لجريدة عمان:
2025-04-01@12:30:08 GMT

معلّم الصبية والقصص: قابيل وهابيل

تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT

عندما كُنّا صغارا نرتاد المدارس الابتدائيّة البسيطة، التي بالكاد توجَد فيها مقاعد خشبيّة ثنائيّة، مجموعة، تشبه المكتب، وفيها أرضيّة مكتب خشبيّة خشنة مهترئة دوما، عليها نكتب ونضع كتبنا، ويتوسّط شبه المكتب ذاك، حُفرةٌ يأتي العامل كلّ صباح ليملأ بالحبر محبرة صغيرة في تلك الحفرة، لنا فيها مآرب عدّة غير غمس الدواة فيها وتحبيرها للكتابة.

في تلك الفترة، كانت الفواصل بين الخير والشرّ واضحة، ولم يكن المُدرّسُ يُشقي نفسه لإيجاد قصص الشرّ المؤدّية إلى الهلاك، وقصص الخير المؤديّة إلى السلامة، كنّا مؤمنين أنّ الإنسان يحتاج إلى قصّة، وأنّ كلّ حركة في الكون، وكلّ فكرة يؤمن بها الإنسان أو يرفضها، هي قصّة، وكيف لا، والله عزّ وجلّ أمر نبيّه الكريم أن يقص القصص؟ كيف لا، والله عزّ مقامه قد تعهّد بفعل القصص، إذ قال «نحن نقصّ عليك أحسن القصص»، وكان آباؤنا، كلّما جدّ موقف أو فعلنا فعلا معيبا، يُجلسوننا أمامهم، ويقصّون علينا قصّة، قصّة عن «التعلّم»، قصّة عن «فعل الخير»، قصّة عن «قيمة الأخلاق»، قصّة عن «ترك الكسل»، قصّة عن «النهوض باكرا»، قصّة عن «مائة نملة دخلت الغار»، قصّة عن «عقاب معذّب الحيوان»، وأمّهاتنا وجدّاتنا يُبدّدن ليالي الشتاء الطويلة، وليالي الصيف الحارّة بقصص البطولات والأخلاق والجميلات، وقس على ذلك من الحمل على الاعتبار بالقصص.

ولم يكن معلّمونا آنذاك يجنحون إلى القصص لقوّة إيمانٍ فيه، ولا لعقيدة تأمرهم بالقصص، بل كانوا يقومون بذلك انطلاقا من علّم الأطفال وهم يُنصتون إلى القصص، وعلى ذلك، كان معلّمونا الأوائل قصّاصين بامتياز، بعيدا عن ضغوط ضرورة إنهاء البرامج، وكلّ ترسانة المبادئ التنظيريّة التربويّة التي انتهت إلى الفشل الذريع، كان المعلّم هو الذي يختار طرق تحقيق مقاصد الدرس؛ لأنّ المقصد ليس التعليم فحسب، بل إخراج إنسان سويّ، قادر على نفع بلاده وعباده، أن يكون سويّا نفسيّا واجتماعيّا، وأن يتعلّم وهو يُدرك قصّة الكون، ولذلك امتلأنا بقصص الكون منذ كُنّا في مراحل الابتدائيّة الأولى، التاريخ قصّة، الدين قصّة، العلوم قصّة، اللّغات قصّة.

