سرايا - في 22 آذار (مارس)، قالت النائبة الأميركية أوكاسيو كورتيز في قاعة مجلس النواب: "إن احترام تحالفاتنا لا يعني تسهيل القتل الجماعي. لا يمكننا الاختباء من مسؤوليتنا بعد الآن". ويمكن أن يشمل "تسهيل القتل الجماعي" و"المسؤولية" التواطؤ القانوني الذي تمارسه الولايات المتحدة. وبينما تتجه الأنظار إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، تجدر الإشارة إلى قضية قانونية مرفوعة في ولاية كاليفورنيا (قضية "‏‏الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، فلسطين"، ضد جوزيف آر.

بايدن وآخرين‏‏).
وتتحدى هذه القضية بشكل مباشر الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة ل(إسرائيل). وعلى الرغم من أن القضية لن تجبر (إسرائيل) على الانسحاب من غزة، إلا أنها تثير قضايا خطيرة حول تواطؤ الولايات المتحدة في انتهاك (إسرائيل) المستمر لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، بالإضافة إلى عدم امتثالها الفاضح للتدابير المؤقتة التي أمرت بها "محكمة العدل الدولية".‏


وكانت "محكمة العدل الدولية" قد قضت في 26 كانون الثاني (يناير) بأن "من المعقول اعتبار أن (إسرائيل) ترتكب إبادة جماعية". وبالإضافة إلى ذلك، في تقرير أصدرته في 25 آذار (مارس) إلى "مجلس حقوق الإنسان" المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، كتبت فرانشيسكا ألبانيز في ملخص تقريرها: "من خلال تحليل أنماط العنف والسياسات التي تنتهجها (إسرائيل) في هجومها على غزة، يخلص هذا التقرير إلى أن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن العتبة التي تشير إلى ارتكاب (إسرائيل) للإبادة الجماعية قد تم عبورها".‏
 

‏وفي قضية كاليفورنيا، يُتهم قادة الولايات المتحدة بالتواطؤ غير القانوني في عدم منع الإبادة الجماعية، فضلاً عن المساهمة في أعمال الإبادة الجماعية التي تقوم بها (إسرائيل).‏

كما قدم أكثر من 30 من علماء وممارسي القانون البارزين، بمن فيهم ريتشارد فولك؛ وفيليب ألستون؛ وأندرو كلافام، إيجازًا (‏‏صديق المحكمة‏‏)** يدعم القضية المرفوعة أمام محكمة الاستئناف الأميركية للمنطقة التاسعة. ومن دون الخوض في جميع الجوانب القانونية، كانت النقاط الرئيسية التي تضمنها الموجز كما يلي:
1) حظر الإبادة الجماعية، والتواطؤ في الإبادة الجماعية، وواجب منع الإبادة الجماعية هي قواعد أساسية للقانون الدولي العرفي التي لا توجد أي استثناءات منها.
2) يُلزم إدراك خطر حدوث إبادة جماعية الدول بمنع حدوث هذه الإبادة. فإذا علمت دولة بحدوث إبادة جماعية، واستمرت هذه الدولة في دعم الدولة التي ترتكب الإبادة الجماعية، فإن الدولة الداعمة لا تكون قد أوفت بالتزامها القانوني بمنع الإبادة الجماعية، وقد تعتبر متواطئة في هذه الإبادة.
3) تاريخيا، في القضايا السابقة التي نُظرت أمام "محكمة العدل الدولية"، صادقت الولايات المتحدة على هذه المبادئ الأساسية.
4) يجوز للمحاكم المحلية إنفاذ القانون الدولي العرفي الأساسي -مثل محكمة كاليفورنيا في هذه الحالة.‏

