خصصت جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في نسختها العاشرة فرع الثقافة لتحقيق التراث العماني، وقد نال الباحث حارث بن محمد بن شامس البطاشي الجائزة عن تحقيقه كتاب (تمهيد قواعد الإيمان وتقييد شوارد ومسائل الأحكام والأديان) للعالم المحقق سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي (ت:1287هـ).

ولئن كان الكتاب قد لا يختلف عن المطولات من كتب الفقه وأصول الدين العمانية من حيث الموضوع، غير أنه مختلف بلا شك من حيث تعدد المحتوى وتفرع بعض المسائل وبعض الجوابات المطولة التي كان منهج العلامة الخليلي فيها وفي مثيلاتها من كتبه الأخرى وراء تسميته بـ«المحقق».

ولعل أبرز ما امتاز به الكتاب عن غيره أنه مرجع في تتبع الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في زمان المؤلف.

ومعلوم من قصة هذا الكتاب أنه جمعٌ لبعض آثار المحقق كان وراءه جهد تلميذه الفقيه محمد بن خميس السيفي (ت:1333هـ)، غير أنه لم يقتصر على الجوابات الفقهية، بل ضمَّنه بعض رسائله وكتبه، كما ضمَّنه بعض جوابات غيره من العلماء ممن سبقوه أو عاصرهم، مثل أبي نبهان جاعد بن خميس، وابنه ناصر بن أبي نبهان، وسلطان بن محمد البطاشي.

وقد استوقفني في عمل محقق الكتاب تخصيصه ملحقًا للألفاظ والمصطلحات العمانية الواردة في النص، وهو مشروعٌ بدأه في حياة والده العلامة محمد بن شامس البطاشي (ت:1420هـ) حيث طلب منه العون للتعريف ببعض الألفاظ والمصطلحات العمانية، وقد قيّد والده بخطه مؤرخًا ذلك الطلب في شهر رجب 1420هـ ثم أدركته المنية في آخر تلك السنة، فاستدرك ابنه محقق الكتاب ما بقي من ألفاظٍ لم يُعرِّف بها والده، وما كان من تعريف والده نسبه إليه في حواشي التحقيق.

صدرت نشرة الكتاب المحققة عن مكتبة الشيخ محمد بن شامس البطاشي سنة 1431هـ/2010م ولم تكن قبلها سوى نشرة وزارة التراث القومي والثقافة (سابقا) سنة 1406هـ/1986م وهي نشرة ضعيفة متواضعة بغير تحقيق، مليئة بالتصحيف والسقط والأخطاء. ولما كان المخطوط في أربع قِطعٍ كبيرة فقد جاءت النشرة المحققة في ثلاثة عشر جزءًا مع جزءين آخرين للفهارس، تضمن أولهما ملحق المصطلحات العمانية الواردة في الكتاب، وقد قسمها المحقق إلى أربعة أقسام، خصص الأول لمصطلحات الزراعة والسقي، والثاني للعملات والأوزان والمكاييل والمسافات، والثالث للقبائل والجماعات، والرابع للمصطلحات الأخرى من غير تلك الأقسام.

جاء في القسم الأول التعريف بأشهر مصطلحات الأفلاج في عُمان مما ورد في مسائل الكتاب، وكذا المصطلحات المتعلقة بزراعة النخل والأموال الخضراء والمزروعات الأخرى، وقد نال «الفلج» النصيب الأوفر من حيث عدد مرات وروده في الكتاب.

