هل أخفت واشنطن مسؤولية موسكو عن إصابة دبلوماسيين بمتلازمة هافانا؟
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
واشنطن- بعد تحقيق مشترك أجراه لمدة عام برنامج "60 دقيقة" وموقع إنسايدر -المتخصص في التحقيقات المتعلقة بروسيا- ومجلة دير شبيغل الألمانية عن إصابات الدماغ الغامضة التي أبلغ عنها سنة 2016 مسؤولون عاملون في أجهزة الأمن القومي الأميركي، انتهى التحقيق إلى تحميل موسكو مسؤولية انتشار هذا المرض.
وأعلن موظفون بالبيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ومكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) وضباط بالجيش الأميركي وعائلاتهم إصابتهم بما تُعرف بمتلازمة هافانا.
وتعود هذه التسمية لأول إبلاغ عن إصابات حدثت عام 2016 في هافانا عاصمة كوبا، حيث أبلغ عدد من الدبلوماسيين الأميركيين عن أعراض غير مبررة تبدأ بالدوخة والصداع وصعوبة التركيز وصوت شديد ومؤلم في آذانهم، لتمتد إلى دول أخرى وداخل الأراضي الأميركية.
تستر واستبعادوقدّر مسؤولون عام 2023 إصابة نحو 1500 من الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين خلال السنوات الأخيرة في 96 دولة بهذا المرض الغامض، وربط التحقيق هذا المرض بوحدة استخبارات روسية.
ويزعم التحقيق أن أعضاء وحدة استخبارات عسكرية روسية محددة -تُعرف باسم 29155- استهدفوا أدمغة الدبلوماسيين الأميركيين بأسلحة "الطاقة الموجهة". وأكد أن هناك أدلة على أن أعضاءها كانوا يوجدون في مدن حول العالم في الأوقات التي يبلّغ فيها أفراد أميركيون عن وقوع هذه الحوادث.
وانتهى بتأكيد إصابة المئات بسلاح سري يطلق شعاعا عالي الطاقة من الموجات الدقيقة أو الموجات فوق الصوتية، وتوصل التحقيق إلى أن إدارتي الرئيسين السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن اختارتا التستر على حقيقة قيام روسيا بهذه الهجمات، وتكرار تأكيدهما استبعاد وقوف دولة أجنبية وراءها.
كما راجع التحقيق أكثر من ألف حالة إصابة بمتلازمة هافانا، وأكد أن المصابين تعرضوا لطاقة موجهة أو موجات دقيقة تم إطلاقها من أجهزة خفية.
ومع ذلك، قالت دراسة أجراها المعهد الوطني للصحة، نُشرت الشهر الماضي، إن فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي أخفقت في اكتشاف أدلة على إصابات الدماغ لدى العشرات من الأفراد الأميركيين الذين أبلغوا عن هذه الإصابات الغريبة.
واستعان التحقيق بشهادات المئات ممن أصيبوا بهذه المتلازمة، ومنهم أوليفيا تروي، مستشارة الأمن الداخلي لنائب الرئيس السابق مايك بنس، التي أكدت إصابتها خارج البيت الأبيض. وتحدث كذلك عدد من مسؤولي مكتب التحقيقات الفدرالي عن إصابات مشابهة وقعت في ولايات مختلفة، كما وقع عديد منها في دول أجنبية.
أدلةوتحدثت كيري (لم يذكر التحقيق بقية اسمها لأسباب أمنية)، وهي مسؤولة بوحدة تعمل في مواجهة التجسس الروسي بمكتب التحقيقات الفدرالي، عن إصابتها بهذه الأعراض داخل منزلها بولاية فلوريدا، وقالت إنها مستمرة في العلاج.
وفي حديث مع برنامج "60 دقيقة"، قال مارك زيد، محامي أكثر من 20 مصابا بالمتلازمة، "إننا لا نتحدث فقط عن العوارض والمتاعب الجسدية، بل عن أدلة على وجود مشكلات لدى المصابين، حيث تتوقف شاشات الحواسيب حرفيا عن العمل أو تومض وتنطفئ".