‏تستحق النقطة الرئيسية الثانية شرحاً مفصلاً لأنها تشير إلى نوعين من الانتهاكات لاتفاقية الإبادة الجماعية. الانتهاك الأول هو أن منع الإبادة الجماعية التزام قانوني. إذا كانت الدولة على علم بأن هناك إبادة جماعية ترتكب ولم تفعل شيئًا، وإذا لم تمنع ارتكاب الإبادة الجماعية عن علم، فإن هذه الدولة تكون متواطئة فيها. وبالإضافة إلى ذلك، كما يلاحظ العلماء في المذكرة؛ "لا يتطلب واجب الاضطلاع بالالتزامات معرفة أن هناك إبادة جماعية تحدث فعليا فحسب؛ وإنما يفرض الوعي بوجود خطر جسيم لحدوث إبادة جماعية التزامًا على جميع الدول باتخاذ كل ما هو ممكن وضروري من إجراءات لمنع حدوثها أو استمرارها". ويجعل قرار محكمة العدل الدولية بشأن وجود أسباب معقولة لوجود إبادة جماعية في غزة هذه النقطة ذات صلة بالولايات المتحدة، شأنها في ذلك شأن تقرير المقرر الخاص المذكور. فمن الواضح أن هناك خطراً جدياً وجسيماً من ارتكاب (إسرائيل) إبادة جماعية في غزة. ولا يمكن أن يكون هناك شك في "وعي الولايات المتحدة بهذا الخطر الجدي". لذلك، وكما يجادل الإيجاز الذي قدمه الخبراء، فإن الولايات المتحدة، مثل جميع الدول التي صدقت على الاتفاقية، ملزمة قانونًا "باتخاذ أي إجراء ممكن وضروري لمنع حدوث (الإبادة الجماعية) أو استمرارها".‏

أما النوع الثاني من الانتهاكات الذي ورد في الإيجاز فأكثر إدانة للولايات المتحدة. إنه يصف الفعل الإيجابي لارتكاب الإبادة بدلاً من الفعل السلبي المتمثل في عدم منعها. ويشير الإيجاز إلى أنه إذا استمرت دولة في دعم دولة ترتكب إبادة جماعية، فقد تكون الدولة الداعمة متواطئة في ارتكاب الإبادة الجماعية أيضًا. وما تزال الولايات المتحدة تواصل تزويد (إسرائيل) بالأسلحة بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر). وكتب جون هدسون في 6 آذار (مارس) 2024، في صحيفة "ال‏‏واشنطن‏‏ ‏‏بوست": "وافقت الولايات المتحدة بهدوء -وسلمت أكثر من 100 دفعة من المبيعات العسكرية الأجنبية المنفصلة إلى (إسرائيل) منذ بدء ‏‏حرب غزة‏‏ في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والتي احتوت على آلاف الذخائر الموجهة بدقة، والقنابل ذات القطر الصغير، وخارقات التحصينات والأسلحة الصغيرة، وغيرها من المساعدات الفتاكة، كما أخبر مسؤولون أميركيون أعضاء الكونغرس في إحاطة سرية حديثة"‏‏. وأكدت ‏‏صحيفتا "وول ستريت جورنال‏‏" ‏‏ ‏‏و"نيويورك تايمز" هذه الرواية عن الإحاطة في الكونغرس في تقارير مماثلة.‏

بذلك، تكون الولايات المتحدة مذنبة مرتين بانتهاك المادة الثالثة (هـ) من اتفاقية الإبادة الجماعية التي تحظر التواطؤ على وجه التحديد.‏

كيف تواصل الولايات المتحدة تزويد (إسرائيل) بالأسلحة في انتهاك لاتفاقية الإبادة الجماعية؟ يسمح قانون مراقبة تصدير الأسلحة الأميركي باستثناءات لمبيعات الأسلحة للحلفاء المقربين. وتستخدم الولايات المتحدة هذه الثغرة لمواصلة إرسال الأسلحة إلى (إسرائيل). لكنّ استخدام هذه الثغرة لمواصلة إرسال الأسلحة لا يبرئ من التواطؤ في الإبادة الجماعية. إنه نفاق، على الأقل. واستخدام قانون مراقبة تصدير الأسلحة "لا يبدو مجرد محاولة لتجنب الامتثال التقني لقانون تصدير الأسلحة الأميركي فحسب؛ إنه طريقة مقلقة للغاية لتجنب الشفافية والمساءلة بشأن قضية بارزة"، كما نُقل عن آري تولاني، مدير مراقبة المساعدة الأمنية في مركز أبحاث السياسة الدولية، في ‏‏صحيفة "الغارديان"‏‏.‏
‏إن هذا شأن منافق وذو طبيعة متخفية. ووفقًا لمقال نشر مؤخرًا ‏‏في صحيفة "نيويورك تايمز"، فإنه "في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، استند وزير الخارجية الأميركية، أنتوني ج. بلينكن، مرتين إلى سلطة طوارئ نادرًا ما تستخدم في الولايات المتحدة لإرسال ذخيرة الدبابات وقذائف المدفعية إلى (إسرائيل) من دون مراجعة الكونغرس. وكانت هاتان المرتين الوحيدتين اللتين قدمت فيهما الإدارة إشعاراً علنياً بالمبيعات العسكرية ل(إسرائيل)، "من حكومة إلى حكومة"، منذ تشرين الأول (أكتوبر).‏

