لجريدة عمان:
2025-02-23@06:11:49 GMT

مقاومة التعصب

تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT

«التعصب» مفهوم واسع يشمل السلوك الشخصي للفرد ومواقفه ومعتقداته الشخصية، ويشمل أيضًا سلوك ومعتقدات الشعوب والأمم، وبالتالي تصوراتها عن غيرها من الشعوب. وما يهمنا في هذا المقال هو ذلك الجانب العام الذي يتبدى في الواقع السياسي والاجتماعي ويشكل سلوك التعصب لدى الجماعات والشعوب. هذا التعصب يكون وليد صور ذهنية لدى شعب إزاء شعوب وأعراق أخرى، وهذه الصور الذهنية المتوارثة قد لا يكون لها أساس من الصحة في كثير من الأحيان؛ لأنها لم تخضع للاختبار والتحقق أو حتى التساؤل.

تتسع هذه العنصرية وتتمدد لتشمل معظم الشعوب: ففي فترة الحرب العالمية الثانية كان الأمريكان واليابانيون ينظر أحدهما إلى الآخر باعتباره وحشًا شريرًّا، كما أن الصينيين وشعوب دول أخرى كانت تزدري وتكره اليابانيين بسبب المجازر الوحشية التي ارتكبوها في حربهم على الصين.

هشاشة التصورات التي تدعم التعصب، يرجع إلى كونها غير مدعومة بالوقائع أو الحقائق التاريخية. وهذا ما لاحظه المفكر والسياسي الياباني دايساكو إكيدا في كتابه أو مذكراته التي تحمل عنوان «في يديك تغيير العالم»، وهو يبين ذلك من خلال روايته لحواره الممتد مع المفكر الكبير والمؤرخ الشهير أرنولد توينبي: يروي توينبي أنه ذهب إلى بلدة تركية عانى أهلها من العدوان الوحشي في حرب اليونان على الأتراك، ولكن الغرب لم يذكر شيئًا عن فظاعة المآسي التي سببها هذا العدوان؛ فنشر توينبي مقالًا عن ذلك مدعومًا بالوقائع التي شهدها وجمعها. ولكن لأن الصورة الذهنية السائدة عن الأتراك هي أنهم شعب همجي غير متحضر، وهي صورة قد ترسخت بعد المذابح التي ارتكبها الأتراك في محاولتهم إبادة الأرمن سنة 1915؛ فقد قوبلت الجريدة وصاحب المقال بعاصفة من النقد والتجريح، بل إن توينبي نفسه قد أُقيل من جامعة لندن باعتباره داعمًا للأتراك سيئي السمعة، ما اضطره إلى أن يتكسب قوته من كتابة المقالات في الصحف كمراسل بلا عمل رسمي. ولهذا يرى إكيدا أننا لا ينبغي أن نعتمد على المعلومات التي تأتينا من الغرب؛ لأن رؤية الأشياء من منظور غربي لا يعطينا صورة حقيقية عن العالم، فنحن ينبغي أن نرى العالم أيضًا من وجهة نظر الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية، ومن خلال عيون الأقليات العرقية المختلفة. (ص. 51)

والواقع أن هذه التصورات الخاطئة تؤسس للتعصب في كل مكان، وهو ما وجدناه بوجه خاص في مواقف الغرب الداعمة لإسرائيل في حربها الوحشية الحالية على غزة. ولهذا فإن هذه المواقف يمكن أن تتبدل حينما تحدث زعزعة لهذه التصورات. وهذا هو بالضبط ما حدث خلال نصف عام فقط، فقد ساهم الإعلام غير الرسمي (من خلال منصات التواصل الاجتماعي) في تغيير الصورة الذهنية الشائعة عن الحرب التي تُظهِر المقاومة الفلسطينية باعتبارها المعتدي الهمجي الوحشي على الإسرائيليين المسالمين، ولا تبين أن هذه المقاومة هي دفاع عن أرض مسلوبة وشعب مستضعف يُباد الآن بالسلاح والتجويع! كشف الإعلام غير الرسمي عن هذه الحقائق، فبدأت الصورة الذهنية عن الأحداث تتغير، ومن ثم بدأت المواقف في التغير، وبدأت جموع حاشدة من الجماهير في شتى بقاع العالم تخرج في مظاهرات منددة بالعدوان الإسرائيلي، ما شكل ضغطًا على سياسات الدول المؤيدة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

ينبغي إذن على كل من يتوخى الحقيقة الواقعية أن يلجأ إلى الواقع نفسه، وأن يسائل نفسه: هل يمكن أن أتقبَّل التقارير غير المؤكدة وأن أنشرها كمعلومات؟ وهل أسمح لنفسي بذلك أن أكون منحازًا؟ هل يمكن أن أقبل تقارير- من غيري أو قدمتها بنفسي- لا تستند إلى مشاهدات من وقائع الأحداث، ولقاءات مباشرة مع البشر الذين يعايشون هذه الأحداث ويعانون منها؟ ولكن هذه المساءلة هي مساءلة أخلاقية تطالبنا بالموضوعية والنزاهة، كما أنها تطالبنا بتغيير رؤيتنا للعالم ولأنفسنا، بحيث نتعلم أن ننصت لوجهة نظر الآخر، وأن نفترض دائمًا بأن هناك وجهة نظر أخرى، والأهم من ذلك أن نؤمن بأن «الآخر» يشترك معي دائمًا في الإنسانية: فقد أكون أمريكيًّا أو إنجليزيًّا أو ألمانيًّا أو تركيًّا أو يابانيًّا أو فلسطينيًّا؛ ولكني لو استبعدت الجنس والعرق والدين، فسوف أجد أن كل هؤلاء وغيرهم هم البشر أنفسهم الذين يشتركون في الإنسانية. وهذا أشبه ما يكون بالدعوة إلى توخي الحكمة الهندية القديمة التي طالما رددها شوبنهاور في فلسفته، والتي تقول: «ذاك هو أنت».

