأكد له آنذاك أن “إسرائيل” لن تقبل مطلقاً التخلي عن القدس الشرقية.

ولأن عرفات لم يكن مستعداً للقبول بدولة فلسطينية تفرض سيادتها التامة على القدس القديمة، فقد كان من الطبيعي أن يمهد موقفه إبان هذه المفاوضات لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثانية عام 2000، هي الأولى بعد إبرام اتفاقيات أوسلو، وهو ما يفسر إقدام شارون على محاصرته داخل المقاطعة، والتفكير في البحث عن بديل، وهذا هو السياق الذي راحت فيه الضغوط تمارَس بكثافة على عرفات لحمله على تعيين محمود عباس رئيساً للوزراء، وهو ما تم بالفعل في 19 مارس عام 2003. صحيح أن عباس لم يتمكن من الصمود في منصبه الجديد سوى أشهر قليلة، اضطر بعدها إلى تقديم استقالة عكست سطورها عمق الخلافات القائمة بين الرجلين، غير أنه سرعان ما تبيّن أن لكل من الرجلين رؤية مختلفة حول كيفية إدارة الصراع مع “إسرائيل” في المرحلة المقبلة.

بعد رحيل عرفات، أصبح عباس رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية التي رشحته بدورها لخوض انتخابات الرئاسة التي جرت في 9 يناير 2005، والتي فاز فيها بسهولة، ثم راح يجمع بين يديه تدريجياً المناصب والسلطات كافة التي تولّاها عرفات، حيث أصبح رئيساً لحركة فتح ورئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيساً للسلطة التنفيذية التي تتولى إدارة المناطق الفلسطينية المحررة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي المناصب التي ظل ينفرد بها طوال السنوات العشرين التي انقضت منذ رحيل عرفات وحتى الآن، رغم تطورات كثيرة طرأت على الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ذلك الحين، خصوصاً بعد أن قرّر شارون الانسحاب من قطاع غزة تحت وقع ضربات المقاومة الفلسطينية المسلحة، و بدأ بإخلاء القطاع من المستوطنات اعتبارا من 15 أغسطس 2005، وبعد أن قررت حماس خوض الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير 2006 وتمكنت من الفوز بأغلبية المقاعد فيها، في إشارة لا تخطئها العين على أن الشعب الفلسطيني في كل من الضفة والقطاع بدأ يشكك في حقيقة النيات الإسرائيلية ويفقد الأمل في إمكانية تحقيق أهداف الاستقلال والتحرر الوطني بالوسائل السلمية.

كان من الطبيعي، في سياق كهذا، أن تطفو على سطح الحياة السياسية في فلسطين رؤيتان متناقضتان، حول الطريقة المُثلى أو الأكثر فعالية في التعامل مع القضايا الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن أصبحت هناك سلطة تنفيذية منتخبة، ترى أن الوسائل السلمية هي وحدها الكفيلة بتحقيق أهداف النضال الفلسطيني، وسلطة تشريعية منتخبة ترى أن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف. ولأن السلطة التنفيذية سعت إلى تهميش السلطة التشريعية وفرض هيمنتها عليها، فقد كان من الطبيعي أن يتحول الخلاف بين السلطتين حتمياً إلى صدام، وهو ما حدث بالفعل.

لا يهدف هذا المقال إلى تقييم ما جرى على الساحة الفلسطينية منذ رحيل عرفات، أو وضع معايير يمكن الاستناد إليها لترجيح كفة رؤية أيديولوجية أو سياسات بعينها يتبناها هذا الفصيل أو ذاك، فحماية القضية الفلسطينية من عبث العابثين يجب أن تكون هي البوصلة المحددة للوجهة التي ينبغي أن تتجه نحوها جميع القوى السياسية في عالمنا العربي كله، لا على الساحة الفلسطينية وحدها.

غير أن الأمانة العلمية تتطلب منا أن ندلي في هذا التوقيت بمجموعة من الملاحظات المتعلقة بأسلوب عباس في إدارة الشأن الفلسطيني، والذي لم يختلف كثيراً عما اتّسم به أسلوب عرفات من مركزية شديدة وميل غريزي إلى جمع كل الخيوط والإمساك بها على نحو منفرد، رغم الفارق الكبير بين الوزن التاريخي لكل من القيادتين الفلسطينيتين.

