الابتكار على «نهج رياضة الرجبي»
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
لو سألنا طلبة التخصصات العلمية المولدة للابتكار مثل الهندسة والطب والعلوم والرياضيات عن إلمامهم بقواعد رياضة الرجبي سنجد أن الغالبية العظمى تميل للأنواع الشائعة من الأنشطة الرياضية مثل كرة القدم أو السلة. في الواقع رياضة الرجبي هي لعبة معقدة بعض الشيء، وقليلٌ هم من يفهمون قواعدها، حتى أولئك الذين يتقنون ممارستها، كما أن متابعة مباريات الرجبي من على مدرجات الملعب تختلف تمامًا عن مشاهدتها على شاشة التلفزيون أو الأجهزة اللوحية، وهذا ما يمنحها الخصوصية.
في البدء دعونا نقترب أكثر من هذه الرياضة المثيرة للاهتمام، إن أهم ما يميز فريق الرجبي هو التنوع الكبير في أعضاء المنتخب والذي يعد مطلبًا أساسيًا لتكوين فريق ناجح، بدءًا من حسن اختيار المهاجمين المبادرين، وأعضاء الفريق المساندين في الدفاع والقادرين على قراءة تكتيكات الخصم عبر ما يسمى «رؤية نصف عين الذبابة»، وانتهاءً باختيار لاعبي الظهير الذين يتم اختيارهم حسب قدرتهم على الحركة السريعة، ومهارات المناورات في موقعهم في الأجنحة، إن هذا التنوع هو أساس نجاح المنتخبات لأن الفوز في مباريات الرجبي يعتمد بشكل كبير على مدى جودة اللعب كفريق، وهذا ما يبني الثقة، ومع المستوى العالي من الثقة يأتي الالتزام الذي يولد الأداء الاحترافي، وعلى غرار فريق الرجبي فإن فرق الابتكار تتطلب التنوع لمجموعة واسعة من الكفاءات، والمهارات، والخبرات اللازمة لتحفيز الابتكار، وهو ما يسمى بالاستعداد التكاملي لمكونات الابتكار، ويرافقه بنفس الأهمية وجود الكفاءات القادرة على تحليل المخاطر التي تكتنف العملية الابتكارية، وهذا ما يحدث في ملعب الرجبي ويقوم به لاعبو الظهير الذين يقومون بتحليل مكامن الخطر في الدفاع، والفرص المتاحة لدعم الهجوم، وتتطلب هذه العمليات السرعة في اتخاذ القرار.
وفي الجانب الآخر نجد بأن عالم الابتكارات العلمية تتطلب مهارات شبيهة بتلك التي يمتلكها لاعبو الرجبي، وأهمها مهارة القدرة على استكشاف الفرص الذهبية واقتناصها في الوقت المناسب، وكذلك التنبؤ بالمخاطر الحاسمة والتغلب عليها، وهذه المهارات تتفاوت من لاعب إلى آخر، وإبداع لاعبي الرجبي في التعامل مع هذه المواقف هو ما يجعل اللعبة ممتعة وغير متوقعة، وهذا يضعنا أمام حقيقة أن لعبة الرجبي لا تخضع للقواعد الموحدة والصارمة للألعاب الأخرى مثل كرة القدم، فهي تفتح المجال للإبداعات الفردية، وتأسر المشجعين المتشوقين لرؤية التكتيكات الجديدة، ولذلك فإن هذه اللعبة تشبه خط إنتاج المواهب المبتكرة، وكل جيل من اللاعبين يقدم موجة جديدة من الابتكار والتجديد بشكل يفوق ما سبقه، وبذلك فإن أولى الدروس التي يمكن تعلمها من رياضة الرجبي هو أن الشغف والمهارات يجب أن تكون متجذرة في الهدف حتى يتمكن رائد العمل من مواجهة الظروف غير مواتية، فالوصول للفوز في المباراة لا تأتي من الحركات التي يقوم بها اللاعبون في نقل الكرة، ولكنه يكمن في تلك المهارات الحقيقية في كيفية التعامل مع ما لا يمكن التنبؤ به داخل الملعب، مثل ما يحدث في مختبرات التطوير مع المبتكرين والمخترعين، حيث تواجه التجارب الفشل أحيانًا، وقد لا تصمد الأفكار في مرحلة التجريب، وهناك الكثير من السيناريوهات المحتملة لرحلة المبتكر والتي تتطلب مهارة مواجهة المخاطر ووضع آليات التعامل معها دون تردد أو إبطاء.
