الشيخ العلامة القاضي سيف حامد البطاشي
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
سلمى بنت سيف البطاشية
تحل اليوم ذكرى ميلاد الشيخ العلامة القاضي سيف بن حمود بن حامد البطاشي (23 من رمضان من عام 1347هـ الموافق 4 مارس 1929م)، ولعل من أطرف ما يذكر أن شهر رمضان المبارك وافق دخوله من الشهور الميلادية شهر مارس أي نفس دخول رمضان هذا العام وبنفس هذا الشهر الميلادي ولدت كاتبة هذا المقال، عفا الله عنها ورحم والدها صاحب مقالتنا هذه.
هو ميلاد الرجل العظيم، هو ميلاد الذي كبَّرني وعلّمني وربّاني، هو ميلاد الذي أفتخر به فخرا كبيرًا بأنه أبي، هو ميلاد الذي أحبني حبًا لا ينافسه فيه أحد، هو ميلاد قدوتي ونبراسي الذي ينير دربي رغم رحيله، هو ميلاد من ترك سلسلة كبيرة من الإنجازات ومسيرة نجاح وكفاح وبصمة نادرة في التأريخ العُماني، هو ميلاد الذي أحدث تحولًا كبيرًا في مساهمات علمية وتحقيق وتحليلات عميقة في التأريخ العُماني، هو ميلاد صاحب موسوعة "إتحاف الأعيان في تأريخ بعض علماء عُمان" بأجزائة الثلاثة. هو ميلاد صاحب كتاب "الطالع السعيد نبذ من تأريخ الإمام أحمد بن سعيد"، هو ميلاد صاحب كتاب "المهلب القائد وآل المهلب"، هو ميلاد صاحب كتاب "إرشاد السائل إلى معرفة الأوائل"، هو ميلاد صاحب كتاب "فتح الرحمن ومورد الظمآن في جوابات الشيخ سلطان"، هو ميلاد صاحب كتاب "إيقاظ الوسنان في شعر وترجمة الشيخ خلف بن سنان".
ولد الشيخ العلامة القاضي سيف بن حمود بن حامد البطاشي في بلدة "إحدى" بوادي الطائيين وهي قرية صغيرة بسيطة إلا أن لها تأريخ متجذر فذاك الزمان وأنجبت العديد من العلماء الكبار، ولا نبالغ إذا قلنا إنه آخر من أنجبتهم.
ومرَّت الأيام سريعة والوليد المُبارك يتقلب بين أحضان والديه إذ إنِّه الابن الوحيد الذكر لوالديه وكان طفلاً نبيهًا وذكيًا. ولعل باكورة بداية النبوغ وحبه للكتب بدأ من مرحلة الطفولة إذ لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره عندما طلبت منه والدته جلب بعض التمر، فأبطأ عليها كثيرًا وعندما ذهبت وجدته منكبًا ومنسجمًا في القراءة في كتاب وجده في غرفة التمر المحفوظ ومنذ تلك السن المبكرة كانت انطلاقته حيث عاش في طلب العلم واجتهد فيه إلى آخر يوم في حياته.
وكانت بداية خطواته من خلال تعلمه التحق بحلقات التعليم في بلدته وتعلم على يد عدد من مشايخ بلدته منهم: عدي بن أنيس البطاشي الذي تعلم على يديه القرآن الكريم، ثم أخيه محمد بن أنيس الذي تعلم معه مبادئ الفقه ومنها انتقل إلى "نزوى" حيث تلقى تعليمه في مدرسة الإمام محمد بن عبد الله الخليلي.
وتنقل الشيخ العلامة القاضي سيف بن حمود بن حامد البطاشي خلال حياته بين عدة وظائف أولها حينما عُين قاضيًا في "جعلان بني بو حسن" و"ضنك" و"إبراء" و"السيب" و"قريات" و"بوشر" وآخرها "دما والطائيين"، وفي عام 1981م عُيِّن بوزارة التراث القومي والثقافة مصححا للمخطوطات ومراجعتها، وبعدها بعشر سنوات عمل بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي مصححا وباحثًا وقد استفاد من العمل معه، وقبلها في وزارة التراث القومي والثقافة وزيارته للعديد من المكتبات الخاصة وحتى المقابر التي تحتوي على الشواهد وينقل منها المعلومات التي بها باكتساب معرفة واسعة وتحقيق دراسة وتدوين التأريخ حيث أسهم بعلمه الكبير في تحقيق العديد من الإنجازات العلمية التي أفادت التأريخ العُماني.
حياته العلمية
أولًا: الجد في طلب العلم وتحصيله في أول نشأته وفي شبابه وقد أخذ العلم منه كل مأخذ وأصبح يجد في القراءة والحفظ فقد كان يدوّن كل المعلومات ويقارنها ويمحصها إلى أن أصبحت لديه حصيلة علمية.
ثانيًا: سعة علمه وثقافته، وقد جمع إلى جانب الجد في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة.
ثالثًا: غزارة إنتاجه، واعتنائه بالتأليف حتى وإن جاء ذلك في أواخر عمره إلا أن الله قد بارك له في وقته وأعانه فأذاب عصارة فكره في تأليفه للعديد من المؤلفات العظيمة والمدهشة، تلَّمس فيها سهولة العبارة، وسطوع الدليل، ووضوح الأفكار.
صفاته: ولقد توفرت في الشيخ العلامة القاضي سيف بن حمود بن حامد البطاشي صفات العالم الناصح الذي يجاهد في سبيل الله بلسانه ويقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشجاع لايخشى في الله لومة لائم، ويمتاز بالتواضع الجم مع أهله وقاصديه وزواره، وكان زاهدًا ورعًا كثير الصلاة والتهجد وحبه للإيثار دائم الذكر غزير العلم وحبه على نشره واسع الاطلاع وبلغ من ورعه عن الفتيا رغم تسليم العلماء الأكفاء لكفاءته امتناعه عن الفُتيا وإرشاد سائله التوجه للمفتي مباشرة أو لأقرانه من الفقهاء وكان الناس يرجعون إليه في الملمات والخطوب ويستفتونه فكان يُقبل عليهم ويسعى لحل مشكلاتهم.
