لجريدة عمان:
2024-07-03@17:00:45 GMT

أبو سلام الكندي.. شاعر الاستنهاض والمبادئ

تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT

أبو سلام الكندي.. شاعر الاستنهاض والمبادئ

أتذكّر أنني كتبتُ عن أبي سلام الكندي ضمن كتابي «الجامع في الأدب العماني»، ووقفت وقفة متأنية أمام قصائد الاستنهاض التي أصبحت شارة مشرقة له، فأبو سلام وطني حتى النخاع، لكنه لم يعبّر عن وطنيته بقصائد المديح والتزلُّف للسلة، بل عبر قصائد الاستنهاض.

حينما اقتنيتُ ديوانه «نشر الخزام» الصادر عن مركز ذاكرة عُمان، وقفت عند المقدمة البديعة التي كتبها الدكتور محسن الكندي، التي سأنتخب منها أكثر ما في هذه المقالة.

أبو سلام سليمان بن سعيد بن ناصر الكندي. النجل الأكبر للقاضي الفقيه العلامة الزاهد سعيد بن ناصر بن عبدالله الكندي (المتوفى في ليلة حادي صفر سنة 1355 هـ، ولد في محلة السويق بسمد نزوى عام 1292/ 1870م، ونشأ في بيت علم وأدب وفقه، فتأثر بمحيطه الاجتماعي تأثرًا جليًا؛ فأخوه عيسى بن سعيد شاعر وأديب، وأخوه أحمد بن سعيد مثقف وواعٍ وكان رفيق البعثة العمانية التعليمية إلى بغداد سنة 1940م واعتبره السلطان سعيد رائد البعثة التعليمية المرسلة من قبله لتلقي العلم في مدارس القطر العراقي. أمّا أخوه صالح بن سعيد فقد كان شاعرًا أيضًا وله قصيدة فريدة نشرت مبكرًا في صحيفة «الفلق» بتاريخ 5/ 11/ 1932م.

تلقى أبو سلام تعليمه على والده سعيد بن ناصر الكندي، ثم انتقل معه إلى العامرات، ومن ثم إلى وادي بوشر التي تولى فيه إدارة الأوقاف نيابة عن أبيه، ثم عاد إلى نزوى وعاش عيشة البساطة والقناعة.

وفي سنة 1333/ 1913 نفيَ أبو سلام إلى الهند لاتهامه بمعارضة الاستعمار وسياسة السلطان تيمور، ولما عاد من منفاه حطت رحاله في ديار أهله وأجداده «نزوى» وعاش فيها إلى أن توفى ودفن في مقبرة «الحظيرة» بتاريخ الرابع من رمضان سنة 1379هـ الموافق لمارس 1960م. وأبو سلام أحد رجال عمان البارزين في تاريخها القريب وكانت له أدوار إصلاحية مرموقة، وقد رثاه الشيخ عبدالله بن علي الخليلي بقصيدة عصماء عنوانها «تأبين الأدب» ومطلعها يقول:

على نبأ وارى الزناد شنيع

أهاب بصوت كالعواء رفيع

أهاب ولكن لم يجد غير جازع

بقلب كأنات السليم وجيع

أما شعر أبي سلام فهو كما يصفه محسن الكندي «شعر كلاسيكي النزعة سياسي التوجه، وهو مليء بالأغراض الشعرية ذات الصبغة الإنسانية والمواقف الفكرية، وفيه تكتمل صفات شعر المرحلة الشعرية الإحيائية العمانية بكافة مساراتها الموضوعية والفنية، فهو خليفة أبي مسلم البهلاني الشاعر العماني الكبير في الاستنهاض، ووريث المحقق سعيد بن خلفان الخليلي ونور الدين السالمي في الرؤية والتوجه مع فارق في المستوى والأداء، وقرين الشعراء القضاة والمصلحين التنويريين الذين وجدوا في عصره أمثال هلال بن بدر البوسعيدي وعبدالله الطائي وعيسى بن صالح الطيواني وغيرهم.