أتذكّر جيّدا دروس اللّغة العربيّة نحوها وصرفها، كانت تُقَدَّم إلينا انطلاقا من نصّ طريف مرغِّب في القراءة محبّب في العودة إلى أصل الكتاب، فكاهةً أو طرافةً أو موقفا إنسانيّا. ومن قصص التعليم الابتدائي الباقية في ذهني قصّة قابيل وهابيل، لم يكن من العسير تمثّل القصّة، ولا تخيّل حوادثها، ولكن كان من العسير علينا إدراك أنّ أخا يُمكن أن يقتل أخاه، وأن يدفنه أيضا، كان سؤالنا المُحيّر الذي لم نقدر على طرحه، ما هو السبب الذي من أجله قتل الأخ أخاه؟ كنّا مبهورين بالقصّة الأولى، وبمعرفتنا كيفيّة نزول الإنسان إلى الأرض، ولكن الأهمّ من كلّ ذلك هو معرفة تآخي الخير والشرّ، ووجود سُلالة تكرّست لكل ما هو شرّ على الأرض، هي سلالة قابيل قاتل أخيه، ورافض أمر ربّه، وسُلالة للخير والتقوى وطاعة الله، هي سُلالة هابيل المقتول، وأنّ الخير والشرّ قد نتجا عن جذر واحد وأصل واحد، هو آدم عليه السلام الأب الأوّل الذي لا يخلو هو نفسه من قصّة تُقرّبه إلينا ونحن صغار، وقصّته هي العصيان والندم، فقد عصى آدم أمر ربّه بعدم الأكل من الشجرة الممنوعة، ولكن بتوفّر عوامل مساعدة على إنجاز العصيان، وعلى رأسها الشيطان، أصل الشرور، ومنبع كلّ فعل دنيء يُمكن أن يأتيه البشر، يتحقّق الطرد من الجنّة، ومعاقبة آدم عليه السلام بإنزاله أرضا ملؤها الشرّ، بإطلاق الشيطان فيها إغواءً وإغراء، وكانت أسئلتنا آنذاك، تدفع معلّمينا إلى توسيع نوى القصّة وتأثيثها بتجهيز إطار الحكاية وتوصيف شخصيّاتها ومسرحة الأقوال، يُصبح المعلّم قاصّا معملا خياله، وممثّلا مؤدّيا لأدوار عدد، كُنّا نسمع القصص فنهنأ، ونسعد، ونتعلّم، ونُدرك أنّ الخير والشرّ في الإنسان، وأنّ العالم فيه من الجمال ما يَجُبّ الشرّ، وأنّا لا نخاف الشيطان لأنّه لا يدخل إلّا النفوس الضعيفة، ولذلك تظاهرنا بأنّا أقوياء، وحفظنا ما تيسّر من القرآن الكريم لفعل ذلك، بعد عقود من الزمن، وقد تطوّر العالم وتعدّدت معارف المعلّمين، وتيسّرت سُبل التدريس والدراسة، ولم يعد لطاولة التلميذ ذات المقعد المتّصل والتي يشترك فيها طالبان الجلوس مع أرضيّة خشبيّة أقرب إلى الحديد، ومحبرة تتوسّطها، وخشب بال منه تتكوّن، وحديد يمكن أن ينتأ من أيّ مكان، وجودٌ وحلّت محلّها مكيّفات ومقاعد وثيرة، وقاعات بهيجة وطريقة في التعليم ضعيفة، لا يعرف اليوم الأطفال قصّة قابيل وهابيل شغفا وحبّا وإن قيلت لهم في المدارس؛ فالطالب لم تهفُ نفسه إليها ولم يعلق لا بالقصّة ولا بالقاصّ، وأذكر جيّدا أنّ ابنتي وهي في الابتدائية الأولى كانت تقوم مفزوعة ليلا وتُصاب بكوابيس مرعبة، فلمّا سألتها عمّا تراه، أخبرتني أنّها تحلم بيأجوج ومأجوج يأكلونها، فقلت لها من أين تعرفين يأجوج ومأجوج، فأخبرتني أنّ معلّمها وهو من إحدى الدول العربيّة، وكُنّا آنذاك في عُمان، أخبرهم بأشراط الساعة، وبخروج فئة من الأقوام، ليسوا بالبشر، وهم أقزام في حجم إبهام اليد، وينتشرون في الأرض يلتهمون النّاس، فِلْم الرعب هذا لا وجه له من الحقّ، ولا تسويغ له لقصّه على أطفال في أعمار الزهور يُقبلون على الدنيا، ويرون في الخير انتصارا وفي الشرّ اندحارا، الإسلام ترغيب ونورٌ وضياءٌ وأملٌ وليس ترهيبا وظلاما وعَتمة، فعلّموا الأطفال بالقصص، علّموا الأطفال وهم مبتهجون، راغبون، لاعبون، ضاحكون، مقبلون، مُحبّون.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الخیر والشر