وأما المهارة التالية فهي ضرورية في عالم ريادة الأعمال القائمة على الابتكارات العلمية والتكنولوجية، وهي بناء الهوية والسمة المميزة للابتكار من منطلق الأصالة، إن نجاح الابتكارات تعود بشكل كبير إلى تفرد المبتكرين في صياغة نهج عمل يكاد يكون من المستحيل تكراره بواسطة المنافسين، وهذا ما يسهل على بعض الشركات الناشئة مرحلة الدخول في عالم الأعمال واقتناص الحصة السوقية، وهذه المهارة أساسية في رياضة الرجبي التي لا تتيح لأي فريق محاولة تبني خطة لعب مستعارة من فريق آخر، فنجد بأن أفضل الفرق على مستوى العالم تقوم ببناء خطة اللعب التي تتمحور حول هويتهم، وتمنح أعضاء الفريق مساحة كافية لاتخاذ نهجٍ فردي وتكتيكي في حدود قواعد اللعبة وبشكل يمكنه إرباك الخصم بشكل غير متوقع، والنقطة الأساسية هنا هي انتهاج التفرد دون خرق قواعد لعبة الرجبي، ففي كل مرة يخالف فيها الفريق القواعد فإنه يفقد الاستحواذ على الكرة، وإن تكرر ذلك فقد يفقد لاعبًا من الفريق، وبذلك فإن المبتكرين ولاعبي الرجبي يشتركون في أهمية امتلاك الرؤية الاستراتيجية والتكتيكية المتوازنة لخلق مساحة جديدة للتميز، ولكن مع التأكد من أن هذه التحركات تسير في الاتجاه الصحيح.
وهذا يقودنا إلى الدرس الأهم للمبتكرين ورواد الأعمال الناشئين من ملعب الرجبي وهو فلسفة عمل الفريق المتناغم لصناعة الفوز المتحقق، حيث تتم مباراة الرجبي بواسطة (15) لاعبًا ولكل واحد منهم دور مميز جدًا في الملعب بحيث لا يمكن توزيعه أو إحلاله بأدوار بديلة، ويعد كل دور جزءًا مهمًا من اللغز الأكبر أو لنقل في الصورة الكبيرة، وبذلك فإن كل دور يتطلب مجموعة محددة من المهارات، والسمات الجسدية، والنهج الذهني والعقلي، ولا يمكن ببساطة تغيير مواقع اللاعبين مع كل موقف يستجد أثناء المباراة، لأن المفتاح هنا هو التخصص، وإن كانت هناك مجموعة من الأدوار التي تسمح ببعض المرونة إلا أن القاعدة هي: حتى وإن كنت اللاعب الأفضل في العالم لكنك تلعب في مركز واحد، وهذا الالتزام بالتخصص في الأدوار هو المفتاح الذهبي لخلق التناغم والتآزر، وهذا ما يحتاجه فريق المطورين والمبتكرين ورواد الأعمال، فالتركيز على توجيه المواهب ونقاط القوة نحو المجالات التي تتطلب هذه المواهب هو أساس تطويرها وصقلها، أما توزيع الأدوار بدون الأخذ بالترابط بين ما يمتلكه المبتكر من مهارات وبين ما يحتاج إليه العمل فهو بمثابة الهدر غير المبرر لهذه المهارات والمواهب.
