لجريدة عمان:
2025-02-22@09:21:17 GMT

أول الضوء

تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT

أول الضوء

ليس سهلا أن تستدرج الذاكرة على حين غرة لتكتب عن حدث بعيد مررت به ذات يوم، وأصعب ما في تلك الصعوبة الاختيار بين تلك الأحداث ما يعد حدثا فارقا في حياتك أو موقفا له الأثر الذي كان بعده على حياتك حيث أنت الآن عملا وأملا وعلما ومعرفة وحضورا ومكانة.

وإنني أذكر مما أذكره من مواقف الحياة هو أول يوم توجهت فيه إلى المدرسة التي عينت بها معلما لمادة اللغة العربية.

كان المعتاد أن نستلم رسالة التعيين التي تسمى رسالة مباشرة عمل موجهة من المديرية العامة للتربية والتعليم للمحافظة إلى مدير المدرسة التي سوف نباشر العمل بها مكتوب فيها تاريخ مباشرة العمل والذي يبدأ عادة مع أول يوم دراسي للطلبة. وقد استلمت تلك الرسالة في وقت مبكر قبل تاريخ مباشرة العمل بعشرة أيام تقريبا، فقلت في نفسي هي فرصة لأذهب إلى المدرسة قبل بداية دوام الطلبة أسلم المدرسة خطاب المديرية وأتعرف على الزملاء في الهيئتين التدريسية والإدارية وعلى مرافق المدرسة المختلفة، فقد كان المعلمون يداومون بأسبوع تقريبا قبل بدء دوام الطلبة.

ذلك الشعور المهيب أن تبدأ حياة جديدة ومع واحدة من أعظم المهن مهنة التعليم التي لها مكانتها الخاصة في مجتمعنا العماني، مع الإدراك التام للمسؤولية التي تتعدى جدران المدرسة وتتجاوز مفهوم الوظيفة المرتبطة بساعات معدودة على مكاتب تغلق بعد الثانية والنصف ليعود إليها أصحابها في صباح اليوم التالي، ذلك الشعور الفائض بالرهبة من لقب تلازمك مسؤوليته سلوكا وثقافة ومعرفة في كل مكان تكون فيه، وكأن عيون الرقيب عليك في كل زاوية من زوايا المجتمع.

أوقفت سيارتي خارج سور المدرسة بعيدا عن سيارات المعلمين التي أخذت المواقف الأقرب إلى بوابة المدرسة واستظل بعضها بالأشجار وارفة الظلال الواقعة بين المدرسة والشارع العام. كان أول فنجان قهوة مع حارس المدرسة الذي بدأ متذمرا من الحال وتأخر عمال النظافة في تنظيف المدرسة، حيث كانت فرصة لي لسؤاله عن مدير المدرسة والمعلمين والمدرسة بصورة عامة، وفي مجرى الحديث حذرني برفق من ضرب الطلاب ومعاقبتهم لأنهم سوف يستهدفون سيارتي خارج المدرسة.

وأنا أعبر الممر من غرفة الحارس إلى غرفة المدير شاكستني أسئلة ما زلت أحمل أثر نتائجها إلى اليوم ومنها هل أخطأت عندما اخترت التعيين في محافظة مسقط وتركت فرصة سانحة بامتياز لأتعين في مدرسة البلد أمام البيت بعيدا عن كل هذا التهديد الذي ألقاه الحارس على مسمعي؟ هل تراني أخطأت الاختيار حين خالفت مشورة بعض الأهل والأصدقاء باختيار التعيين بمدرسة البلد التي نشأت بها وترعرعت؟ كل ذلك كان عابرا بي على قلق يوجهني مع سبق الإصرار والترصد لخوض تجربة العمل بالمدينة حيث الفرص في التأهيل والتدريب لا يمكن أن تقارن بما تحظى به المدارس في القرى البعيدة الوادعة والهادية من ضجيج صراعات التنافس البشري في بيئات العمل.

دخلت مكتب مدير المدرسة الذي لا يقل مساحة عن مساحة الفصل المدرسي مزين ببعض اللوحات الفنية التي أظنها من أعمال الطلاب وعصى غليظة معلقة على الحائط خلف مكتب المدير أشعرتني بالحزم والهيبة بالإضافة إلى هيبة المدير الشخصية وسنين العمر المديدة التي قضاها في سلك التدريس.

سلمت عليه وبادرت بتعريف نفسي وأنني سأنضم إلى فريق العمل بالمدرسة معلما للغة العربية وسلمته خطاب المديرية العامة.

