القرابة في الإسلام.
المصدر: المشهد اليمني
إقرأ أيضاً:
للسعادة وسلامة الصدر.. لا تترك هذا الخُلق
منذ بزوغ نور الإسلام، أرساها النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعائم التسامح والمصالحة في مختلف جوانب الحياة الإنسانية، الإسلام لم يكن مجرد دين للعبادة، بل كان منهجًا متكاملاً لحياة إنسانية قائمة على العدل والمساواة، وقد أجمعت تعاليمه على تحفيز المؤمنين على تبني سلوكيات نبيلة في التعامل مع الآخرين، حتى في أحلك الظروف.
مفهوم التسامح في الإسلاموفي هذا الإطار، يُعتبر التسامح أحد المبادئ الأساسية التي أرسى الإسلام قواعدها، وجعلها أساسًا من أسس الحياة المجتمعية التي تعزز من التعايش السلمي، وتحفظ حقوق الأفراد، وتُرسي علاقات إنسانية تقوم على الحب والاحترام المتبادل.
يُعد التسامح في الإسلام قيمة جوهرية لا يمكن فهم الدين الحق بدونها. من خلال آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، يبين الإسلام أن العفو عن الآخرين والقدرة على كظم الغيظ والصفح عن الإساءة هما من أعظم الفضائل التي يجب أن يتحلى بها المسلم. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران: 134). هذه الآية الكريمة تبيّن أن العفو عن الآخرين، خاصة في المواقف التي يستحق فيها الإنسان الانتقام، يُعدّ من أسمى الأخلاق التي يحبها الله ويجازي عليها، بل إنه يجعل الشخص الذي يتصف بهذه الفضيلة في مكانة خاصة في أعين الله.
في هذا السياق، يظهر التسامح في الإسلام باعتباره مبدأً لا يتوقف عند العفو عن الإساءة فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل دفع السيئات بالحسنات، والتعامل مع الآخرين بحسن الخلق حتى مع أولئك الذين قد يسيئون إلينا. يقول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (فصلت: 34)، وفي هذه الآية دعوة عظيمة لمقابلة الإساءة بالإحسان، الأمر الذي يعكس سماحة الإسلام في التعامل مع الناس بكافة خلفياتهم، مهما كان الموقف أو درجة الإساءة.
التسامح في سلوك النبي محمد صلى الله عليه وسلملقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الأولى في ميدان التسامح، حيث كانت سيرته الشريفة مليئة بالمواقف التي تظهر عظمة خلقه في العفو والتسامح مع أعدائه قبل أصدقائه. وكان صلى الله عليه وسلم دائمًا يحث الصحابة على أن يكونوا أهلًا للتسامح، وألا يسمحوا للغضب أن يعكر صفو علاقاتهم مع الآخرين.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟" قال الصحابة: "بلى يا رسول الله"، فأجاب صلى الله عليه وسلم: "أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا" (رواه الترمذي). هذه المقولة تؤكد على أهمية الأخلاق الحميدة، وأن من يتحلى بالتسامح وحسن التعامل مع الآخرين هو الأقرب إلى الله ورسوله، وبالتالي الأقرب إلى الجنة.
تظهر في هذا الحديث النبوي الشريف العلاقة الوثيقة بين الأخلاق الحميدة والتقوى. فالإحسان في التعامل مع الآخرين، والمسامحة في لحظات الغضب، يؤديان إلى رضا الله، ويجعل صاحبه في أعلى مراتب الجنة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي دروسًا عملية في التسامح، فقد عفى عن أولئك الذين آذوه في مكة المكرمة، وكان أرحم الناس بمن حوله، حتى في أوقات المعركة.
التسامح كوسيلة لبناء المجتمعات والسعادةإن التسامح في الإسلام ليس فقط سلوكًا فرديًا، بل هو أساس لبناء مجتمع سليم ومتلاحم، فعندما يعيش الناس معًا في تسامح، فإنهم يتجاوزون خلافاتهم ويقيمون علاقات تقوم على التعاون والمودة. هذا التسامح يحمي المجتمعات من الصراعات الداخلية ويضمن استقرارها. ولا شك أن المجتمعات التي تحرص على تبني هذه القيمة، تصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات والمحن، حيث يسود فيها روح المحبة والتعاون.
ومن هذا المنطلق، فإن الدعوة إلى التسامح لا تقتصر على العلاقات بين الأفراد، بل تمتد إلى العلاقات بين الشعوب والأمم. فالإسلام حث على السلام والتعايش بين مختلف الثقافات والديانات، وجعل من التسامح مبدأً يسعى المسلم لتحقيقه في كل جوانب حياته، ابتداءً من بيته، إلى مجتمعه، وصولاً إلى العالم أجمع.
التسامح وسيلة للسلام الداخلي
في خضم التحديات اليومية التي قد تثير الغضب والصراعات، يظل التسامح أحد أعظم الوسائل التي يملكها المسلم لتحقيق السلام الداخلي والخارجي. من خلال تعاليم القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يمكن للمؤمن أن يواجه مشاعر الغضب والانتقام بعقلانية، ويستبدلها بالصفح والعفو. إن التسامح لا يعزز فقط العلاقات بين الناس، بل هو السبيل الأسمى لرضا الله، وتحقيق المودة بين البشر، وبناء مجتمع يتسم بالسلام والرحمة.