خوف عمالقة التقنية من ظاهرة فومو يدفعهم للاستثمار في الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
يحاول عمالقة التكنولوجيا الحصول على قطعة من كعكة الذكاء الاصطناعي، ولكن الحافز الأكبر لهذا السباق كما يرى الخبراء هو ظاهرة "الفومو"، بحسب تقرير لوكالة "سي إن بي سي".
وظاهرة الفومو (FOMO) هي اختصار لجملة (Fear of missing out)، أي الخوف من تفويت الفرصة، أو الخوف من الفوات. وعلى الرغم من كونها ظاهرة نفسية قديمة ومعروفة، فإن المصطلح انتشر انتشارا واسعا بداية من عام 2004.
وفي نهاية شهر مارس/آذار الماضي، أعلنت أمازون عن أكبر استثمار خارجي في تاريخها الممتد على مدار 3 عقود، وذلك في إطار سعيها لاكتساب أفضلية في سباق الذكاء الاصطناعي.
وأوضحت الشركة التقنية العملاقة أنها ستنفق 2.75 مليار دولار أخرى لدعم الشركة الناشئة "أنثروبيك" التي يعتبرها البعض المنافس الأقوى لشركة أوبن إيه آي، وتطور أنثروبيك نموذجها التأسيسي للذكاء الاصطناعي الذي يدعم روبوت المحادثة "كلود" (Claud)، الذي أطلقت نسخته الثالثة مطلع مارس/آذار.
استثمار أمازون الضخم لم يكن حدثا فريدا من نوعه خلال الفترة الحالية، بل يمكن اعتباره جزءًا من توجه مستمر داخل صناعة التقنية، لأن شركات التقنية العملاقة توقفت عن عمليات الاستحواذ على الشركات الناشئة، بسبب قضايا الاحتكار واتجهت إلى الاستثمار في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي.
دخلت هذه الشركات العملاقة إلى المجال بكل قوة؛ أمازون من خلال استثمارها في أنثروبيك، ومايكروسوفت بدعمها لأوبن إيه آي، وغوغل بتطوير نماذجها الخاصة، وكذلك شركة ميتا، وأخيرًا آبل التي تبحث عن التعاون مع غوغل لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها.
تتسابق هذه الشركات لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في محافظها الضخمة من المنتجات والميزات لتضمن عدم تخلفها عن اللحاق بتلك السوق، التي من المتوقع أن تصل إيراداتها إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2032 وفقًا لتقديرات وكالة بلومبيرغ.
وفقًا لشركة تحليل البيانات المالية "بيتشبوك" (PitchBook)، ضخ المستثمرون وشركات التقنية نفسها إجمالي 29.1 مليار دولار في نحو 700 صفقة خاصة بالذكاء الاصطناعي التوليدي خلال عام 2023، بنسبة أكثر من 260% مقارنة بالعام السابق.
وهو ما أشار له رئيس قسم أبحاث الذكاء الاصطناعي والبرمجيات في شركة "ماكواير" (Macquarie)، فريد هافماير، في حديثه مع شبكة "سي إن بي سي"، إلى أن الخوف من تفويت الفرصة، أو ما يُعرف باسم ظاهرة الـ"فومو"(FOMO) هو الدافع الأساسي وراء تلك القرارات.
وفي حالة الذكاء الاصطناعي تحديدًا، فإن الاستثمارات الضخمة ضرورية لأن تلك النماذج باهظة الثمن في تصميمها وتدريبها، إذ تتطلب آلاف الشرائح المتخصصة التي تنتجها شركة إنفيديا بصورة حصرية حتى الآن.
فمثلًا أعلنت شركة ميتا التي تطور نموذجها الخاص المسمى "لاما" (Llama)، أنها تنفق المليارات على وحدات معالجة الرسوميات من شركة إنفيديا، وهي واحدة من ضمن عدّة شركات كبرى ساعدت إنفيديا على تضخم إيراداتها السنوية بأكثر من 250%.
وفي الصفقة الأخيرة بين أمازون وأنثروبيك، ذكرت الشركتان عدّة إستراتيجيات للعمل معًا، ومنها استخدام أنثروبيك للخدمات السحابية "أمازون ويب سيرفيسز" (AWS) لتلبية احتياجاتها بالإضافة إلى الاستفادة من رقائق المعالجة التي تصنّعها أمازون. وفي المقابل ستوزع أمازون نماذج الذكاء الاصطناعي التي تطورها أنثروبيك على عملاء خدمة "أمازون ويب سيرفيسز".