ويبدو أن إكيدا يتبنى موقفًا مشابهًا يقوم على أساس فلسفي أخلاقي، أي على تغيير يحدث في باطننا وفي رؤيتنا للعالم وللآخرين. ولهذا نجد أن إكيدا يؤكد هذا الموقف، وهو ما يتبدى بوضوح في قوله التالي (ص54-55) الذي يمكن أن نختتم به مقالنا:

«عندما نتوقف عن أن ننظر لأنفسنا، عندما لا نسائل أنفسنا، نصبح شديدي الثقة بأنفسنا، ودوجماتيين، متعصبين. معالجتنا للموضوع تصبح أحادية الاتجاه لا تستطيع سماع الآخرين، ويصبح الحوار الحقيقي مستحيلًا.

الحوار الذي يمكن أن يخلق سلامًا مع الآخرين، يجب أن يبدأ «بحوار داخلي» منفتح وجدي.

كلنا مواطنون على هذه الأرض: فإذا فكرنا في الموضوع، نجد أن الناس لم يُولدوا أتراكًا أو أمريكيين، ولم يُولدوا فلسطينيين أو يهود. هذه مجرد أدوات للتعريف».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن

إقرأ أيضاً:

منحاز أو بطبل.. الغندور يرد على اتهامه بنشر التعصب

وجه الإعلامي الرياضي خالد الغندور، رسالة لمنتقديه واتهامه بنشر الفتنة والتعصب قبل لقاء القمة بين الأهلي والزمالك في بطولة الدوري الممتاز.

وقال الغندور في بث مباشر عبر فيسبوك: “أنت كمشجع أهلاوي أو زملكاوي طالب مني إيه، كأهلاوي شايفني منحاز لنادي الزمالك، والزملكاوي شايفني بطبل”.

وتابع: “انتقدني البعض وقت عملي في قناة الزمالك بسبب عدم انتقادي لمرتضى منصور رئيس الزمالك السابق، طب هل قناة الأهلي بتنتقد رئيس النادي محمود الخطيب”.

كفة الأهلي أكبر.. الغندور يكشف توقعاته للقاء القمةكهربا يوجه رسالة لـ عماد متعب عبر «إنستجرام»| ماذا قال؟

ويواجه النادي الأهلي فريق الزمالك في السابعة مساء اليوم، السبت، على استاد القاهرة، لحساب منافسات الجولة الـ 15 من الدوري المصري الممتاز.

وأسندت لجنة الحكام التابعة للاتحاد المصري لكرة القدم مباراة الأهلي والزمالك، للحكم النرويجي، إسبين إسكوس، ويعاونه جان إيريك إنجان كمساعد أول، وإسحاق باشيفكين كمساعد ثاني، فيما يكون عثمان إسلام حكمًا رابعًا، بينما يكون توم هارالد هاجن حكمًا لتقنية الفيديو، ويساعده كريستوفر هاجينس.

ويحتل النادي الأهلي المركز الثاني في جدول ترتيب الدوري العام برصيد 32 نقطة، بفارق نقطة واحدة عن المتصدر، بيراميدز، فيما يحتل الزمالك المركز الثالث برصيد 27 نقطة.

القنوات الناقلة لمباراة قمة الأهلي والزمالك 

يمكن مشاهدة مباراة الزمالك ضد الأهلي في بث مباشر عبر شاشة قناة أون سبورتس الناقل الحصري لمنافسات الدوري المصري الممتاز "دوري نايل" موسم 2024-2025.

كما تنقل قناة  Time Sports المواجهة عبر البث الأرضي، فيما تبث قناة الأهلي استديو تحليليا قبل وبعد المباراة.

مقالات مشابهة

  • مسؤول إيراني يتحدّث عن لبنان: لا يمكن العيش بأمان من دون مقاومة
  • هل يمكن أن يقول العرب لا؟!
  • الركراكي: المغرب أصعب منتخب يمكن تدريبه
  • منحاز أو بطبل.. الغندور يرد على اتهامه بنشر التعصب
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم
  • Oppo تطلق Find N5 .. أنحف هاتف قابل للطي في العالم
  • دراسة: كمية المياه التي تفقدها الأنهار الجليدية تعادل ما يستهلكه سكان العالم في 3 عقود
  • الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية: أزمة البحر الأحمر لا يمكن السيطرة عليها
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم (الحلقة 5)
  • تدشين توزيع الزي والحقيبة المدرسية لذوي الإعاقة الذهنية بذمار