جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-27@01:10:28 GMT

خصوصية المجتمع

تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT

خصوصية المجتمع

 

د. صالح الفهدي

 

نشأنا في مجتمعٍ فاضلٍ، طاهرٍ، تربَّى على خُلُق الحياء، وهو الخُلق الذي استمدَّه من دينهِ الإسلامي الحنيف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لكلِّ دينٍ خُلقًا، وخُلقُ الإسلامِ الحياء" (رواه الإِمام مالك)، ويقول:"إنَّ الله حَيِيٌّ ستِّير"، فتوارثنا هذا الحياء من آبائنا الأفاضل، وأُمهاتنا الشريفات، معتزِّينَ بهذا الخُلق؛ فإِن تكلَّمنا تجنَّبنا الحديثَ فيما يُشينُ ذكرهُ، ويُعيبُ الإِفصاحُ عنه، ولا يحبَّذُ التطرقَ إليهِ، ليس لأنه محرَّمٌ، ولا لأنَّه ممنوعٌ، ولكنَّه لا يجب أن يُطرح على مسامع العامة لأنه يخدشُ أدبهم، ويؤذي أخلاقياتهم، وينتهكُ حياءهم.

لكن البعضَ يتعذَّرُ بمقولة: "لا حياء في الدين" حينما يعترضُ على من يناقشُ على مسمع العموم موضوعًا يعدُّ من المواضيع التي يتحسَّسُ منها المجتمع باعتبارها من مصونات الأمور، وخواصِّ الأحاديث، فيريد بهذا أن يُمزِّقَ المجتمع حجابَ الحياءِ حتى لا يتحسَّسَ، ولا يستحي، فيصبح كل موضوعٍ مُشاعًا في النقاش، ومفتوحًا للحوار، لا حرمة فيه، ولا حدود!، كيف تصدقُ العبارة "لا حياء في الدين" والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: "إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ "(أخرجه البخاري)؟! كيف بالعبارة أن تكون صحيحة والحياءُ هو خُلقُ الدين؟!، أمَّا الصحيحُ فيها فهو النقاشُ بغرض التَّعلم وفي حدود معينة، وبأسلوبٍ مهذب الألفاظ، مؤدب العبارات، ولكن أن يتم طرح مواضيع يعتبرها المجتمع من خصوصياته التي يثير الحديث فيها حساسيته الأخلاقية فإنَّ ذلك انتهاكٌ لحرمة المجتمع وآدابه، وتعدٍّ على القيم الفاضلة التي نشأ عليها.

يطرحُ البعض في لقاءاتهم الإِعلامية مواضيعَ لا يراعون فيها خُلق الحياء في المجتمع بحجَّة أنَّ هذه مواضيع تهم النَّاس، ولكن يغلبُ على البعضِ من طرحها -دون تعميم- نيَّة إثارة الجدلِ، والحصول على الشهرة على حساب انتهاك حرمات المجتمع.

أما البعضُ الآخر فلا يكترثُ في المجالسِ العامَّةِ التي يحضرها أطفالٌ، وفتيانٌ غير راشدين، بالنُّكتِ الداعرة التي يُلقيها، والعبارات البذيئة التي يتفكَّهُ بها، وهذا خُلقٌ غير خليقٍ بالرجل، ناهيكم أنه ليس من شيم وأخلاق الإِنسان العماني.

في المجتمعات الغربية غاب سُقُف الأخلاق والتواصل والملبس؛ فأصبح كل موضوعٍ لديهم على حساسيته وخصوصيته عرضةً للنقاش فلا سلمت أعراض، ولا بقي شرف، ولا صينت خصوصيات، أما لغتهم فصارت بذيئة الألفاظ، ساقطة العبارات، وهذه عندهم هي صور التحضُّر، والعصرنة!

لقد علَّمنا المولى- عزَّ وجل- في كتابه الكريم الرقي بالأسلوبِ، واستخدام التورية التي يرادُ بها السِّترُ والخفاء، ولهذا سَتر بألفاظٍ مقاربةٍ بعض المعاني؛ مراعاةً للحياءِ في بعض الأُمور الخاصَّة، وتلك أدبياتٌ لا يجب أن تغيبَ عن مجتمعاتنا المسلمة.

أما عن الدراما فإِننا في كلِّ شهرٍ فضيل- ويا للتناقضُ- نواجهُ سيلًا من المسلسلات التي تحملُ في طيَّاتها أخلاقيات منحدرة، وسلوكيات منحرفة بحجة أن هذا هو "الواقع" وهو في الحقيقة تسويق للإنحدار والتهتك، والقيم الغربية الساقطة!

من المؤسف أن بعض المسلسلات الخليجية لا تراعي الأخلاقيات والآداب الخاصة بالمجتمعات الخليجية التي يأتي الحياءُ على رأسِ أخلاقها، فتطرحُ قضايا تسمِّيها "جريئة" وهي في الأصل "وضيعة" وما أسمتها "جريئة" إلّا لأنها "تجترئ" بها على كرامة المجتمع والمتمثلة في دينه وخلقه وأدبه وعاداته، فيضرب المنتجون بكلِّ ذلك في عرضِ الحائط بحجَّة أن "هذا ما يريده الجمهور" وبداعي التسويق والإتجار بالمنتج الفني، بغية الحصول على المادة في نهاية الأمر دون اكتراث بقيم وأخلاقيات المجتمع بما فيه من نشءٍ يتربَّى على مشاهدة هذه المسلسلات السيئة في طرحها الذي لا ينتمي إلى الفن الراقي الهادف إلى إنارةِ وعي الإنسان، والإرتقاء بعقليته، وذوقهِ، وأخلاقه.

