سيف الرحبي: الكتابة هي جزء أصيل من الكينونة والقراءة والوهم اللطيف
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
استمرار مجلة نزوى في مرحلة أفول الكثير من المجلات المهمّة إنجازٌ في حدّ ذاته -
لم يعد الجنس الأدبيُ يهمّني، بقدر التعبير عمّا أريد -
بيروت تظلّ مدينة حرة رغم الحروب التي التهمتها -
أكملت مجلة نزوى عقدها الثالث، وسط أمواج رقمية عاتية تحط المجلة في الميناء الثلاثين، مقدمة تأثيرًا ثقافيًا وقيمة عالية. وصف رئيس تحريرها سعادة سيف الرحبي الثلاثين (الثلاثة عقودٍ) بالمُفعمة بالأحداث المفصليّة عربيًّا، وعالميًّا، بالمنحى السيئ والسلبيّ أمام انعطافات العالم وتحوّلاته التقنيّة والفكريّة والسياسيّة، وإن بقيتْ المركزية الحضارية نفسها مع إزاحاتٍ غير جوهريّة في المشهد الكونيّ، ويقول: «إذ أحدّق في مرآة العالم، المُقلق حتمًا، فالذاتيّ ربما أكثر انعكاسًا له، وربّما أكثر إقلاقًا وتوتّرًا؛ كيف مرّت هذه السنين من عمر الفرد الحالم بعالمٍ أفضل، أكثر عدلًا وجمالًا، أمام بشاعة ما نشاهد ونعيش بشكل يوميّ ولحظيّ من استباحاتٍ وإباداتٍ، وانعدام للحدّ الأدنى من القيم الإنسانيّة والقانونيّة التي درج البشرُ على تمييزِ ذاتهم بها عن عالم الغابِ والعصور الحيوانيّة والوحشيّة».
وتابع: «التّحديق في مرآة الذات والزمن والصيرورة أكثر قسوة ربّما، الجسد الذي يأخذ في الضعف والهبوط، الوجوه والأصدقاء، عشرة العمر الذين أخذوا في الرّحيل والغياب تباعًا جرّاء الأوبئة القتّالة، وغيرها من دواعي الخراب والزوال، وهي بالغة الوفرة في الأرض العربية، الشرقية خاصّة».
في حديث الرحبي عن تجربته مع المجلة وعن العقبات التي تعترض مسارها، يقول: «لا أستطيع الحديث التقييمي حول المجلة وإنجازاتها في المشهد الثقافيّ، وتفاعُلها مع ثقافات العالم؛ لكنّ استمرارها عبر هذا الزّمن في مرحلة أفول الكثير من المجلّات المهمّة والمنابر الثقافية الورقيّة على وجه الخصوص إنجازٌ في حدّ ذاته، وهي الآن بطبعتها الورقيّة وموقعها الإلكتروني، الأكثر قراءة بطبيعة الحال في ضوء التحوّلات التقنيّة في القراءة والذائقة لدى الأجيال الجديدة، وسهولة الوصول والانتشار».
وأضاف: «قطعًا هناك عقباتٌ اعترضت مسار المجلّة، كأيّ مفهوم أو منصّة أفكار وإبداعاتٍ تُخالف السائد المُتراكم كعادةٍ وموروثٍ مقدّس، لا تطوله المساءلة والنقد، خاصّة في بلد مثل (عُمان)، كان مغلقًا وبعيدًا عن العالم وتحوّلاته الفكريّة والأدبيّة. مما جعل الانكفاء على نتاجات الأسلاف واعتبارها شيئًا متعاليًا، يقاوم كل جديد وحديث يخدش الذائقة والأفكار القارّة شبه المقدّسة، لكن في السنين الأخيرة بدأ المشهد الثقافي في عُمان يأخذ مسارًا آخر، في التحديث والمغامرة الإبداعيّة أسوة ببلدان عربية، سبقت زمنيًّا وتراكمًا إبداعيًّا، وأسوة بالعالم، واستلهام قيم العصر، وتجلّياته الثقافية والفكريّة.
وعما واجهته المجلّة في بداياتها، وخاصة في المتمثل في المواقف والسلوكيات من قبل «إداريين» أو قراء، وباحثين متزمّتين أيّما تزمّت حسب وصفه، يقول: «يصلُ بعض المواقف والسلوكيات أحيانًا حدّ السخرية والضحك، ويصل حدّ التكفير، وتحريم قراءتها لدى بعض محدودي الأفق، أو معدوميه تماما.. حتى كنتُ أصلُ أحيانًا إلى سؤال نفسي، ما الذي يجعلني أتحمّل كل هذا الهجوم والعداء، الذي يصل حدّ التفاهة والتشهير؟ خاصّة في مجتمعٍ الكثيرُ منه ما زال في طوره القبليّ والدينيّ الأول، لكنها تجربة ومحطّة في مسار هذه الحياة، وهي الوحيدة التي قُدّر لي فيها، أن أقيم وأنتج شيئا ذا بال في وطني عُمان، من هنا خصوصية وأهمية هذه التجربة. لو أصدرنا المجلّة أو ما يشبهها في بيروت أو القاهرة؛ فضلا عن باريس مثلا، لقلّت هذه المعاناة حتى التلاشي، لكنّها لن تضيف الكثير إلى تلك البلدان، السبّاقة منذ مطلع القرن العشرين إلى هكذا منابر تُعنى بالتجديد والتنوير والتحديث».
وحول نقده للمجلة وكيف ينظر إليها، قال: «أنا بطبيعتي، وأنا الآن في العقد السادس من العمر، الذي مرّ سريعًا وعاصفًا رغم الشتات، وربّما بسببه، أحملُ وما زلتُ، روحًا نقديّة، بداية من نتاجاتي الكتابيّة، ويشمل المجلّة هذا النقد؛ لكن في حدود الشروط الموضوعيّة. أعتبرها (المجلّة) منبرًا طليعيًّا ومتقدّمًا، أو هكذا.. لا أعرف على نحو حاسم».
الأمكنة ولحظة الكتابة
أصدر ثلاثة كتب كتبها خلال جائحة (كرونا) كوفيد 19، وهي: «في النور المنبعث من نبوءة الغراب» و «رحلة إلى جبال سراييفو» و«عاصفة على جناح متعب» فيتحدث عن هذه المرحلة قائلا: «صرتُ أكتب بشكلٍ يوميٍّ، وأنا غالبًا هكذا، إلا فتراتِ قرفٍ ويأسٍ مُطبق بالمعنى المُحبط؛ إذ لليأس والقرفِ، وهما من شروط الكينونة لدى البعض، خاصّة ممن جرفهم دوار الوجود، مسارًا خصبًا وثريًّا على الصّعيد الروحيّ والإبداعيّ.
في تلك الفترة المحدودة أنصرف وأتمرّد على الكتابة، وأكون قارئًا محضًا، وهذا أجمل.
