يمثل انسحاب النيجر من اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة ضربة قوية للنفوذ الأمريكي في منطقة الساحل، خاصةً أن النيجر كانت تُعد حليفًا استراتيجيًا هامًا لواشنطن في مكافحة الإرهاب، باعتبارها مركزاً للعمليات في منطقتي غرب وشمال إفريقيا، وبالتالي فخسارة واشنطن لوجودها في النيجر ستكون لها انعكاسات سلبية على القدرة التشغيلية الأمريكية في المنطقة.

تفقد الولايات المتحدة قاعدة عسكرية مهمة في أغاديز، كانت تُستخدم لشن غارات بطائرات بدون طيار ضد الجماعات الإرهابية في المنطقة.

وقد يُشجع انسحاب الولايات المتحدة من النيجر دولًا أخرى في المنطقة على إعادة تقييم علاقاتها مع واشنطن.

كان المتحدث باسم المجلس العسكري الحاكم في النيجر، الكولونيل أمادو عبدالرحمن، أعلن منذ أيام، انسحاب بلاده من اتفاقية التعاون العسكري المُبرمة مع الولايات المتحدة، والتي سمحت للعسكريين الأمريكيين والموظفين المدنيين من البنتاجون بالوجود داخل النيجر؛ الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات بشأن مستقبل الحضور الأمريكي في النيجر ومنطقة الساحل وغرب إفريقيا بشكل عام.

وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية العسكرية التي تم إنهاؤها مؤخراً من قبل نيامي كان قد تم توقيعها في عام 2012، وبموجبها بدأت واشنطن عام 2013 في نشر 100 عسكري في قاعدة عسكرية بمطار نيامي، وكان ذلك بشكل مشترك مع فرنسا؛ إذ بدأ الجنود الأمريكيون على إثرها في إدارة قاعدة "101" العسكرية في العاصمة نيامي، قبل أن تتمكن واشنطن في عام 2018 من بناء واحدة من أكبر القواعد العسكرية للطائرات من دون طيار في إفريقيا، وهي قاعدة "201" الموجودة بالقرب من أغاديز، التي تبعد حوالي 920 كيلومتراً عن العاصمة نيامي، وقد مكنت هذه القاعدة الولايات المتحدة من القيام بأنشطة استخباراتية واستطلاع ومراقبة في منطقة الساحل الإفريقي بشكل عام، وباتت واشنطن تعتمد على هذه القاعدة في استهداف عناصر تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، كما أصبحت هذه القاعدة تمثل العمود الفقري للقواعد العسكرية الأمريكية في غرب وشمال إفريقيا؛ الأمر الذي يعكس مدى أهمية النيجر بالنسبة للمصالح الأمريكية.

وتُعد روسيا والصين من الدول التي تسعى لتعزيز نفوذها في إفريقيا، من أكبر المستفيدين من انسحاب الولايات المتحدة من النيجر لتعزيز علاقاتها مع نيامي.

إذ قد تُقدم روسيا والصين الدعم العسكري والاقتصادي للنيجر، مما قد يُساعد المجلس العسكري الحاكم على تعزيز سلطته.

وقد يُؤدي ذلك إلى صراع على النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا والصين في منطقة الساحل، إذ أنه منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر منتصف العام الماضي، رصدت العديد من التقارير تكرار الزيارات التي قام بها مسؤولون عسكريون روس إلى نيامي، بما في ذلك نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، ودافع المجلس العسكري الحاكم في نيامي عن رغبته في تعزيز التعاون مع موسكو، للحد الذي جعل بعض التقارير الأمريكية تربط بين التصعيد الأخير من قبل السلطات النيجرية ضد الولايات المتحدة وبين النفوذ الروسي المتزايد في نيامي.

في حين قد يُؤدي انسحاب الولايات المتحدة من النيجر إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في المنطقة، خاصةً مع ازدياد نشاط الجماعات الإرهابية، وقد تُصبح النيجر مركزًا لتدريب الجماعات الإرهابية، مما قد يُشكل تهديدًا لدول المنطقة والعالم.

كما تُؤدي الفوضى الأمنية في النيجر إلى موجات نزوح جديدة، مما قد يُفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، بالإضافة إلى تراجع التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وهذا يجعل دول المنطقة أكثر عرضة لخطر الإرهاب، مما قد يُشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين.

كما تُؤدي هذه التطورات إلى إعادة النظر في استراتيجيات مكافحة الإرهاب في المنطقة.

ومما لا شك فيه أن انسحاب الولايات المتحدة من النيجر، سيؤدي حتما إلى الإضرار بسمعة الرئيس الأمريكي جو بايدن، خاصةً في ظل تصاعد التوترات مع روسيا والصين، قد يُستخدم هذا الانسحاب من قبل المعارضين لبايدن كدليل على فشل سياسته الخارجية، ما يجعل فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 في غاية الصعوبة.

كما عكس قرار الحكومة العسكرية في النيجر ضد الولايات المتحدة جملة من الدلالات المهمة، إذ يُعد القرار النيجري بإنهاء التعاون العسكري مع الولايات المتحدة بمثابة فك ارتباط بين الجانبين، وهو ما يعزى بالأساس إلى جملة من المحددات الرئيسية التي ربما تبرر توقيت هذا القرار، فمن ناحية جاء هذا القرار بعد عدة أشهر من توقف الدعم المالي الذي اعتادت الولايات المتحدة تقديمه للنيجر؛ إذ تُعد الأخيرة إحدى أفقر دول العالم، وتعتمد بشكل رئيس على المساعدات الخارجية، وكانت واشنطن قد قررت في أكتوبر 2023 قطع مساعدات تقدر بحوالي 500 مليون دولار عن النيجر، ويبدو أن زيارة الوفد الأمريكي الأخير لنيامي عززت قناعة المجلس العسكري الحاكم هناك بأن الولايات المتحدة ستواصل الضغط بورقة المساعدات المالية. 