‏ماذا عن البلدان الأخرى؟ هل غيرت سياساتها تجاه (إسرائيل) بعد قرار "محكمة العدل الدولية"؟ في الآونة الأخيرة، أعلنت الحكومة الكندية، التي تقدم مام تبلغ قيمته نحو 4 مليارات دولار سنوياً كمساعدات عسكرية ل(إسرائيل)، أنها ستوقف مبيعات الأسلحة إلى (إسرائيل) بعد أن أقر البرلمان الكندي اقتراحًا غير ملزم بوقف مبيعات الأسلحة. ولم تكن كندا وحدها. وحسب قناة "الجزيرة"، فإن "كندا تنضم إلى هولندا واليابان وإسبانيا وبلجيكا في تعليق مبيعات الأسلحة" إلى (إسرائيل)‏‏.‏

‏بالإضافة إلى وقف الدول مبيعات الأسلحة، كشفت ‏‏صحيفة‏‏ "‏‏الغارديان" البريطانية‏‏ أن أكثر من 200 عضو في البرلمان من 12 دولة كتبوا رسالة لمحاولة إقناع حكوماتهم بفرض حظر على مبيعات الأسلحة إلى ‏‏(إسرائيل)‏‏. وادعى النواب، وهم شبكة من الاشتراكيين والناشطين، أنهم لن يكونوا متواطئين في "انتهاك (إسرائيل) الخطير للقانون الدولي" في هجومها على غزة. وفي رسالتهم، جادل هؤلاء السياسيون بأنه بعد حكم محكمة العدل الدولية، "تجاوز حظر الأسلحة الضرورة الأخلاقية ليصبح مطلبا قانونيًا" أيضًا.‏

‏كما أن النواب لم يكونوا وحدهم. فقد ذكر خبراء الأمم المتحدة أن "أي نقل للأسلحة أو الذخيرة إلى (إسرائيل)، والتي يمكن أن تستخدمها في غزة، يرجح أنه ينتهك القانون الإنساني الدولي...". وكتب الخبراء، ومعظمهم مقرِّرون مستقلون لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: "إن الحاجة إلى فرض حظر على الأسلحة على (إسرائيل) تزداد بسبب ‏‏حكم‏‏ ’محكمة العدل الدولية‘ الصادر في 26 كانون الثاني (يناير) 2024، القاضي بأن هناك خطراً معقولاً من وجود إبادة جماعية في غزة واستمرار إلحاق الضرر الجسيم بالمدنيين منذ ذلك الحين". وبما أن اتفاقية الإبادة الجماعية ‏‏تتطلب‏‏ من جميع الدول التي انضمت إليها استخدام جميع الوسائل المتاحة لها بشكل معقول لمنع الإبادة الجماعية في دولة أخرى قدر الإمكان، فإن "هذا يستلزم وقف صادرات الأسلحة في الظروف الحالية" إلى (إسرائيل)، كما جادل الخبراء.‏

‏في ما يتعلق بقضية كاليفورنيا، كان الخبراء واضحين تمامًا. وكتبوا: "قد يكون مسؤولو الدولة المتورطون في صادرات الأسلحة مسؤولين جنائياً بشكل فردي عن المساعدة في، والتحريض على أي جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو أعمال إبادة جماعية. وقد تتمكن جميع الدول بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، والمحكمة الجنائية الدولية، من التحقيق في مثل هذه الجرائم ومقاضاة مرتكبيها".‏

