ترجمة: محمد مستعد

مقدمة:

عند اندلاع الحرب في قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، كان الكاتب الروائي ووزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف (1) في زيارة مع ابنه  » ياسر » (15 عاما)، إلى القطاع الذي ولد وتربى فيه عاطف أبو سيف. جاء من رام الله في زيارة عمل ولتفقد عائلته، لكنه سيجد نفسه محاصرا مع ابنه. فقرر أن يكتب كل يوم طيلة 3 أشهر ليوثق بدقة عن ويلات هذه الحرب التي خلفت أزيد من 30 ألف قتيل فلسطيني نتيجة القصف الإسرائيلي.

هذه المقتطفات من اليوميات، التي تنشرها جريدة « اليوم 24″، نقلا عن جرائد فرنسية وإنجليزية، كانت لها أصداء عالمية. وستصدر قريبا في كتاب بعد أن استطاع عاطف أبو سيف أن يخرج مؤخرا من قطاع غزة.

 

الأحد 5 نوفمبر: جدار من النار يسقط على رأسي« 

كانت الساعة تشير إلى حوالي 7 مساء أمس. كنت قد أوقفت سيارتي للتو غير بعيد عن البيت الذي أسكن فيه. رأيت أمامي صديقي القديم « فخري »، وكان من الأشخاص القلائل الذين بقوا منتسبين إلى حزب من اليسار. وكان في اليوم السابق قد أخبرني بأن بعض رفاقه السابقين في الحزب انضموا، بشكل مفاجئ، إلى الحركات الإسلامية. ناديت عليه وهو يقف في الجانب الآخر من الشارع، فأخبرني أنه سيذهب إلى المرحاض ثم سيعود بعد دقيقة واحدة. لكن هذه الدقيقة كانت هي التي قادته إلى الموت. وهي التي أنقذتني أنا من الموت.

وفجأة سقط على رأسي جدار من النار، ثم تلته سحابة من الدخان. وجدت نفسي وسط ضباب الغبار وكميات هائلة من الأنقاض كانت تسقط علينا. وضعت يدي على رأسي ثم اندفعت إلى الشارع بحثًا عن ملجأ للاختباء فيه. ضاع مني حذائي فبدأت أركض حافي القدمين. وبعد لحظة، رجعت إلى الوراء لأبحث عن حذائي. وعند تلك اللحظة فقط لاحظت أن هناك شيئا ساخنا فوق ساقي: كان هناك الكثير من الدم. مسحته بيدي وأنا أمشي نحو المنطقة التي استهدفها القصف. كانت هناك خمسة مباني تم تدميرها بالكامل. وكان هناك شخص يصرخ ويقول إن هناك ضحية بالقرب من الشجرة في وسط الشارع. بذلنا كل ما في جهدنا من أجل إزالة الاسمنت والتراب. وكم كان المشهد مرعبا بالنسبة لي عندما وجدت أن صديقي « فخري » هو الذي كان يرقد هناك ميتاً. شعرت فجأة بالتعب الشديد، وبدأ رأسي في الدوران. ساعدني أخي « محمد » على الخروج من الأنقاض. عرض علي أن يأخذني إلى المستشفى، ولكن الأمر بدا لي سخيفا. فقضيت اليوم مستلقيا فوق سرير داخل « المركز الصحفي ». كانت إصابتي تؤلمني كثيرا. وكنت أنظف الجرح بالملح والماء.

الأربعاء 8 نونبر 2024: « لم يعد أمامنا أي خيار آخر »

نهار أمس أكلت قطعة من الشوكولاطة وبعض الحلوى أخذتها من ابني ياسر الذي كان يخبئها في المقعد الخلفي للسيارة. وهي حلوى من بقايا الزمن الذي كان ما تزال هناك سوبرماركت مفتوحة، وكانت هناك أشياء من الممكن شراؤها. عندما وصلت إلى منزل « فرج »، قدم لي خبزتين، لكنني تظاهرت بأنني لا أحس بالجوع، فأعطيت ل »ياسر » واحدة، واقترحت على « فرج » أن يحتفظ بالثانية ليأكلها في الفطور في اليوم الموالي.

أكلت بعض حبوب « الترمس » الذي كنت قد غليته في اليوم السابق، وقشرت برتقالة لكنني أكلت نصفها فقط لأنها لم تكن ناضجة. هذا كل ما أكلته بالأمس. سألني بلال: « إلى متى سيستمر هذا الوضع يا عاطف؟ ». أعرف ماذا تعني نظراته إلي. لقد دامت الحرب لفترة أطول بكثير مما توقعنا. وافقته الرأي وقلت له:

« غدًا، سنرى كيف نتوجه نحو الجنوب » لا ينبغي أن ندعي البطولة، و »لا للإكراه تحت تهديد السلاح ». فنحن لم تعد أمامنا خيارات أخرى. وبينما أنا أكتب هذه السطور في المركز الصحفي، سمعت صرخات في الشارع. خرجت أطل من الشرفة، فرأيت المئات من الأشخاص وهم يركضون، ويحملون أمتعتهم. أخبرني أحد الرجال بأنهم كانون يسكنون جميعاً في مدارس منظمة الأمم المتحدة «  »الأونروا » بالقرب من الشاطئ، وأن الدبابات والجرافات الإسرائيلية وصلت بالقرب منهم. وهي تقع الآن على بعد 500 متر فقط من المركز الصحفي. قُتل العديد من الأشخاص في الجانب الغربي من الشارع، فقط لأنهم كانوا يوجدون في طريق الدبابات. كما أخبرني شخص آخر بأنه رأى الدبابات والجرافات وهي تدمر المسجد والفيلات المحيطة به. كان يصرخ وهو يجري بدون أن يخفف من سرعته، ويقول: « إنهم يحرقون كل شيء ».

 

عاطف أبو سيف كاتب روائي ووزير الثقافة الفلسطيني. يكتب بالعربية والإنجليزية، له كتب في العلوم السياسية، وروايات، منها رواية بعنوان « حياة معلقة ». وكتاب بعنوان  » الدرون يأكل معي » The Drone Eats with Me وهي يوميات كانت تحكي عن حرب 2014 الإسرائيلية على غزة. وصدرت آنذاك بمقدمة للكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي.

عاطف أبو سيف هو عضو في الحكومة الفلسطينية في رام الله، علما بأن هناك حكومة موازية بقيادة  حماس  تحكم  قطاع غزة.

 

 

كلمات دلالية عاطف أبو سيف غزة فلسطين

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: عاطف أبو سيف غزة فلسطين عاطف أبو سیف على رأسی

إقرأ أيضاً:

من الوعيد إلى التراجع: ترامب أمام جدار صنعاء الصلب… واليمن يعيد رسم هيبة القوة في البحر الأحمر

يمانيون../
في تحول سياسي لافت يعكس حجم الورطة الأمريكية المتنامية في البحر الأحمر، عاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ليطل بوجه مختلف، بعيداً عن صلف التهديدات وادعاءات الهيمنة، ليعلن ما يشبه الإقرار بالعجز أمام الصمود اليمني، مفضلاً الحديث عن “أمل بتراجع العمليات” بدلاً من لغة الحسم التي لطالما ميّزت خطابه العدواني.

من التصعيد إلى التخفيض: تغيّر في اللهجة يكشف عن أزمة القرار الأمريكي
منذ اللحظات الأولى لانخراط أمريكا في العدوان المباشر على اليمن مطلع العام الجاري، ظهر ترامب كقائد يتحدث بلغة المنتصر قبل المواجهة، مستخدمًا عبارات حاسمة عن “القضاء على الحوثيين” و”تأمين حرية الملاحة بالقوة”. إلا أن الميدان اليمني لم يمنحه سوى الهزائم السياسية والعسكرية المتلاحقة، وهو ما أجبره – بعد أشهر من الفشل – على إعادة ضبط لهجته، والانتقال من صيغة التهديد إلى تعابير تُشبه التوسّل السياسي أو الإقرار غير المباشر بالهزيمة.

إن عبارة “حتى تتراجع تهديدات الحوثيين” التي استخدمها ترامب حديثاً ليست سوى اعتراف صريح بأن صنعاء تملك زمام المبادرة، وأن استمرار العمليات العسكرية الأمريكية لم يؤدِّ إلى أي نتيجة ملموسة سوى إثقال كاهل واشنطن سياسياً وعسكرياً. فالعمليات اليمنية لم تتوقف، بل ازدادت دقة وتنظيماً وتأثيراً، بينما انكشفت هشاشة القدرة الأمريكية على تطويع المشهد لصالح أجندتها أو أجندة الكيان الصهيوني.

العجز العسكري في مواجهة صنعاء: تفوق تكتيكي أم انهيار استراتيجي؟
يحاول ترامب، في تصريحه الجديد، الإيحاء بأن العدوان الأمريكي قد “حقق إنجازات”، بالإشارة إلى استهداف ما وصفه بـ “مخازن أسلحة وقيادات”، إلا أن هذه التصريحات تتهاوى أمام الوقائع الميدانية. رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، المشير مهدي المشاط، أكد بوضوح أن القدرات العسكرية اليمنية لم تتضرر ولو بنسبة 1%، وهو ما يمكن اعتباره شهادة ميدانية موثوقة صادرة من مصدر مسؤول، تدعمها الحقائق الماثلة على الأرض، والتي تشير إلى تزايد عدد العمليات اليمنية ونوعيتها واتساع نطاقها الجغرافي.