«رحلة إلى جبالِ سراييفو» كتبتُها في العام الثاني من عمر الكوفيد، الذي حصد أرواحًا كثيرة من العائلة والأصدقاء، سُمح لنا بالسفر إلى (البوسنة والهرسك) وذهبت مع زوجتي والولدين، فجاءت هذه الرحلة بمثابة برهة تحريرٍ من سجن الوباء اللعين، الذي كانت عدالته الوحيدة هي توحيد الكوكب البشري، بشماله وجنوبه، بأغنيائه وفقرائه وهم الأغلبيّة السّاحقة مثل نتائج الانتخابات العربية وأضرابها، من 98 فصاعدًا، لكن حتّى عدالة هذا التوحيد تتّسم بنقصٍ جوهريّ؛ إذ كيف يتساوى من يملك المال والنفوذ، مع من لا يملك الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة والمعيش؟
ذهبتُ إلى بلاد البلقان، فانفتح مشهد الذاكرة على مصراعيه، كنت أقمت فترة من الزمن في (بلغاريا) المُجاورة للبوسنة، إبان المعسكر الاشتراكيّ وخليفته الاتحاد السوفييتي، وفق رطانة تلك المرحلة، التي ما زال فيها البعضُ على نحوٍ من حلمٍ ولمعانِ سراب، انطفأ لاحقا بحكم توحّش التقنية والحروب الأهليّة، وغير الأهليّة، التي طحنت أجساد الشعوب وأرواحها وأحلامها، خاصّة في المشرق العربيّ. كنت على شيء من الدراية والذكريات لذلك المعسكر الآفل.
حين أسافر، وكنت مصابًا بقلق المكان الواحد، وبإلحاح هاجس الموت والغياب، كنت أسافر كثيرًا وأكتب من غير دلال ولا نقيضه. هكذا فقط، في مهبّ العواصف والمحيطات. وما قبل ثلاثين عاما كنتُ أسافر كالمغامرين، بما تحمله المغامرة من معنى، من غير مالٍ أو في حدِّه القليل جدًّا. لكن العالم والكائن الذي كنتُه كان مختلفًا بالطبع. بعد ذلك صرتُ أترحّل بشكلٍ خارج ذلك التصنيف للمغامرة، حيث صار لديّ دخل شهري قارّ، طيران، حجوزات، فنادق إلخ. لكن مع التقدّم في العمر وهو شيء مُرعب، يحلّ التكاسُل، والحسابات المنطقيّة. تعب الجسد، وإن ما زال مقبولًا في الحركةِ والترحّل والمشي».
وأضاف: «الكتابة هي جزء أصيلٌ من الكينونة والقراءة والوهم اللطيف، وهي في حدّ ذاتها رحلةٌ في اللغة والنفس والجغرافيا والتاريخ، رحلةٌ في المعلوم والمجهول، وهذا الأخير يُغريها أكثر، وكل ما اقتربتْ أو اجتازت مناطق الخطر، صارت أقرب إلى الإبداعِ الحقيقيّ وأفق الحلم بالنجاة إذا تحقّق.
الأمكنة نسكنُها، نحن الساكنة، لكن في الحقيقة الجوّانية لهشاشة الكاتب، هي التي تسكنُه، فهي أزليّةٌ أمام محدوديّتنا الطافحة بالهشاشة والانكسار حتى النهاية الحتميّة.
وهناك كتابات أهملها، لا تأخذ طريقها للنشر، ليست لأنها أضعف أو غير ذلك، بمعنى ليس نتيجة فرزٍ واختيار، وإنما هكذا بشكل فوضويّ غير مدروس. ولأنّي أكتب النصوص الطويلة على الورق، ثم تُعاد على الكمبيوتر، يأخذني السأم، فأرميها جانبًا، أتركُها لمصيرها المجهول.
أما منذ زمن، فيضيع الكثيرُ من المكتوب نتيجةً للشّتات، وعدم الاستقرار، لكن لحظة الكتابة؛ لحظة إنجازها، هي الجوهريّة في خلقِ العزاء والتحرّر من اللحظة المُحتدمة للوجود، وليس نشرُها إلا أمرًا ثانويًّا درَجَ بحُكم العادة والاتباع».
أيديولوجيا أم ميثولوجيا؟
عن تصنيف الشاعر وتأثره بالتنظيرات وما يحدد مسار الكتابة لديه يقول الرحبي: «الأيديولوجيا نقيضُ الإبداع الحقيقيِّ الذي نحلُم به، إنها مجموعة قناعاتٍ وأفكارٍ جاهزة، يقينيَّة مُسبقة، سواء كانت لاهوتيّة أو حداثيّة، علمانيّة ماركسية أو ليبرالية. تكون الكتابة بهذا المعنى نوعًا من الدوغما. الكتابة هي التي تتوسّل آفاق الحرية والمُغامرة، خارج المفاهيم والمعارف الجاهزة سلفا، لذلك على سبيل المثال لم يبقَ من أدب الواقعية الاشتراكية، وهي الأبرز في العقود المنصرمة، تراثا إبداعيًّا ذا بالٍ وقيمة؛ حتى بعض رموزها الكبار، مثل غوركي، وناظم حكمت، وبابلو نيرودا، وآخرين، ما بقي واستمرّ من إنجازاتهم المهمّة، ما كتب خارج المنظومة الأيديولوجية والحزبيّة السائدة».
وأضاف: «بالنسبة لي، وأنا جزءٌ من جيلٍ عربيٍّ، بدأنا بدرجات متفاوتة، متأثرين بتلك التنظيرات والنزوعات الأيديولوجية، لكن متن الكتابة الرئيس كان خارج ذلك المسار أيضا. الشاعر والكاتب في تصوّري خارج التصنيف، فلا يصنف مثلا بأنه ميثولوجيٌّ أو أركيولوجيٌّ، وإن كان ثمة عناصر من تلك القيم والوقائع والاتجاهات بالضرورة، لكنّه في نهاية المطاف يسكنُ، أو يحاول، حريّته وأفقه الخاص، في الكتابة الحرّة، والكتابة ليست إلا أسئلة تتناسل هواجس وحدوساتٍ في رحلة الكائن الشاقّة من الطفولة وهواجسها الجنينيّة، هي التي تظلّ المعين الذي لا ينضب، حتى أواخر هذه الرحلة ونهاياتها».
مثلث برمودا
يصف الرحبي الطبيعة التي كبر بينها الصحراء والبحر والجبال بـ(مثلث برمودا) والتي أنسنها في نصوصه، يقول عن ذلك: «هذا، الصحراء، البحر، الجبال، هو أركان الطبيعة العُمانية المدهشة، الفريدة، وإن كان هو من أركان أي طبيعة بريّة بدئيّة في الكون، لكن بدرجاتٍ وخصائص مختلفة من بيئة إلى أخرى.