كما تزايدت الشكوك لدى السلطات النيجرية بشأن رغبة الولايات المتحدة في مواصلة التعاون العسكري معها، خاصةً وأن واشنطن توقفت عن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع المجلس العسكري منذ الانقلاب العسكري في النيجر، وباتت عمليات الطائرات من دون طيار الأمريكية تستهدف فقط حماية الأصول الأمريكية، وجمّدت أي عمليات أخرى تستهدف مكافحة الإرهاب في نيامي.

كما كشفت بعض التقارير الأمريكية عن وجود تفاهمات جرت بين النيجر وإيران خلال زيارة رئيس الوزراء النيجري، علي مهمان لامين زين، إلى طهران، في يناير 2024، بموجبها أعربت الأخيرة عن استعدادها لدعم نيامي في مواجهة العقوبات المفروضة عليها في أعقاب الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد في يوليو 2023.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الجيش الأمريكي النيجر المجلس العسکری الحاکم التعاون العسکری فی منطقة الساحل مکافحة الإرهاب فی المنطقة العسکری مع فی النیجر مما قد ی

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة ترفع حالة التأهب في سفاراتها بالعراق وسوريا تحسباً لاستهداف محتمل

سبتمبر 28, 2024آخر تحديث: سبتمبر 28, 2024

المستقلة/- في ظل التوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، أفادت مصادر مطلعة للمستقلة ، أن الولايات المتحدة أصدرت توجيهات لسفاراتها في العراق وسوريا برفع حالة التأهب إلى أقصى درجاتها، تحسباً لأي استهداف محتمل قد تتعرض له هذه السفارات أو المصالح الأمريكية الأخرى في المنطقة.

تأتي هذه التوجيهات التي صدرت مساء اليوم في وقت حساس تشهده المنطقة، حيث تتابع الولايات المتحدة الأمريكية التطورات الأمنية والسياسية عن كثب. وقد أعربت واشنطن عن قلقها إزاء التهديدات المحتملة التي قد تنجم عن التوترات الإقليمية المستمرة، خاصة في ظل التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة وعدد من القوى الإقليمية.

وبحسب المصدر، فإن هذه التوجيهات تشمل تعزيز الإجراءات الأمنية حول السفارات والقنصليات الأمريكية في العراق وسوريا، إضافة إلى رفع حالة التأهب بين الفرق الأمنية والدبلوماسية الأمريكية الموجودة في كلا البلدين. ومن المتوقع أن تتضمن هذه الإجراءات تقييد حركة الدبلوماسيين الأمريكيين، وتكثيف عمليات المراقبة الأمنية، فضلاً عن اتخاذ احتياطات إضافية لحماية المنشآت الحيوية التي قد تكون عرضة للهجمات.

هذا القرار يعكس حالة القلق المتزايدة في واشنطن من احتمالية تعرض مصالحها لهجمات، خاصة مع تزايد الأنشطة العسكرية غير التقليدية في بعض مناطق الشرق الأوسط. في العراق، تزداد المخاوف من استهداف الفصائل المسلحة للوجود الأمريكي، فيما يعزز الوضع في سوريا، حيث تتقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية، من هذه المخاوف.

وفي هذا السياق، يبرز دور الحكومة العراقية والسورية في ضمان عدم تصاعد الأوضاع الأمنية إلى حد قد يؤثر على الاستقرار الإقليمي. حيث تتجه الأنظار إلى مدى قدرة هذه الحكومات على التعامل مع التهديدات الأمنية المحتملة وضبط الأوضاع داخل حدودها.

تتابع الولايات المتحدة التطورات عن كثب، وقد تشير هذه الخطوة إلى استعدادها لاتخاذ إجراءات إضافية في حال تصاعدت التهديدات الأمنية ضد مصالحها. وقد يكون لهذا التصعيد الأمني تأثيرات بعيدة المدى على العلاقات الأمريكية مع العراق وسوريا، إضافة إلى التأثير على الوضع الأمني والسياسي العام في المنطقة.

تبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد مسار الأحداث في المنطقة، ومدى استجابة الولايات المتحدة لهذه التحديات الأمنية المتزايدة، وهو ما قد يكون له تداعيات على الاستقرار الإقليمي ومستقبل العلاقات الدولية في الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: الولايات المتحدة مهدت الطريق لاغتيال حسن نصر الله
  • الولايات المتحدة ترفع حالة التأهب في سفاراتها بالعراق وسوريا تحسباً لاستهداف محتمل
  • مصرع 33 شخصًا جراء الإعصار هيلين في الولايات المتحدة الأمريكية
  • اتفاق بين العراق والولايات المتحدة على إنهاء مهمة التحالف الدولي.. هذا موعد الانسحاب
  • البيت الأبيض: بايدن وجه بتعديل الانتشار العسكري الأميركي في الشرق الأوسط حسب الضرورة
  • أنطونوف: زيارة زيلينسكي إلى الولايات المتحدة عرض هوليوودي
  • المخابرات الأمريكية تحذر: هجمات مميتة من موسكو ضد واشنطن في هذه الحالة
  • نورلاند: الولايات المتحدة الأمريكية تدعم المصالحة بين الليبيين
  • «القاهرة الإخبارية»: نتنياهو يصر على إحراج الولايات المتحدة الأمريكية
  • الدور الأمريكي الخفي في السودان- قراءة تحليلية