‏مع إدراكها الكامل بخطر حدوث "إبادة جماعية ممكنة" ترتكبها (إسرائيل) في غزة، لم تقم الولايات المتحدة بالإيعاز ل(إسرائيل) بوقف أعمالها، وما تزال تواصل إرسال الأسلحة إليها. لقد كانت الولايات المتحدة، وما تزال، متواطئة. وخلص الخبراء إلى أن "القانون الدولي يقوم بالإنفاذ بنفسه. ويجب على جميع الدول ألا تكون متواطئة في الجرائم الدولية من خلال عمليات نقل الأسلحة. ويجب عليها القيام بدورها لوضع حد عاجل للكارثة الإنسانية التي لا تتوقف في غزة".‏

‏الحجة القانونية واضحة. والحجة الأخلاقية أكثر وضوحًا. ولكن، هل سيتبع ذلك عمل سياسي؟ في 11 آذار (مارس)، كتب ثمانية من أعضاء مجلس الشيوخ إلى الرئيس بايدن يدعونه إلى مطالبة رئيس الوزراء ال(إسرائيل)ي، بنيامين نتنياهو، "بالتوقف عن تقييد وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة -أو أنه سيتعرض لوقف المساعدات العسكرية الأميركية ل(إسرائيل)". وسوف تكون مطالبة (إسرائيل) بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية بداية. وسيكون توقف الولايات المتحدة عن عن إرسال المعدات العسكرية أفضل. ولكن، حتى قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة -حيث امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت بخنوع- لن يعفي الولايات المتحدة من التواطؤ في "الإبادة الجماعية" التي تمارسها (إسرائيل) والتي رأت "محكمة العدل الدولية" أن اتهامها بارتكابها معقول.

* د. دانيال وارنر Daniel Warner: مؤلف، يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد الدراسات العليا للدراسات الدولية، جنيف. حاصل على جائزة ماري شابلر من الجمعية الأكاديمية في جنيف عن كتابه: ‏‏"أخلاقيات المسؤولية في العلاقات الدولية ‏‏"An Ethic of Responsibility in International Relations، (لين رينر). يعيش في جنيف، سويسرا.‏

*نشر هذا المقال تحت عنوان: U.S. Complicity in Israel’s “Plausible” Genocide

**صديق المحكمة، باللاتينية ‏‏Amici Curiae: فرد أو منظمة ليسا طرفًا في قضية قانونية، ولكن يسمح لهما بمساعدة المحكمة من خلال تقديم المعلومات أو الخبرة أو البصيرة التي لها تأثير على مسار القضية. وعادة ما يكون القرار حول ما إذا كان سيتم النظر في مذكرة "صديق المحكمة" خاضعًا لتقدير المحكمة المعنية.‏
إقرأ أيضاً : من هو العميد زاهدي الذي اغتالته (إسرائيل) .. وكيف ستردّ طهران؟إقرأ أيضاً : تأهب في سفارات (إسرائيل) بعد قصف القنصلية الإيرانية في دمشقإقرأ أيضاً : ما هي منظمة "وورلد سنترال كيتشن" التي قُتل موظفون لها في غزة؟


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: مجلس مجلس بايدن الثاني الدولة الدولة الدولة الدولة الدولة غزة الخاص الثاني الدولة الكونغرس الكونغرس الحكومة النواب الثاني غزة الدولة جرائم جرائم الجرائم الجرائم مجلس الرئيس بايدن رئيس الوزراء غزة مجلس سويسرا جرائم فلسطين مجلس النواب نيويورك الكونغرس الحكومة الدولة الجرائم بايدن غزة الثاني رئيس الوزراء الرئيس الخاص محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة الولایات المتحدة مبیعات الأسلحة إبادة جماعیة متواطئة فی جمیع الدول الجماعیة ا جماعیة فی ل إسرائیل جماعیة ا أن هناک فی غزة

