القراءة عن الحرب من وجهة نظر الشعب المنسي -في وقت الصراع العسكري- لطالما كانت موجعة، وهذه الرواية ما هي إلا فصل من فصول بشاعة الحرب، وقسوتها.
إننا نقرأ حكايات الحروب، فترتسم في أذهاننا صورة الجنود المُتعبين، وأراضٍ ممتدة شاسعة، يغلب عليها اللون البني والرمادي، وينفجر فيها الدم فجأة، لتكسر الحمرة المتطايرة رتابة المشاهد، حيث ليس للمرأة حضور واضح أو مذكور سوى في الصور الباهتة والرسائل الذابلة المخبأة في دفاتر الجنود الصغيرة المتهالكة.
إن هذه الرواية التي تخبئ شراستها وراء اسم «العندليب» ستؤذيك، وتُشجيك. «العندليب» رواية تاريخية، للكاتبة والروائية الأمريكية كرستن هانا صدرت نسختها الأولى في عام 2015م.
وقد صدرت النسخة العربية منها عن دار ممدوح عدوان للنشر في عام 2023م، إنها رواية عن النساء في الحروب، وشجاعتهن الممزوجة بالتهور، تلك التي تدفعهن إلى فعل الذي لا يُتوقع فعله يومًا، تابعات قلوبهن التي يقويها الخوف وقسوة الأحداث.
تقوم هذه الرواية على أحداث الحرب العالمية الثانية في فرنسا، وقصة الشابة الشجاعة التي نجحت في إيجاد طريق جبلي لتهريب الطيارين الإنجليز والأمريكيين، والثوار المطلوبين من فرنسا إلى إسبانيا خلال الحرب. وفيها سترى الأوضاع التي عاشتها فرنسا في تلك الفترة، من خلال تتبع حياة الأختين فيان وإيزابيل، اللتين فصلت بينهما ظروف الحياة وقسوتها بعد موت الأم، وغرق الأب في العزلة فهجر ابنتيه وهما طفلتان، ثم ربطت الحرب بينهما مرة أخرى.
إيزابيل بطلة الرواية، الشابة المتمردة، التي تم طردها من مدرستها الداخلية، وأعيدت للسكن مع والدها بباريس، حيث قرر الأب إرسالها إلى أختها بعد اشتعال الحرب في العاصمة الفرنسية. وفيان الأخت الكبرى، ربة البيت التي تقيم في أحد أقاليم فرنسا بعيدة عن باريس، منشغلة بتعليم الصغار وتربية ابنتها صوفي حتى تباغتها الحرب، فتُجبر على قبول سكن ضابط نازي في بيتها، في الوقت الذي كانت تقوم فيه بعمل بطولي من خلال إخفاء الأطفال اليهود وحمايتهم بتغيير أسمائهم وهوياتهم بمساعدة الكنسية.
إن وجود الضابط الألماني ببيت فيان أجبرها على إبعاد أختها إيزابيل مجددا حيث كانت بسلوكها وتمردها تشكل خطرا على فيان وابنتها الصغيرة. الأمر الذي دفع إيزابيل لدخول عالم المقاومة والعودة إلى باريس كامرأة مستعدة للقتال بعد أن غادرتها كفتاة عنيدة حالمة.
تستعرض «العندليب» تغير الأحداث في أقاليم فرنسا بعد دخول الألمان، وكيف تشكّلت المقاومة التي أعادت للفرنسيين الأمل بعد استسلام الحكومة. فستدخل من خلال الرواية باريس بقلب وجِّل، وستمشي في القرى البعيدة بقدمين ثقيلتين جدًا خوفًا ووجعًا.
الحرب نار مستعرة تأكل كل شيء في طريقها ثم تمضي تاركة خرابًا، وحزنًا، وفراغًا في الروح لا يمكن سدّه، وبقايا حياة. هي موجة عظيمة تسحق كل ما أمامها، وتمحو معالم المكان وملامح أهله.