قرأ الخطاب ثم سألني لماذا اخترت مهنة التدريس؟ فكما هو سؤال اعتدناه في مرحلة الإعداد والمقابلات التي سبقت التعين، أجبت مباشرة كالمعتاد أيضا لأني أحب مهنة التعليم. عقب مباشرة وقال: هذه إجابة نسمعها من الستينيات، هل اخترت أن تكون معلما أو تم توزيعك إلى كلية التربية والتعليم؟

هذا السؤال الذي ظل شاغلا ذهني عند الحديث عن تقييم التعليم في سنوات لاحقة لم أستسغه حينها من المدير فأجبته لم آت لأظل معلما طوال حياتي؟ فباغتني بسؤال آخر مستفز كم سنة تود أن تبقى في التدريس فكان جوابي ثلاث سنوات. لم يخف امتعاضه من عدم جديتي وسألني لماذا جئت إلى المدرسة قبل موعد مباشرة العمل المكتوب بالخطاب؟ فقلت لكي أتعرف على المدرسة وأضفت أود رؤية المسرح أريد قيادة المسرح الطلابي.

تغيرت لهجة المدير تجاهي وبدأت النصائح تنهال علي بالاهتمام بالتدريس أولا فهي المهمة الأساسية لي وأن أنشطة المسرح وسواها تأتي لاحقا. ومن قلة المعرفة لدي ومدفوعا بعمر الشباب ومندفعا بحماس البدايات حاولت تغيير وجهة نظره فيما أنا عازم عليه. فبحكمة ذلك العمر المديد الذي قضاه في المدارس أعاد إلي الخطاب وقال عد من حيث جئت ونلتقي في اليوم المشار إليه في الخطاب.

لقد صنع ذلك اليوم لي ذاكرة لا تنسى حينما أتذكر أيام عملي في التربية والتعليم، وخاصة حين أعيد شريط الذكريات ومحطات العبور التي مررت بها طوال خمسة عشر عاما في وزارة التربية والتعليم يزداد إيماني أن ما نحدث به أنفسنا من طموح يتحقق معظمه حين نثابر لأجله، فذلك الحوار كان رؤية ذاتية ورغبة دفينة وإن لم تكن مكتوبة على خطة ورقية أعمل بها وأشتغل عليها. فبعد أربع سنوات في المدرسة نفسها ترقيت لأصبح مشرفا لمادة اللغة العربية بالمحافظة ثم بعد ثلاث سنوات نقلت إلى الوزارة لخوض تجارب وظيفية جديدة إلى أن غادرت الوزارة بعد خمسة عشر عاما للعمل في القطاع الخاص. ممتنا لتلك السنين التي أهلتني لأكون ما أنا عليه اليوم. ممتنا لذلك المدير وجميع زملائي ومن عملت معهم في تلك السنين. والتجارب مستمرة في القطاع الخاص.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الفيزياء تشرح قدرات التخفي الاستثنائية للمقاتلة سوخوي سو-57

تعد سوخوي سو-57 مقاتلة من الجيل الخامس المتعددة المهام، صُنعت بواسطة شركة سوخوي الروسية لتكون منافسًا مباشرًا للطائرات الأميركية مثل إف-22 وإف-35.

عادة ما تمتلك هذه الطائرات ميزات السرعة الفائقة، حيث تستطيع الطيران بسرعة تصل إلى 2 ماخ (نحو 2,450 كيلومترا في الساعة)، مع قدرة عالية على المناورة بفضل محركات الدفع الموجه، ولذلك يمكنها القيام بحركات مذهلة في الجو، وبالطبع تمتلك ميزة التسليح الثقيل.

قدرات التخفي

لكن تظل الميزة الرئيسية لهذه الطائرات هي القدرات الشبحية المتقدمة مما يجعلها صعبة الاكتشاف، ويسهل ذلك عليها الدخول إلى أراضي الخصوم وأداء مهام عسكرية دون أن يتم اكتشافها.

ولكن لفهم الكيفية التي تعمل بها تلك الخاصية الاستثنائية يجب أولا أن نتعرف إلى طبيعة الرادار، هو نظام يستخدم الموجات الراديوية للكشف عن الأشياء، مثل الطائرات والسفن.

الموجات الراديوية هي نفسها التي نستقبلها على المذياع (الراديو) الخاص بنا، والتي ترسلها محطات الإذاعة، وفي حالة الرادار العسكري تقوم وحدة متخصصة بإرسال نبضات راديوية تتحرك بسرعة الضوء في كل مكان ضمن نطاق محدد، وإذا اصطدمت هذه الموجات بجسم (مثل طائرة)، فإنها ترتد إلى الرادار.

إعلان

في هذه الحالة، يستقبل الهوائي الخاص بالرادار الموجة المرتدة ثم يتم حساب الوقت الذي استغرقته الموجة في الذهاب والعودة لتحديد المسافة، ثم مع حسابات إضافية يتم تحديد السرعة والاتجاه.