ومن التعريفات التي عرّف بها العلامة البطاشي الأب: «عامد الفلج»، فقال: «عامد الفلج: ساقيته الأم التي يجري فيها الفلج» ومصطلح «كَفْت الفلج» الذي عرَّفه بأنه: «منعه من أهله وقعده لمغرمٍ أصابه». كما فصَّل في التعريف بـ«البادَّة» بذكر التقسيمات المتعارف عليها، وذكَرَ في ثنايا التعريف أن أهل بَلَده المسفاة يسمون أول النهار «النجخ». أما التعريفات في القسم الثاني فقد تصدرتها النقود التي جرى تداولها في عمان بتسمياتها المحلية مثل: الغازي والقرش والعباسية والتومان واللارية والمحمدية والشاخة، ثم ألفاظ الكيل مثل: مَنّ عُمان ومَنّ مسكد، وكياس عُمان، والبهار والفراسلة، وبعض الأوعية مثل: الجراب والثوج والجونية، ووحدات القياس مثل: الذراع والباع والفرسخ. وأما القسم الثالث ففيه التعريف ببعض القبائل العمانية، وبعض الشعوب والأمم والأعراق مما جاء ذكره في الكتاب. وفي القسم الرابع التعريف بجملة من الألفاظ الحضارية التي جاءت في الكتاب وفي غيره، منها مثلًا: «الأعداد المَتْرَبيّة» ومعناها طريقة رسم الأعداد بالأرقام، بعد أن كانت تُرسَم بالحروف فقط، كأن يُكتَب الرقم «9» هكذا بدل «تسعة»، وهي قضية ناقشها عدد من الفقهاء قبل المحقق الخليلي. ومما جاء في هذا القسم من ألفاظ: الخَطّ: أي الرسالة، والخشبة: السفينة [الشراعية]، والطارش: الرسول، والطّفال: اللَّبِن [الطوب] الطيني المستعمل للبناء، والعشور: الضرائب، والنول: الكراء أو أجرة حمل الناس أو المتاع، والزانة: السلاح، والدّمَام: السقف، والوطايا: النعال، والنواد: النعاس، والكاتلي: السرير، والبندر: البلد الكبير على ساحل البحر، والبهطة: العطيّة. وهكذا كان جمع تلك الألفاظ والتعريف بهاء ضمن أعمال تحقيق كتاب فقهي كبير، غير أننا نعدّه إضافة مهمة في خدمة القاموس العماني.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الکتاب محمد بن

إقرأ أيضاً:

طفلة أعادت المفكر عبد الوهاب المسيري إلى طريق الإيمان.. «غيرت مفاهيمه»

تعتبر رحلة الدكتور عبدالوهاب المسيري الفكرية من أبرز الرحلات التي شهدها المشهد الفكري العربي في القرن العشرين، فمن كونه شابًا مثقفًا تأثر بالفكر الماركسي إلى العودة لتعاليم الإسلام بشكل واعٍ ومدروس، وقد أطلقت «الوطن» 3 حملات توعوية لتعزيز الهوية الوطنية والدينية والاجتماعية تحت شعار «مجتمع صحي آمن.. أوله وعي وأوسطه بناء وآخره تنمية»، بهدف الحفاظ على تماسك المجتمع وتقوية الروابط الأسرية.

رحلة عبدالوهاب المسيري من الإلحاد إلى الإيمان

هذه الرحلة الفكرية الطويلة والمعقدة، وثقها المسيري في كتابه الشهير «رحلتي الفكرية»، تثير الكثير من التساؤلات، ففي بداية حياته الفكرية، تأثر «المسيري» بالفكر الماركسي والنظريات المادية، ما دفعه إلى الشك في وجود الله والآخرة، ثم كانت فترة دراسته في الولايات المتحدة والتي شكّلت نقطة تحول مهمة في حياته، إذ بدأ يتساءل عن الكثير من القضايا الفلسفية والدينية حتى عاد إلى الإسلام بشكل واعٍ، فلم تكن عودته مجرد اعتناق شكلي، بل كانت رحلة عميقة للبحث عن الذات والمعنى للحياة.

ووفقًا لما ذكره الراحل في كتابه «رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر»، فقد كانت قصة زواجه من الدكتورة هدى حجازي إحدى أهم القصص التي ألقت الضوء على أحد أبرز جوانب شخصيته، إذ كان حينها عضوًا في الحزب الشيوعي المصري، وعندما بدأ حبها يدق بابه طلب النصح من مسؤوله الحزبي عمّا يشعر به، فأخبره أنّها «برجوازية» والزواج من مثلها يسبب مشكلات كثيرة، وبذلك طرح تصورًا عقليًا أيديولوجيا (طبقيًا) للحب والزواج، وهو ما أهداه لأنّ يطلب النصيحة من والدته التي لم يستشرها في حياته قط فطرحت عليه سؤالًا بسيطًا وهو: «هل يشعر قلبك بالفرح حينما تراها؟»، فلم يجب عن السؤال، إلا أنّه شعر بأنّ أثقالًا أيديولوجية وتحليلات طبقية مادية سقطت على وجدانه، وأن أغلال العقل والقلب بدأت تنفك وقرر الارتباط بالدكتورة هدى، ولعل هذه كانت من أوائل أحداث حياته التي اهتز فيها النموذج المادي الوظيفي كإطار للرؤية.