في عُمان التي هي جزءٌ رئيس من أرجاء الجزيرة العربيّة، اليمنُ تُشبهنا أكثر تاريخًا وجغرافيا. فمعظم العُمانيين من قبائل الأزد اليمانيّة، نزحت إلى عُمان بعد خرابِ سدّ مأرب، كما يقول التاريخ بأبعاده الواقعيّة والأسطوريّة، بقيادة ملكهم مالك بن فهم، وهذه وقائع وأساطير ملحميّة تُغري بالبحث والتنقيب. حضور هذا المثلّث الميتافيزيقيّ رغم واقعيّته الصارمة، في حياةِ العُمانيّ، وفي تفاصيل حياته وسلوكاته. هناك مناطق مثل (صور) ومدن (الباطنة) يُحكِم البحرُ والمحيطُ قبضتَه عليها، وفي أعاليها الجبال، برهبتها الروحيّة وحضورها المُتعالي. وهناك الربع الخالي، تلك الصحراء التي وصفها الرحّالة الإنجليزيّ مطلع القرن العشرين، بصحراء الصّحاري، الأكثر قسوة ورعبا. وفي نصّي الأدبيّ استحالت هذه الصحراء إلى أن تغطّي الكون بكامله، تشمله وتخترق نسيجه بأبعادها الوجوديّة الراغبة بالوحشة والفراغ».
وقال: «أنا نشأتُ في منطقة مُحاطةٍ بأحزمةٍ من الجبال العالية المقفرة وأطواقها، إلا من عُواء الذئابِ، ونحيب بناتِ آوى والجوارحِ الأخرى. وإن كان البحر والصحراء غير بعيدين عن مسرح هذه الطبيعة التي أبصرنا فيها نور الحياة، ولعبنا بحريّة وطفولة فوضويّة، لا ينقصها العراك والجراح، وإن كانت القيم السائدة قيمًا قبليّة ودينية صارِمة، هل أقول بطرياركيّة مثلا؟ وفق كتاب الراحل هشام شرابي.
لكنها لم تستطع منع تلك الحيوات الطفلة من التّحليق والصيد والانطلاق».
وأضاف: «سمتنيْ هذه الطبيعة بميْسَمها الخاص، وصرتُ لحظة الكتابة تنهال مثل صخور الجبال المنقضّة مع سباعها من الأعلى، ومثل كُثبان رمالِ الصحراء وأمواج بحر العرب، وبحر عُمان، المتصلان بالمحيط الهندي. فحين أكتب عن مدينة لا تنقصها الحضارة والتكنولوجيا، تخترقُني هواجسُ ومفردات تلك البيئة البريّة التي نشأنا في ربوعها وقفارها. الفن أقرب إلى الحياة البريّة منه إلى الحضارة. حين كبرتُ وعدت إلى البلاد بعد غياب استمرّ ما يقرب من عشرين عامًا؛ وجدتُ نفسي، ليس فقط إزاء تحوّل البشر والسلوكات، وإنما أيضا تجاه سطوة هذه الطبيعة، وإنني الخاسر الأكبر في هذه المنازلة، فردا أعزل إزاء أسطورة الجبال والزّمان، فصارت الكتابة نوعًا من محاولة أنسنةٍ لبطش هذه الطبيعة، وبطش التغيّرات والأزمنة».
البحث في اللغة والمعنى
النصوص المليئة بالهم والأسئلة واللغة المطواعة والمعنى المتدفق والمختلفة عما يحدث في عالم الشعر يقول عنها سيف الرحبي: «منذ البدايات المتعثّرة، كان لديّ نزوعٌ ما إلى كسرِ القالب والتّصنيف. اتّضحت هذه النزعةُ لاحقًا عبر كتب ونصوص تبلورت بمثابة مدارٍ تعبيريّ يتجاوزُ أكثر من معيارٍ محدّد ومتّبع كتابةً وتقييمًا.
نصٌّ عابرٌ للأجناس، مفتوحٌ على أكثر من جهة وعاصِفة، أو مزاج. نوعٌ من تعدديّة تعبيريّة، ونحاول لملمة هذا التشظّي وهذا الحطام الذي يخترق القلوب والأحداق. التحديقُ في المشهد العربيّ الرّاهن غزة، (فلسطين في الراهن المُلحّ) وهي ليست إلا التّعبير الكارثيّ المكثّف للمآسي العربيّة المُتعاقبة التي تُسرطن الجسد والرّوح. وأتصوّر أن غياب مشروع «الدولة الحديثة». بما يعنيه من قيم قانونيّة ودستوريّة ومؤسسيّة حقيقيّة، وليس ديكوريّة كما جرى منذ بدايات الاستقلال عن الهيمنة الاستعمارية المُباشرة».
وتابع: «بعض النخب طرحت هكذا مشروع، لكن من قفزوا على الدبابات والسبابيط إلى الحكم، حوّلوا المشروع والدولة إلى سلطة أمنيّة عسكريّة محضة، ولم يبقَ من الدولة إلا ظلها الشّاحب البعيد.
مأساة الذات بهواجسها الوجوديّة ذات النزوع العدميّ ربّما، والعيش وسط هذا المشهد القياميّ للدماء المُراقة والطاقات المُهدرة، يجعل الشاعر والأديب، في بحثٍ تجريبيٍّ مُستمرّ في اللغة والمعنى. بطش المشهد النازف، وبطش اللغة في محاولة تطويعها كي تستطيع أن تعبر عن هول المُعاش، وانكسار الذات والتاريخ. يوفق الكاتب في بعض ما يكتب ويخفق أحيانا أخرى».
شاعر لم يخض في الرواية
عن رأيه في التجارب الروائية لشعراء ذهبوا إلى الرواية، يقول: «بعض الأصدقاء والمعارف من الشعراء كتبوا الرّواية، ولا أقول تحوّلوا من الشعر إلى الرّواية، وقد قرأت الكثير منها، بعضها بمثابة إثراءٍ للرّواية العربية، ربّما الرواية تلبّي حاجة تعبيريّة أكثر تطلُّبًا واتّساعًا من الشعر الذي ينزع إلى التكثيف والإيجاز، كما قيل. رغم أن الشعر وسّع رقعته التعبيريّة، وكسر القولبة والتعريفات المُتراكمة التي تقاربه، كلها لا تعبر عن جوهره، إذ هو عصيٌّ على التعريف يظل».
وأضاف: «من جهتي، صارت النّصوص والكتب التي تنحو وتتوسّل المنحى النثري في شساعته وتعدده كثيرة، ربما تفوق الشعريّة وفق هذه الثنائية التي لم أعد أتبنّاها. هناك بعض الكتب حين قرأها بعض الأصدقاء، قال لي: «يا أخي لو عملتَ كم شخصية وبعض التعديلات، كانت روايات منجزة» لكني لم أفعل. لم يعد الجنس الأدبيُ يهمّني، بقدر التعبير عمّا أريد وأحاول. وجدت نفسي نسبيًّا في مناخِ هذه التعدديّة التعبيريّة التي تُدمج عناصر من أجناسٍ مُختلفة ضمن سياقها ومناخها الخاص. أكتب بمزاجيّة وفق إيقاع اللحظة وخلجة النفس فيها، شعرًا، نثرًا، يوميات، شظايا من أدبٍ رحليّ وتأمّلي، ومن السينما والمشهد البصري أستمدّ الكثير. كان بودّي، وكنتُ أحلم أن أشتغل في سياق الكتابة أفلامًا، لكن لم يتحقّق ذلك. نَفَسيْ قصير في العمل ومزاجي ليس جماعيًّا، إلا من باب الضرورة، ومحاربة الكآبة طورًا. اكتفيتُ بمشاهدة الأفلام الجيّدة بشكلٍ شبه يوميّ، مثل القراءة تمامًا. المهمّ نحاول أن نكون قرّاء جيدين. القراءة والكتابة أوكسجين الحياة، وإلا اختنقنا على الفور في خضمّ هذه التّفاهات والسطحيّة والبروباغاندا التي تحُاصر عالمنا الدمويّ، الذي يدخل أطوارًا جديدة من التوحّش؛ بحيث تنعدمُ الفروق بين مشاهدة المجازر والإبادات، ومشاهدة مسلسلات تسلويّة هابطة.
