جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-06@19:58:38 GMT

خصوصية المجتمع

تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT

خصوصية المجتمع

 

د. صالح الفهدي

 

نشأنا في مجتمعٍ فاضلٍ، طاهرٍ، تربَّى على خُلُق الحياء، وهو الخُلق الذي استمدَّه من دينهِ الإسلامي الحنيف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لكلِّ دينٍ خُلقًا، وخُلقُ الإسلامِ الحياء" (رواه الإِمام مالك)، ويقول:"إنَّ الله حَيِيٌّ ستِّير"، فتوارثنا هذا الحياء من آبائنا الأفاضل، وأُمهاتنا الشريفات، معتزِّينَ بهذا الخُلق؛ فإِن تكلَّمنا تجنَّبنا الحديثَ فيما يُشينُ ذكرهُ، ويُعيبُ الإِفصاحُ عنه، ولا يحبَّذُ التطرقَ إليهِ، ليس لأنه محرَّمٌ، ولا لأنَّه ممنوعٌ، ولكنَّه لا يجب أن يُطرح على مسامع العامة لأنه يخدشُ أدبهم، ويؤذي أخلاقياتهم، وينتهكُ حياءهم.

لكن البعضَ يتعذَّرُ بمقولة: "لا حياء في الدين" حينما يعترضُ على من يناقشُ على مسمع العموم موضوعًا يعدُّ من المواضيع التي يتحسَّسُ منها المجتمع باعتبارها من مصونات الأمور، وخواصِّ الأحاديث، فيريد بهذا أن يُمزِّقَ المجتمع حجابَ الحياءِ حتى لا يتحسَّسَ، ولا يستحي، فيصبح كل موضوعٍ مُشاعًا في النقاش، ومفتوحًا للحوار، لا حرمة فيه، ولا حدود!، كيف تصدقُ العبارة "لا حياء في الدين" والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: "إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ "(أخرجه البخاري)؟! كيف بالعبارة أن تكون صحيحة والحياءُ هو خُلقُ الدين؟!، أمَّا الصحيحُ فيها فهو النقاشُ بغرض التَّعلم وفي حدود معينة، وبأسلوبٍ مهذب الألفاظ، مؤدب العبارات، ولكن أن يتم طرح مواضيع يعتبرها المجتمع من خصوصياته التي يثير الحديث فيها حساسيته الأخلاقية فإنَّ ذلك انتهاكٌ لحرمة المجتمع وآدابه، وتعدٍّ على القيم الفاضلة التي نشأ عليها.

يطرحُ البعض في لقاءاتهم الإِعلامية مواضيعَ لا يراعون فيها خُلق الحياء في المجتمع بحجَّة أنَّ هذه مواضيع تهم النَّاس، ولكن يغلبُ على البعضِ من طرحها -دون تعميم- نيَّة إثارة الجدلِ، والحصول على الشهرة على حساب انتهاك حرمات المجتمع.

أما البعضُ الآخر فلا يكترثُ في المجالسِ العامَّةِ التي يحضرها أطفالٌ، وفتيانٌ غير راشدين، بالنُّكتِ الداعرة التي يُلقيها، والعبارات البذيئة التي يتفكَّهُ بها، وهذا خُلقٌ غير خليقٍ بالرجل، ناهيكم أنه ليس من شيم وأخلاق الإِنسان العماني.

في المجتمعات الغربية غاب سُقُف الأخلاق والتواصل والملبس؛ فأصبح كل موضوعٍ لديهم على حساسيته وخصوصيته عرضةً للنقاش فلا سلمت أعراض، ولا بقي شرف، ولا صينت خصوصيات، أما لغتهم فصارت بذيئة الألفاظ، ساقطة العبارات، وهذه عندهم هي صور التحضُّر، والعصرنة!

لقد علَّمنا المولى- عزَّ وجل- في كتابه الكريم الرقي بالأسلوبِ، واستخدام التورية التي يرادُ بها السِّترُ والخفاء، ولهذا سَتر بألفاظٍ مقاربةٍ بعض المعاني؛ مراعاةً للحياءِ في بعض الأُمور الخاصَّة، وتلك أدبياتٌ لا يجب أن تغيبَ عن مجتمعاتنا المسلمة.

أما عن الدراما فإِننا في كلِّ شهرٍ فضيل- ويا للتناقضُ- نواجهُ سيلًا من المسلسلات التي تحملُ في طيَّاتها أخلاقيات منحدرة، وسلوكيات منحرفة بحجة أن هذا هو "الواقع" وهو في الحقيقة تسويق للإنحدار والتهتك، والقيم الغربية الساقطة!

من المؤسف أن بعض المسلسلات الخليجية لا تراعي الأخلاقيات والآداب الخاصة بالمجتمعات الخليجية التي يأتي الحياءُ على رأسِ أخلاقها، فتطرحُ قضايا تسمِّيها "جريئة" وهي في الأصل "وضيعة" وما أسمتها "جريئة" إلّا لأنها "تجترئ" بها على كرامة المجتمع والمتمثلة في دينه وخلقه وأدبه وعاداته، فيضرب المنتجون بكلِّ ذلك في عرضِ الحائط بحجَّة أن "هذا ما يريده الجمهور" وبداعي التسويق والإتجار بالمنتج الفني، بغية الحصول على المادة في نهاية الأمر دون اكتراث بقيم وأخلاقيات المجتمع بما فيه من نشءٍ يتربَّى على مشاهدة هذه المسلسلات السيئة في طرحها الذي لا ينتمي إلى الفن الراقي الهادف إلى إنارةِ وعي الإنسان، والإرتقاء بعقليته، وذوقهِ، وأخلاقه.

