نابلس- "الحال التي أفرج عنه بها لم تكن كذلك لحظة اعتقاله، ليس هو زوجي ناصر الذي نعرفه، وللوهلة الأولى شعرنا بالصدمة حين رأيناه، وكل ذلك يفسر أنه لم يكن بخير داخل المعتقل"، بهذه العبارات وصفت هدى الشاعر زوجة الدكتور ناصر الشاعر، الأكاديمي وأستاذ الشريعة بجامعة النجاح الوطنية، الحالة التي آل إليها زوجها بعد تحرره من سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ومساء أمس الاثنين، أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الشاعر من سجن جلبوع الإسرائيلي بعد نحو 5 أشهر ونصف شهر في الاعتقال الإداري، وذلك بعد انتهاء فترة تثبيت القرار الإداري الذي حصل عليه من المحكمة العليا الإسرائيلية.

وفي حديث للجزيرة نت، قالت زوجة الشاعر إن زوجها خرج بحالة صحية صعبة جدا، وقد بدت عليه علامات التعب الشديد والإرهاق والهزال، وإن الهيئة التي خرج بها لم تكن هي نفسها لحظة اعتقاله، ويؤكد ذلك كله أنه فقد نحو 25 كيلوغراما من وزنه، مضيفة أنه "خرج على هيئة هيكل عظمي، حتى أنه تمكن رؤيه عظام صدره جلية وعدها أيضا".

وأوضحت الشاعر أنهم -أي العائلة- ذهلوا للوهلة الأولى عند رؤيته، وأن شعورا بالقلق على وضعه الصحي انتابهم، ولهذا عمدوا إلى اصطحابه لمشفى رفيديا الحكومي صباح اليوم الثلاثاء بعد ساعات من الإفراج عنه ليطمئنوا على وضعه الصحي.

زوجة الشاعر تروي ما حل بزوجها خلال فترة الاعتقال (الجزيرة) شيب وهزال

وكشفت هدى الشاعر عن أن المرة الأولى التي يرى فيها زوجها نفسه في المرآة كانت أمس الاثنين بعد تحرره، حتى أنه نفسه صدم بحالته، وليس نحن فقط، وقالت إن الشيب غزا شعره الكثيف، الذي يبدو أنه لم يحلق منذ اعتقاله، وكذلك معالم وجهه تغيرت، وغارت عيناه في وجهه.

وأردفت "آثار الكبر بالسن ظهرت هذه الفترة بشكل واضح، وكأن سنوات من عمره قد مرت، واختلف هذه المرة عن اعتقالات سابقة له، خاصة جسده النحيل، مما يؤكد أن ما حصل عليه كأسير من طعام وشراب لم يكن يسد رمقه".

وذكرت أنه لنحالة جسده لم تعد ملابسه مناسبة له لارتدائها، ومثل وزنه صادر الاحتلال عكازه الطبي الذي يستخدمه منذ إصابته بالرصاص عند تعرضه لمحاولة اغتيال في يوليو/تموز 2022، بمدينة نابلس، وصادر الاحتلال حذاءه أيضا.

ورغم أن عائلة الشاعر كانت تعرف أن أمس الاثنين تنتهي فترة اعتقاله، فإنهم لم يكونوا متيقنين من الإفراج عنه بسبب صلف الاحتلال وإجراءاته الاحتلال التعسفية، وقد عرفوا تحرره بعد أن اتصل بهم أحد المواطنين قرب حاجز الجلمة شمال مدينة جنين شمال الضفة الغربية وأخبرهم أن الشاعر أُفرج عنه.

وعلى الفور، تقول زوجة الشاعر إنهم انطلقوا إلى حاجز الجلمة فور الإفراج عنه، وحينها كان وقت الإفطار قد حل، فاكتفى الشاعر بشرب الماء فقط، إذ لم يتمكن من تناول أي طعام أو حتى النوم، وظل مستيقظا حتى اليوم التالي.

وعند اعتقاله أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نُقل الدكتور ناصر الشاعر إلى سجن مجدو الإسرائيلي شمالا، وهناك مكث نحو شهر ونصف شهر، ليتم تحويله بعد ذلك لسجن جلبوع، حيث أكمل بقية مدة اعتقاله.

ويعد هذا الاعتقال السادس للدكتور الشاعر، الذي شغل منصب وزير التربية والتعليم ونائب رئيس الوزراء في الحكومة الفلسطينية العاشرة التي شكلتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 2006 عقب فوزها بالانتخابات التشريعية.

الدكتور الشاعر ناصر خسر كثيرا من وزنه خلال فترة الاعتقال (الجزيرة) قمع غير مسبوق

وفي روايات كثيرة، أكد أسرى محررون -للجزيرة نت- أن الأسرى يتعرضون منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول لقمع عنيف وترهيب غير مسبوق في سجون الاحتلال، إضافة لحرمانهم من النوم وأدواته والطعام والشراب والاستحمام، خاصة خلال الشهور الأربعة الأولى من الحرب.