أمّا على الصعيد العربي فشعره ينتمي إلى مدرسة الإحياء والبعث فمكوناتها تبادرك منذ أول وهلة، فلا يغرب عن وجهك استنهاض البارودي وشوقي وحافظ ويذكرك بقصائد الشعراء الفحول المحدثين أمثال عمر أبي ريشة والجواهري وسواهم من الشعراء القمم الذين استقى أبو سلام من ميراثهم الشعري، ومتح من معجمهم، وتأثر بلغتهم، ونسج على منوالهم، يحدوه في ذلك تأثر آخر بمعجم الشعراء الأسلاف الكبار الذين قرأ لهم، وتتلمذ على دواوينهم على نحو ما نجد من تأثر واضح بمالك بن الريب وأبي ذؤيب الهذلي والنابغة الذبياني والأعشى وطرفة وامرئ القيس وعنترة العبسي وأبي تمام الشاعر المجدد.

وعلى الصعيد الوطني شعر أبي سلام ذاكرة تستذكر أحداثًا جسامًا حلّت بالقطر العماني سجّلها أبو سلام بدمع العين وألق الفؤاد بل بعاطفة الشاعر وريشة الفنان. إنها حوادث قرن التحولات أعني به القرن العشرين منذ بداياته وحتى أوائل الستينيات منه، وما حلّ بالقطر العماني فيه لا تسعه مجلدات بل وسعته أعين الشعراء التي بكت دما عليه حينما تقاذفته أيدي التجهيل والتخلف رغم البون الواسع والمسافة الفاصلة بين ماضيه المجيد وعصره الذي عاش فيه الشاعر.

تتلخص أغراض شعر أبي سلام في الشعر السياسي الوطني، والمدح والإخوانيات والغزل والرثاء والحنين والشعر الاجتماعي والشعر التاريخي والفخر والوصف والشعر التعليمي، غير أن أبا سلام أخلص للاستنهاض واتخذه شعارًا؛ لأنه في المقام الأول صاحب قضية ورسالة، وهو نتاج ما رأى وعاش من أحداث وطنه العماني؛ لذا جاء شعره في الأغلب الأعم لسان حال مجتمعه، ففي الشعر السياسي تناول القضايا والأحداث السياسية والعسكرية التي حدثت في عهد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي ولاسيما انتصاراته من مثل: وقعة نزوى، ووقعة بدبد والرستاق ووقائع نخل وعبري والحمراء. وفي شعر المديح السياسي يبرز مدحه للزعيم سليمان باشا الباروني في أكثر من تسع عشرة قصيدة، وفي شعر الإخوانيات نجد التهاني والعتاب لشخصيات من مثل الأمير سليمان بن حمير النبهاني والسيد أحمد بن إبراهيم البوسعيدي والسيد حمد بن هلال السمّار وعبد المنعم بن يوسف الزواوي وأحمد بن حامد الراشدي والقاضي سعود بن سليمان بن جمعة الكندي، وفي شعر الرثاء تبرز مرثيته لوالده العلامة سعيد بن ناصر الكندي وللزعيم الباروني. أمّا شعر الحنين والغزل فلم يبرزا في قصائد مستقلة إلا النذر اليسير، ومن ذلك رائعته التي يقول فيها:

أهلا بزائرة أتت والليل جن

خوفا من الواشي ينم فتمتهن

ميّاسة الأعطاف تقصر خطوها

مذعورة فكأنها الظبي الأغن

كشفت عن الوجه الجميل لثامه

فحسبته بدرا يلوح من الفتن

إلى أن يقول بعد أن عدّد الأماكن ووقف واستوقف على سنن الأقدمين:

وإلى السويق مقام كندة قف بنا

نقضي الحقوق بها ونكرم من سكن

لي في حماها دمنة عربية

بين الحشاشة والضلوع لها وطن

كما جاء معظم هذا الشعر خطابيًا مباشرًا يتعمّد الشاعر فيه تقوية العلاقة بينه ومتلقيه ليلفت انتباههم، ويجعلهم ينشدّون إلى ما يقول بغية كسبهم لتبليغ رسالته، والإيمان بأهدافه ومراميه، وهذه آلية من آليات كتابة النص عرفت في الشعر العربي لاسيما عند شعراء القرنين التاسع عشر والعشرين.