الإنسان ليس كائن مادي

مرّ «المسيري» في مرحلة الخطوبة بمحطات من الحب جعلته يتسائل كيف يمكن للمرء أن يحب بهذه الطريقة اللازمنية، وأن يترك من يحب ويذهب إلى عمله، وكيف يتحمل الإنسان هذه العواطف بشكل يومي، وهل يتحمل جهازه العصبي مثل هذا العبء، وبعد الزواج اكتشف ميلاد جديد من الحب القادر على التعايش مع الزمن والتاريخ والمجتمع، فالحب في الزواج يتسم بنوع من الاستمرار، وحينها بدأ يعي مفاهيم مثل السكينة والمودة والألفة، وخضعت حياته الزوجية للتأمل أيضًا، فأصبح لديه رؤية ومفهوم للزواج تختلف عن ذي قبل.

ومنذ ذلك الوقت، حاول عبدالوهاب المسيري ألا يعيش في العام وحسب، وأن يختبر المقولات الأيدولوجية على محك الأشياء المباشرة والوجدانية، حتى توصل إلى أنّ الأيدولوجية قد تكون قناعًا يختفي وراءه الإنسان بحيث يتحول إلى عقل محض، وقد يختفي الإنسان تمامًا إلى درجة أنّه يموت قلبًا لا قالبًا، فكان ميلاد ابنته «نور» التي أسماها باسم أستاذته في الجامعة من أهم لحظات حياته، إذ شعر أنّ ميلادها شيء رهيب، وأنّه لا يمكن للنموذج المادي تفسير ما يحدث.

يقول عبدالوهاب المسيري: «عندما ولدت ابنتي وجدت أنّ زوجتي ابتعدت عني ودخلت في علاقة قوية مع هذا الشيء الصغير الذي وصل، وبدأت أتسائل هل ارتباطي المادي بابنتي هل يمكن أن يكون مصدره غدد؟، ووجدت أن النموذج المادي عاجز، وبالتدريج وجدت أن تركيبية الإنسان تتحدى القوانين المادية الحتمية، ووجدت أنه لا يمكن تفسير الإنسان إلا من خلال لا إله إلا الله، وأنه ليس كائنا ماديا، فالإنسان يصبح ثغرة في العالم الطبيعي يشير إلى الله سبحانه وتعالى، فـ أنا لا أنتقل من الله إلى الإنسان، ولكن من الإنسان إلى الله، وأنا من النادر أن أشير إلى القرآن والسنة إلا في الحديث عن تركيبة الإنسان لأنه أنجح طريقة للرد على العلمانيين». 

مقالات مشابهة

  • مؤثرو التواصل الاجتماعي في “كتاب الرياض”: الكتاب الورقي لن يختفي أمام الرقمي
  • على هامش معرض كتاب “الصحفيين”.. ندوة عن تجربة ندوات "أرواح في المدينة" غدًا
  • التعريف ببرامج "الحماية الاجتماعية" في جنوب الباطنة
  • ورشة حول "التعريف بالممتلكات الثقافية والاتجار غير المشروع بها"
  • "القيم الحضارية بمرحلة الوحدة والبناء".. المؤتمر الثالث عن تاريخ الملك عبد العزيز
  • «الثقافة» تصدر كتاب «دم النار.. توقيعات على جدران غزة» بهيئة الكتاب
  • سرقة أموال مخصصة للهيئة الوطنية لرعاية الموهوبين
  • الإيمانُ محبّة
  • النعيمي يؤكد أهمية مشروع رسم السياسات الزراعية التي تنطلق من موجهات قائد الثورة
  • طفلة أعادت المفكر عبد الوهاب المسيري إلى طريق الإيمان.. «غيرت مفاهيمه»