للمرة الثامنة خلال 1383 عامًا.. انتقال حكم مصر من عاصمة إلى عاصمة
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
تعد مصر من أقدم بلاد العالم التي عرفت النظم السياسية المتطورة، والتي لها عاصمة مركزية تحكم البلاد بعد ان استطاعت القضاء تمامًا على العصبية القبلية منذ فجرالتاريخ وتوحيد البلاد تحت علم واحد وقيادة موحدة منذ آلاف السنين.
ولو أننا تتبعنا مصر منذ العصر البيزنطي لوجدنا أن مقر الحكم فيها أو العاصمة قد تغير وانتقل من مكان إلى مكان حسب التطور العمراني والسياسي للبلاد نحو 8 مرات في 1383 عامًا
الإسكندريةالإسكندرية هي المدينة التي أسسها الإسكندر الأكبر ثم أصبحت عاصمة البطالمة ومن بعدهم الرومان الذين أصبح اسمهم البيزنطيين بعد اعتناقهم المسيحية، وظلت الإسكندرية عاصمة مصر المتوجة حتى عام 641 ميلادية.
وهي المدينة التي اختار عمرو بن العاص مكان قريب من النيل على حده الشرقي لبنائها وذلك تنفيذًا لوصية الخليفة عمر بن الخطاب إليه، حيث قال له لا تتخذ الإسكندرية عاصمة كي لا يكون النيل فاصلًا بينها وبين مركز الحكم بذلك الوقت وهو المدينة واتخذ مكانًا قريبًا من طريق الإمدادات ما بين المدينة والعاصمة الجديدة.
وبنى الفسطاط عمرو بن العاص عام 21 هجرية ومنها كان حكم مصر طوال فترات الخلفاء الراشدين (عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين) وكذلك ظلت الفسطاط مقر الحكم طوال العصر الأموي، والفسطاط حاليًا هي منطقة مصر القديمة بجانب مجمع الأديان محطة مترو مار جرجس
العسكرثم جاء بعد الأمويين العباسيين والذين استطاعوا السيطرة على الخلافة الإسلامية ذلك الوقت وكان من الطبيعي أن يتخذوا عاصمة جديدة لهم في مصر، وكانت تلك المدينة التي أسسها الصالح بن علي عام 132 هجرية، وإليها انتقل مقر الحكم في مصر، ومدينة العسكر اندثرت بالكامل لم يتبق منها أي أثر ومكانها بالتقريب كان مكان مستشفى 75375 وسور مجرى العيون حاليًا
القطائعالعباسيون أرسلوا إلى مصر والي لهم كي يدير شئون البلاد، والذي اصطحب معه زوجته وولدها وهو أحمد بن طولون، وقد ورث ابن طولون حكم مصر عنه، وقد رأى هذا الشاب أن مصر تصلح لأن تكون بلدًا مستقلًا، وبالفعل استطاع الاستقلال بها إداريًا عن الخلافة العباسية، وأنشأ عاصمة جديدة سنة 256 هجرية وأطلق عليها اسم القطائع وإليها انتقل مقر حكم البلاد وبدأ عصر جديد وهو العصر الطولوني، وتبقى من القطائع جامع ضخم وهو جامع أحمد بن طولون، وكذلك قناطر ابن طولون والمعروفة باسم بسور مجرى الإمام.
وبعد الطولونيين حكم مصر الإخشديين من القطائع أيضًا حتى جاء الفاطميون عام 358 هجرية 969 ميلادية واستطاعوا دخول مصر وأسسوا دولتهم وعاصمتها القاهرة
القاهرةأسس القاهرة القائد جوهر الصقلبي، وقد بناها مدينة محصنة ذات أسوار ممنوع على المصريين سكناها بل تكون فقط قاصرة على الحاكم الفاطمي وحاشيته وجنوده ومن قدم معه من بلاد المغرب العربي.
وظلت القاهرة مقرًا للحكم طوال العصر الفاطمي، وكان الحكم فيها من القصر وكذلك من مقر الوزارة واللي مكانه حاليًا خانقاة بيبيرس الجاشنكير في شارع الجمالية.
القلعةجاء صلاح الدين الأيوبي إلى مصر والذي استطاع أن يقضي على الحكم الفاطمي، وبنى القلعة في عام 572 هجرية وبنى سور يحيط بالعواصم الأربعة (الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة) ونقل مقر الحكم إلى القلعة، والتي صارت المقر السلطان لمصر على مدى سنوات عدة طوال العصر الأيوبي بدءً من العادل بن الكامل ومرورًا بالعصر المملوكي كاملًا وكذلك العصر العثماني، ثم عصر أسرة محمد علي وحتى الخديوي إسماعيل
القاهرة الخديويةفي عصر الخديوي إسماعيل وبعد ما يقرب من 700 عامًا انتقل مقر حكم مصر من القلعة إلى قصر عابدين عام 1872 ميلادية، وأنشأ الخديوي حي جديد عُرف بالقاهرة الخديوية
مصر الجديدةثم توسعت القاهرة أيضًا على يد البارون إمبان لما بنى مدينة هليوبوليس «مصر الجديدة»، وصار فندقها هليوبوليس بالاس "قصر الاتحادية" هو مقر حكم البلاد... حتى أمس الاثنين 1 أبريل 2024
العاصمة الإدارية
واليوم الثلاثاء 2 أبريل 2024 وبحلف الرئيس السيسي اليمين الدستورية في مقر النواب الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة ثم بانتقال الحكومة إليها وانتقال المقر الرئاسي إليها فتكون هذه هي المرة الثامنة في خلال ما يقرب من 1383 عامًا التي ينتقل فيها حكم مصر من عاصمة إلى عاصمة أو من مقر إلى مقر جديد
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: حكم مصر السيسي العاصمة الادارية الجديدة بن طولون حکم مصر مصر من
إقرأ أيضاً:
المُجدِّد.. علي عزت بيجوفيتش
فوزي عمار
علي عزت بيجوفيتش ليس مجرد سياسي قاد البوسنة نحو الاستقلال؛ بل هو فيلسوف ومفكر إسلامي حاول أن يجد جسرًا بين التراث الإسلامي والحداثة الغربية.
