سلمى بنت سيف البطاشية

تحل اليوم ذكرى ميلاد الشيخ العلامة القاضي سيف بن حمود بن حامد البطاشي (23 من رمضان من عام 1347هـ الموافق 4 مارس 1929م)، ولعل من أطرف ما يذكر أن شهر رمضان المبارك وافق دخوله من الشهور الميلادية شهر مارس أي نفس دخول رمضان هذا العام وبنفس هذا الشهر الميلادي ولدت كاتبة هذا المقال، عفا الله عنها ورحم والدها صاحب مقالتنا هذه.


 

هو ميلاد الرجل العظيم، هو ميلاد الذي كبَّرني وعلّمني وربّاني، هو ميلاد الذي أفتخر به فخرا كبيرًا بأنه أبي، هو ميلاد الذي أحبني حبًا لا ينافسه فيه أحد، هو ميلاد قدوتي ونبراسي الذي ينير دربي رغم رحيله، هو ميلاد من ترك سلسلة كبيرة من الإنجازات ومسيرة نجاح وكفاح وبصمة نادرة في التأريخ العُماني، هو ميلاد الذي أحدث تحولًا كبيرًا في مساهمات علمية وتحقيق وتحليلات عميقة في التأريخ العُماني، هو ميلاد صاحب موسوعة "إتحاف الأعيان في تأريخ بعض علماء عُمان" بأجزائة الثلاثة. هو ميلاد صاحب كتاب "الطالع السعيد نبذ من تأريخ الإمام أحمد بن سعيد"، هو ميلاد صاحب كتاب "المهلب القائد وآل المهلب"، هو ميلاد صاحب كتاب "إرشاد السائل إلى معرفة الأوائل"، هو ميلاد صاحب كتاب "فتح الرحمن ومورد الظمآن في جوابات الشيخ سلطان"، هو ميلاد صاحب كتاب "إيقاظ الوسنان في شعر وترجمة الشيخ خلف بن سنان".


 

ولد الشيخ العلامة القاضي سيف بن حمود بن حامد البطاشي في بلدة "إحدى" بوادي الطائيين وهي قرية صغيرة بسيطة إلا أن لها تأريخ متجذر فذاك الزمان وأنجبت العديد من العلماء الكبار، ولا نبالغ إذا قلنا إنه آخر من أنجبتهم.

ومرَّت الأيام سريعة والوليد المُبارك يتقلب بين أحضان والديه إذ إنِّه الابن الوحيد الذكر لوالديه وكان طفلاً نبيهًا وذكيًا. ولعل باكورة بداية النبوغ وحبه للكتب بدأ من مرحلة الطفولة إذ لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره عندما طلبت منه والدته جلب بعض التمر، فأبطأ عليها كثيرًا وعندما ذهبت وجدته منكبًا ومنسجمًا في القراءة في كتاب وجده في غرفة التمر المحفوظ ومنذ تلك السن المبكرة كانت انطلاقته حيث عاش في طلب العلم واجتهد فيه إلى آخر يوم في حياته.

وكانت بداية خطواته من خلال تعلمه التحق بحلقات التعليم في بلدته وتعلم على يد عدد من مشايخ بلدته منهم: عدي بن أنيس البطاشي الذي تعلم على يديه القرآن الكريم، ثم أخيه محمد بن أنيس الذي تعلم معه مبادئ الفقه ومنها انتقل إلى "نزوى" حيث تلقى تعليمه في مدرسة الإمام محمد بن عبد الله الخليلي.

وتنقل الشيخ العلامة القاضي سيف بن حمود بن حامد البطاشي خلال حياته بين عدة  وظائف أولها حينما عُين قاضيًا في "جعلان بني بو حسن" و"ضنك" و"إبراء" و"السيب" و"قريات" و"بوشر" وآخرها "دما والطائيين"، وفي عام 1981م عُيِّن بوزارة التراث القومي والثقافة مصححا للمخطوطات ومراجعتها، وبعدها بعشر سنوات عمل بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي مصححا وباحثًا وقد استفاد من العمل معه، وقبلها في وزارة التراث القومي والثقافة وزيارته للعديد من المكتبات الخاصة وحتى المقابر التي تحتوي على الشواهد وينقل منها المعلومات التي بها باكتساب معرفة واسعة وتحقيق دراسة وتدوين التأريخ حيث أسهم بعلمه الكبير في تحقيق العديد من الإنجازات العلمية التي أفادت التأريخ العُماني.

