لا تزال مسارات إيصال المساعدات الإنسانية إلى إقليم دارفور في السودان محل خلاف مستمر تارة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأخرى بين الحكومة السودانية والمنظمات الدولية التي تحذر من تفاقم انتشار الوفيات على نطاق واسع، والانهيار الكامل لسبل العيش، وتصاعد أزمة الجوع.

وجهت وزارة الخارجية السودانية اتهامات إلى قوات الدعم السريع بـ”احتجاز” عدد من الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونسيف”، والتي كانت في طريقها إلى الفاشر في شمال دارفور للمساهمة في تخفيف الأزمة الغذائية والصحية في معسكرات النازحين.

وأشارت الوزارة إلى أن قوات الدعم السريع بدأت في تنفيذ تهديداتها بمنع وصول قوافل المساعدات الإنسانية عبر مسار الدبة-مليط-الفاشر، حيث جمعت أعداداً من مرتزقتها بالقرب من مليط لقطع الطريق على القوافل والاستيلاء على المساعدات.

تحتضن مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور التي تحولت إلى معسكر نازحين كبير أكثر من 40 مركز إيواء جديداً و3 معسكرات نزوح تُعتبر الأكبر في إقليم دارفور.

وصرح عبدالحفيظ الغالي، عضو في “غرف الطوارئ بالفاشر”، وهي جمعيات أهلية شكلها سكان المدينة لمواجهة تداعيات الحرب، أن مئات الأطفال يعانون من سوء التغذية، وتتواصل وفيات الأمهات بسبب ضعف خدمات الرعاية الأولية، بينما يعاني الإقليم من نقص في الدواء والغذاء.

ووصف عماد الدين بدوي محمد، مدير عام وزارة الصحة بولاية شمال دارفور الوضع بـ”الصعب جداً”، وقال لـ”الشرق”، إن “أدوية الطوارئ والأطفال أقل من 5 سنوات، وأدوية غسيل الكلى والسرطان شبه معدومة، إلى جانب تكدس كبير للسكان، يرافقه ضعف في الخدمات كنتيجة النقص في الدواء”.

ولفت إلى أنه “منذ سبتمبر الماضي، لم تصلنا شحنة دواء جديدة، ونحتاج إلى الأدوية المنقذة للحياة، وأدوية الطوارئ الخاصة بالعمليات الجراحية، إذ أننا نعالج جرحى الحرب، وننادي بضرورة إيصال الدواء سريعاً”.

وأوضح أن ولاية شمال دارفور “الوحيدة التي تقدم الخدمات الأساسية في إقليم دارفور، حيث لا توجد إمكانية لتحويل المرضى لأي مكان آخر، كما أن مركز غسيل الكلى سيتوقف تماماً خلال أسبوعين إذا لم تصل الأدوية”.

ومنذ نوفمبر الماضي، توقفت قوات مشتركة مكونة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام عام 2020، مع الحكومة المركزية عن إقليم دارفور، عن تأمين إيصال المساعدات الإنسانية والقوافل التجارية للإقليم.

وأوكلت لهذه القوة المشتركة حينها تتبع مسار يبدأ من شرق السودان إلى غربه، إذ تنطلق من بورتسودان مروراً بمدينة الأبيض شمال كردفان، وصولاً إلى مدن الإقليم المختلفة.

وأقرت الحكومة السودانية، مسارات جديدة لإيصال المساعدات الإنسانية، وأهمها (الطينة تشاد -الفاشر شمال دارفور)، لإيصال المساعدات بطريقة مباشرة للإقليم.

إلى جانب هذه المسارات، أعلن حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي الأسبوع الماضي، تنشيط مسار جديد من بورتسودان إلى الدبة في الولاية الشمالية، ومنها إلى الفاشر، وهو الأمر الذي أثار حفيظة قوات الدعم السريع.

وأعربت قوات الدعم السريع عن رفضها للمسار الجديد، ورفضت أي مجهودات تقوم بها حكومة إقليم دارفور، معللة ذلك بأن المسار سينقل أسلحة ومعدات حربية لقوات الجيش بمدينة الفاشر، وليس المساعدات الإنسانية.

ونشطت المواجهات العسكرية مع إعلان توجه شاحنات المساعدات الإنسانية بالمسار الجديد.

وأفادت مصادر محلية لـ”الشرق”، بـ”رفع الدعم السريع من جاهزية قواتها في حدود مدينة الفاشر، وحشد المئات منهم في شمال وشرق المدينة، بينما حاول الجيش قطع خطة الحصار التي تحاول القوات فرضها على المدينة”.