والفكرة الأساسية وراء الرادار في هذا السياق بسيطة، هي نفسها الطريقة التي يستخدمها الخفاش لتجنب العوائق، حيث يطلق الأخير موجات صوتية للأمام فترتد إليه فيعرف أن هناك حائط أمامه.

تصمم مقاتلات الجيل الخامس مثل السوخوي سو-57 بمزيج من الأسطح المائلة والنتوءات على الحواف وحجرات الأسلحة الداخلية لتقليل الانعكاسات (الفرنسية) فيزياء التشتيت

تعتمد طائرات الجيل السادس مثل السوخوي سو-57 على عدة مبادئ أساسية في الفيزياء لتقليل المقطع العرضي للرادار، ويظهر ذلك بشكل أساسي في تقليل مقدار انعكاس موجات الرادار إلى رادارات العدو.

حيث تم تصميم شكل جسم هذه الطائرات باستخدام "مبدأ الانعكاس المرآوي"، وهو الانعكاس الذي يرتد فيه الضوء أو أي موجة كهرومغناطيسية عند اصطدامه بحائل من جهة واحدة بحيث تكون زاوية الانعكاس مساوية لزاوية السقوط.

لفهم الفكرة يمكنك استخدام قلم ليزر، وفي غرفة مظلمة قم بتوجيهه ناحية مرآة، هنا سينعكس بزاوية مساوية تماما للزاوية التي سقط بها، وكلما وسّعت من الزاوية بإمالة القلم اتسعت زاوية انعكاس شعاع الليزر.

في هذا السياق تصمم مقاتلات الجيل الخامس مثل السوخوي سو-57 بمزيج من الأسطح المائلة، والنتوءات على الحواف، وحجرات الأسلحة الداخلية، لتقليل الانعكاسات، مما يعني أن موجات الرادار ستنحرف بعيدًا بدلا من ارتدادها إلى الرادار، لأنها مضطرة للاستجابة إلى مبدأ الانعكاس المرآوي.

لكن إذا تمكنت الطائرة من تشتيت تلك الأشعة، لا ردها إلى الرادار، بشكل يشبه ألعاب تشتيت الضوء في متاحف المرايا، فإنها قد امتلكت ميزة التخفي، ولذلك ستلاحظ أن الطائرات المتخفية من الجيل الخامس تمتلك جميعا الشكل نفسه تقريبا مع اختلافات ليست كبيرة، مثل إف-22 الأميركية أو جيه-20 الصينية أو سو-57 الروسية، وذلك لأن الفيزياء واحدة، والهندسة المعتمدة عليها تكون واحدة كذلك مع اختلافات طفيفة.

الطائرات المتخفية من الجيل الخامس تمتلك جميعا الشكل نفسه تقريبا مع اختلافات ليست كبيرة (رويترز) مركبات خارقة

إلى جانب ذلك، فإن الطائرات من هذا النوع تكون عادة مطلية بمركبات تمتص الموجات الراديوية وتحول الموجات الكهرومغناطيسية إلى حرارة بدلا من عكسها.

إعلان

من أمثال هذه المواد ما يسمى "بالمواد الخارقة"، ولفهم الفكرة تخيل أنك تلعب بقطع الليجو. عادة، تقوم ببناء أشكال بسيطة مثل المنازل أو السيارات. ولكن ماذا لو رتبت قطع الليجو بطريقة تجعل البنية بأكملها تتصرف بشكل غريب، مثل ثني الضوء أو جعل الأشياء غير مرئية؟ هذا هو بالضبط ما تفعله المواد الخارقة، ولكن باستخدام الموجات بدلا من الليجو.

المواد الخارقة هي مواد خاصة من صنع الإنسان يمكنها التحكم في الضوء والصوت والموجات الأخرى بطرق لا تحدث في الطبيعة. وهي مصممة بهياكل صغيرة تغير كيفية تحرك الموجات من خلالها.

فمثلا نعرف أن الضوء ينحني عندما يمر عبر الزجاج أو الماء، وهذا ما يسمى بالانكسار، ونعرف أن الموجات الصوتية ترتد عن الجدران، مما يخلق أصداء، وترتد الموجات الراديوية عن المعدن، وهذا هو السبب في أن الرادار يمكنه اكتشاف الطائرات.

تغير المواد الخارقة قواعد كيفية عمل الموجات، وهي تفعل ذلك باستخدام هياكل صغيرة مرتبة بعناية، بحيث تكون أصغر بكثير من الموجات نفسها.