ربّما نحن في برهة أفول الجنس البشريّ، ليحل محله آخر؛ لأنه استنفد الطاقة والقيم التي تميزه، كما قال أحد المفكرين».
دور الشعر
عن دور الشعر وما يفعله في عالم مدمى، قال الرحبي: «قيل كثيرًا عن دور الشعر والأدب، وسُفح حبرٌ كثيرٌ عن هذا الدور التغييري، كل من زاوية نظر ووجهة ما، وليس لديّ ذلك الرأي الواضح في كيفية هذا التغيير الشعريّ للواقع والكتابة في حدّ ذاتها (الشعر ضرورة، وآه لو أعرف لماذا) وفق جان كوكتو».
وأضاف: «الشعر والفن يضيفان أبعادًا جماليّة للفرد والتاريخ، وشاهدان حقيقيّان صادقان على زمنهما؛ لكن التغيير والالتزام الذي كان متداولا كان غامضًا غموضًا غير شفاف، وصعبًا ذا منحى أيديولوجي تبشيري. ومعظم الشعر الذي يتوهّم أصحابه هذا الدور جاء منبريًّا زاعقًا؛ لكنه ليس ذا قيمة إبداعيًا وفنيًّا، ويتلاشى مع تلاشي الحدث المحفّز. أن يكون الشعرُ وبقية الفنون على جانبٍ عميقٍ من الثراء الروحيّ والدلالي والجمالي؛ ذلك بمثابة إضافة للحضارة البشرية وللإنسان والتاريخ من غير زعم أو توهّم ذلك التغيير..
إنه يسهم في جعل العالم أفضل، ويؤثر ويوثق ويدل بأدواته ومنطقه الخاص».
ألبوم صورٍ يشتعل
ذكر الرحبي في أحد كتبه حادثة حرقه لألبوم صور وهي حقيقية كما يشير، وقال ساردا إياها: «في تلك الليلة، العاتية في بردها ووحشتها، كنتُ وحيدًا أتصفّح ذلك الألبوم من الصور الذي اصطحبته معي في أكثر من محطة ومدينة. وحين انتصف الليل الباريسيّ الأكثر بهجة من ليالي المدن، والذي لم يكن كذلك في تلك اللحظة معي.
ذهبت إلى النوم ولم أستطع. كان الأرق حادًّا وقاسيًا، وانهالتْ تلك الوجوه والغيابات من غير هوادة على رجل وحيدٍ في غرفته العارية، بالمدينة الكبيرة. تحوّل الماضي منذ أيام الدراسة ما قبل الجامعية كابوسًا مريعًا وليس العكس، فقمتُ بحركة لاشعوريّة، آخذا ذلك الألبوم إلى المطبخ مشعلا فيه النار، وحين تعالت ألسنةُ اللهب، صرتُ أحدّق فيها بحيرةٍ وألمٍ يفوقان الوصف.
الصور الضاجّة في رأسي احترقت أو أصلها، لكن ظلالها بقيت في الرأس لا تحترق ولا تتلاشى، وربّما الذي احترق الظلال وليس الأصل؛ إذ هو الباقي الذي يغذّي الذاكرة، إذ ما زالت تستطيع التذكّر والاستعادة. ترى ماذا فعل الزمن بتلك الوجوه التي خلفتُها ورائي، وكانت مفعمة بالحياة، حالمة بالمستقبل، هل ما زالت موجودة أم طواها النسيان مثل غيرها، والغياب؟»
بيروت..
لبيروت مكانة عند الرحبي قال عنها: «حرمنا من بيروت فصار صدع في الحياة ومحطاتها»، وعن هذه المدينة يقول: «في أواخر السبعينيّات، أقمتُ في بلاد الشّام (دمشق) فترة من الزمن، كنتُ فيها على ذهاب مستمرٍّ دائما إلى بيروت، رغم اشتعال نيران الحروب الأهليّة، كنّا نجد فيها نوعًا من من مستقرّ وألفة وحريّة. ورغم الكرم الدّمشقي والسوريّ والأصدقاء الذين أحمل وجوههم ومواقفهم النبيلة على الدوامِ ما زلت حيًّا. كنتُ في العشرينيّات من عمري، حالمًا بالكتابة والأدب، ولا شيء آخر؛ لكنّ بيروت تظلّ مدينة حرة، رغم الحروب التي التهمتها، وظلت متماسكة ومتمسّكة بحريّتها الإبداعية والحياتية، خارج السّرب العربيّ الذي تحكمه أنظمة الحزب الواحد، والرأي الواحد، والرمز الواحد الأوحد.
لذلك كان أهل الرأي والثقافة المختلفة يُهرعون إليها واحة ظليلة، وسط جلبة الديكتاتوريات؛ قمقمًا وجعجعةَ خطابٍ».
وأضاف: «كانت تلك المدينة الفريدة التي نشاهد الآن مصيرها ومآلها القاسي والمُنهار، ملاذًا لجميع الهاربين والحالمين بالحريّة والإبداع، حتى صار الغزو الصهيوني الشامل على المدينة ولبنان، والفلسطينيين الذين كانوا الذريعة لهذا الغزو الذي نفذّته الآلة الصهيونية بكامل قوتها وأدواتها المتقدّمة تكنولوجيا.
كان هذا الغزو علامة فاصلة في تاريخ لبنان والبلاد العربية، بعده ارتسم أفقٌ جديد، ملبّد بالتيه والانكسار، حتى الوصول إلى هذه المرحلة الجحيميّة في التاريخ.
اللبنانيون في الداخل والخارج قادرون على إنقاذ البلاد وإعادة السويّة إلى لبنان ودوره التاريخي، فهم حملة مشعل التنوير والتجديد؛ فكرًا وأدبًا، منذ أواخر القرن التاسع عشر، وما زالوا فاعلين خارج بلدهم أكثر من داخلها.
لكن كيف؟ صراعات داخليّة وتمزّق طائفي مريع، بحيث أصبحت لبنان رهينة ورقة تفاوض في يد القوى الأجنبية والإقليميّة، تفترسُها الحرابُ المسمومة من كل جهةٍ وصوب، وبلاد الشام والمشرق العربي كله، ليس أحسن حالا.
منذ غزو 1982 التدميري، أصبحت كلمة (الأمن القومي العربي) بالغة السخف والهراء.