عُرف الراحل بكتاباته العميقة، مثل "الإسلام بين الشرق والغرب" و"البيان الإسلامي"، وهي مؤلفات تناقش إمكانية بناء حضارة إسلامية معاصرة دون انغلاق أو قطيعة مع العصر. زأحد أبرز أقواله المثيرة للجدل هو: "المسلمون لا يؤمنون بقداسة القرآن كمنهج بل بقداسته كشيء".
وُلد بيجوفيتش في البوسنة، وعايش تحولات القرن العشرين من الحرب العالمية الثانية إلى سقوط يوغوسلافيا. وسُجِن مرتين بسبب دفاعه عن الهوية الإسلامية في ظل النظام الشيوعي؛ مما عمَّق إيمانه بضرورة الجمع بين الفكر والممارسة. لم يكن بيجوفيتش مُفكرًا منعزلًا؛ بل رأى أن الفكر الإسلامي يجب أن يتحول إلى مشروع حضاري قادر على مواجهة تحديات العصر، وهو ما حاول تطبيقه كرئيس بعد الاستقلال.
المنهج القرآني في فكر بيجوفيتش: نحو حضارة إسلامية معاصرة
يرى بيجوفيتش أن القرآن يقدم مبادئ كلية (كالتوحيد، العدل، الشورى، المساواة) قابلة للتطبيق في كل زمان، لكن تطبيقها يحتاج إلى اجتهاد عقلي يتناسب مع ظروف العصر. وهنا يلتقي مع مفكرين إصلاحيين مثل محمد إقبال، والذين دعوا إلى إحياء "الحركة الاجتهادية" لتحويل النص إلى مشروع نهضوي.
وفي كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب"، يُقارن بيجوفيتش بين الرؤية الإسلامية والرؤيتين المادية "الغربية" والروحية "المسيحية"، مؤكدًا أن الإسلام يجمع بين "الروح والمادة"، وبالتالي يجب أن يُنتج حضارةً متوازنة. لكن هذا لا يحدث لأن المسلمين توقفوا عن قراءة القرآن كـمنهج تفكير،
نقد بيجوفيتش الجمود الفكري بين التقديس والتجديد.
لم يكن انتقاد بيجوفيتش للمسلمين سلبيًا؛ بل كان دعوة للصحوة؛ إذ يرى أن الجمود في فهم القرآن أدى إلى تهميش دور الإسلام في تشكيل الحضارة الإنسانية، بينما التاريخ الإسلامي المبكر شهد ازدهارًا عندما تعامل المسلمون مع القرآن كمرشدٍ للعقل والعمل.
وفي "البيان الإسلامي"، يطرح بيجوفيتش رؤيةً لإقامة نظام سياسي إسلامي حديث، يقوم على مبادئ الشورى وحقوق الإنسان، مستلهمًا القرآن كمصدر للإلهام وليس كنصوص جامدة.
وهنا، يظهر الفرق بين التمسك بالشكل دون المضمون والتقديس الفعال (استخراج القيم وتطويرها).
كانت رؤية بيجوفيتش إلى الإسلام أنه رسالة إلى المستقبل؛ إذ إن علي عزت بيجوفيتش لم يكن مجرد فيلسوف؛ بل كان صاحب مشروع أراد إثبات أن الإسلام يمكن أن يكون أساسًا لدولة عادلة وحديثة. وقولته عن القرآن تُلخص أزمة العالم الإسلامي، وأهمها الانشغال بالمظهر على حساب الجوهر. ولا شك أن دعوته إلى تحويل القرآن من "شيء مُقدس" إلى "منهج مقدس" هي إعادة تعريف للتدين نفسه، ليس طقوسًا فحسب؛ بل فعلًا أخلاقيًا وحضاريًا.
وعندما حوصرت العاصمة سراييفو، كانت الحرب الخيار الأصعب لفلسفته، ولم يتحول بيجوفيتش إلى خطاب الكراهية؛ بل ظل يؤكد أن الحرب "ليست صراعًا بين الإسلام والمسيحية، بل بين الحضارة والهمجية".
هنا، تجلّت قدرته على تحويل المأساة إلى فرصةٍ لتعريف العالم بقضية الإسلام الوسطي، مستخدمًا المنصات الدولية لتوضيح أن المسلمين البوسنيين "يدافعون عن حق أوروبا في التنوع، لا عن تعصب ديني". لقد حوَّل المعاناة إلى رسالةٍ عالمية: الإسلام ليس عدوًا لأوروبا؛ بل جزءًا من نسيجها الإنساني.
اليوم، وفي ظل تحديات العولمة والهويات المتنازعة، تظل أفكار بيجوفيتش منارةً لكل من يبحث عن إسلام يجمع بين الأصالة والابتكار، بين الإيمان وإنجازات العصر.
رابط مختصر