وأضاف زيد "ليس هناك شك بأن روسيا متورطة وأن التقارير الأخيرة يجب أن تدفع للتحرك، لدينا أخيرا أدلة مباشرة إلى حد إجبار الحكومة الأميركية على تقديم إجابات حقيقية، لا يمكنها أن تقول لا".
ويرى المحامي أنه إذا لم تكن موسكو أو خصم أجنبي آخر هو المسؤول، فيجب أن يكون هناك نوع من التفسير. وأضاف أنه من المتوقع أن تتجنب الحكومة إلقاء اللوم على روسيا لتجنب الصراع المباشر.
وتابع "إذا كان الروس يستخدمون جهازا ويؤذون -عن دراية- ليس فقط ضباط استخباراتنا، ولكن عائلاتهم أيضا، فهذا عمل من أعمال الحرب ولم نفعل شيئا نعرفه للرد".
أدار غريغ إدجرين، المسؤول السابق بالبنتاغون، تحقيقات لصالح وكالة استخبارات وزارة الدفاع حول ظاهرة متلازمة هافانا بين عامي 2021 إلى 2023.
وقال إدجرين لبرنامج 60 دقيقة "كنا نجمع مجموعة كبيرة من البيانات، بدءا بوسائل الاستخبارات التقليدية، وأجهزة الذكاء البشري والتقارير المفتوحة المصدر. بحثنا في كل ما يتعلق بسجلات السفر والسجلات المالية. بناء على التحقيقات، يمكنني القول إننا بدأنا في مرحلة مبكرة جدا من التركيز على موسكو".
وأشار إدجرين إلى أن أغلب المصابين كانوا من الضباط الذين يركزون في وظائفهم الأمنية الاستخباراتية على روسيا بصورة أو بأخرى.
وأضاف أن إصابتهم بمتلازمة هافانا دفعت إلى إقالتهم والدبلوماسيين من مناصبهم بسبب الإصابات الدماغية المؤلمة التي لحقت بهم، مؤكدا أن موسكو نجحت في "تحييدهم"، وأن المتلازمة ليست سوى "حرب يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الولايات المتحدة".
رد غاضبفي المقابل، ردت إدارة بايدن بغضب على نتائج هذه التحقيقات، وقال مكتب الاستخبارات الوطنية "نواصل فحص الحوادث الصحية الشاذة عن كثب، لا سيما في المجالات التي حددناها على أنها تتطلب مزيدا من البحث والتحليل".
وأضاف المكتب "خلصت معظم وكالات الاستخبارات إلى أنه من غير المرجح أن يكون خصم أجنبي مسؤولا عن هذه الحالات".
وأوضح بيان للبيت الأبيض أن "إدارة بايدن ونائبته كامالا هاريس تجدد تأكيد أهمية إعطاء الأولوية للجهود الرامية إلى إجراء دراسة شاملة للآثار والأسباب المحتملة لهذه الحوادث الشاذة".
من جهته، اعتبر مكتب التحقيقات الفدرالي أن "قضية الحوادث الصحية الشاذة هي أولوية قصوى لنا، إذ إن حماية وصحة ورفاهية موظفينا وزملائنا في الحكومة الفدرالية أمر بالغ الأهمية".
وأضاف "سنواصل العمل جنبا إلى جنب شركائنا في مجتمع الاستخبارات ضمن الجهد المشترك بين الوكالات لتحديد أفضل السبل لحماية موظفينا".
وقال جون بولتون، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لدونالد ترامب، إن "المزاعم الجديدة مقلقة للغاية". وأضاف لشبكة سي إن إن "لا أعتقد أن الإدارة أخذت الأمر على محمل الجد، بما فيه الكفاية".
