كينشاسا يواجه شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية أزمة إنسانية حادة لم يسبق لها مثيل في السنوات الأخيرة. وقد وصلت المنطقة التي تشهد عنفا منذ مدة طويلة نقطة اللاعودة في عام 2024، مع تصاعد القتال.

ويدور القتال في المنطقة بين مليشيا "إم 23″ وحلفائها من جهة، والجيش الكونغولي مدعوما بقوات منظمة دول جنوب أفريقيا ومتمردي ما يعرف بـ"قوات تحرير رواندا" من جهة أخرى، مما أدى إلى نزوح الملايين وتركهم في حاجة ماسة إلى المساعدة.

وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 7.1 ملايين شخص نزحوا داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتتركز الغالبية العظمى منهم في المقاطعات الشرقية للبلاد. ويمثل هذا الرقم ما يقرب من 10% من إجمالي سكان البلاد الذين تم تهجيرهم من منازلهم.

وأدى الهجوم الأخير الذي شنته جماعة "إم 23" المتمردة في شمال كيفو إلى نزوح ما يقدر بنحو 250 ألف شخص خلال الشهرين الماضيين فقط. وقد أدى هذا النزوح السريع إلى استنزاف الموارد المتاحة وخلق ظروف معيشية صعبة وغير صحية في مخيمات النازحين.

نساء كونغوليات مسلمات ينتظرن الحصول على طعام الإفطار خلال رمضان في مخيم للنازحين بمقاطعة شمال كيفو (رويترز) انعدام الأمن الغذائي

أثرت الاضطرابات الناجمة عن القتال والنزوح على إنتاج الغذاء وتوزيعه. ويقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن أكثر من 6 ملايين شخص في شرق الجمهورية يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، مما يعني أنهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية.

ويحذر برنامج الأغذية العالمي من أن أكثر من 3 ملايين طفل دون سن الخامسة في البلاد معرضون لخطر سوء التغذية، مما يزيد من خطر إصابتهم بالمرض والوفاة، كما يكافح نظام الرعاية الصحية الهش في المنطقة للتعامل مع تدفق النازحين.

وغالبا ما تكون الإمدادات الطبية الأساسية شحيحة، ويشكل تفشي أمراض مثل الحصبة والكوليرا تهديدا كبيرا.

أما فيما يتعلق بالعنف ضد النساء والأطفال، فقد أفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن زيادة العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في مناطق النزاع، بالإضافة إلى ذلك، تواصل الجماعات المسلحة تجنيد الأطفال، مما يزيد من تعريض سلامتهم ومستقبلهم للخطر.

كذلك خلقت هذه الأزمة فجوة كبيرة في جهود التعليم التي تقوم بها منظمات دولية، وتظهر الأرقام -التي جمعتها مجموعة تنسيق التعليم التي تقودها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في شمال كيفو وإيتوري- تعرض 119 مدرسة للهجوم أو الاحتلال أو الاستخدام المؤقت من قبل الجماعات المسلحة.

واضطرت ما يقرب من 1700 مدرسة إلى إغلاق أبوابها بسبب استمرار انعدام الأمن. ولا تستطيع ما يقرب من 300 مدرسة العمل لأنها تستخدم كمأوى للنازحين بسبب الصراع.

عقبات تعيق الاستجابة

يقود مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) الاستجابة الإنسانية، وينسق تسليم المساعدات من وكالات مثل برنامج الأغذية العالمي، واليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية، كما تقدم المنظمات غير الحكومية الدولية مثل لجنة الإنقاذ الدولية "آيْ، آر، سي I R C" ومنظمة إنقاذ الطفولة الخدمات الأساسية مثل المساعدة الغذائية والمأوى في حالات الطوارئ والرعاية الصحية في مخيمات النازحين.

ومع ذلك، فإن الاستجابة تواجه عقبات كبيرة منها انعدام الأمن بسبب القتال المستمر والذي يجعل من الصعب على عمال الإغاثة الوصول إلى المحتاجين، لا سيما في المناطق النائية التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة.