وقد لا نبالغ إذا قلنا بأن من أهم أسباب فشل الشركات التكنولوجية الناشئة في الصمود في عالم الأعمال يكون مصدره عوامل الضعف داخليًا في فريق العمل، وهناك نسبة قليلة من أسباب الفشل تعود للمتغيرات الخارجية. واستيحاءً من طريقة تفكير مدربي فرق رياضة الرجبي، هناك ثلاثة أسئلة محورية ومترابطة يجب على قادة فرق التطوير والابتكار التكنولوجي الوقوف عندها واستيعاب البعد الاستراتيجي لكل منها، وهي: ما الذي نفعله بشكل جيد والذي أكسبنا النجاح والفوز؟ وما الذي نفعله والذي يعوق أداءنا وحلمنا في تحقيق المزيد من النجاح؟ وما الذي يمكننا فعله لتحسين عملنا بشكل أفضل لنحافظ على ما حققناه، ونصل للطموح الذي نصبو إليه؟
إن الأنشطة الرياضية عمومًا ورياضة الرجبي على وجه الخصوص هي مصدر إلهام للابتكار التكنولوجي وريادة الأعمال العلمية، فالفرق الاحترافية تصنع الفوز عبر دورات من المبادرة والمخاطرة معًا، وهي لا تتوقف عن التعلم، بل تستمر في تطوير أجندات ابتكارية تقودها عملية متناغمة من الذكاء الجماعي، ففي الملعب أو في مختبرات البحث والتطوير لا يحدث الابتكار في صومعة، نظرًا لأن الابتكار هو جهد جماعي وتشاركي، ويحتاج إلى العمل ضمن فريق يتم فيه تمثيل مجموعات المهارات المتنوعة، والربط بين المهارات المتاحة والأدوار المطلوبة بجسور الثقة، ووحدة الهدف، والتواصل البناء، مع الانفتاح على الأفكار الجديدة، وإرساء ثقافة الالتزام بالقيام بالدور المحدد لكل عضو في الفريق من منطلق استشعار أهمية هذا الدور مهما قل حجمه، مما يسمح بتطوير مسارات عمل جديدة تنبثق من التدفق النشط للأفكار والرؤية المشتركة، والإدراك الواعي بأن مكونات الابتكار تتكامل ولا تتنافس.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وهذا ما
إقرأ أيضاً:
«فالكون 3» إنجاز جديد ل «الابتكار التكنولوجي»
أبوظبي: «الخليج»
كشف معهد الابتكار التكنولوجي، المركز العالمي الرائد في البحوث التطبيقية، التابع لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي، عن إطلاق فالكون 3، الإصدار الأحدث ضمن سلسلة النماذج اللغوية الكبيرة مفتوحة المصدر، ويمثل هذا الإصدار المبتكر قفزة نوعية في مجال النماذج الصغيرة، ما يتيح وصولاً أوسع إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة من خلال تشغيل النموذج بكفاءة على أجهزة خفيفة مثل الحواسيب المحمولة، كما يرسي فالكون 3 معايير جديدة بتفوقه في قدرات الاستدلال وإمكانات التخصيص، ليصبح نموذجاً للذكاء الاصطناعي أكثر تطوراً وفعالية.
صُمم فالكون 3 ليتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي عالية الأداء للجميع، مقدماً نماذج تجمع بين القوة والكفاءة، وتم تدريبه على 14 تريليون رمز توكين، ما يزيد على ضعف تدريب النسخة السابقة التي اعتمدت على 5.5 تريليون رمز فقط، ما يمنحه تفوقاً ملحوظاً عبر مختلف المعايير، ويتميز فالكون 3 بكونه أحد أفضل النماذج عالمياً القادرة على العمل بكفاءة باستخدام وحدة معالجة رسومات واحدة فقط. وقد حقق المركز الأول على قائمة منصة Hugging Face العالمية للنماذج اللغوية الكبيرة مفتوحة المصدر، متفوقاً على نماذج أخرى بحجم مشابه، مثل نماذج لاما من شركة ميتا كما يتصدر نموذج فالكون 3- 10 بي فئته، متفوقاً على جميع النماذج التي تقل عن 13 مليار متغير.