وعلى الجانب الروسي، رد ديمتري بيسكوف، السكرتير الصحفي للرئيس بوتين، وقال إن مزاعم تورط موسكو "هي اتهامات لا أساس لها بشكل استثنائي من قبل وسائل الإعلام"، وأضاف "لم ينشر أحد أو يعبر عن أي دليل مقنع على هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات التحقیقات الفدرالی
إقرأ أيضاً:
منير خيرالله: نحن أمام مسؤولية تاريخية تحتّم علينا العمل موحَّدين على إعادة بناء لبنان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
احتفلت أبرشية البترون المارونية بعيد الاستقلال وذكرى تطويب القديسة رفقا، ونظمت مسيرة حج وصلاة إلى دير مار يوسف جربتا حيث ترأس راعي الأبرشية المطران منير خيرالله قداسا احتفاليا عاونه فيه مرشد الدير الاب ميشال اليان ولفيف من كهنة الأبرشية، في حضور راهبات، الاخويات، طلائع وفرسان العذراء، حشد كبير من المؤمنين الذين توافدوا من مختلف المناطق اللبنانية ومن رعايا الأبرشية، بالإضافة إلى الاخويات وطلائع وفرسان العذراء. وخدم القداس الفنانان رفقا فارس ورودولف خوري.
بعد الإنجيل ألقى خيرالله عظة قال فيها: "في 22 تشرين الثاني 1985، تداعينا للمرة الأولى في أبرشية البترون، بعد إعلان تطويب الراهبة رفقا ولمناسبة عيد الاستقلال، إلى مسيرة حج وصلاة إلى ضريح الطوباوية رفقا في دير مار يوسف جربتا. تسعة وثلاثون سنة مضت ونحن نلتقي في مسيرات حج وصلاة، وكان وطننا لبنان، ولا يزال، يعاني من حروب الآخرين على أرضه ويدفع ثمنها اللبنانيون. فمات من مات، واستشهد من استشهد، وهُجِّر من هُجِّر، وهاجر من هاجر. وبقينا نحن نصارع من أجل الحياة، حياةٍ حرة وكريمة، في ظل دولة تحترم دستورها وقوانينها وتؤمّن مصالح مواطنيها وتستحق الاستقلال الناجز. للسنة التاسعة والثلاثين على التوالي نحجّ إلى ضريح القديسة رفقا لنحتفل معًا بعيدي القداسة والاستقلال. وبين الاثنين قرابة روحية ووطنية، إذ هما ثمرة تضحيات شعب وجهود أفراد. "
وأضاف: "نحتفل أولاً بعيد القداسة في هذا الدير الذي شيّدته القديسة رفقا مع أخواتها سنة 1897 في وادي القداسة والقديسين، هنا في جربتا. وقررت أن تمشي مسيرة القداسة التي تعود بنا إلى الجذور، إلى روحانية أبينا مار مارون الذي استنبط روحانيةً نسكية في كنيسة أنطاكيه، تعاش على قمم الجبال أو في قعر الوديان، في علاقة مميزة مع الله في الصلاة والتقشف والتجرّد عن ملذات العالم، وفي العمل في الأرض للعيش منها بحرية وكرامة. وأتى تلاميذ مارون يعيشون هذه الروحانية على قمم جبال لبنان أو في وديانه وحوّلوها إلى مراكز قداسة ومزارات لتمجيد الله. وأسسوا كنيسة مع البطريرك يوحنا مارون وأكملوا فيها مسيرة الروحانية النسكية في القداسة. واجهوا عبر الأجيال محنًا كثيرة في الاضطهادات والحروب والنزوحات، ولكنهم بقوا ثابتين في إيمانهم بالله، ومتمسكين بالقيم المسيحية والإنسانية التي تربّوا عليها، ومحافظين على أرضهم التي اعتبروها عطية من الله ووقفًا له. وكان منهم النساك والشهداء والقديسون، أمثال نعمة الله وشربل ورفقا".