حياته العلمية

أولًا: الجد في طلب العلم وتحصيله في أول نشأته وفي شبابه وقد أخذ العلم منه كل مأخذ وأصبح يجد في القراءة والحفظ فقد كان يدوّن كل المعلومات ويقارنها ويمحصها إلى أن أصبحت لديه حصيلة علمية.

ثانيًا: سعة علمه وثقافته، وقد جمع إلى جانب الجد في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة.

ثالثًا: غزارة إنتاجه، واعتنائه بالتأليف حتى وإن جاء ذلك في أواخر عمره إلا أن الله قد بارك له في وقته وأعانه فأذاب عصارة فكره في تأليفه للعديد من المؤلفات العظيمة والمدهشة، تلَّمس فيها سهولة العبارة، وسطوع الدليل، ووضوح الأفكار.

صفاته: ولقد توفرت في الشيخ العلامة القاضي سيف بن حمود بن حامد البطاشي صفات العالم الناصح الذي يجاهد في سبيل الله بلسانه ويقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشجاع لايخشى في الله لومة لائم، ويمتاز بالتواضع الجم مع أهله وقاصديه وزواره، وكان زاهدًا ورعًا كثير الصلاة والتهجد وحبه للإيثار دائم الذكر غزير العلم وحبه على نشره واسع الاطلاع وبلغ من ورعه عن الفتيا رغم تسليم العلماء الأكفاء لكفاءته امتناعه عن الفُتيا وإرشاد سائله التوجه للمفتي مباشرة أو لأقرانه من الفقهاء وكان الناس يرجعون إليه في الملمات والخطوب ويستفتونه فكان يُقبل عليهم ويسعى لحل مشكلاتهم.

وفاته: توفي الشيخ العلامة القاضي سيف بن حمود بن حامد البطاشي فجر يوم الخميس 28 جمادى الأولى 1440هـ الموافق 9 سبتمبر 1999م ولما بلغ نعيه لبلدته ارتجت هي وما حولها من البكاء، وتأسف عليه الناس أسفًا شديدًا وحزن الناس لفراقه حزنًا شديدًا، ووري الثرى بعد جنازة شارك فيها العشرات من أبناء ولايته. وهكذا انطوت صفحة من صفحات علم من أعلام عُمان، بعد جهاد طويل في طلب العلم، وترك وراءه مآثر خالدة ومكانة علمية واجتماعية لا تخفى على أحد وترك إرثًا عظيمًا وكنوزًا من المؤلفات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وكيل الأزهر يلقي محاضرة علمية في معهد دار السلام كونتور بإندونيسيا «صور»

قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إنه منذ أكثر من ألف عام والأزهر الشريف منارة للعلم وقبلة لطلابه من شتى بقاع الأرض، وهو قلعة المعرفة الوسطية المعتدلة التي لا تعرف الغلو ولا الشطط، ولعل أهم ما يميز المنهج الأزهري تمسكه بمنهج مستقيم في فهم القرآن والسنة، ولا يفرط في الهويات، ولا يتعرض للثوابت، ويضمن في الوقت نفسه أن يستجيب لحاجات العصر المتغيرة.

وأشار وكيل الأزهر خلال لقائه طالبات معهد دار السلام كونتور، إذا كان بعض الناس قد أخرجوا مفهوم "وسطية الأمة" عن حقيقة معناه فخلطوا بينه وبين التمييع والتفلت، وجعلوا الوسطية مرادفة للهوى، فإن واجب العلماء أن يبينوا الصواب حتى لا يلتبس الحق بالباطل، مبينا أن الوسطية التي تعبر عن حقيقة الإسلام هي التي تتوازن فيها النظرة إلى الإنسان وإلى الحياة، فلا الإنسان إله من دون الله، ولا شهواته مقدمة على الوحي، بل الوسطية أن يدرك الإنسان أنه عبد مربوب لله يأتمر بأمره، وينتهي عما نهى عنه، وأيضا الوسطية أن يخرج الإنسان من العصبية المذهبية الضيقة لكن دون أن يخرج إلى لا مذهبية مفرطة، فضلا على أن الوسطية أن يقرأ المسلم العالم من حوله بكل ما فيه، فيفيد من إنجازاته، لكن دون إنكار لهويته وثوابته.