إقرأ أيضاً:

القوة والنفوذ في آسيا: من سيفرض هيمنته؟

قبل حوالي عام من الآن، أصدر معهد (لوي) ومقره في سيدني، تقريره الأحدث حول مؤشر نفوذ القوى الدولية بالقارة الآسيوية، مسلطًا الضوء على الديناميكيات الجيوسياسية في منطقة المحيطَين: الهندي والهادئ، حيث اعتمد التقرير على مجموعة من البيانات التي تصنّف الدول بناءً على قدرتها على التأثير في الأحداث الدولية، وتوجيه سلوك الدول الأخرى في المنطقة، كما أنه يغطي 26 دولة تمتد من باكستان في الغرب إلى روسيا في الشمال، وصولًا إلى المحيط الهادئ.

بناء على المعطيات التي وردت بهذا المؤشر أو التقرير، فإن الولايات المتحدة الأميركية تتصدر المشهد كأقوى دولة في المنطقة، متفوقة على الصين، واليابان، والهند، وروسيا. ويرجع تفوق الولايات المتحدة إلى أدائها في ستة من المؤشرات الفرعية الثمانية التي يعتمد عليها التقرير. هذه المؤشرات تشمل القدرة الاقتصادية والعسكرية، القدرة على الصمود، الموارد المستقبلية، الشبكة الدفاعية، والتأثير الثقافي. بينما تتصدر الصين في مجالَي النفوذ الدبلوماسي والعلاقات الاقتصادية، مما يعكس نموها السريع وقوتها المتزايدة.

فتقرير "لوي" يعتمد في تحليله على مجموعة من 133 مؤشرًا لقياس القوة، بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي، وعدد الشركات المدرجة في قائمة فوربس 2000، وحجم صناديق الثروة السيادية. تشمل المؤشرات أيضًا عوامل مثل: عدد السفارات وعدد مرات البحث على الإنترنت، وحتى عدد ناطحات السحاب، والتي تعتبر رمزًا للهيبة الاقتصادية والديناميكية.

أبعاد توازن القوى في آسيا

أحد أهم الجوانب التي يبرزها التقرير هو دور الدول المتوسطة، مثل: اليابان، والهند، وروسيا. على الرغم من تصدر الولايات المتحدة والصين للمشهد، تلعب هذه الدول دورًا حيويًا في تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة. على سبيل المثال، أستراليا جاءت في المرتبة السادسة متفوقة على كوريا الجنوبية، واقتربت من روسيا التي تأثرت بوضوح نتيجة الحرب في أوكرانيا.

فبينما تبقى الصين تستمد قوتها من موقعها المركزي في النظام الاقتصادي العالمي، تعتمد الولايات المتحدة على قوتها العسكرية وشبكات الدفاع الإقليمية. هذا التوازن غير المستقر بين القوى العظمى يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدولية في المنطقة، ويعكس عدم اليقين بشأن قدرة الدولتين على الحفاظ على توازن القوى دون الانجرار إلى مواجهات مباشرة.

نحو نظام متعدد الأقطاب

من اللافت للنظر أن "القرن الصيني" لم يعد السيناريو الأكثر ترجيحًا. فمن غير المتوقع حسب المعطيات أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد الحالي، وإذا حدث ذلك في المستقبل، فمن المحتمل أن تواجه تحديات مشابهة لتلك التي واجهتها الولايات المتحدة في الماضي. هذا يفتح المجال لسيناريو بديل يتمثل في منطقة متعددة الأقطاب، تقودها مجموعة من القوى الكبرى.

في هذا السياق، وهو ما يبرزه تقرير "لوي"، تصبح تصرفات وخيارات الدول المتوسطة أكثر أهمية في تشكيل طبيعة النظام الإقليمي. هذه الدول تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز استقرار المنطقة والتعاون بين القوى المختلفة، مما قد يساهم في تجنب الصراعات المباشرة والعمل نحو حلول مشتركة.

عود على بدء يبرز تقرير معهد "لوي" تعقيدات توازنات القوى في منطقة المحيطين: الهندي والهادئ، في ظل التنافس المستمر وعدم قدرة أي من القوى الكبرى على تحقيق الهيمنة الكاملة.