بينما بدأت مايكروسوفت السباق مبكرًا بمجال الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر الاستثمار في شركة "أوبن إيه آي" في عام 2019 بنحو مليار دولار. ثم تضخم حجم استثماراتها حتى الآن ليصل إلى نحو 13 مليار دولار. وتعتمد بكثافة على نموذج أوبن إيه آي كما تقدم نماذج مفتوحة المصدر على خدمتها السحابية "آزور" (Azure).
على الجانب الآخر، تؤدي شركة ألفابت، الشركة الأم لغوغل، دور المطور والمستثمر؛ أعادت الشركة تركيز الكثير من عمليات تطوير منتجاتها على الذكاء الاصطناعي التوليدي، وخاصة على نموذجها الأقوى "جيمناي" (Gemini)، مضيفةً ميزات جديدة في خدمات البحث والخرائط وغيرها.
وفي العام الماضي، التزمت غوغل باستثمار ملياري دولار في شركة أنثروبيك أيضًا، بعد تأكيدها السابق لاستحواذها على حصة 10% من الشركة الناشئة، إلى جانب اتفاقية كبيرة بينهما للاستفادة من الخدمات السحابية.
ما يؤكده هافماير أن شركات التقنية العملاقة لا تضخ كل تلك الأموال لمجرد المشاركة في "دورة الضجيج" (hype cycle)، أي أن تلك التقنيات الجديدة تحظى بشعبية هائلة مؤقتة، فالاستثمارات الحالية في تقنيات الذكاء الاصطناعي تتوافق مع خارطة منتجات تطورها شركات التقنية العملاقة.
وفي آخر مكالمات لتوزيع الأرباح الفصلية، أكد المديرون التنفيذيون في تلك الشركات تركيزهم على الذكاء الاصطناعي التوليدي، وأوضحوا للمستثمرين أن عليهم إنفاق الأموال لجني الأرباح، وذلك إما على التطوير تلك النماذج داخليًا أو عبر الاستثمار في الشركات الناشئة.
وفي العام الماضي، صرحت المديرة المالية لشركة مايكروسوفت، إيمي هود، بأن الشركة تعمل على "تنظيم قوتها العاملة نحو التركيز على الذكاء الاصطناعي أولاً دون إضافة عدد فعلي من الأشخاص إلى إجمالي العاملين".
كما أشارت هود إلى أن مايكروسوفت ستواصل اعتبار الاستثمار في الذكاء الاصطناعي أولوية، إذ هو "العنصر الذي سيشكّل ملامح العقد المقبل".
كما أوضح قادة شركات غوغل وآبل وأمازون للمستثمرين أنهم على استعداد لخفض التكاليف بصورة عامة في مختلف الأقسام بهدف إعادة توجيه مزيد من الأموال نحو تعزيز جهودهم في مجال الذكاء الاصطناعي.
وبالطبع، إذا كان الذكاء الاصطناعي هو التقنية التي ستشكّل ملامح العقد المقبل، فإن شركات التقنية العملاقة، بكل هذه الاستثمارات الضخمة، تهدف كالعادة -وعلى طريقتها الخاصة- إلى تشكيل هذا المستقبل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات الذکاء الاصطناعی التولیدی تقنیات الذکاء الاصطناعی الاستثمار فی ملیار دولار إیه آی
إقرأ أيضاً:
ذبح الخنازير.. كيف يحوّل الذكاء الاصطناعي الاحتيال المالي إلى كارثة عالمية؟
رغم أن العالم يشهد تقدما تقنيا مذهلا في ظل الذكاء الاصطناعي، فإن هذه الثورة تأتي بجانبها المظلم الذي يهدد سلامة الأنظمة المالية والشخصية. فما بين الفوائد الكبيرة التي يقدمها هذا الذكاء، وبين مخاطر الاحتيال المتزايدة، تزداد الحاجة إلى التأهب لمستقبل أكثر تعقيدا.
لقد شهدنا عام 2024 لمحات عن قدرات الذكاء الاصطناعي في التزييف العميق، واستنساخ الصوت، وعمليات الاحتيال، لكنها كانت مجرد عجلات تدريب للمحتالين أثناء اختبارهم للأوضاع.