وقال فيصل البناي، الأمين العام لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة ومستشار رئيس الدولة لشؤون الأبحاث الاستراتيجية والتكنولوجيا المتقدمة: «لا يمكن إنكار الأثر التحويلي الكبير للذكاء الاصطناعي، واليوم نعزز ريادتنا في مجتمع الذكاء الاصطناعي، لا سيما في مجال المصادر المفتوحة، من خلال إطلاق سلسلة النماذج النصية فالكون 3، ويمثل هذا الإصدار امتداداً طبيعياً لما بدأناه مع فالكون 2، وخطوة أساسية نحو عصر جديد من الابتكار في الذكاء الاصطناعي، وإن التزامنا بجعل هذه التقنيات المبتكرة متاحة للجميع يعكس رؤيتنا لتحقيق المساواة العالمية ودفع عجلة الابتكار للجميع».
تشمل سلسلة فالكون 3 أربعة نماذج بأحجام مختلفة هي فالكون 3 (-1بي و-3بي و-7بي و-10بي). وقد أُولي اهتمام خاص في هذا الإصدار لتحقيق التكامل السلس والتوافق الكامل مع واجهات برمجة التطبيقات (APIs) والمكتبات رائجة الاستخدام، ما يخفف عبء التكامل ويجعل الاستخدام أكثر سهولة، النتيجة النهائية هي تمكين المستخدمين من اختيار الحل الأنسب لاحتياجاتهم المتنوعة.
ومع الأداء الاستثنائي الذي يقدمه فالكون 3 في الاستدلال وفهم اللغة واتباع التعليمات وتوليد الأكواد وحل المهام الرياضية، فإنه يمهد الطريق لوضع معايير جديدة في قدرات الذكاء الاصطناعي.
وتتوزع النماذج الصغيرة من فالكون 3 إلى إصدارين اثنين، الإصدار الأساسي وإصدار Instruct، حيث يحتل كل منهما مكانة رائدة عالمياً ضمن فئته. تم تصميم الإصدار الأساسي للمهام التوليدية العامة، بينما تُعد نسخة Instruct نموذجاً مطوراً موجهاً للتطبيقات الحوارية ويتوفر فالكون 3 بأربع لغات هي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية، إضافة إلى ذلك، تحتوي النماذج على إصدارات كمية تُعزز التكامل مع البنى التحتية المتخصصة، ما يضمن كفاءة في استخدام الموارد وسهولة في النشر والتحليل السريع.
وقالت الدكتورة نجوى الأعرج، الرئيس التنفيذي لمعهد الابتكار التكنولوجي: «إن تفانينا في البحث العلمي المتقدم وجذب الكفاءات المتميزة قد أثمر عن إطلاق فالكون 3، الذي يمثل تجسيداً لرؤيتنا في تحقيق التميز العلمي، مع تعزيز الكفاءة ووضع معايير جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي».
وبدوره، قال الدكتور حكيم حسيد، كبير الباحثين في وحدة الذكاء الاصطناعي التابعة لمعهد الابتكار التكنولوجي: «في ظل التقدم السريع الذي تشهده تقنيات الذكاء الاصطناعي، نفخر بدورنا الفاعل في هذه الرحلة المبتكرة، يمثل فالكون 3 خطوة نوعية تدفع حدود النماذج اللغوية الصغيرة إلى آفاق أوسع».
يمكن تحميل فالكون 3 فوراً من منصة HuggingFace أو من الموقع الإلكتروني FalconLLM.TII.ae، مع توفير كافة المعلومات المتعلقة بمعايير الأداء.