منذ انفجار المرفأ الشهير، وقبله بقليل، لم أزر بيروت، وحتّى بعض الأصدقاء الذين ما زالوا صامدين ومقيمين هناك، لا يشجعون على الزيارة».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه الطبیعة المجل ة أکثر من وإن کان ة التی من غیر التی ت مسار ا فی الر
إقرأ أيضاً:
عصر غامض من السكون.. ما الذي حصل للكون قبل 13 مليار سنة؟
مقدمة للترجمة
قررتْ مجموعة جريئة من علماء الكونيات التشكيك في الفهم التقليدي للكون، إذ تقترح هذه المجموعة أن تاريخ الكون ربما تخللته فترات من السكون الغامض، وعلى الأرجح حلَّت فترات السكون الكوني هذه محل عصور كاملة من التاريخ الكوني التقليدي، أو لعلها اندمجت ضمن الجدول الزمني المعروف لتاريخ الكون، فما الذي يعنيه ذلك؟ وهل يمر الكون حاليا بفترة من السكون أم أنه في نهاية واحدة من تلك الفترات؟ وما تأثير هذه الفرضية على فهمنا لماض الكون ومستقبله؟
نص الترجمةإذا سألت أحدهم كيف بدأ الكون، فعلى الأرجح سيجيبك بالجملة الشائعة: بدأ "بالانفجار العظيم". ولكن حتى ستينيات القرن العشرين، احتدم الجدال بين علماء الكونيات بشدة في هذه المسألة. فقد ظهر رأي آخر معارض لفكرة الانفجار العظيم ومؤيد لنظرية "الحالة الثابتة" للكون. وفقًا لهذه النظرية، فإن الكون ثابت وغير قابل للتغير في شكله العام، ويحتفظ بكثافة ثابتة بإضافة مادة جديدة باستمرار أثناء تمدده، (وذلك لتعويض الفجوات الناتجة عن التمدد، وعليه تظل كثافة الكون ثابتة بمرور الزمن*).
لكن في النهاية، استبعدتْ الملاحظات العلمية نظرية "الحالة الثابتة للكون"، وعززت بدلا منها مكانة الانفجار العظيم باعتبارها النظرية الأكثر قبولا في علم الكونيات، فقد أثبتت الأدلة أن الانفجار العظيم كان انفجارًا بدائيًا أفضى إلى عملية من التوسع المستمر للكون. ونتيجة لذلك، يفترض علماء الكونيات اليوم أن الكون مكان دائم التغير.
ولكن حاليًا قررتْ مجموعة جريئة من علماء الكونيات التشكيك في الفهم التقليدي للكون. ولنكن واضحين، لا يضمر هؤلاء العلماء نية العودة إلى الحالة الثابتة للكون، بل السبب الحقيقي الكامن وراء سعيهم الحثيث هي فكرة أكثر إثارة للاهتمام، إذ تقترح هذه المجموعة أن تاريخ الكون ربما تخللته فترات من السكون الغامض، وعلى الأرجح حلَّت فترات السكون الكوني هذه محل عصور كاملة من التاريخ الكوني التقليدي، أو لعلها اندمجت ضمن الجدول الزمني المعروف لتاريخ الكون.
إعلانلا شك أن وصف هذه الفرضية بأنها تتسم بالجرأة هو الوصف الأمثل لها، إذ تقول أدريان إريكسيك من جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل بالولايات المتحدة (والتي لم تشارك في العمل): "إن هذه الفرضية تشير إلى مجموعة كاملة من الاحتمالات المختلفة التي لم ندرك من قبل أنها قد تحدث"، ولكن إذا ثبت وجود مثل هذه الفترات الساكنة في تاريخ الكون، فقد يساعد ذلك في حل ألغاز عدة بما فيها مكونات المادة المظلمة. أما الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن هذه الأفكار قد تصبح قابلة للاختبار في المستقبل القريب.
قبل أن نبدأ في وضع تصورات بديلة لتاريخ الكون، من المهم أولًا أن نستعرض الجدول الزمني التقليدي لتطور الكون. بدأ الانفجار العظيم منذ نحو 14 مليار عام، وهو ما أفضى إلى تضخم الفضاء، ومع استمرار هذا التضخم، حدثت تغيرات في توزيع طاقة الكون، وبمرور الزمن، تحولت الطاقة إلى أشكال مختلفة. واليوم، ينظر علماء الكونيات إلى تاريخ الكون باعتباره مقسّما إلى سلسلة من العصور أو الحقب الزمنية، يهيمن على كل منها شكل مختلف من أشكال الطاقة.
وفقًا للنموذج الكوني التقليدي، بدأت المرحلة الأولى من تاريخ الكون بفترة تسمى "حقبة التضخم". شهدت هذه الفترة تسارعًا هائلًا في تمدد الكون استمر لمدة جزء صغير جدًا من الثانية. سيطرت على هذه الحقبة طاقة مرتبطة بالفراغ في الزمكان، ويُعتقد أن هذه الطاقة نتجت عن جسيم أولي افتراضي يُسمى الإنفلاتون (لفهم فكرة التضخم تخيل أن الكون هو سطح بالون ينتفخ، بدأ من نقطة واحدة ثم استمر في التوسع، وفترة التضخم بشكل خاص شهدت تسارع كبير في هذا التوسع، وكأن البالون فجأة وصل لحجم كرة قدم في لحظة، ثم استمرر في التوسع بشكل بطيء وطبيعي*)
بعد انتهاء مرحلة التضخم، دخل الكون في الحقبة الثانية وهي "حقبة إعادة التسخين". خلال هذه الفترة، تحولت طاقة الفراغ التي سيطرت على حقبة التضخم إلى مادة، ثم بدأت هذه المادة في التحلل إلى إشعاع، وهو ما مهّد الطريق للمرحلة الثالثة، وهي حقبة الإشعاع.
سُميت حقبة الإشعاع بهذا الاسم لوجود طاقة إشعاعية أكبر بكثير من المادة، مع العلم أن الإشعاع كان موجودًا في شكل جسيمات مثل الفوتونات، ولكن مع استمرار تمدد الكون، تناقص الإشعاع بمعدل أسرع من المادة، لأن الإشعاع يتأثر بالتمدد أكثر من المادة. وبعد نحو 50,000 عام من الانفجار العظيم، أصبحت المادة هي الشكل المهيمن للطاقة في الكون، وأطلق العلماء على هذه المرحلة "حقبة المادة".
على مدار الـ 10 مليارات سنة التالية، تطورت المادة تدريجيًا من الذرات والجزيئات (أبسط أشكال المادة*) إلى النجوم والمجرات والشبكات الكونية الهائلة (التي تربط المجرات معًا في هياكل ضخمة*). ولكن مع استمرار تمدد الكون، بدأت مادة الكون في التناقص، وخضع الكون في النهاية لسيطرة نوع آخر من طاقة الفراغ الغامضة التي تُسمى الطاقة المظلمة، والتي لا تتلاشى مع تمدد الزمكان، بل تظل ثابتة، مما يجعل تأثيرها يتزايد بمرور الوقت. ومن المفترض أننا نعيش حاليًا في حقبة الطاقة المظلمة هذه، وغالبًا ما يُنظر إليها على أنها الحقبة النهائية من تاريخ الكون. خلال هذه الحقبة، يستمر الكون في التمدد بوتيرة أسرع من أي وقت مضى بينما تتلاشى المادة باستمرار مع زيادة المسافات بين المجرات.
