كان انهيار جسر فرانسيس سكوت المأسوي في بلطيمور صادما. وقد عبر أبناء المنطقة عن فزعهم من التفكك المباغت لمعلم ألفوه على مدار حياتهم. والنظام الدولي في ما بعد عام 1945 شبيه بعض الشيء بذلك الجسر. فقد كان دائما حاضرا. وباتت سلطته وقواعده وقوته أمورا مفروغا منها. والآن، من المثير للقلق، أن الصرح العالمي بأكمله في حالة سقوط حر إذ يجري التخلص من وسائل الدعم المعتادة.

عميق هو الإحساس بتفكك الأشياء، والتداعيات السلبية حولنا في كل مكان. فميثاق الأمم المتحدة، وهو حجر أساس القانون الدولي، يتعرض للانتهاك بشكل روتيني. وقد وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أخيرًا على وقف «فوري» لإطلاق النار في غزة الأسبوع الماضي، فتعرض لتجاهل مهين.

وفي أوكرانيا وميانمار والسودان، تمر جرائم الحرب والإبادة الجماعية المزعومة دونما عقاب ودون رادع. وتبعث روسيا وإيران والهند، من بين دول أخرى، قتلة إلى الخارج للقضاء على المعارضين السياسيين. والحرب السيبرانية غير المعلنة لا حدود لها.

وتصورات القطيعة الدائمة الخارجة عن القانون أصبحت قوية بصفة خاصة في الشرق الأوسط في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر والحرب بين إسرائيل وحماس. وحجم الفظائع مثير للقلق. وكذلك ما قوبلت به من إفلات من العقاب. وأوامر محكمة العدل التابعة للأمم المتحدة بمنع المجاعة لا تكاد تجد من يبالي بها.

والعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي حجر زاوية في المنطقة، وصلت إلى نقطة الانهيار. فلا يكاد الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يتبادلان حديثًا. ويطالب بايدن بإيصال المزيد من المساعدات ووقف التهديدات بالهجوم على رفح حيث يعيش 1.4 مليون فلسطيني خائفين وجياعًا ويطالب بإجراء محادثات ما بعد الحرب بشأن حل الدولتين. نتانياهو، الملقب بـ«عنصر التدمير» الإسرائيلي المؤذي لنفسه، يمنعه عند كل منعطف.

تتزايد الأزمة الداخلية في إسرائيل بشكل وجودي مع تحول نتانياهو وحلفائه المتطرفين المناهضين للديمقراطية وجماعات المستوطنين اليمينية المتطرفة إلى التمرد. ولو أن المنتقدين على حق في أن نتانياهو يطيل أمد الحرب للبقاء في السلطة، فإن ذلك يعني أنه قد يعمد إلى التصعيد في الضفة الغربية ولبنان. وهذا ما يحدث بالفعل، إذا حكمنا من خلال الهجمات الإسرائيلية الأسبوع الماضي.

كان تغيير موقف الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، عندما سمحت أخيرا بتمرير قرار وقف إطلاق النار في غزة، مشجعا إلى حد ما. ولكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لم تتخذا أي خطوات لفرضه. وروسيا والصين، العضوان الدائمان في مجلس الأمن، تفضلان الترويج للسعي إلى السلام والعدالة. والدول العربية نموذج للعجز.

لقد غيرت الولايات المتحدة موقفها متأخرا، لا لأنها لاحظت فجأة أن أكثر من اثنين وثلاثين ألف شخص، منهم آلاف الأطفال، قد لقوا مصرعهم في غزة أو لأن الغذاء يستخدم كسلاح. فمحامو وزارة الخارجية ينكرون ذلك. ولكن الضغط الأمريكي يتزايد لأن بايدن يفقد الدعم في عام انتخابي ويشعر بالإهانة من نتانياهو. ويشير المعلقون الإسرائيليون إلى أن الصدع قد يكون غير قابل للإصلاح.

وقد كتب عاموس هاريل في صحيفة هآرتس أن «كبار المسؤولين الأمريكيين يشكون من عدم فهمهم لما يريده نتانياهو. لكن [ما يريده] واضح تماما. فالنجاة السياسية هي أولويته القصوى. ولو أن استمرار الحرب، حتى وسط الادعاءات المتزايدة بأن إسرائيل تنتهك قوانين الحرب، هو ما سيبقيه في منصبه، فهو على أتم استعداد لإدامتها. وكل الوسائل مشروعة، على ما يبدو، بما فيها المزيد من التأخير في وضع اللمسات النهائية على صفقة الرهائن».

وها هي سياسة بايدن في الشرق الأوسط ــ سواء تعلقت بالبرنامج النووي الإيراني، أم باستغلال النفوذ الصيني، أم بإحياء إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية، أم بالتوصل إلى صفقة كبرى مع المملكة العربية السعودية، أم بمستقبل فلسطين ــ أصبحت في حالة يرثى لها. وقد يصح قول ذلك نفسه عن بريطانيا، وهي حليف راسخ آخر لإسرائيل، التي باتت ـ في أيام البؤس هذه التالية للبريكزت ـ تتبع خطى واشنطن في كل شيء تقريبا.