وكان الأجدى أن يُولي الرئيس عباس جهداً كبيراً وحقيقياً لإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية المختلفة عقب رحيل عرفات، خاصة منظمة التحرير الفلسطينية التي ينبغي أن تكون هي الإطار الجامع والممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني المشتت بين الضفة والقطاع والأراضي المحتلة قبل 48 والمخيمات والتجمعات المنتشرة في مختلف دول العالم. على صعيد آخر، يعتقد كاتب هذه السطور أن الرئيس عباس لم يكن موفقاً على الإطلاق حين ظلّ يصر لفترة طويلة على استخدام تعبير “الصواريخ العبثية” الساخر، وهو تعبير عكس استهانة غير مبرّرة بقدرات وإمكانات فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة.

فقد أثبت “طوفان الأقصى”، وبصرف النظر عن تباين التقديرات المتعلقة بمدى مواءمته من الناحية السياسية، أن هذه الفصائل تقوم بعمل جاد لكسر غطرسة العدو الإسرائيلي وأنها تمكنت من إنجاز ما لم تتمكن جيوش دول عربية كثيرة من إنجازه، وأنها قدمت في سبيل ذلك تضحيات كبرى ينبغي عدم الاستهانة بها أو التقليل من شأنها.

لا شك أن هناك أخطاء سياسية عديدة ارتكبت، خصوصاً خلال فترة “الربيع العربي”، لكن هذا ليس وقت تصفية الحسابات، لا مع حماس ولا مع غيرها من الفصائل الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني كله، بجميع قواعده وفصائله وتجمعاته، يواجه في الوقت الراهن معركة وجودية بالمعنى الحرفي للكلمة، وبالتالي هو مهدد بالتصفية والاستئصال والاقتلاع من الجذور، ما يفرض على جميع القيادات تجنب المعارك الصغيرة، ورصّ الصفوف في مواجهة عدو كشف “طوفان الأقصى” عن معدنه الحقيقي المجرد من كل معاني الإنسانية.

ولأن رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ينبغي أن يكون هو الممثل الحقيقي لشعب كشف صموده الأسطوري في مواجهة حرب الإبادة الجماعية التي تُشنّ عليه منذ أكثر من عام ونصف، أنه من أعظم شعوب العالم قاطبةً، فعليه أن يشرع على الفور في اتخاذ ما يلزم من خطوات عملية لتحويل هذه المنظمة إلى حركة تحرر وطني تليق بمقامه الرفيع.

سوف يحتفل الرئيس عباس في نوفمبر المقبل بعيد ميلاده التسعين، ومع تمنياتنا له بطول العمر ودوام الصحة، نأمل أن يسجّل التاريخ أنه القائد الذي نجح في تصحيح مسار الحركة الوطنية الفلسطينية، وليس القائد الذي تحوّل إلى عبء على القضية الفلسطينية.

 

أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة

 

 

مقالات مشابهة

  • النيابة العامة في السودان تبدأ أولى جلسات محاكمة حميدتي ودقلو وآخرين في هذه القضية
  • 28 مايو.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في قضية تطبيق «QF» للنصب الإلكتروني أمام جنايات طنطا الاقتصادية
  • بيان «وزارة الخارجية» حول إعلان الكيان الصهيوني بشأن تهجير الفلسطينيين
  • ضياء رشوان: مصر خاضت العديد من الحروب للدفاع عن القضية الفلسطينية
  • أبو الغيط: القضية الفلسطينية تتعرض لأخطر تهديد في تاريخها
  • الأمم المتحدة: الكيان الإسرائيلي قتل نحو 71 مدنيا في لبنان منذ وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي
  • هل أصبحت “سلطة رام الله” عبئاً على القضية الفلسطينية؟
  • مفتي عمان يهاجم مواقف بعض الدول العربية المتماهية مع إجرام الكيان الصهيوني
  • حزب الله يدعو للعمل بفاعلية وقوة لوقف الإجرام ‏الصهيوني على فلسطين والمنطقة
  • الكيان الصهيوني يغرق برسائل احتجاج تطالب بوقف الحرب على غزة