فكر في الموجات مثل نهر يتدفق عبر الصخور. إذا تم ترتيب الصخور بالطريقة الصحيحة، فيمكنك التحكم في كيفية تدفق المياه بحيث لا ترتد، بل تمتص بين الصخور، أو يتم تشتيتها. وبالمثل، تتحكم المواد الخارقة في الموجات من خلال تشكيل هياكلها الداخلية الصغيرة.

ويقوم العلماء يوما بعد يوم بتطوير هذه المواد، ففي دراسة نشرت في 2023 بدورية "يوروبيان فيزكال جورنال" قام الباحثون بتصميم مادة خارقة جديدة يمكنها العمل على نطاق ترددي واسع، مما يعني أنها فعالة ضد أنواع مختلفة من الموجات الكهرومغناطيسية، ويمكّنها ذلك من امتصاص أو حرف أقوى من المواد الخارقة السابقة، مما يعزز التكنولوجيا التي تساعد في إنتاج طائرات الأجيال المستقبلية.

تخفيف البصمات

تعتمد فئة أخرى من الرادارات على بصمة الأشعة تحت الحمراء الخاصة بالطائرة، حيث إن محركات الطائرة تنتج حرارة، تطلق بدورها إشعاعا في نطاق الأشعة تحت الحمراء.

إعلان

الأشعة تحت الحمراء هي نوع من الضوء غير المرئي الذي لا تستطيع عين الإنسان رؤيته، لكنه موجود حولنا طوال الوقت، وتنطلق عادة بسبب الحرارة، فأي شيء دافئ، مثل الشمس أو النار وحتى جسمك، يُصدر أشعة تحت الحمراء، ولذلك فإن كاميرات المراقبة الليلية تعمل بالأشعة تحت الحمراء.

وفي المقاتلات مثل السوخوي سو-57 تعمل فوهات المحرك المسطحة والمسننة على تشتيت غازات العادم، وبالتالي تقليل الانبعاثات الحرارية. وإلى جانب ذلك، توضع المحركات عميقًا داخل جسم الطائرة لحماية الأجزاء الساخنة.

ومن جانب آخر، تساعد الدورة المبردة الخاصة في المناطق الحرجة (مثل المحرك ومناطق خروج العادم) على امتصاص وتشتيت الحرارة قبل أن تشع للخارج، تمزج مثبطات الأشعة تحت الحمراء داخل نظام العادم الغازات الساخنة بالهواء البارد.

الحرب الإلكترونية

التخفي لا يتعلق فقط بالشكل والمواد، تلعب الفيزياء أيضًا دورًا في التدابير المضادة الإلكترونية (حيث قد تستخدم مثل هذه الطائرات إلغاءً نشطًا للموجات الصادرة من رادارات الخصوم، حيث تصدر أنظمتها الموجودة على متنها إشارات تتداخل مع موجات الرادار الواردة، مما يقلل من إمكانية اكتشافها.

لفهم الفكرة تخيل أنك في حفلة موسيقية صاخبة وتريد إلغاء الضوضاء. إحدى الطرق للقيام بذلك هي استخدام سماعات الرأس التي تعمل على إلغاء الضوضاء.

تتلقى سماعات الرأس هذه الضوضاء الخارجية وتنشئ موجة صوتية معاكسة تعمل على إلغائها، مما يجعل صوت الحفلة الموسيقية أكثر هدوءًا.

تعمل خاصية إلغاء الرادار النشط بنفس الطريقة، ولكن بدلا من إلغاء الضوضاء، فإنها تلغي موجات الرادار! وتستخدم هذه الخاصية في المقاتلات الشبحية، وكذلك مجموعة من السفن والغواصات والصواريخ.

مقالات مشابهة

  • الاسدي يكشف ابرز المبادرات التي نفذتها الوزارة بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية
  • المدير التنفيذي لنادي ‎القادسية: لا نفكر في الفوز باللقب.. فيديو
  • الرئيس عون عرض والوزير مكي لخطة العمل التي سيعتمدها في وزارته
  • نائب محافظ الوادي الجديد تتابع سير العمل بمقر المدرسة الفندقية
  • الفيزياء تشرح قدرات التخفي الاستثنائية للمقاتلة سوخوي سو-57
  • “المستحيل الذي تحقق”.. الناصر: 100 مليار دولار استثمارات غاز “الجافورة”
  • اتحاد الكرة يعلن اسم المدير الفني الجديد لمنتخب المحليين
  • وزير الزراعة يستقبل المدير الإقليمي لـالإيفاد لبحث سبل التعاون المشترك
  • وزير الزراعة يستقبل المدير الإقليمي للايفاد لبحث سبل التعاون المشترك
  • وزير الزراعة يستقبل المدير الإقليمي لـ «الإيفاد» لبحث سبل التعاون المشترك