وذكر أسرى أن سلطات الاحتلال عمدت للتضييق عليهم داخل الغرف عبر تكديسهم، وقدمت وجبة الطعام الواحدة "طبق لبنة" لنحو 8 أو 10 أسرى، وصادرت كل مكتسباتهم، من أدوات كهربائية وأغطية وأثاث، التي حققوها عبر إضرابات عن الطعام طويلة وصعبة.

كما تعرضوا لقمع يومي ولأكثر من مرة خلال اليوم أحيانا، وحرموا الخروج للفورة (ساحة السجن) وقطع الاتصال بهم ومنعوا زيارة المحامين وحتى الذهاب لعيادة السجن، فضلا عن الاعتداء المباشر بالضرب الذي أفقد بعضهم أسنانه وأثخن جراحهم، وهو ما أدى لاستشهاد 13 أسيرا في سجون الاحتلال منذ الحرب على غزة، حسب معطيات نادي الأسير الفلسطيني.

 

سياسة تجويع

وفي بيان صدر اليوم الثلاثاء عن نادي الأسير الفلسطيني، نُقلت روايات لأسرى خلال زيارات المحامين لهم، أكدوا استمرار الاحتلال في نهج "سياسة تجويع" الأسرى، وأن هذا بدا ملحوظا على أوضاعهم الصحية والهيئة التي يخرجون عليها.

وذكر النادي أن الطعام سيئ كما ونوعا ولا يطهى جيدا، مما يتسبب في أمراض لهم، وهو ما أدى لفقدان كثير من الأسرى كما كبيرا من أوزانهم، وضرب النادي مثلا على لسان أحد الأسرى قائلا "خلال شهر رمضان نعاني سوء تغذية، فلكل أسير 10 ملاعق أرز، وعلبتان من اللبن صغيرة الحجم تقدم لـ12 أسيرًا".

ونفَّذ الاحتلال، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نحو 8 آلاف اعتقال بين الفلسطينيين، شملت 258 سيدة فلسطينية و500 طفل، وذكر بيان لنادي الأسير أنه حتى نهاية فبراير/شباط الماضي تجاوز عدد الأسرى 9100 أسير، بينهم 3558 معتقلا إداريّا، و793 صنفوا "مقاتلين غير شرعيين"، من أسرى غزة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات

إقرأ أيضاً:

كندقار.. نازحو الفاشر على موعد مع الفكاهة

الفاشر- في خضم المعارك الدامية التي تشهدها مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، بين الجيش السوداني وحلفائه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، والتي خلفت معاناة ونزوحا كبيرين، تبرز قصص نبيلة وملهمة، من بينها قصة "كندقار".

"كندقار" هو لقب الممثل الكوميدي إلياس إبراهيم عبد الرحمن، وهو أيضا مخرج ومغني تراث، يبث البهجة والسعادة على وجوه النازحين الفارين من ويلات الحرب في مدينة الفاشر.

الشاب ذو الـ25 عاما، يعمل جاهدا على تحويل الألم والمعاناة إلى لحظات من الفرح والتسلية. ينظم مسرحيات كوميدية في مخيمات النازحين ومراكز الإيواء لتكون ملاذا يخفف من تأثيرات الحرب والصعوبات التي يعاني منها السكان يوميا.

نجح هذا الشاب بموهبته في التخفيف من بعض الضغوطات على السكان من خلال شغفه الفريد بالكوميديا، حتى أصبح محل اهتمام الأهالي في مختلف مناطق الولاية وإقليم دارفور بوجه عام.

إصرار رغم التحديات

وُلد كندقار وترعرع في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور لأسرة بسيطة مكونة من 9 أفراد، وفي منزل متواضع مشيد بالطين والقش كما يقول للجزيرة نت. وأضاف "منذ الصغر كنت أحب المسرح والكوميديا وأتدرب عليهما. وعندما شاهدت معاناة النازحين في المخيمات، قررت أن أستخدم موهبتي لإدخال السعادة والفرح إلى قلوبهم".

وكشف الشاب أنه يقدم النصائح للأطفال بشأن غسل اليدين والتعامل مع الصرف الصحي ومخاطر تعاطي المخدرات في سبيل الحفاظ على الصحة والسلامة.

وذكر أنه خلال مسيرته الفنية، قدم العديد من الأعمال الدرامية التي وجدت القبول والاستحسان من قبل مجتمع الإقليم منها مسرحية "نيالا صوت العنف والرعب" و"عيال أبو" ومسرحيات أخرى عن العنف ضد المرأة والطفل وزواج القاصرات ومحاربة خطاب الكراهية.

ويواجه الممثل الكوميدي تحديات تتمثل بالظروف الأمنية التي تشهدها المنطقة والنقص في الموارد المالية، لكنه يبدي إصرارا على مواصلة العمل وتقديم أعمال فنية أخرى.

رمز للأمل والتفاؤل

تقول النازحة المقيمة في الفاشر، زينب حامد "ما يقدمه كندقار من عروض كوميدية كان له الأثر الكبير في رفع الروح المعنوية لنا. إنه يستخدم موهبته بطريقة إبداعية لإدخال البهجة والسرور على قلوبنا في أوقات الشدة والمحن".