إعلانيرى أغلب علماء الكونيات أن الانتقال بين هذه الحقب الكونية هو بمثابة مسار حتمي لا مفر منه، أي أنه يحدث بمعدل طبيعي ومستمر دون انقطاع. وتأكيدًا على ذلك، يقول كيث دينز من جامعة أريزونا الأميركية: "كان هذا هو الاعتقاد السائد منذ بداية علم الكونيات الحديث".
على الجانب الآخر، أصبح الإجماع التقليدي بين علماء الكونيات على أن طاقة الكون تتحول باستمرار من شكل إلى آخر، محل شك وجدل واسع لدى فريق من الباحثين بقيادة كيث دينيز بالتعاون مع لوسيان هيرتييه من كلية كينجز في لندن، والعالم الصيني فاي هوانغ، وتيم تايت من جامعة كاليفورنيا في إيرفين، وبروكس توماس من كلية لافاييت في بنسلفانيا. وفي سلسلة من الأوراق البحثية الأخيرة، أجج هذا الفريق احتمالاً مدهشًا بإمكانية وجود حقب جديدة في تاريخ الكون تميزت بفترات من السكون، واستمرت فترات طويلة في الماضي الكوني، وربما تتكرر مرة أخرى في المستقبل (وهو ما يتعارض مع الفكرة التقليدية التي تشير إلى أن تطور الكون هو عملية مستمرة وغير متوقفة من التحولات في أشكال الطاقة*).
عملية توازنخلال فترات السكون الكوني، تظل كمية الطاقة الموجودة في أشكالها المختلفة مثل المادة والإشعاع وحتى الطاقة المظلمة، ثابتة رغم استمرار توسع الكون (وهو ما يتعارض مع الفهم التقليدي الذي يشير إلى الطاقة تتغير عادة مع التمدد*)، كما لا يوجد شكل واحد من الطاقة يهيمن خلال هذه الفترات، بخلاف الحقب التقليدية التي تُهيمن على كل واحدة منها طاقة معينة، لكن أثناء فترات السكون الكوني، يظهر نوع غريب من التوازن بين كل هذه الأنواع، إذ تحافظ جميع أشكال الطاقة المختلفة على حالة توازن دقيقة بينها، بحيث لا يطغى أي منها على الآخر.
إن إعادة كتابة تاريخ الكون بطريقة جديدة قد تبدو فكرة جريئة، لكنها لم تكن الهدف الأصلي للباحثين، فلم يخطط الباحثون في البداية لإعادة النظر في تاريخ الكون، بل انطوت نيتهم على دراسة جسيمات لم تُكتشف بعد، وتعرف باسم "الأبراج"، وهي مجموعة من الجسيمات المرتبطة ببعضها بعضا بخصائص معينة مثل الكتل. قد تشمل هذه الأبراج ما يُعرَف بـ "الشركاء الفائقين"، وهي جسيمات أثقل من الجسيمات المعروفة حاليًا، وتنبأت بها فرضية تُسمى التناظر الفائق (التي تهدف إلى حل بعض المشكلات في النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات*).
إعلانقد تحتوي هذه الأبراج أيضًا على مجموعة من جسيمات المادة المظلمة المختبئة في أبعاد إضافية، مثل جسيمات تُسمى الأكسيونات، تنبأت بها نظرية الأوتار التي تفترض أن كل شيء في الكون يتكون من أوتار مهتزة أحادية البعد. ويُعتقد أن الأكسيونات قد تفسر العديد من ألغاز الكون، مثل المادة المظلمة، والطاقة المظلمة، وحقبة التضخم الكوني.
في السياق ذاته، يشكك العلماء في صحة الأفكار المطروحة عن الجسيمات الجديدة وفترات السكون الكوني. إلا أن العديد من علماء الفيزياء يفترضون وجود جسيمات لم تُكتشف بعد لا بد أن تكون موجودة بطريقة أو بأخرى. وعن ذلك، تقول أدريان إريكسيك من جامعة نورث كارولينا: "المادة المظلمة هي بالتأكيد علامة على أن النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات غير مكتمل. إذ يحمل الكون في طياته عددًا هائلًا من الجسيمات يتجاوز بكثير مما قد يجول في خاطرنا ".
في ربيع عام 2020، عمل لوسيان هيرتييه مع ديينز على محاكاة لدراسة ما إذا كانت أبراج الجسيمات هذه ستؤثر على التضخم أو تداعياته، وتمحور تركيزهم في هذه المرحلة على كيفية تحلل المادة. ومن جانبه يعلِّق هيرتييه: "بدأتُ في بناء أحد الأكواد، وأضفت كثيرا من الجسيمات المختلفة. والمفاجأة أننا لاحظنا دائمًا في المحاكاة أن المادة والإشعاع كانا يتوازنان بطريقة غريبة". وبغض النظر عن نوع برج الجسيمات الذي بدأوا به، كانت المحاكاة دائمًا تتطور بمعدل طبيعي نحو فترة ممتدة من السكون الكوني. ومن جانبه، يقول ديينز معلقًا على النتيجة غير المتوقعة: "ما اكتشفناه كان محض صدفة بحتة، هذا إذن ما يفعله الكون حينما تتواجد أبراج من الجسيمات".
في عام 2022، نشر الباحثون الخمسة (دينيز وفريقه) ما يُمكن اعتباره "الوصفة السحرية لحدوث فترات السكون"، تشرح هذه الوصفة كيف يمكن للمادة والإشعاع أن يظلّا في حالة توازن ثابت خلال فترات معينة من تاريخ الكون دون أن يهيمن أحدهما على الآخر. أثبت الفريق أن فترات السكون الكوني ما زالت تحدث حتى عند إضافة الطاقة المظلمة إلى النموذج. (هذا يعني أن الطاقة المظلمة، المعروفة بأنها القوة الدافعة وراء التمدد المتسارع للكون، يمكنها أن تتوازن مع المادة والإشعاع لفترات زمنية ممتدة من السكون الكوني*). اكتشف الباحثون أن فترات السكون الكوني هذه يمكن أن تحل محل بعض الحقب المعروفة في تاريخ الكون، أو تُدمج في الجدول الزمني التقليدي لتاريخ الكون.
إعلانوهنا ربما يراودك سؤال مهم: لماذا قد تحدث فترات السكون الكوني هذه؟ قد تحدث هذه الفترات لأن الجسيمات الأثقل في هذه الأبراج تتحلل إلى جسيمات أخف وزناً، وأثناء هذا التحلل، تنبعث الإشعاعات. وكما ذكرنا في وقت سابق، عندما يتمدد الكون، يتلاشى الإشعاع بسرعة أكبر من المادة. ولكن في هذا النموذج الجديد، يُعَوض النقص في الإشعاع بإشعاع جديد ناتج عن تحلل الجسيمات الثقيلة.
وعلى نحو مماثل، وجود جسيمات إضافية يعني أن المادة لا تتلاشى بسرعة مقارنة بـالطاقة المظلمة، مما يسمح للكون أيضاً بالتوازن. في السياق ذاته، تقول إريكسك: "فكرة أن بإمكانك (إيقاف) الكون مؤقتًا، هي فكرة مثيرة جدًا للاهتمام". في العادة، يُنظر إلى التمدد الكوني على أنه يعني تطورا مستمرا، لكن هذه الفرضية الجديدة تمثل حالة استثنائية توضح أن التمدد لا يعني بالضرورة تغيّرًا في طبيعة الكون.