إنها رواية عن الجوع، والتخلي، والظلم، والبرد القارس، والانتظار الثقيل، والألم المستفحل، والصراخ المكتوم، والشوق، والحب المخبأ، والقتل، وذبول الروح، والعصيان، والهجر، والخوف. رواية تجسّد الوجع، وترسم الفقد، وتُرينا بشاعة الحرب.
«العندليب» رواية مؤثرة ستفكر فيها كثيرا بعد إنهائها، ولن تشعر بالصفحات التي تتجاوز الستمائة صفحة وأنت تقرأ.
تقول كرِسْتِن هانا في العندليب: «... في الحب نكتشف من نريد أن نكون، أما في الحرب، فنكتشف من نكون. ولعلنا في بعض الأحيان لا نريد أن نعرف ما يمكن أن نفعله كي ننجو بحياتنا» ملخصة بذلك كل الأحداث التي عاشتها الشخصيات الأنثوية في الرواية.
وختامًا.. يجب أن أشيد بترجمة المترجم أحمد المعيني لهذه الرواية الرائعة، حيث كانت ترجمة متقنة وانسيابية، حافظت على رونق النص.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إسطنبول تستضيف منتدى تواصل4.. الرواية الفلسطينية في طور جديد
أنهى منتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال " تواصل" تحضيراته لعقد مؤتمره الدولي" تواصل 4 " بعنوان (الرواية الفلسطينية طور جديد) والمزمع عقده يومي 18 و19 يناير الجاري في مدينة إسطنبول بتركيا.
وقال الأمين العام لمنتدى تواصل أحمد الشيخ: إن المؤتمر بنسخته الرابعة يشكل فرصة كبيرة لتعزيز التعاون وتشابك الأيدي وتوحيد الرؤى بين المؤسسات الإعلامية بما يخدم القضية الفلسطينية بمشاركة أكثر من 600 مـن نخبـة الإعلاميين والصحفيين والمفكرين من حوالي 60 دولة حول العالم.
يناقش"تواصل4" في ندواته المهمة الرواية الفلسطينية في طورها الجديد في مواجهة الإبادة وفي الإعلام العالمي والتوجهات الاستراتيجية نحو رواية عالمية فعّالة لدعم فلسطين.
ويفتح المجال للحوار والنقاش وتبادل الأفكار في ورشات عمل تخصصية حول الضغط والمناصرة وسبل مواجهة تحيز المنصات الرقمية وتوظيف التقنيات الرقمية الحديثة في تطوير الرواية الفلسطينية وغيرها من المحاور المهمة في المجال الإعلامي الذي يخدم فلسطين وقضيتها العادلة.
ومن بين أبرز الوجوه الإعلامية التي ستشهد مؤتمر هذا العام، منير شفيق، فهمي هويدي، محمد كريشان من قناة الجزيرة، عزام التميمي من قناة الحوار، وائل الدحدوح، أسعد طه، محمد علي الحراث مدير قناة إسلام تشانل الأنجليزية، نورالدين مفتاح مدير مؤسسة الأيام المغربية، عبد الله البقالي نائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب، أسعد طه الإعلامي المصري، عادل الحامدي من صحيفة "عربي21"، كمال بن يونس إعلامي تونسي، برينو ألتمان وهو صحفي ومؤسس موقع Opera Mundi من البرازيل، كريستوف أوبرلين وهو كاتب وناشط فرنسي، وداهم القحطاني من جريدة القبس الكويتية، وآخرين.
ومنتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال (تواصل)، هو منصة إعلامية دولية تأسست عام 2014 بهدف دعم القضية الفلسطينية من خلال الإعلام، وتعزيز الرواية الفلسطينية على المستويات العربية والإقليمية والدولية.
يسعى المنتدى إلى توفير مساحة للتعاون بين الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية المهتمة بالقضية الفلسطينية، بهدف تسليط الضوء على حقوق الشعب الفلسطيني ومعاناته تحت الاحتلال، ومواجهة التحديات الإعلامية التي تواجهها القضية.
ويتزامن انعقاد الدورة الرابعة لمنتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال، مع استمرار حرب الإبادة التي ترتكبها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر من العام 2023 بدعم أمريكي في قطاع غزة، خلفت أكثر من 157 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.