وكيل الأزهر يلقي محاضرة علمية في معهد بإندونيسيا

وتابع وكيل الأزهر أن الوسطية هي التي تجمع بين نور الوحي وبصر العقل، فلا تقدم العقل على الوحي، وفي الوقت نفسه لا تمنع العقل من ممارسة وظيفته، فإن الوسطية تجمع بين متقابلين دون أن يطغى أحدهما على صاحبه، فهي تجمع بين الروحية والمادية، وبين الواقعية والمثالية، وبين الثابت والمتغير، وبين النص والنظر، وكل هذا في غير إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير.

وأوضح وكيل الأزهر أن البشرية لما أفرطت في الاتجاه الروحي قابلها إفراط في الاتجاه المادي، وكلاهما مذموم وحده، ولما أسرفت في الاتجاه المثالي قابلها إسراف ومبالغة في الاتجاه الواقعي، وكلاهما مذموم وحده، والحل في هذه الأزمات، أخلاقية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك أن نفهم الوسطية وأن نعمل على وجودها في حياتنا، فمن وسطية الإسلام في جانب العقيدة ألا نسلم للملحدين الذين ينكرون وجود رب العالمين بالكلية، ويرون الوجود أرحاما تدفع وأرضا تبلع، ﴿وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون﴾، وكذلك لا نسلم لهؤلاء الذين يعبدون كل شيء وأي شيء.

وكيل الأزهر يلقي محاضرة علمية في معهد بإندونيسيا

وأضاف الدكتور الضويني أن من وسطية الإسلام في جانب العلاقة بالحياة أنه يقف بالمسلم بين المادية الصرفة التي تعمق في الإنسان شهواته ورغباته المادية من مأكل ومشرب وملبس وشهوة، وترى ذلك الغاية الكبرى، وبين الروحية الصرفة التي تعرض عن الحياة وزينتها التي أباحها الله لعباده، ومن وسطية الإسلام في جانب التشريع أنه لم يدع الناس يشرعون لأنفسهم في كل ما يريدون، وإذا لاتبعوا الهوى، ولم تستقم لهم حياة، وفي الوقت نفسه لم يضيق عليهم بشرع ثابتة أحكامه مع تغير الزمان واختلاف المكان وتبدل أحوال الإنسان، وإنما وضع أصولا حاكمة وقواعد ضابطة، وترك للإنسان حرية النظر والاجتهاد.

وأكد فضيلته أن حياة سيدنا رسول الله ﷺ عرف أنها كانت ترجمة حقيقية لوسطية الإسلام، وتأملوا كيف قال لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه: "ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقال عبد الله: بلى يا رسول الله، قال: "فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا"، أليس هذا هو المنهج الوسط الذي يحقق العدل في القيام بالحقوق الشرعية والواجبات الأسرية والمجتمعية؟! والأمثلة في حياة سيدنا رسول الله ﷺ كثيرة، وأعول على السادة المعلمين المؤتمنين أن يقوموا بواجب بيانها وشرحها، وتطبيق معالمها في حياة أبنائنا الذين هم مستقبل الأمة.

وكيل الأزهر يلقي محاضرة علمية في معهد بإندونيسيا

واختتم وكيل الأزهر كلمته بتوجيه خمس وصايا لطلاب العلم، الوصية الأولى: أن تحرصوا على طلب العلم الشرعي، وأن تتصوروا أنكم من الطائفة القائمة بالحق، التي تحفظ على الأمة علومها وتراثها، فلا تبخلوا بأوقاتكم ولا بأموالكم على طلب العلم، وقد منحكم الله المنزلة العالية فقال سبحانه وتعالى: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير﴾ وجعل رسول الله ﷺ الفقه في الدين من أمارات الخير، فقال ﷺ: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" وقد أخبر النبي ﷺ أن العلم سيرفع في آخر الزمان بموت أهله، فقال: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا" وفي هذه الحالة يكون تعلم العلم وتعليمه أوجب، وأوكد.