وعليه؛ فمن المتوقع أن يشهد المستقبل تحولات مهمة في التنافس الإقليمي، مع تطور تحالفات جديدة وتغير في موازين القوى. إذ يمكن للتكنولوجيا والابتكار أن يلعبا دورًا متزايد الأهمية في تعزيز قدرات الدول، مما قد يغير من ديناميكيات القوة، كما أن التحديات العالمية المشتركة مثل التغير المناخي والأمن السيبراني، قد تدفع الدول نحو مزيد من التعاون وتنسيق الجهود.

ومهما يكن من أمر؛ ستظل منطقة المحيطين: الهندي والهادئ محورًا رئيسيًا للتنافس والتعاون، ومراقبة تطوراتها ستكون أساسية لفهم مستقبل النظام الدولي بشكل عام.

وقد جاء مؤشر "لوي" ليسلط الضوء على حجم نفوذ القوى الدولية في آسيا ومستقبلها؛ فأهميته تبدو كبيرة كونه يوفر تحليلًا شاملًا ودقيقًا لتوازنات القوى في منطقة حيوية ومتنافسة جيوسياسيًا، مثل المحيطين: الهندي والهادئ، ويعكس القدرة النسبية للدول على التأثير في الأحداث الدولية وتوجيه السياسات، مما يساعد الحكومات وصناع القرار على فهم الديناميكيات المعقدة للمنطقة، وتحديد التهديدات والفرص الإستراتيجية، وتطوير سياسات فعالة للتعامل مع المنافسات والتعاونات الدولية.

كما يساهم في توفير رؤى معمقة للباحثين والمحللين حول التطورات الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية، وبالشكل الذي يدعم الدراسات الأكاديمية والتحليلات المستقبلية للعلاقات الدولية ونفوذ القوى العظمى والصاعدة عسكريًا واقتصاديًا وثقافيًا ودبلوماسيًا ويطرح سؤالًا: لمن ستكون الغلبة واليد الطولى في فرض النفوذ بالمنطقة الآسيوية مستقبلًا في ظل التنافس الصيني – الأميركي؟

ويبقى القول إنه بالنظر إلى التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المستمرة، يبقى المستقبل غير مؤكد، فهل ستتمكن الصين من تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي لتتجاوز الولايات المتحدة؟ أم ستظل الولايات المتحدة مهيمنة بفضل قوتها العسكرية وشبكاتها الدفاعية الواسعة؟ كما أن دور القوى المتوسطة (الصاعدة) مثل: اليابان، وكذلك الهند، وروسيا، سيظل حاسمًا ومركزيًا في تشكيل مستقبل النظام الإقليمي وفرض هيمنته.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • تقرير لـResponsible Statecraft: الحرب الإسرائيلية على غزة ستمتد إلى لبنان في هذه الحالة
  • موظفة بـ«الداخلية الأمريكية» تستقيل من منصبها لدعم إدارة بايدن للإبادة في غزة
  • القوة والنفوذ في آسيا: من سيفرض هيمنته؟
  • أمريكا تكابر وتضحي باقتصادها للدفاع عن إسرائيل واستمرار جرائم الإبادة ضد الأبرياء في غزة: تأثير العمليات اليمنية يلقي بثقله على الاقتصاد ، والمستهلكين الأمريكيين
  • كيف تحولت غزة إلى أكبر فشل أخلاقي وسياسي لبايدن.. ما علاقة نتنياهو؟
  • لليوم الـ 270.. إسرائيل تواصل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة
  • محكمة العدل الدولية: إسبانيا قدمت طلباً للانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا ضد “إسرائيل”
  • باركليز ودعم شركات الأسلحة الإسرائيلية بالمليارات.. ما هو التاريخ الأسود للبنك الشهير؟
  • مظاهرات في لوجروينو الإسبانية للمطالبة بمقاطعة إسرائيل وإنهاء الإبادة في غزة
  • كالكاليست: هل يمكن لإسرائيل الاستغناء عن الأسلحة الأميركية؟