وأشارت المصادر إلى أن “سلاح الجو نفذ غارات جوية استهدفت مواقع الدعم السريع وارتكازاته في شمال وشرق المدينة لأكثر من مرة”.

وذكرت غرفة الطوارئ بالفاشر أن هذه الغارات “لم يسلم منها المدنيين”، متهمة الدعم السريع بالاحتماء بالمدنيين أثناء غارة جوية، ما أوقع خسائر بينهم، في حين أصبحت الفاشر ساحة لتصفية الحسابات العسكرية على حساب المساعدات الإنسانية.

وأكد عبد الباقي محمد حامد مدير الرعاية الاجتماعية، وعضو اللجنة العليا لإدارة الأزمة في إقليم دارفور لـ”الشرق”، أن “مسار بورتسودان-الدبة-الفاشر مهم للغاية في هذا التوقيت، عقب توقف مسار بورتسودان-كوستي الأبيض، حيث قمنا بتدشين العمل عبر المسار الجديد وصولاً إلى إقليم دارفور”.

وأضاف: “الآن هناك 69 شاحنة محملة بالدواء والغذاء ومجهزة ليتم توزيعها، كما أن معبر الطينة الذي يسمح للمساعدات بالدخول من تشاد يعمل أيضاً، ويستقبل شحنات المساعدات، حيث يتم التوزيع من الفاشر إلى بقية مدن الإقليم”.

ولفت إلى أنه “لا تزال الأوضاع الإنسانية تتطلب مواصلة الجهود من كل الشركاء لتوفير الدعم العاجل لتلبية الاحتياجات الضرورية المنقذة للحياة لأكثر من 4.4 مليون نازح داخلي بالإقليم”.

وتحولت مدن الإقليم إلى معسكرات للنازحين الفارين من القتال، حيث امتلأت المدارس بالنازحين، وازدحمت المنازل بالأسر النازحة التي تمت استضافتها من قبل المجتمعات لدرجة أن هذه المجتمعات المستضيفة والأسر النازحة أصبحت في درجة واحدة من المعاناة في نقص الغذاء والاحتياجات الأساسية، بحسب عضو اللجنة العليا لإدارة الأزمة في إقليم دارفور.

وأوضح حامد أنه “في ظل هذه التحديات والصعوبات تعمل اللجنة العليا لإدارة الأزمة بالإقليم لمعالجة الأوضاع الإنسانية، مستثمرة كل الفرص الممكنة للتدخل والاستجابة لدعم حوالي 4.4 مليون فرد بزيادة أكثر من 173 ألفاً عن العام الماضي”.

والمستهدفون بالمساعدات الإنسانية الطارئة للعام الجاري، هم عبارة عن نازحي الحرب بعد 15 أبريل الماضي، إلى جانب النازحين قبل العام 2023 الذين يتواجدون في مراكز الإيواء، ومدن الإقليم خاصة مدينتي الفاشر والضعين.

المتحدثة الرسمية باسم برنامج الغذاء العالمي في السودان ليني كينزلي قالت لـ”الشرق”: “بخصوص المسار الجديد في الوقت الحالي، نحتاج إلى الوصول عبر أكبر عدد ممكن من النقاط لتجنب كارثة الجوع التي تلوح في الأفق، فكل نقطة عبور من داخل السودان وخارجه عبر ممرات عبر الحدود أمر بالغ الأهمية”.

من جهتها، ذكرت منظمة يونيسيف لـ”الشرق”، أنه “منذ بدء النزاع قامت (اليونيسف) بتسليم 1.6 ألف طن متري من الإمدادات من خلال العمليات عبر الحدود عن طريق منطقة أدري التشادية”، لافتةً إلى أنه “يجري الآن تقييم المسار الجديد من قبل الحكومة والمنظمات الإنسانية، بما في ذلك الأمم المتحدة”.

وبيّنت المنظمة، أنه “سيتم تحديد إمكانية الوصول عبر هذا المسار عند الوصول الآمن للإمدادات، ولكن من المهم ملاحظة أن الطريق طويل (حوالي 7 أيام)، وخطير لأنه يمر عبر الخطوط المتقاطعة والصحراء”.

وأضافت: “رغم ذلك تظل (اليونيسف) ملتزمة بتزويد الأطفال في دارفور بالإمدادات المنقذة للحياة، وسنستمر في الدعوة إلى التعجيل بذلك دون عوائق”.