لقد اتخذ ديفيد كاميرون، وزير خارجية المملكة المتحدة ورئيس وزرائها السابق، موقفا أكثر صرامة إزاء استمرار الحرب في غزة. فقد واجه نتانياهو بشأن المساعدات وطرح فكرة الاعتراف بدولة فلسطينية في عملية سلام مستقبلية. ومضت بريطانيا إلى أبعد من الولايات المتحدة بدعم وقف إطلاق النار الذي أعلنته الأمم المتحدة الأسبوع الماضي.

كل هذا يشكل تناقضًا محمودًا مع أسلاف كاميرون الكسالى وغير الأكفاء في وزارة الخارجية، من أمثال بوريس جونسون، وليز تروس، ودومينيك راب. غير أن بريطانيا لا تزال تزود إسرائيل بالأسلحة، وفرضت عقوبات على وكالة الأمم المتحدة للإغاثة في غزة، الأونروا، لأسباب واهية، كما أنها بما يفقدها مصداقيتها لن تعلن رسميًا أن تصرفات إسرائيل تنتهك القانون الإنساني. فقد يكون كاميرون تجسيدًا لتحسن لكنه ليس بالتحسن الجذري.

إن المملكة المتحدة، باعتبارها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودولة من مجموعة السبع، تتحمل نصيبًا من المسؤولية عن الانهيار الشامل للقانون والنظام الدوليين. فينبغي على بريطانيا، على سبيل المثال، أن تدفع حلف شمال الأطلسي إلى رد أقوى على التدخل الروسي لأوكرانيا. وينبغي أن تقود الجهود الرامية إلى معاقبة الصين بشأن هونج كونج والانتهاكات التي ترتكبها في شينجيانج والاتفاق على طرق أكثر أمانًا وإنسانية لإدارة الهجرة الدولية.

ويجب على المملكة المتحدة أن تعمل على زيادة المساعدات الخارجية، وليس على خفضها. ويجب أن تكون مثالا يحتذى به بخفض ترسانتها من الأسلحة النووية، بما يتفق مع التزاماتها بموجب المعاهدة. وينبغي أن تدين الأنظمة القمعية. ويجب أن تعزز الديمقراطيات في مختلف أنحاء العالم، لا أن تفصل نفسها عن الديمقراطيات المجاورة في أوروبا ــ وهذا الفصل بطبيعة الحال هو إرث كاميرون البائس الدائم الذي لا يمحى.

وما الذي يمكن إنقاذه من حطام فلسطين بما قد يساعد في تغيير الاتجاهات العالمية العدمية إلى عكس وجهتها؟ إن عدوان نتانياهو الطائش يعزز حماس سياسيا، بدلا من أن يهزمها. فلقد نجح في تحويل الاشمئزاز الحقيقي من فظائعها إلى دعم متزايد للقضية التي يفترض أنهم يتبنونها، ويكرهها هو، أعني قضية الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.

هذه هي الفرصة للأغلبية الفلسطينية المعتدلة. ففي حين أن إسرائيل المنقسمة المصدومة المنبوذة سيئة القيادة تمزق نفسها، وفي حين أن أوراق اعتمادها التاريخية والأيديولوجية والديمقراطية تتمزق إربا، قد يكون أمرًا ممكنًا أن يعاد تأسيس عملية تفاوض ذات مصداقية هدفها الصريح المعتمد دوليًا هو وجود دولتين تتعايشان جنبًا إلى جنب، ومن المفارقات أن تكون هذه هي الطريقة المثلى والوحيدة لإنقاذ إسرائيل من نفسها.

وقد تكون أيضا هي الأمل الأمثل لإنقاذ المجتمع الدولي من مزيد من الانحدار إلى الفوضى. فالعالم في حاجة ماسة إلى انتصار. وفي حين أنه من الممكن أن يعاد بناء جسر بلطيمور، فمن سيعيد بناء الثقة العالمية؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المملکة المتحدة الأمم المتحدة فی غزة

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: إسرائيل منعت ثلثي المساعدات الإنسانية في غزة

سرايا - أفاد متحدث الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أن القوات "الإسرائيلية" منعت ثلثي عمليات المساعدات الإنسانية المختلفة البالغ عددها 129 والمخطط لها من أجل غزة الأسبوع الماضي.

جاء ذلك في مؤتمر صحفي يومي عقده دوجاريك، الجمعة.

وأشار دوجاريك، إلى أن الشعب الفلسطيني في غزة يحتاج إلى ظروف إيواء مناسبة لحمايته من المطر والبرد مع اقتراب فصل الشتاء.

وأوضح أن الأمم المتحدة وشركاؤها يحاولون إيصال الخيام بسرعة إلى القطاع.

ولفت دوجاريك، إلى نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين، وسرعة تزايد احتياجاتهم، مع العجز عن تلبيتها بسهولة، لا سيما بسبب الحصار الإسرائيلي في شمال غزة.