إن إخفاق الضربات الجوية الأمريكية في التأثير على البنية التحتية العسكرية اليمنية يعكس ليس فقط فشلًا استخباراتيًا وتكتيكيًا، بل خللاً استراتيجياً أكبر في تقدير القدرات اليمنية، التي أصبحت تنفذ عمليات دقيقة وعابرة للمجال البحري والجغرافي، رغم امتلاك العدو لتفوق تقني ومظلة أقمار صناعية متقدمة.

حرية الملاحة… من ورقة ضغط إلى نقطة ضعف أمريكية
لم يكن البحر الأحمر مجرد ممر ملاحي في حسابات الولايات المتحدة، بل أداة ضغط استراتيجية تُوظَّف عند اللزوم لتقييد حركات الدول المقاومة. لكن اليوم، انقلبت المعادلة، وباتت الملاحة الأمريكية – ومعها الصهيونية – هي التي تتلقى الضربات، فيما باتت حرية الملاحة ورقة في يد صنعاء.

تصريح ترامب الأخير، الذي بدا كأنه “رجاء” لتراجع العمليات، يعكس إدراك واشنطن بأن المجتمع الدولي لم يعد يشتري سرديتها، خصوصاً بعدما بات واضحاً أن اليمن لا يستهدف إلا السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني أو بالعدوان على غزة. أما السفن التابعة لدول محايدة أو صديقة، فلا تجد في العمليات اليمنية تهديدًا يُذكر، وهو ما دفع عواصم عديدة – حتى من شركاء واشنطن – إلى اتخاذ مواقف أكثر تحفظاً، وعدم الانخراط في التحالف البحري الأمريكي.

المعادلة الجديدة: اليمن يصوغ توازن الردع من باب المندب إلى واشنطن
ما تشهده لهجة ترامب اليوم ليس مجرد تحول شخصي، بل انعكاس لانهيار الرهان الأمريكي على كسر اليمن بالقوة. لقد أصبح اليمن، وبشكل غير مسبوق، طرفًا يُرسم حوله القرار الدولي، بعدما فرض نفسه بقوة الصمود، ودقة الضربات، وثبات الموقف الأخلاقي والإنساني الداعم لغزة.

وبدلًا من أن يكون البحر الأحمر بحيرة أمريكية كما حلم البنتاغون لسنوات، باتت حركة السفن الأمريكية فيه رهناً بما تقرره صنعاء. وبدلاً من أن تكون اليمن ساحة اختبار للأسلحة الأمريكية، أصبحت مختبرًا عالميًا لتعرية العجز الأمريكي أمام حركات المقاومة التي لا تملك إلا الإرادة والبأس.

ختامًا: سقوط عنجهية ترامب في البحر الأحمر
منذ بدء العدوان، سعى ترامب لإعادة تسويق نفسه كـ”رجل الحسم” الذي يعيد الهيبة لأمريكا. غير أن الواقع سرعان ما دفعه إلى التخلي عن مفردات النصر لصالح عبارات تُخفي قلقاً وهزيمة وارتباكاً. فالميدان لا يعترف بالرغبات، وساحات الصراع لا تدار بالشعارات، بل تُحكم بلغة القوة والثبات، وهي اللغة التي يتقنها اليمن جيداً.

وبينما يحاول ترامب الحفاظ على ماء وجهه بمصطلحات مراوغة، تمضي صنعاء في طريقها بثقة وثبات، راسمة بعملياتها مساراً جديداً لمعادلات الردع، ومعيدة تشكيل الجغرافيا السياسية والعسكرية في الإقليم… فهذه لم تعد حربًا على اليمن، بل حربًا كشفت أمريكا.

مقالات مشابهة

  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • مساعد وزير الدفاع الأسبق: حرب الاستنزاف كانت الممهد الحقيقي لنصر أكتوبر
  • محاكمة مبديع تفضح "لجان الأظرفة" غير المؤهلة... ومتهم: كانت هناك أطر مؤهلة لم يتم توظيفها
  • المسلح “الحكار” الذي شرمل عامل نظافة بفاس يسقط في قبضة الأمن
  • وزير الدفاع الهولندي: هناك حاجة إلى مزيد من الدعم لأوكرانيا
  • وزير خارجية ايران: قد يكون هناك اتفاق إذا تخلّت أمريكا عن المطالب المستحيلة
  • من الوعيد إلى التراجع: ترامب أمام جدار صنعاء الصلب… واليمن يعيد رسم هيبة القوة في البحر الأحمر
  • وزير الاقتصاد والصناعة يصدر قراراً بتشكيل ثلاث إدارات عامة ضمن الوزارة بدل الوزارات التي كانت قائمة قبل الدمج
  • إذاعة الجيش الإسرائيلي: مقتل قيادي بارز مرتبط بحماس والجماعة الإسلامية في الغارة التي استهدفت سيارة قرب الدامور جنوبي بيروت
  • البيوضي: لو كانت هناك حكومة تحترم نفسها لأقالت وزير الداخلية بعد دهس الجماهير