وتابع: "أما العيد الثاني، عيد الاستقلال، استقلال لبنان الوطن والكيان، فهو أيضًا، كما مسيرة القداسة، احتاج إلى جهود وتضحيات كبيرة من شعبنا قدّمها خلال التاريخ منذ بداية وجوده وحضوره على هذه الأرض المقدسة. والقديسة رفقا، كما القديسون نعمة الله وشربل والاخوة المسابكيون، كانوا شهودًا لمرحلة من مراحل الاضطهادات التي تعرّض لها شعبنا في مسيرة استقلال الكيان اللبناني بين 1840 و1860، يوم كان الموارنة والمسيحيون يُذبحون في عهد الإمبراطورية العثمانية. والبطريرك المكرّم الياس الحويك، ابن منطقتنا، وحّد اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، وراح يطالب باسمهم الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى بإعلان دولة لبنان الكبير؛ الكبير لا في جغرافيته وأرضه، بل في دعوته ورسالته، لأنه وطن رسالة لكل بلدان العالم وشعوبه. وطن رسالة في المحبة والمصالحة والسلام والانفتاح والعيش الواحد في احترام التعددية، تعددية الانتماءات الدينية والطائفية والحزبية والثقافية والحضارية، على أن تبقى كلها تحت سقف الانتماء الواحد للوطن والدولة. ونال ما طلبه، وأعلنت دولة لبنان الكبير 1920. وتابع البطريرك أنطون عريضه النضال حتى نال لبنان استقلاله في 22 تشرين الثاني 1943 على إسم الجمهورية اللبنانية".
وأردف خيرالله: "لكن هذا الاستقلال لم يُنجز فعليًا لأن اللبنانيين لم يثقوا بدولتهم ولم يضحوا بمصالحهم الخاصة في سبيل المصلحة العامة. فبقيت عيونهم شاخصة إلى دول خارجية، وقلوبهم معلّقة بزعماء ورؤساء غير لبنانيين. واندلعت الحرب فيما بينهم ومع الآخرين منذ ما يقارب الخمسين سنة وما زالت مستعرة. وذلك لأنهم بَدَوا قاصرين فاستُعبدوا، ومنقسمين فحُكموا بالقوة، ومشرذمين فاحتُلت أرضهم".
أضاف: "نقف اليوم بعد كل هذا المسار المؤلم، على ضريح القديسة رفقا، أمام ذواتنا وأمام الله وأمام بعضنا البعض وأمام مجتمعنا، وقفة توبة صادقة لطلب الغفران على كل ما اقترفنا من أخطاء وخطايا. لنعمل بعد ذلك، وبكل جرأة، على قراءة نقدية لتاريخنا وللأحداث التي عشناها بهدف تنقية الذاكرة وإقامة حوار صادق وصريح في ما بيننا للوصول إلى مصالحة باتت ضرورية، بل ملحّة اليوم".
واختتم: "نحن أمام مسؤولية تاريخية تحتّم علينا العمل متعاضدين موحَّدين على إعادة بناء لبنان، الوطن الرسالة كما أطلق عليه القديس البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة حوار وسلام كما يردّد قداسة البابا فرنسيس. وبناء مستقبل واعد لأولادنا وأجيالنا الطالعة لينعموا باستقلال مستحَقّ وسيادة كاملة. نحن قادرون على ذلك بقوة إيماننا بالله ورجائنا يسوع المسيح الذي تنازل من ألوهيته ليصير إنسانًا مثلنا ويتبنّى إنسانيتنا الضعيفة ويقويها ويحملها معه حتى الصليب فالموت والقيامة. نطلب من الله، بشفاعة القديسة رفقا، التي حملت الصليب مع يسوع وصارت رسولة الألم وشفيعة المتألمين، أن يمنحنا القوة على حمل الصليب معه والانتصار على الشر والخطيئة، كي نكون رسل محبة ومصالحة وسلام في لبنان الرسالة وفي العالم. والمسيح باقٍ معنا إلى نهاية العالم".