الوصية الثانية: الدعوة إلى الله - عز وجل - قال تعالى: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين﴾ وقال تعالى: ﴿ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين﴾، ولكن الدعوة لا بد أن ترتكن إلى علم محرر، فمهمة البلاغ والبيان والدعوة لا بد لها من حكمة وموعظة حسنة، كما قال الله تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين﴾، وهنا يجب أن نفهم أن الدعوة إلى الله كما تكون بالمقال فإنها يجب أن تكون بالحال، فالداعية قدوة لغيره.

وكيل الأزهر يلقي محاضرة علمية في معهد بإندونيسيا

الوصية الثالثة: حفظ الوقت والعمر، وهذا هو رأس مال الإنسان الحقيقي، وقد أوصانا سيدنا رسول الله ﷺ فقال: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"، ولكن الملاحظ أن بعض الشباب يضيع منه عمره في غير فائدة، فلا استفاد علما، ولا حصل طاعة، ولا وصل رحما، وإنما يضيعه على وسائل التواصل التي احتلت عقولنا، وضيعت أوقاتنا، وقد قال سيدنا رسول الله ﷺ: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن عمره، فيم أفناه؟ وعن علمه، فيم فعل فيه؟ وعن ماله، من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه، فيم أبلاه؟.

الوصية الرابعة: حسن الخلق، فنحن أمة الأخلاق، ونبينا ﷺ بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وإن أخلاق أمة الإسلام حجة في ذاتها على البشرية التي فقدت البوصلة الأخلاقية، فإن أخلاقنا ربانية المصدر إيمانية الاتجاه، قال الله تعالى: ﴿وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا﴾، وقال رسول الله ﷺ: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لأهله".

الوصية الخامسة: الثبات على هذا الدين بما يدعو إليه من قيم وأخلاق وعبادات، قال تعالى: ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ أي الموت، وقد وردت الأحاديث عن النبي ﷺ تبين أن المتمسكين بدينهم في آخر الزمان الثابتين عليه ينالون من الأجر مثل ما ناله أصحاب رسول الله ﷺ، فقال ﷺ: "إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن كقبض على الجمر، للعامل فيها أجر خمسين. قالوا يا رسول الله: أجر خمسين منهم أو خمسين منا؟ قال: خمسين منكم"، ولا شك أن المسلم في هذه الأزمنة يواجه فتن الشهوات والشبهات والملذات العظيمة، لكن من استعان بالله أعانه الله، ومن يتصبر يصبره الله، قال تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾.

اقرأ أيضاًوكيل الأزهر يعتمد نتيجة الدور الأول لشهادات القراءات 2024

وكيل الأزهر: التراث الإسلامي حاضر دائماً ويناقش قضايا الواقع

مقالات مشابهة

  • سعود بن صقر يعزّي في وفاة ناعمة بنت خالد القاسمي
  • صدور كتاب جديد للدكتور سمير مراد
  • الأزهر للفتوى: الغش في الامتحانات سلوك مُحرم يُهدر الحقوق ويهدم مبدأ تكافؤ الفرص
  • اختتام ملتقى"الفقيه الصغير" بمحافظة الداخلية
  • سقوط الغرب بين أوكرانيا وفلسطين
  • وكيل الأزهر يلقي محاضرة علمية في معهد دار السلام كونتور بإندونيسيا «صور»
  • وكيل الأزهر: حياة رسول الله عرف أنها كانت ترجمة حقيقية للوسطية
  • وكيل الأزهر يوجه خمس وصايا لطلاب العلم بإندونيسيا
  • من كلّ بستان زهرة – 66 –
  • سمو أمير البلاد يبعث ببرقية تهنئة إلى أمير قطر بالذكرى الـ11 لتوليه مقاليد الحكم