وأضافت في حديث للجزيرة نت "لقد تحول كندقار إلى رمز للأمل والتفاؤل في المدينة. فعندما يصعد إلى المنصة ويبدأ أداءه الساخر والمضحك، ننسى للحظات كل الصعاب والتحديات التي نواجهها يوميا".

ورأت أن أسلوبه في التعامل مع الواقع الصعب والظروف القاسية هو "أسلوب ذكي وإبداعي. فبدلا من الاستسلام للظروف القاسية، يختار أن يواجهها بالسخرية والفكاهة".

وتابعت "بالنسبة لنا، كندقار أشبه بنسمة الهواء العليل في يوم حار وشديد الوطأة. لقد نجح في إدخال البسمة على شفاه الجميع، وهذا الإنجاز لا يُقدر بثمن في هذه الأوقات العصيبة".

وتؤكد محاسن صالح، وهي مواطنة بمدينة الفاشر للجزيرة نت، التأثير الإيجابي لنشاط كندقار المسرحي في المدينة. وأضافت "لقد تمكن من إدخال السرور إلينا من خلال عروضه الكوميدية التي تناولت همومنا بأسلوب لطيف وممتع، مما ساعد على تخفيف معاناتنا".

دعم حكومي

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول رئيس المجلس الأعلى للثقافة والإعلام الناطق الرسمي باسم حكومة شمال دارفور خالد يوسف أبو رقة إن ما يقوم به كندقار وفرقته المسرحية يعد مبادرة إنسانية رائعة تستحق الدعم والتشجيع.

وأوضح أن المجلس الأعلى للثقافة والإعلام في شمال دارفور يعمل حاليا على تقديم الدعم اللازم له ولفرقته المسرحية وكافة الكوميديين لتمكينهم من الاستمرار في إسعاد النازحين ونشر البهجة والسرور في مختلف المناطق.

وكشف أن الحكومة تعمل حاليا على إعداد مشروع تحت عنوان "رايات الثقافة ترفرف أجنحة السلام" وهو مشروع ثقافي ضخم يعمل في عدد من المحاور، منها إحياء المنتديات الثقافية في مراكز الإيواء وبعض المناطق.

الأكاديمي آدم خاطر يؤكد أن الكوميديا تخفف حدة التوترات في المجتمع (مواقع التواصل) تلاشي الحواجز

من جهته، أكد آدم خاطر، أستاذ التربية الموسيقية المساعد بجامعة الفاشر ومدير المعهد الدارفوري للموسيقى والفنون، على أهمية دور الفنون، وخاصة الكوميديا، في تعزيز السلم الاجتماعي والتفاهم بين مختلف شرائح المجتمع.

وأوضح خاطر -في تصريحات للجزيرة نت- أن الكوميديا، بما تحمله من طاقة إيجابية وروح البهجة والمرح، تسهم في تخفيف حدة التوترات وبناء جسور التواصل بين الناس. "فعندما يتشارك الناس المرح والفكاهة، تتلاشى الحواجز والخلافات التي قد تفرقهم" حسب قوله.

وقال الأكاديمي: إن الكوميديا تمتلك القدرة على طرح القضايا الاجتماعية والسياسية بطريقة غير مباشرة، مما يجعلها أداة فعالة في التوعية والتوجيه والتثقيف. وتابع "الكوميدي الماهر يستطيع انتقاد الممارسات السلبية وتسليط الضوء على مظاهر الظلم والقهر بطريقة لطيفة وجذابة".

وأشار إلى أهمية الاستثمار في هذا المجال الفني الحيوي وتشجيع الشباب الموهوبين على ممارسة الكوميديا، من أجل صناعة الوئام والتفاهم بين مختلف فئات المجتمع في ظل هذه الظروف الصعبة، مشيدا بالأعمال الفنية الرائعة التي يقدمها الفنان "كندقار" لمجتمع الفاشر.

مقالات مشابهة

  • روايات للجزيرة نت.. الاحتلال يستخدم التجويع سلاحا بسجونه
  • بوليفيا.. آخر ما قاله قائد محاولة الانقلاب قبل اعتقاله
  • طارق لطفي.. الموهوب الذي تأخرت نجوميته كثيرا
  • لماذا يتخلف اقتصاد أوروبا كثيرا وراء الاقتصاد الأمريكي؟
  • كندقار.. نازحو الفاشر على موعد مع الفكاهة
  • (ثلاثون عصفوراً).. جديد الشاعر عبد الكريم شعبان
  • خليل الحية للجزيرة: حماس ملتزمة بمبادئ بايدن ومستعدون للتفاوض بشأنها
  • جعلوه درعا بشريا على مقدمة مركبة.. الشاب عبادي يروي للجزيرة كيف نكّل الاحتلال به
  • أسئلة وجودية.. بقلم: بثينة شعبان
  • فيديو يدمي القلب.. مقطع جديد لبدر دحلان الشاب الفلسطيني المفجوع من تعذيب الاحتلال