وعلى الرغم من اعتراضها على الخطوة لم تُدل قوات الدعم السريع بتصريح بشأن بدء العمل بمسار بورتسودان-الدبة-الفاشر على الرغم من تكرار “الشرق” استفسارات حول الخطوة.

إلى جانب ذلك لم تتلق “الشرق” رداً من الهادي إدريس رئيس حركة تحرير السودان-المجلس الانتقالي، بشأن إمكانية عودة قواته للعمل ضمن القوة المشتركة في تأمين إيصال المساعدات الإنسانية عبر المسار الجديد.

الشرق للأخبار

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: إیصال المساعدات الإنسانیة قوات الدعم السریع فی إقلیم دارفور المسار الجدید شمال دارفور لـ الشرق إلى جانب إلى أن

إقرأ أيضاً:

أوضاع مأساوية في الفاشر بسبب حصار الدعم السريع.. شبه مجاعة (شاهد)

تعيش مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي شنت قوات الدعم السريع هجوما عنيفا عليها قبل أيام، وتمكنت من حصارها.

وأظهرت فيديوهات أن النازحين في مخيمات الفاشر، وأبرزها زمزم، وأبوشك، وأبوجا، يعانون شحا شديدا في الغذاء والدواء.

وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن المصابين داخل الفاشر يضطرون إلى معالجة أنفسهم بطرق بدائية، ويضمدون جراحهم بقطع قماش بسبب عدم وجود مستلزمات إسعافات أولية.

يقول عيسى سعيد (27 عاما) والد محمد لوكالة فرانس برس في اتصال عبر الأقمار الصناعية ستارلينك، في ظل انقطاع الاتصالات في المنطقة بشكل كامل، "بمساعدة جارتنا التي كانت سابقا تعمل في مجال التمريض، أوقفنا النزيف لكن اليد فيها تورّم ولا ينام (محمد) ليلا من الألم".

وكما هو حال سكان آخرين في مدينة الفاشر المحاصرة من قوات الدعم السريع منذ أيار/مايو 2024، فإنّ عيسى لا يمكنه نقل ابنه إلى غرفة الطوارئ في أي مستشفى.

وقد أدّت الهجمات المتكرّرة التي شنّتها قوات الدعم السريع على العاصمة الإقليمية لمنطقة دارفور الشاسعة، إلى جعل أي تحرّك للمدنيين محفوفا بالمخاطر.

فضلا عن ذلك، تعرّضت جميع المرافق الصحية فيها لقصف أو لهجوم.

ويقول محمد وهو منسّق مساعدات إنسانية نزح إلى الفاشر هذا الأسبوع، إنّ مئات الجرحى يجدون أنفسهم محاصرين حاليا في المدينة.
هذا الفيدو يوثق معاناة النازحين الفارين من الفاشر ومعسكراتها ابوشوك وأبوجا وزمزم للنازحين للحصول علي المياه الصالحة للشرب ١٩ ابريل ٢٠٢٥م، تناشد منظمتي مناصرة ضحايا دارفور و الملاذ الآمن جميع المنظمات للتدخل العاجل لتوفير مياه الشرب، علما بأن هناك عدد من النازحين ماتوا في الطريق… pic.twitter.com/czshVxS1TQ — Darfur Victims Support (@DVSorg) April 19, 2025
"العلاج بما هو موجود"
وكان هو نفسه قد أُصيب في فخذه خلال الهجوم الدامي الذي نفذته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين الواقع على بعد 15 كيلومترا جنوب الفاشر.

وبحسب مصادر إنسانية، فإنّ مئات آلاف الأشخاص فرّوا من مخيّم زمزم الذي أعلنت الأمم المتحدة أنّه يعاني من مجاعة، وذلك للجوء إلى مدينة الفاشر.

ويضيف محمد الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، إنّ "الناس فاتحة بيوتها وكلّ الناس يتلقّون العلاج بشكل خصوصي في البيوت".

في الفاشر، يحاول الناس تقديم الإسعافات الأولية وعلاج الحروق أو الجروح الناجمة عن الرصاص وشظايا القذائف، بالاعتماد على مواد بدائية للإسعافات الأولية وباستخدام نباتات طبية.

ويروي محمد أبكر (29 عاما) أنه كان يحاول إحضار الماء لأسرته عندما أُصيب بطلق ناري في رجله.
ويقول "حملني جيراني إلى داخل المنزل واستدعوا جارنا الذي لديه خبرة في معالجة الكسور بالجبيرة وهو نوع من العلاج الشعبي... باستخدام أخشاب وقطع قماش".

ويضيف "المشكلة أنّه حتى لو تعالج الكسر، ما زالت الرصاصة في رجلي".