ومما يميز هذا المضمون الشعري أنه أتى متماسكا منسوجا بخيط واحد محققًا وحدة عضوية. وبلاغة قصائده تكمن في لغتها المنسابة المتدفقة ومعجمها القوي المليء بالعبارات السلسة، والألفاظ الجزلة الموحية التي تحدث في المتلقي تأثيرًا بالغًا من أول وهله فتثير فيه الاندماج والتفاعل مع القضية المعالجة، وكأن النص مكتوب له، مخصص لذوقه. كما يستثمر أبو سلام اللحظة الشعرية والموقف الشعري الذي كتبت فيه القصيدة فيكرره في أكثر من بيت. أمّا صوره فأغلبها مستقاة من الواقع على سنن الأقدمين، مستثمرًا مكونات البلاغة العربية التقليدية، وخاصة في مستوى الصورة البيانية، والمعجم الشعري، وما يميز بعضها علاقتها بالمشهد العماني بيئة ومسار حياة.

سجّل أبو سلام أحداث وطنه، وقدّمها في حلل شعرية قشيبة ظلت -على الدوام- لسان حال متذوقي الشعر وقرائه، كيف لا وهو شاهد على عصره مشارك في صناعة مفاصله، فكانت ضريبته -كما هو معروف من سيرته- التهجير والترحيل القسري، ولكنه لم ينثن فطفق ينظم قصائده الملتهبة الواحدة تلو الأخرى، ولعل من أروعها قصيدته القائلة:

لهفي على الوطن العزيز أُضيعا

وشريف قوم صار فيه وضيعا

لهفي عليه لو يفيد تلهفي

أجريت من بعد الدموع نجيعا

وطني العزيز لأنت أشرف موطن

قد كنت غيثًا مُمرِعًا وربيعا

قد كنت يا وطني مُطاعًا في الورى

واليوم يا وطني أراك مُطيعا

فهذه المقطوعة من قصيدة استنهاضية طويلة تبلغ أبياتها اثنين وخمسين بيتًا، وفيها يدعو أبو سلام قومه إلى أن ينتبهوا لأنفسهم مما يجنيه عليهم عدوهم المستعمر، وأخشى ما يخشاه الشاعر أن تتغلب حيلة العدو على قومه فيظنونه صديقا محبا، أمّا أشهر قصائده التي صدحت بها الألسن العمانية وقرأتها المجالس، فهي قصيدته «عمان انهضي» التي استطلعها بقول:

عُمان انهضي واستنهضي الشرق والغربا

ولا تقعدي واستصحبي الصارمَ العضبا

عمان انهضي واستصرخي كلَ باسلٍ

كميٍّ يُجيد الطعنَ والرميَ والضربا

عمان انهضي إنا رجالك همُّنا

طلاب العلا ما نبتغي غيره كسبا

عمان انهضي إنا على الصدق والوفا

ونحن أباةُ الضيم لا نرتضي السبَّا

عمان انهضي إن السيوف بغمدها

تئنُّ وقد أضحتْ تطالبنا حربا

أميطي قناعَ الذلِ عنكِ فإنما

حبائلُ أهل البغي قد نُصبت نصبا

فكم لكِ في التاريخِ من قدمٍ رسا

وكم لكِ من فخرٍ ملأتِ به الكتبا

ضممتِ إليكِ الهند والسند بُرهةً

ونازعتِ كسرى الفرس قِدْما وقد لبَّا

وطاردتِ جمعَ البرتغال فأصبحتْ

رجالهُمُ أسرى وأموالهُم نهبا

بنوكِ بنوكِ العربِ هم أرغموا العدا

فكمْ هزموا جيشًا وكم كشفوا كُربا

وهمْ دخلوا إفريقيا الشرق واحتووا

ممالكها واستسهلوا الوعرَ والصعبا

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أبو سلام بن سعید

إقرأ أيضاً:

القضاء الكندي يسمح بفض مخيم مؤيد للفلسطينيين بجامعة تورنتو

أمهل قاض كندي في مقاطعة أونتاريو متظاهرين يؤيدون الفلسطينيين، حتى مساء الأربعاء، لمغادرة مخيم أقاموه منذ شهرين في جامعة تورنتو، مقرا بذلك طلب الجامعة إصدار أمر قضائي.