ومع دخولنا عام 2025، المليء بالتطورات التقنية المثيرة، يظهر الذكاء الاصطناعي كسلاح ذي حدّين. ففي حين يعزز من قدراتنا، يضعنا أمام خطر داهم قد يجعل من هذا العام نقطة تحول، حيث تصبح العمليات الاحتيالية المدعومة بالذكاء الاصطناعي قوة مهيمنة تهدد الأنظمة المالية والبنوك العالمية، إضافة إلى سمعة البشر ومصداقية الأحداث ومن أبرز هذه العمليات الجديدة عمليات "ذبح الخنازير" (pig butchering scams).
تهديدات مالية غير مسبوقة.. الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف الاحتيالوفقا لتقرير مركز "ديلويت للخدمات المالية" (Deloitte Center for Financial Services)، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحقيق خسائر قد تصل إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2027، بزيادة ملحوظة عن 12.3 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يمثل معدل نمو سنوي مركب يبلغ 32%.
إعلانوقد جذب هذا الارتفاع الملحوظ في الخسائر انتباه مكتب التحقيقات الفدرالي، الذي حذر في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي من أن المجرمين يستغلون الذكاء الاصطناعي لتنفيذ عمليات احتيال على نطاق أوسع، بهدف تعزيز مصداقية مخططاتهم.
الاحتيال كخدمة.. كيف انتقلت الجرائم الإلكترونية إلى مستوى جديد؟في عالم الاحتيال المدعوم بالذكاء الاصطناعي، ظهرت شركة "هاوتيان إيه آي" (Haotian AI) التي تقدم برامج تغيير الوجه عبر "تليغرام"، في إعلان يظهر أن فريقهم جادّ في عمله، حيث صرحوا علنا: "لدينا فريق بحث وتطوير مكون من مئات المبرمجين وعشرات الخوادم لخدمتكم".
حيث يروج الإعلان لبرامج تغيير الوجه العميقة التي يصعب تمييزها بالعين المجردة، والمصممة خصيصا للمكالمات الخارجية، وهو ما يتناسب تماما مع المحتالين الذين يرغبون في جعل عمليات الاحتيال الرومانسية أكثر مصداقية.
ومع ازدهار هذه التكنولوجيا، شهدت القنوات المخصصة للجريمة الإلكترونية باستخدام الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق على "تليغرام" نموا ملحوظا في المحادثات، وهو ما يعكس انتشار هذه الظاهرة.
ووفقا لتحليل أجرته شركة "بوينت برودكتيف" (Point Predictive) في عام 2023، كان هناك حوالي 47 ألف رسالة في تلك القنوات، بينما تجاوز عدد الرسائل عام 2024 أكثر من 350 ألف رسالة، مسجلا زيادة بنسبة 644%.
تخيل جدارا من الهواتف المحمولة، يدير آلاف المحادثات الوهمية لخداع ضحايا من جميع أنحاء العالم في كل دقيقة.
إنه ليس مشهدا من فيلم خيال علمي، بل واقع تكشفه مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات مثل "تليغرام". بل إنها تقنية جديدة تستخدم لتوسيع نطاق عمليات الاحتيال بشكل غير مسبوق.
أحد الأمثلة البارزة هو برنامج ذكي يعرف باسم "معجبو إنستغرام التلقائيون" (Instagram Automatic Fans)، الذي يرسل آلاف الرسائل في الدقيقة لإيقاع المستخدمين في مصيدة عمليات احتيال "ذبح الخنازير" (pig butchering scams).
إعلانحيث تبدأ الرسائل عادة بجمل بسيطة مثل "صديقي أوصاني بك. كيف حالك؟"، ويتم إرسالها بشكل متكرر لإغراء الضحية.
ومع دخول عام 2025، يتوقع الخبراء أن تستفيد العصابات الإجرامية المتورطة في عمليات "ذبح الخنازير" من تقنية التزييف العميق المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مكالمات الفيديو، واستنساخ الصوت، والدردشة الآلية لتوسيع نطاق عملياتها.
لكن ما عمليات احتيال "ذبح الخنازير"؟وفقا لـ"مكتب المفتش العام" (Office Of Inspector General – OIG) -وهو هيئة مستقلة تشكل داخل الوكالات الحكومية في الولايات المتحدة، مسؤولة عن مراقبة نزاهة وكفاءة العمليات داخل هذه الوكالات- فإن عمليات "ذبح الخنازير" هي نوع من الاحتيال يتعلق بالثقة والاستثمار.
حيث يتم استدراج الضحية تدريجيا لتقديم مساهمات مالية متزايدة، عادة في شكل عملات مشفرة، لصالح استثمار يبدو موثوقا، قبل أن يختفي المحتال بالأموال التي تم تقديمها.