وفيما أصبح وجود المعدّات الصحية محدودا للغاية في المدينة، يشير محمد إلى أنّه لو كان هناك مال لكان من "الممكن إرسال من يشتري شاشا أو مسكّنا، هذا إن كان موجودا ولكن بشكل عام لا توجد مستلزمات، يتم العلاج بما هو موجود".


الملح كمطهّر
أسفرت الهجمات الأخيرة التي شنّتها قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر ومخيّمات النازحين المحيطة بها، عن مقتل أكثر من 400 شخص، حسبما أفادت الأمم المتحدة الإثنين.

ويمكن لأي هجوم واسع النطاق قد تشنّه قوات الدعم السريع التي تحاصر المدينة، أن يترك آثارا تدميرية عليها.

وفي السياق، تتزايد التحذيرات من مخاطر مثل هذه العملية في منطقة الفاشر حيث يجد 825 ألف طفل على الأقل أنفسهم محاصرين في "جحيم"، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
وبعد 11 شهرا من الحصار وعامين من الحرب، بنى الكثير  من سكان الفاشر ملاجئ مرتجلة وكثيرا ما حفروا على عجل حفرا غطوها بأكياس رمل لحماية أنفسهم من القصف.

ولكن لا يتمكّن الجميع من الوصول إلى الأمان في الوقت المناسب.

الأربعاء، سقطت قذيفة على منزل هناء حماد، ما أدى إلى إصابة زوجها في بطنه.

وتقول المرأة البالغة 34 عاما لفرانس برس "حاولنا بمساعدة جارنا إيقاف النزيف ومعالجة الجرح باستخدام ملح الطعام كمطهّر". لكنّها تضيف "في الصباح التالي، توفي".

من جانبه، يناشد محمد الذي يجد نفسه طريح الفراش "التدخّل العاجل من كل من يستطيع إنقاذ الناس".

والجمعة، دعت منظمة أطباء بلا حدود إلى إرسال مساعدات إنسانية.

وقال رئيس البعثة راسماني كابوري "رغم إغلاق الطرق المؤدية إلى الفاشر، يجب إطلاق عمليات جوية لإيصال الغذاء والدواء إلى مليون شخص محاصرين هناك ويعانون الجوع".

هذا الفيدو يوثق توافد النازحون من الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك بأعداد كبيرة إلى منطقة الطويلة حيث الأمان، لكن التحدي الأكبر يتمثل في نقص الخدمات الأساسية.

Displaced people from El Fasher and the Zamzam and Abu Shouk camps are flocking to the Tawila area en masse, where there is… pic.twitter.com/CrL5qiW1Gw

— Darfur Victims Support (@DVSorg) April 19, 2025

تتواصل عمليات توافد المدنين من الفاشر ومعسكراتها ابوشوك وأبوجا وزمزم إلي وحدة ادارية كورما معسكر سلك للنازحين ولاية شمال دارفور الفاشر ١٨ ابريل ٢٠٢٥م، تطلق منظمة مناصرة ضحايا دارفور نداء إنساني عاجل لكل المنظمات وصول ٧٠٠ أسرة معظمهم من النساء والاطفال وكبار السن حوالي ٦٠ ألف شخص… pic.twitter.com/eaiVOjfGLs

— Darfur Victims Support (@DVSorg) April 19, 2025

مقالات مشابهة

  • أكثر من 30 قتيلا جراء قصف قوات الدعم السريع مدينة الفاشر في دارفور  
  • هجوم جديد للدعم السريع على الفاشر وتقارير أممية عن انتهاكات مروعة
  • دارفور.. مقتل أكثر من 30 في هجوم جديد للدعم السريع على الفاشر
  • 30 قتيلا جراء قصف قوات الدعم السريع مدينة الفاشر
  • نحو 290 ألف نازح في الفاشر والجيش يتهم الدعم السريع بمواصلة قصف المدنيين
  • منظمات أممية: 420 ألف نازح وأزمة الغذاء في غزة تتفاقم
  • مقتل 7 أشخاص وإصابة 3 آخرين إثر قصف الدعم السريع أحياء مدينة الفاشر
  • السودان.. «الدعم السريع» يصعّد الهجوم على الفاشر وسط أزمة إنسانية حادة
  • أوضاع مأسوية في الفاشر بسبب حصار الدعم السريع.. شبه مجاعة (شاهد)
  • أوضاع مأساوية في الفاشر بسبب حصار الدعم السريع.. شبه مجاعة (شاهد)