وأصبح بمقدور الشرطة اعتقال وإبعاد أي شخص يخالف الأمر، لكن المتظاهرين قالوا إن القرار لن يمنعهم من القيام بحملة من أجل مطالبهم.


وقالت الطالبة سارة راسخ المتحدثة باسم المتظاهرين إنها "مصدومة ومحبطة لكنها مستعدة أيضا لمواصلة الضغط"، مشيرة إلى أن الاحتجاجات ستستمر حتى تقوم الجامعة بسحب الاستثمارات المتعلقة بإسرائيل وقطع العلاقات مع بعض المؤسسات الإسرائيلية.

وقالت إن المتظاهرين لم يقرروا ما إذا كانوا سيلتزمون بالأمر ويغادرون.

وأوضحت قائلة: "لا نعرف ما سنفعله بعد. ما زلنا نحاول معالجة القرار ونحتاج إلى مناقشة الأمر".

ورحبت الجامعة في بيان لها بقرار المحكمة.

وقال البيان: "نحن على ثقة في أن الموجودين في المخيم سيلتزمون بأمر المحكمة ويخلون المخيم قبل الموعد النهائي الذي حددته المحكمة... أي شخص يختار البقاء في المخيم بعد هذا الموعد النهائي سيكون عرضة لعواقب بموجب سياسة الجامعة والقانون".

كانت الجامعة، وهي الأكبر في كندا، قد طلبت إصدار أمر قضائي يقضي بتولي الشرطة مسؤولية إخلاء المخيم.

وقال محامو الجامعة إن المتظاهرين سيطروا على ممتلكات الجامعة عندما أقاموا المعسكر ومنعوا آخرين من استخدامها، فضلا عن الإضرار بسمعة المؤسسة والتسبب في شعور بعض الأفراد بأنهم غير مرحب بهم أو غير آمنين.

وقالت الجامعة في طلب إصدار الأمر القضائي: "لقد عانت الجامعة وما زالت تعاني من ضرر لا يمكن إصلاحه".


وفي نيسان/ أبريل الماضي، أقدمت مجموعة من الطلبة على تغيير أسماء مباني جامعة ماكغيل الكندية، ومنحها أسماء قرى وبلدات فلسطينية دمرها الاحتلال الإسرائيلي على مدى سنوات طويلة منذ عام 1948، وذلك في تعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في ظل العدوان المتواصل على قطاع غزة.

ووثق مقطع مصور متداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحظات تغيير الطلبة المتضامنين مع فلسطين أسماء المباني التي يبلغ عددها نحو 30 مبنى، حيث جرى منحها بدلا من أسمائها القديمة، أسماء قرى ومدن فلسطينية مثل دير ياسين وشمال غزة وخانيونس.

يأتي ذلك في ظل تواصل الحراك الشعبي في العديد من العواصم والمدن الأوروبية والأمريكية نصرة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

مقالات مشابهة

  • موعد فنزويلا وكندا في ربع نهائي كوبا أمريكا 2024 والقنوات الناقلة
  • القضاء الكندي يسمح بفض مخيم مؤيد للفلسطينيين بجامعة تورنتو
  • قناص القسام في غزة يقتبس أبيات شاعر سوداني.. تعرف عليه (شاهد)
  • النطاقات المعرفية والإحالات المرجعية في شعر الأوقيانوس أنس الدغيم
  • روسيا تحظر دخول 99 مواطنًا كنديًا.. ماذا فعلت أوتاوا؟
  • هيئة قصور الثقافة تنعي الشاعر محمد خميس
  • هيئة قصور الثقافة تنعى الشاعر محمد خميس
  • روسيا تتخذ إجراء مضادا بحق 99 مواطنا كنديًا
  • سلام: شكراً قطر
  • ورحل الشاعر محمد خميس.. آخر ضوء للإخلاص