وأضاف أن "القوات الإسرائيلية لم تسمح إلا بثلث العمليات الإنسانية الـ129 المخطط لها لغزة الأسبوع الماضي".

وذكر أن العمليات الأخرى مُنعت لأسباب "أمنية ولوجستية".

وبدعم أمريكي ترتكب "إسرائيل" منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 148 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وتواصل "إسرائيل" مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

إقرأ أيضاً : شهداء وجرحى في غارة "إسرائيلية" وسط بيروتإقرأ أيضاً : طيران الاحتلال يقصف محيط الجامعة اللبنانية بالضاحية الجنوبية في بيروتإقرأ أيضاً : انباء غير مؤكدة عن إنقطاع الإتصال بأمين عام حزب الله الجديد نعيم قاسم عقب غارة إسرائيلية على مبنى في بيروت

 

 





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1619  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 23-11-2024 11:18 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
اخترق مؤسسات وباع بياناتها .. مصر تقبض على "هاكر" خطير فضيحة مدوية في تركيا .. عصابة أطباء وممرضين قتلت 12 رضيعاً أثناء عمله في قبو .. سباك يعثر على كنز (ذهبي) بقيمة 2.4 مليون دولار شيف شهير يسلم نفسه للشرطة المصرية: ابن زوجتي دهس عامل دليفري كتلة هوائية باردة جدًا من أصول سيبيرية تؤثر على الأردن هجوم واسع بالمسيرات من لبنان يستهدف الاحتلال حادث سير يصدم رونالدو "كنترولية الباصات" يواجهون مصير البطالة... الصفدي: وجود العرموطي تحت القبة مع النواب أفضل من... شهداء وجرحى في غارة "إسرائيلية" وسط بيروتطيران الاحتلال يقصف محيط الجامعة اللبنانية بالضاحية...انباء غير مؤكدة عن إنقطاع الإتصال بأمين عام حزب...زيلينسكي: على العالم أن يرد على بوتين كي لا تتوسع...بعد قرار المحكمة الدولية .. وسم " بنيامين...البنتاغون: جنود كوريا الشمالية سيشاركون قريباً بحرب...مستشار خامنئي: مستعدون لبحث إتفاق نووي جديد مع ترامبجيش الاحتلال يزعم تمكنه من اغتيال "الشبح"...وعد بإنهاء الحرب .. ترامب يدرس تعيين مبعوث خاص... فيروز الأم .. عاطفة استثنائية تظهر الجانب الإنساني... مفاجآت تتكشف بقضية ملاحقة كاتب جزائري شهير .. ما... وفاة الملحن المصري محمد رحيم بشكل مفاجئ .. وتامر... القبض على مخرج شهير بتهمة سرقة مجوهرات زوجة زميله أظهرت عضلات بطنها .. نادين الراسي بإطلالة جريئة ربما سأعود .. ماذا قصد عموتة بكلمته؟ ميسي يعلنها: أفكر في اليوم الذي سأعود فيه إلى برشلونة مقتل مدرب بشكتاش التركي بـ "23 رصاصة" نجم البرازيل يقيم حفل زفافه على ابنة أخت زوجته ابنة الـ19 عاما في غيبوبة .. رصاصة برأس بطلة كرة لبنانية الاعتداء على طفل بحبسه في مجففة ملابس عامة سجن طبيب أميركي 190 عامًا بعد تلاعبه بالعلاجات وتسببه في وفاة زميلة أول صورة مفصّلة لنجم في مجرّة أخرى غير درب التبانة أول لقاء بين أطول وأقصر امرأتين في العالم لا تستخدم في أطباق العشاء .. هذا ما يميّز "نحف سباغيتي" نجل طباخ شهير يدهس عامل توصيل وزير يعجز عن الإجابة على سؤال طفلة .. ماذا سألت؟ جزائري التهم خروفاً بدقائق .. سليم الأكول يهز التواصل موزة ملصقة بشريط بيعت بالملايين .. تعرف على من اشتراها بعد ماكدونالدز .. الجزر يتسبب بوفاة واحدة وعشرات الإصابات بأميركا

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: إسرائيل منعت ثلثي المساعدات الإنسانية في غزة
  • الإمارات: آثار خطيرة لقرار إسرائيل حظر عمل «الأونروا»
  • الأمم المتحدة: غارات إسرائيل على «تدمر» الأسوأ في سوريا
  • الولايات المتحدة: نهاية الحرب في لبنان قد تكون قريبة
  • عاجل - مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: موقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية يؤكد العلاقات الأخوية ودورها الريادي
  • مندوب فلسطين بالأمم المتحدة يشيد بالدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية ودورها الريادي بالمنطقة
  • الولايات المتحدة: إسرائيل تحقق أهدافها وتقترب من نهاية حربها مع حزب الله
  • المبعوث الأمريكي للسودان: الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوداني
  • الولايات المتحدة تكشف للعالم حقيقة وقوفها خلف جرائم الإبادة الجماعية لأبناء غزة (تفاصيل)
  • مندوب الصين بمجلس الأمن: الولايات المتحدة تواصل إمداد إسرائيل بالأسلحة