وفاته: توفي الشيخ العلامة القاضي سيف بن حمود بن حامد البطاشي فجر يوم الخميس 28 جمادى الأولى 1440هـ الموافق 9 سبتمبر 1999م ولما بلغ نعيه لبلدته ارتجت هي وما حولها من البكاء، وتأسف عليه الناس أسفًا شديدًا وحزن الناس لفراقه حزنًا شديدًا، ووري الثرى بعد جنازة شارك فيها العشرات من أبناء ولايته. وهكذا انطوت صفحة من صفحات علم من أعلام عُمان، بعد جهاد طويل في طلب العلم، وترك وراءه مآثر خالدة ومكانة علمية واجتماعية لا تخفى على أحد وترك إرثًا عظيمًا وكنوزًا من المؤلفات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحدَّثَ عن نصرالله.. ما الذي يخشاه جنبلاط؟
الكلامُ الأخير الذي أطلقه الرئيس السابق للحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط بشأن أمين عام "حزب الله" السابق الشهيد السيد حسن نصرالله ليس عادياً، بل يحمل في طياته الكثير من الدلالات. جنبلاط أورد 3 نقاط أساسية عن نصرالله في حديثٍ صحفي أخير، فالنقطة الأولى هي أنه بعد اغتيال نصرالله لم يعد هناك من نحاوره في الحزب، أما الثانية فهي إشارة جنبلاط إلى أنه قبل اغتيال "أمين عام الحزب" كانت هناك فرصة للتحاور بين حزب الله وبعض اللبنانيين بشكل مباشر، أما الثالثة فهي قول "زعيم المختارة" أن نصرالله كان يتمتع بالحدّ الأدنى من التفهم لوضع لبنان ووضع الجنوب.ماذا يعني كلام جنبلاط وما الذي يخشاه؟
أبرز ما يخشاه جنبلاط هو أن يُصبح الحوار مع "حزب الله" غير قائمٍ خلال الحرب الحالية، أو أقله خلال المرحلة المقبلة. عملياً، كان جنبلاط يرتكز على نصرالله في حل قضايا كثيرة يكون الحزبُ معنياً بها، كما أنّ الأخير كان صاحب كلمة فصلٍ في أمور مختلفة مرتبطة بالسياسة الداخلية، كما أنه كان يساهم بـ"تهدئة جبهات بأمها وأبيها".
حالياً، فإنّ الحوار بين "حزب الله" وأي طرفٍ لبناني آخر قد يكون قائماً ولكن ليس بشكلٍ مباشر، وحينما يقول جنبلاط إن الأفضل هو محاورة إيران، عندها تبرز الإشارة إلى أن "حزب الله" في المرحلة الحالية ليس بموقع المُقرّر أو أنه ليس بموقع المُحاور، باعتبار أنَّ مختلف قادته والوجوه الأساسية المرتبطة بالنقاش السياسيّ باتت غائبة كلياً عن المشهد.
إزاء ذلك، فإن استنجاد جنبلاط بـ"محاورة إيران"، لا يعني تغييباً للحزب، بل الأمرُ يرتبطُ تماماً بوجود ضرورة للحوار مع مرجعية تكون أساسية بالنسبة لـ"حزب الله" وتحديداً بعد غياب نصرالله والاغتيالات التي طالت قادة الحزب ومسؤوليه البارزين خصوصاً أولئك الذين كانت لهم ارتباطات بالشأن السياسي.
الأهم هو أن جنبلاط يخشى تدهور الأوضاع نحو المجهول أكثر فأكثر، في حين أن الأمر الأهم هو أن المسؤولية في ضبط الشارع ضمن الطائفة الشيعية تقع على عاتق "حزب الله"، ولهذا السبب فإن جنبلاط يحتاج إلى مرجعية فعلية تساهم في ذلك، فـ"بيك المختارة" يستشعر خطراً داخلياً، ولهذا السبب يشدد على أهمية الحوار مع "حزب الله" كجزءٍ أساسي من الحفاظ على توازنات البلد.
انطلاقاً من كل هذا الأمر، فإنّ ما يتبين بالكلام القاطع والملموس هو أن رهانات جنبلاط على تحصين الجبهة الداخلية باتت أكبر، ولهذا السبب تتوقع مصادر سياسية مُطلعة على أجواء "الإشتراكي" أن يُكثف جنبلاط مبادراته وتحركاته السياسية نحو أقطاب آخرين بهدف الحفاظ على أرضية مشتركة من التلاقي تمنع بالحد الأدنى وصول البلاد نحو منعطف خطير قد يؤدي إلى حصول أحداثٍ داخلية على غرار ما كان يحصلُ في الماضي.
في الواقع، فإنّ المسألة دقيقة جداً وتحتاجُ إلى الكثير من الانتباه خصوصاً أن إسرائيل تسعى إلى إحداث شرخٍ داخلي في لبنان من بوابة استهداف النازحين في مناطق يُفترض أن تكون آمنة لكنة لم تعُد ذلك. أمام كل ذلك، فإن "الخشية الجنبلاطية" تبدأ من هذا الإطار، وبالتالي فإن مسعى المختارة الحالي يكون في وضع كافة القوى السياسية أمام مسؤوليتها مع عدم نكران أهمية ودور "حزب الله" في التأثير الداخلي، فهو العامل الأبرز في هذا الإطار.
المصدر: خاص لبنان24