إقرأ أيضاً:

7ملايين مستحق بجميع المحافظات.. مصر الخير تنجح في إفطار صائم للعام الـ13 على التوالي

 أعلنت مؤسسة "مصر الخير" نجاح حملتها "إفطار صائم" هذا العام وللعام الثالث عشر على التوالي ، حيث تمكنت فرق عمل وقطاعات مؤسسة "مصر الخير" مع انتهاء أيام شهر رمضان المبارك من كتابة قصص نجاح جديدة والوصول للأسر الأكثر استحقاقا في مختلف محافظات الجمهورية بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين وشركاء النجاح.

يأتي ذلك استمراراً لجهودها على مدار 13 عاماً في حملة "إفطار صائم" بالتعاون مع شركاء النجاح .


وأعرب الدكتور علي جمعة، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مصر الخير ، عن سعادته البالغة بنجاح حملة "إفطار صائم" للعام الثالث عشر على التوالي بهدف إدخال الفرح والسرور على الأسر المستحقة طوال أيام شهر رمضان المبارك، قائلا: "نحن نعمل وفقاً قول المولى عز وجل "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون".


وأكد رئيس مجلس أمناء مؤسسة مصر الخير، أن دخول حملة "إفطار صائم" عامها الثالث عشر على التوالي هو عنوان للثقة بين المؤسسة والمتبرعين والشركاء معا، مشيدا بالدعم الذي يقدمونه في سبيل الوصول لكل أسرة مستحقة وكذلك أبناء المؤسسة والمتطوعين الذين  يعملون ليلاً نهاراً من أجل خدمة ملايين الأسر المستحقة وترسيخ قيم التكافل والتضامن في كافة محافظات مصر .


وأوضح الدكتور علي جمعة أن مؤسسة مصر الخير استطاعت الوصول لأكثر من 7 مليون مستحق طوال أيام شهر رمضان المبارك، اتساقا مع الجهود التي تقوم بها المؤسسة على مدار العام سعياً لتقديم خدمة متميزة من خلال برامجنا الإنسانية والمجتمعية المتنوعة من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو تنمية الإنسان المصري والاستمرار في خدمته لأكثر من 500 عام وهو ما نعمل جميعاً من أجله.

من جانبه أكد الدكتور محمد رفاعي ، الرئيس التنفيذي لمؤسسة مصر الخير ، أن مؤسسة "مصر الخير" تسعى دائماً لإدخال الفرحة والسرور إلى قلوب المصريين وتوفير كافة الاحتياجات الأساسية خلال شهر رمضان المبارك ، والوصول إلى أكثر  من 7 مليون مستحق من خلال العديد من البرامج التي شملتها حملة "إفطار صائم" ، اتساقا مع الجهود التي تبذلها طوال العام سعياً لتقديم خدمة متميزة من خلال قطاعات العمل المختلفة.

وأعرب الرئيس التنفيذي لمؤسسة مصر الخير ، عن سعادته البالغة بالنجاح الكبير الذي حققته حملة "إفطار صائم" للعام الثالث عشر على التوالي بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين وشركاء النجاح في كافة محافظات الجمهورية. 


وأشاد الرئيس التنفيذى لمؤسسة مصر الخير بما تم من جهد خلال الشهر الكريم بكافة مكاتب مصر الخير الميدانية على مستوى الجمهورية معرباً عن سعادته البالغة بما تم تقديمه من خدمات مختلفة خلال الحملة استهدفت المستحقين بشكل مباشر ، مؤكداً أن تنمية الإنسان هو هدف مؤسسة مصر الخير الرئيسي ولذلك فإن تنفيذ كافة المشروعات داخل المؤسسة يتم بصورة تنموية مباشرة تستهدف الإنسان المصري .