ثمة طرق متعددة لحدوث فترات السكون الكوني، ويعتمد توقيت ظهورها وكيفية حدوثها على النظريات المختلفة التي تتجاوز النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات. يتأثر توقيت وكيفية ظهور السكون الكوني بعدد الجسيمات في الأبراج، بجانب كتل الجسيمات (فالجسيمات الأثقل تتحلل بمعدل مختلف عن الجسيمات الأخف، ما يؤثر على كيفية توليد الإشعاع*). وأخيرًا تعتمد فترات السكون على معدلات التحلل، بمعنى أن سرعة تحلل الجسيمات إلى مستويات أخف في الأبراج تؤثر على مدى سرعة تحقيق التوازن بين المادة والإشعاع والطاقة المظلمة.
على الجانب الآخر، يفترض هيرتييه أن الكون قد يكون حاليًا إما في بداية أو نهاية فترة من السكون الكوني. إننا نعلم أن مزيج الطاقة في الكون قد تغير في التاريخ الكوني الحديث، فقبل عدة مليارات من السنين، تألف الكون في الغالب من المادة، أما الآن فالطاقة المظلمة هي التي تهيمن عليه. لكن قد تتساءل عن علاقة هذا بالسكون الكوني. يقول هيرتييه إن المحاكاة تُظهِر أن التغيّرات الكبيرة في مزيج الطاقة يمكن أن تحدث في بداية فترة السكون الكوني أو نهايتها.
إعلانإذا كان الكون يخرج حاليًا من فترة سكون كوني، أو إذا حدثت هذه الفترة من السكون خلال الوقت الذي كانت فيه المادة هي المكون الرئيسي للكون، فقد يساعد هذا في حل لغز كوني معروف باسم توتر هابل، وهو اختلاف طفيف لكنه مهم بين السرعة الفعلية التي نقيس بها تمدد الكون الآن، والسرعة المتوقعة لهذا التمدد بناءً على الحسابات النظرية. يمكن للعلماء حساب التوقعات من خلال قياس إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وهو توهج لاحق انبعث بعد 380 ألف عام من الانفجار العظيم.
وفعلا، بعد قياس إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، قرر العلماء تقديم الساعة إلى الأمام حتى اليوم (لمحاكاة تطور الكون) ومعرفة سرعة التمدد المتوقعة، وفي الأثناء واجهتهم مشكلة، وهي أن التوقعات تعتمد على افتراضات عن محتوى الطاقة في الكون مباشرة قبل وأثناء وبعد إنتاج إشعاع الخلفية الكونية الميكروي. ومع ذلك، ثمة فجوة بين التوقعات والقياسات الحالية، مما يخلق لغز توتر هابل. إذن كيف يمكن لفترات السكون الكوني حل هذا اللغز؟ يقترح هيرتييه أن هذه الحسابات قد تكون خاطئة لأن النماذج التقليدية لم تأخذ في الحسبان فترات السكون، حيث تتعايش أثناءها أنواع مختلفة من الطاقة.
ما نعرفه هو أن فترات السكون الكوني لا يمكن أن تحدث في الفترة التي تسبق انبعاث إشعاع الخلفية الكونية مباشرة. وقد أجرى علماء الفيزياء الفلكية قياسات دقيقة للغاية لهذا الإشعاع، وتطابقت هذه القياسات تمامًا مع القياسات الأخرى التي تعود إلى فترة أقدم، وهي فترة تخليق الأنوية الخفيفة مثل الهيليوم بعد نحو دقيقة واحدة من الانفجار العظيم. وربما تتساءل: لماذا لا يمكن أن تحدث فترات السكون هنا؟ تتطلب فترات السكون إنتاج إشعاع جديد إما من تحلل المادة إلى إشعاع، أو في بعض النماذج، من الطاقة المظلمة.
ولكن، بما أن القياسات توضح أن جميع الإشعاعات في تلك الفترة محسوبة بدقة ولا يوجد ما يشير إلى إنتاج إشعاع إضافي، فهذا يستبعد تمامًا حدوث فترات سكون بين الدقيقة الأولى من الانفجار العظيم و380,000 سنة بعده، وفقًا لما تقوله إريكسيك. ومن جانبه، يعلِّق ديينز: "نعتقد أن فترة السكون الكوني ربما حدثت في الدقيقة الأولى بعد الانفجار العظيم". ورغم أن الدقيقة الأولى تبدو زمنًا قصيرًا جدًا، لكنها كانت لحظة حاسمة للغاية في تحديد كيفية تطور الكون لاحقًا.
إعلانيتضح الأمر أكثر عندما نفكر في الماضي باستخدام وحدة الزمن المفضلة لدى علماء الكونيات وهو "الإي-فولد" أو "الطية الأسية". تتيح لنا هذه الطريقة وصف عمر الكون من حيث سرعةُ توسعه، إذ تمثل كل طية أسية زيادة في حجم الكون بمقدار 2.718 مرة تقريبًا، أي أن التوسع يحدث بمعدل أُسِّي استنادًا إلى الثابت الرياضي e. وحتى يومنا هذا، استغرق تاريخ الكون بأكمله نحو 120 زيادة أسية لإي-فولد، إلا أن الدقيقة الأولى وحدها مثّلت نحو 50 إلى 60 زيادة أسية، وهو ما يعني أن نصف تاريخ الكون تقريبًا (من حيث التوسع) حدث في تلك الدقيقة الأولى فقط، وإذا حدثت فترات من السكون الكوني خلال الدقيقة الأولى بعد الانفجار العظيم، فقد تؤثر بدرجة كبيرة في تقدير عمر الكون عند استخدام مقياس الزيادة الأسية.
ما زلنا لا نعرف إلا القليل جدًا عما حدث قبل عملية التخليق النووي للانفجار العظيم، بما فيها كيفية حدوث التضخم الكوني ومرحلة إعادة التسخين. وتأكيًدا على ذلك، يقول ديينز: "ليس لدينا أي بيانات واضحة حقًا عن تلك الفترة". وللتغلب على ذلك، يتعين علينا أن نفترض حدوث نوع من عملية إعادة التسخين، وهو ما أدى إلى ملء الكون بالمادة والإشعاع مرة أخرى، ثم بطريقة ما، انتقلتْ هذه الفترة إلى عصر يهيمن عليه الإشعاع في الجدول الزمني التقليدي.
من المهم إدراك أنه في النماذج التقليدية للتضخم الكوني، تبدأ طاقة مخزنة في حقل يُسمى "الإنفلاتون" في عملية التوسع، إلا أننا لا نعرف بالضبط ما هو هذا الحقل أو لماذا انتهى بعد جزء صغير جدًا من الثانية. ولتفسيره، يضطر الفيزيائيون إلى وضع كثيرٍ من الافتراضات عن طبيعة هذا الحقل، إضافة إلى أن التضخم التقليدي يؤدي إلى تخفيف كثافة المادة والإشعاع، تاركًا الكون في النهاية باردًا وخاليًا. ولتجاوز هذه المشكلة، يعتَقد العلماء أن الكون مرَّ بمرحلة "إعادة التسخين"، لملء الكون بالمادة والإشعاع، لينتقل بعدها إلى عصر الإشعاع وفقًا للجدول الزمني التقليدي.