يقول الكاتب والباحث في شؤون المجتمع عبدالله النعيمي: "الانحلال الأخلاقي الذي يتم تمريره عبر المسلسلات الخليجية أخطر علينا بكثير من الانحلال الذي يتم تمريره عبر المسلسلات الإسبانية والأمريكية، لأنه انحلال ينطق بلهجتنا، ويتم تصويره في بيئتنا، ويتم تجسيده بواسطة أشخاص يشبهوننا. في الماضي كنا نقول عن مشاهد العري والألفاظ البذيئة أنها تمثل مجتمعات الغرب، لكن ماذا سنقول عنها عندما تأتي ضمن سياق مسلسل خليجي أبطاله عرب ومسلمين؟ خذوا نظرة سريعة على مسلسلات رمضان، ولاحظوا المشاهد التي يتم تطبيعها شيئًا فشيئًا، والأفكار التي يتم تمريرها .لا أحب تضخيم الأمور، لكن كل المؤشرات تقول أن المجتمع الخليجي مُستهدف في هويته الثقافية وخصوصيته الاجتماعية، وأن الأجيال الناشئة تتشرب من الأفكار الغربية بنهم، وسط صمت، ولا مبالاة من الجميع".

لا نشكُّ أن هناك استهدافًا لقيم المجتمعات الخليجية من الخارج، لكن الأشد وطأة هو الاستهداف الداخلي وذلك من خلال مسلسلات انتهكت حرمات الأدب والأخلاق في المجتمع الخليجي، وهذا ما دفع وزارة الإعلام الكويتية إلى إيقاف أحد المسلسلات لما احتواه من جميع السلوكيات المنحرفة القذرة، وأعلنت الوزارة في بيانها الرسمي "اتخاذ إجراءات ضد العمل معبرة عن رفضها لأي أعمال فنية تُسيء إلى دولة الكويت أو تمس أخلاقيات المجتمع"، وشددت "على أن الأعمال الفنية يجب أن تحمل رسائل أخلاقية راقية وتحترم خصوصيات المجتمعات، وأن تبتعد عن المساس بالثوابت".

إنَّ لكل مجتمعٍ هُويَّة محمَّلةٍ بالقيم التي تصون آدابه وأخلاقه وعاداته، عليه أن يحافظَ عليها من الخدش، والانتهاك، والتعدّي، فإن فرَّطَ فيها بالسكوت عمَّا يمسُّ خصوصيته وثوابته بذريعةٍ من الذرائع فإنَّ سيتحمل العواقب الشنيئة الناتجة عن تواطئه المتعمد، وغضِّه النظر المقصود، وإن هو انتصر لهويَّته فقد انتصرَ لوجودهِ وحضارته وبقائه.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عصام الحضري: لم أهرب من الأهلي كما يردد البعض بل غادرت في وجود عرض رسمي

قال عصام الحضري ، حارس مرمى منتخب مصر السابق، إن ولاءه لنادي الأهلي لم يكن موضع شك طوال مسيرته، مشيرًا إلى أنه قضى13 عامًا و6 أشهر في صفوف الفريق وحقق خلالها 26 بطولة، ما يجعله أحد أبرز اللاعبين في تاريخ النادي.

وأضاف خلال حواره ببرنامج "العرافة"، مع الإعلامية بسمة وهبة، والمذاع عبر فضائية "النهار"، أنه لم يهرب من الأهلي كما يردد البعض، بل غادر في ظروف معروفة تحدث عنها مرارًا، قائلًا: “لم يكن هناك شيء اسمه هروب، غادرت في ظل وجود عرض رسمي، لكن النادي رفضه، وحينها كنت أواجه مشكلات مع المدير الفني، ولم يكن هناك اتفاق حول استمراري”.

وتابع أنه لم يأخذ قراره بالرحيل بشكل مفاجئ، مؤكدًا أنه جلس مع إدارة نادي الأهلي، وحدث نقاش مباشر بين إدارة النادي ومسئولي الفريق الراغب في التعاقد معه، وهو أمر لم يكن معتادًا في الأهلي الذي كان يتعامل مع العروض عبر الفاكسات والإيميلات فقط.

وأشار إلى أن العرض الذي تلقاه وقتها لم يكن هينًا، حيث بلغ 800 ألف دولار في عام 2008، وهو رقم كبير مقارنة بالصفقات التي كانت تتم في تلك الفترة، وقال: "اليوم الأهلي قد يبيع لاعبين مقابل 500 ألف دولار، فلماذا يعتبر انتقالي حينها مجرد بحث عن المال؟".

وعن عودته للأهلي مجددًا بعد رحيله، قال إنه تعامل باحترافية، وسعى للحفاظ على اسمه وتاريخه، رغم التحديات التي واجهها، مشددًا على أن قراراته كانت مدروسة ولم تكن هروبًا كما يروج البعض.

مقالات مشابهة

  • مسلسل Pulse.. قصة مميزة لعشاق المسلسلات الطبية قادمة على نتفليكس
  • ما الفرق بين التنمر والهزار؟ سهير صفوت توضح
  • أبرز المسلسلات الخليجية في رمضان 2025
  • طبيبة تكشف عن المدة التي ينبغي أن ترتدي فيها مثبت الأسنان بعد التقويم
  • عقبال عندكوا الحلقة 4.. إيمي سمير غانم تحول منزلها إلى سنتر دروس خصوصية
  • دراما رمضان وتشويه الواقع
  • لماذا يزداد الوزن عند البعض في فترة الصيام؟
  • تفسير حلم مشاهدة المسلسلات في المنام
  • عصام الحضري: لم أهرب من الأهلي كما يردد البعض بل غادرت في وجود عرض رسمي
  • مدفع رمضان الحلقة 3: البرنامج الذي يتفوق على المسلسلات ويضج بالفرح والتفاعل الاجتماعي