وأشار د رفاعي إلى أن حملة "إفطار صائم" تعد  من أهم حملات مؤسسة "مصر الخير" والتى حققت فى عامها الثالث عشر على التوالي نجاحاً كبيراً وملحوظا بفضل شركاء النجاح والجمعيات الشريكة بكل محافظات مصر ، فهي تعتبر بمثابة الذراع التنفيذية للمؤسسة في كافة المشروعات وهذا ما يجعل لمؤسسة مصر الخير السبق في تحقيق أهداف كافة حملاتها بتميز يرضي جميع المستحقين.

من جانبه قال الدكتور أحمد على ،المدير التنفيذي للبرنامج بمؤسسة مصر الخير : حققت حملة "إفطار صائم" للعام الثالث عشر على التوالي نجاحاً كبيراً حيث استطعنا على مدار شهر رمضان المبارك الوصول إلى أكثر من 7 مليون مستحق ، و عملنا هذا العام أو تدخلنا بأنشطة ومنتجات حملة إفطار صائم فى ٢٧ محافظة في أكتر من ٢٧٠ مركز إداري في أكتر من ٣٠٠٠ قرية على مستوى الجمهورية واستعنا بأكتر من ٢٢٠٠ جمعية شريكة .

وأشار إلى أنه فيما يتعلق بملابس عيد الفطر المبارك فقد تم توزيع الآلاف من كروت ملابس العيد ليتمكن رب الاسرة والطفل من اختيار احتياجاتهم من الملابس ومشاركتهم فرحتهم وذلك من خلال تعاقد المؤسسة مع سلسلة محلات ملابس منتشرة بمحافظات الجمهورية لضمان الجودة .


وأضاف : استطعنا من خلال حملة "إفطار صائم" هذا العام تحقيق رواجاً إقتصاديا ووفرنا حوالي ٣٠ ألف فرصة عمل  بطريقة غير مباشرة ، واستعنا بحوالي ٢٠ ألف فرصة تطوع من خلال المتطوعين من توزيع وجبات او تعبئة كراتين ، وقدمنا خدمات للصائمين لحوالي ٧ مليون مستفيد مابين وجبة افطار صائم ساخنة من خلال الخيام والتوزيع المنزلي وسيارة "خيرك زاد" و "وجبة لمة العيلة" و"كرتونة المواد الغذائية الجافة" و"كروت مواد غذائية" و"سند العائلة"ووحدة "زكاة فطر" التي تم توزيعها على الأسر المستحقة على مدار شهر رمضان المبارك.

مقالات مشابهة

  • مكالمة هاتفية بين الشرع والسوادني.. هذا ما جاء فيها
  • حمد بن جاسم: اجتاز السودان بسواعد أبناء قواته المسلحة وشعبه الأصيل محنة قاسية قذفته فيها مؤامرة عديدة
  • لأول مرة.. محمود قابيل يكشف أسرار عن دوره في الحلانجي
  • الكاريزما.. محمد رجب يكشف مفاجأة عن محمود قابيل في كواليس الحلانجي
  • 7ملايين مستحق بجميع المحافظات.. مصر الخير تنجح في إفطار صائم للعام الـ13 على التوالي
  • قانون الإجراءات الجنائية الجديد.. حظر إعادة نظر الدعوى بعد صدور حكم بات فيها
  • مسلسل حكيم باشا الحلقة الأخيرة.. انتصار الخير على الشر
  • نازك الحريري أملت أنّ تعم أجواء الخير والطمأنينة
  • الرئيس عباس يوجه كلمة للشعب ويخص غزة فيها
  • أوقات منهي عن الصلاة فيها .. تعرف عليها