إعلانتبدو النماذج التقليدية وكأنها تحاول تبرير ما حدث بعد وقوعه. لكن وجود أبراج من الجسيمات التي تظهر أثناء إعادة التسخين من شأنها أن تملأ الكون بالمادة والإشعاع أثناء تحللها، و بعد أن يتحلل البرج بأكمله، لن يبقى سوى الإشعاع، ومن هذه النقطة فصاعدًا، سنعود إلى السيناريو التقليدي للكون وفقًا لدينييز.
وعلى نحو مماثل، قد تؤدي أبراج الجسيمات المتحللة بصورة طبيعية إلى كون ينطوي على نسبة كبيرة من طاقة الفراغ، وهذا من شأنه أن يُفضي إلى تسريع عملية تمدد الكون لفترة زمنية ممتدة. بعبارة أخرى، وفقًا لأحدث ورقة بحثية للفريق في يونيو/حزيران 2024 (والتي لم تخضع بعد للمراجعة)، فإن التضخم قد يكون في الواقع فترة من السكون الكوني.
على عكس النماذج التقليدية للتضخم، يفسر نموذج السكون كيف انتهى التضخم دون الحاجة إلى افتراضات إضافية. فعندما تتحلل أبراج الجسيمات بالكامل، ينتهي التضخم تلقائيًا، وعند هذه النقطة، سينبعث كثيرٌ من الإشعاع، لذلك لن تكون هناك حاجة لعملية إعادة التسخين المعقدة التي تتطلبها النماذج التقليدية.
إثبات فترات السكونفي السياق ذاته، يقول جوزيف كونلون، عالم نظرية الأوتار من جامعة أكسفورد، إن استكشاف فترات السكون أمر جدير بالاهتمام، ومع ذلك، يشير إلى أن العديد من هذه النماذج المقترحة تعتمد على أبراج من الجسيمات الثقيلة جدًا، والتي تتحلل بسرعة كبيرة، مما يمنعها من إحداث تأثير كوني ملحوظ. من ناحية أخرى، إذا كانت الجسيمات المعنية خفيفة، فإنها ستنتج أبعادًا إضافية كبيرة، وبما أن هذه الأبعاد لم تُرصَد بعد، فهذا يُعد دليلًا ضد صحة الفرضية".
ومع ذلك، ثمة عدة طرق يمكن من خلالها أن تكشف الملاحظات المستقبلية القريبة عن أدلة على وجود فترات من السكون الكوني بأشكالها المختلفة، وإحدى هذه الطرق هي موجات الجاذبية أو الموجات الثقالية. فنحن الآن نرصد هذه التموجات في الزمكان رصدًا روتينيًا، نتيجة لتصادم أجسام ضخمة مثل الثقوب السوداء. وفي عام 2023، رصد العلماء طنينًا أكثر خفوتًا يُعرف باسم خلفية الموجة الثقالية، وربما بدأ هذا التذبذب منخفض المستوى في الزمكان خلال فترة التضخم الكوني. وخلال العقد القادم، تُخطط تلسكوبات فضائية مثل هوائي مقياس التداخل الليزري الفضائي (LISA)، لدراسة هذا الطنين بدقة شديدة، ومعرفة مصدره وكيفية نشأته.
إعلانيعمل ديينز وفريقه الآن على فهم كيف يمكن أن تؤثر فترات السكون الكوني في الملاحظات الفلكية الحالية.
وعن ذلك، تقول إريكسيك: "إن إضافة وحدات زمنية جديدة (e-folds) إلى فترة التضخم الكوني تعني أن تنبؤات النماذج الكونية التقليدية ستتغير". وفي الوقت نفسه، يُضيف العالم الصيني فاي هوانغ: "ستترك فترات السكون الأخرى بصمة فريدة على خلفية الموجات الثقالية".
وبالتفكير قليلا، سنجد احتمالا آخر، وهو أن فترات السكون الكوني المبكرة قد تؤثر في كيفية توزيع المادة على المقاييس الصغيرة، وسببُه هو وجود إشعاع خلال هذه الفترات يمنع المادة من التكتل معًا. وهو ما يعني أن تجمعات المادة المظلمة ستكون أصغر من تلك التي تتوقعها النماذج الكونية التقليدية. (بمعنى أبسط: في النماذج التقليدية، تتجمع المادة المظلمة لتشكيل البُنى الكبيرة مثل المجرات، لكن إذا تواجدت فترات من السكون حيث الإشعاع يملأ الكون، فهذا الإشعاع سيشكِّل حاجزًا يمنع المادة من التجمع، والنتيجة هي تشكيل تكتلات أصغر من المادة المظلمة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إعادة التفكير في كيفية تشكل المجرات والهياكل الكونية الأخرى*).
أصبح علماء الفيزياء الفلكية أكثر مهارة في اكتشاف هذه الاختلافات الطفيفة في المادة المظلمة من خلال ملاحظة كيف تعمل هذه المادة على انحناء أو تشويه الضوء القادم من النجوم خلفها، وهو التأثير الذي يُسمى العدسات الصغرية (Microlensing). وعلى نحو مماثل، يمكن لمصفوفات التوقيت المعتمدة على النجوم النابضة (وهي الأجرام الفلكية التي تُصدِر ومضات من الإشعاع في فواصل زمنية محددة) أن تكشف عن تأثير جاذبي ناتج عن تجمعات المادة المظلمة. وعن ذلك، تقول إريكسك: "صحيح أن الأمر صعب، إلا أن هناك دائمًا أملا يمكن أن نستضيء بنوره".
وفعلا، بدأ علماء آخرون في استكشاف النموذج الجديد للسكون الكوني. ففي أغسطس/ آب 2024، اكتشف العالمان جيمس هالفيرسون، وسنيه باندايا من جامعة نورث إيسترن في ولاية ماساتشوستس الأميركية أن السكون الكوني يمكن أن يحدث من تحلل أبراج من جسيمات تُعرف بـ "الأكسيونات"، وهذه الاكتشافات جاءت ضمن نماذج من نظرية الأوتار.
إعلانقبل أقل من قرن من الزمان، لم يكن الانفجار العظيم فكرة بديهية لمعظم علماء الكون، ومع ذلك، أصبح اليوم من الركائز الأساسية في علم الكونيات. والآن يأمل الفريق الذي اكتشف بالصدفة فرضية "فترات السكون الكوني" أن يتبنى الباحثون الآخرون هذا المفهوم الجديد أيضًا، وأن يدركوا أن السكون قد يكون جزءًا طبيعيًا من الكون تمامًا مثل التغيير. وفي نهاية المطاف، يختتم بروكس توماس من كلية لافاييت في بنسلفانيا حديثه: "إذا افترضنا وجود أبراج من الجسيمات، فغالبًا ما سنعثر على نوع من السكون باعتباره جزءاً من الطبيعة".
____________
* إضافة المترجم
هذه المادة مترجمة عن نيوساينتست ولا تعبر بالضرورة عن الجزيرة نت