يقول الكاتب والباحث في شؤون المجتمع عبدالله النعيمي: "الانحلال الأخلاقي الذي يتم تمريره عبر المسلسلات الخليجية أخطر علينا بكثير من الانحلال الذي يتم تمريره عبر المسلسلات الإسبانية والأمريكية، لأنه انحلال ينطق بلهجتنا، ويتم تصويره في بيئتنا، ويتم تجسيده بواسطة أشخاص يشبهوننا. في الماضي كنا نقول عن مشاهد العري والألفاظ البذيئة أنها تمثل مجتمعات الغرب، لكن ماذا سنقول عنها عندما تأتي ضمن سياق مسلسل خليجي أبطاله عرب ومسلمين؟ خذوا نظرة سريعة على مسلسلات رمضان، ولاحظوا المشاهد التي يتم تطبيعها شيئًا فشيئًا، والأفكار التي يتم تمريرها .لا أحب تضخيم الأمور، لكن كل المؤشرات تقول أن المجتمع الخليجي مُستهدف في هويته الثقافية وخصوصيته الاجتماعية، وأن الأجيال الناشئة تتشرب من الأفكار الغربية بنهم، وسط صمت، ولا مبالاة من الجميع".

لا نشكُّ أن هناك استهدافًا لقيم المجتمعات الخليجية من الخارج، لكن الأشد وطأة هو الاستهداف الداخلي وذلك من خلال مسلسلات انتهكت حرمات الأدب والأخلاق في المجتمع الخليجي، وهذا ما دفع وزارة الإعلام الكويتية إلى إيقاف أحد المسلسلات لما احتواه من جميع السلوكيات المنحرفة القذرة، وأعلنت الوزارة في بيانها الرسمي "اتخاذ إجراءات ضد العمل معبرة عن رفضها لأي أعمال فنية تُسيء إلى دولة الكويت أو تمس أخلاقيات المجتمع"، وشددت "على أن الأعمال الفنية يجب أن تحمل رسائل أخلاقية راقية وتحترم خصوصيات المجتمعات، وأن تبتعد عن المساس بالثوابت".

إنَّ لكل مجتمعٍ هُويَّة محمَّلةٍ بالقيم التي تصون آدابه وأخلاقه وعاداته، عليه أن يحافظَ عليها من الخدش، والانتهاك، والتعدّي، فإن فرَّطَ فيها بالسكوت عمَّا يمسُّ خصوصيته وثوابته بذريعةٍ من الذرائع فإنَّ سيتحمل العواقب الشنيئة الناتجة عن تواطئه المتعمد، وغضِّه النظر المقصود، وإن هو انتصر لهويَّته فقد انتصرَ لوجودهِ وحضارته وبقائه.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شهادات مُزوَّرة يجب التصدي لها

 

راشد بن حميد الراشدي

صدمني وأذهلني مقطع مرئي لتقرير مصور حول الشهادات المزورة ومصداقية الأختام التي تحملها والهدف والغرض من الحصول عليها، واستقدام مُعظم هؤلاء الحاصلين عليها للعمل في دول الخليج العربي، ومن هول ما سمعت من مُناقشات فيما صارت عليه الأمور وقفت لبرهة مستذكرا ملايين القادمين لبلادنا والعاملين في مختلف المجالات وكذلك أثر ذلك على الوطن وأبنائه من أولئك المتحايلين، مع أنَّ أبناء الوطن يملكون شهادات علمية من أرقى الجامعات وذات مصداقية عالية وينافسونهم في الوظائف بحكم شهاداتهم وخبراتهم.

ما يحدث اليوم من خلط للأوراق يحتاج إلى مراجعة وتدقيق وفحص شامل لكل أولئك الذين قدموا للوطن للعمل فيه وشغلوا وظائف وأماكن كان المواطن أحق بها وأجدر للعمل فيها.

مئات الآلاف من الوظائف ذات التخصصات العلمية والتعليمية والتربوية والصحية التي تتطلب شهادات علمية وخبرات للعمل فيها تذهب سنويًا للوافد باعتباره ذا خبرة وحاصلا على شهادة جامعية، بينما هناك البعض من هم عكس ذلك، جاءوا بشهادة مزورة ليتحايلوا على الوطن وأبنائه، وهناك مواقف حدثت في مجالات عدة، اكتُشِفَ فيها تزوير شهادات علمية.

أناشد جميع المؤسسات والجهات فحص أوراق وشهادات العاملين فيها والتدقيق في مصداقيتها وكذلك على جهات الاختصاص المسؤولة عن تصديق تلك الشهادات التأكد جيدًا قبل قدوم الوافد من مصداقية شهاداته العلمية.

ومن معالجات مثل هذه السلوكيات والبعد عنها: تعمين وتوظيف أبناء الوطن، والأخذ بأيديهم نحو بنائه بدلًا من الاعتماد على الأجنبي في العمل والذي يتضح لاحقًا أن البعض منهم يحملون شهادات مزورة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الحياء خير كله.. موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • «من أغاني المسلسلات».. موعد وأسعار تذاكر حفل علي الحجار في الأوبرا
  • أسعار تذاكر وشروط حضور حفل علي الحجار بالأوبرا.. «يغني أبرز تترات المسلسلات»
  • شكوى لسيدنا الحسين
  • النوّاب يبحث الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • وزارة الخارجية تلفت نظر المجتمع الدولي للفظائع التي يرتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء
  • “الشويهدي” يناقش الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • الشويهدي يناقش الصعوبات التي تواجه منظمات المجتمع المدني
  • شهادات مُزوَّرة يجب التصدي لها
  • سر المرة الوحيدة التي بكى فيها سمير غانم على الشاشة.. ما القصة؟