بالإضافة إلى ذلك، تواجه الاستجابة في الشرق نقصا مزمنا في التمويل، اعتبارا من مارس/آذار 2024، وتقدر الأمم المتحدة فجوة تمويلية تزيد عن 3 مليارات دولار، مما يترك الملايين دون إمكانية الوصول إلى المساعدات الحيوية. كما أن تضرر البنية التحتية يعرقل تقديم المساعدات عبر مسافات شاسعة مما يزيد الوضع سوءا.

جذور الأزمة

وحول جذور الأزمة الإنسانية في شرق الكونغو الديمقراطية، يقول المستشار المختص بمنطقة البحيرات العظمى البروفيسور إبراهيم موسوبو إن الأزمة الإنسانية في هذا البلد تتجذر في تداخل معقد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وأضاف موسوبو للجزيرة نت أن الصراع يتغذى بالمنافسة على الموارد الطبيعية القيمة والنادرة في شرق الكونغو، بما في ذلك المعادن مثل الذهب والكولتان والكوبالت والألماس والنحاس، التي تزخر بها المنطقة، وتستغل الجماعات المسلحة هذه الموارد لبيعها في الأسواق الدولية بهدف تمويل أنشطتها العنيفة، مما يؤدي إلى "دورة من العنف الوحشي وعدم الاستقرار".

علاوة على ذلك، ينوه البروفيسور موسوبو، وهو عميد كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة روندا سابقا، إلى أن "المظالم التاريخية والتوترات العرقية وضعف هياكل الحكم تعمل على تفاقم الصراع واستدامته، ولقد غذَّت عقود من عدم الاستقرار السياسي والفساد والتهميش المتعمد لبعض الجماعات العرقية الاستياء والمقاومة المسلحة ضد الحكومة المركزية في كينشاسا".

وساهم إرث الاستعمار، وخاصة الحدود التعسفية التي رسمتها القوى الأوروبية، في تأجيج التوترات بين مختلف الجماعات العرقية والإقليمية، على حد قول موسوبو الذي أوضح أن الادعاءات بارتكاب قوات الجيش وقوات الأمن الحكومية انتهاكات لحقوق الإنسان تقوض الثقة والتعاون مع المجتمعات المحلية، وتعقد جهود بناء السلام والاستقرار.

Name(required)
Email(required)
Website
Message

Submit

Δ

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات الکونغو الدیمقراطیة الجماعات المسلحة الأمم المتحدة انعدام الأمن

إقرأ أيضاً:

إصابة 9 من قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية

قالت الأمم المتحدة إن 9 من قوات حفظ السلام، التابعة لها في شرق الكونغو الديمقراطية، أصيبوا بجروح خلال اشتباكات مع متمردي جماعة (إم23) المسلحة، مع اقترابهم من جوما.

وحققت حركة (إم23) مكاسب إقليمية كبيرة في الأسابيع الأخيرة، حيث حاصرت مدينة جوما، التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليوني نسمة، وتعد مركزاً إقليمياً للأمن والجهود الإنسانية.

وذكرت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية، في بيان أمس الجمعة، أن جنودها أصيبوا خلال اشتباكات مع المتمردين، على مدى اليومين الماضيين في بلدة ساكي.

The UN is deeply alarmed by escalating hostilities in eastern Democratic Republic of the Congo.

Massive displacement, human rights abuses & sexual violence are having a devastating toll on civilians.

Violence must stop. Civilians must be protected.https://t.co/kVQEt0pR4a pic.twitter.com/oZ8rTc0IWh

— United Nations (@UN) January 24, 2025

وكان حاكم ولاية نورث كيفو بجمهورية الكونغو الديمقراطية، قد توفي متأثراً بجروح أصيب بها على الجبهة، لدى اقتراب متمردي حركة "إم 23" من المدينة الكبيرة شرقي البلاد، أول أمس الخميس، حسبما ذكرت السلطات.

وما زالت ملابسات وفاة الميجور جنرال بيتر كيريمواني غير واضحة. وانتشر الذعر في جوما لدى سيطرة المتمردين على بلدة ساكي، التي تبعد 27 كيلومتراً من العاصمة الإقليمية، وأحد آخر الطرق الرئيسية إلى المدينة التي لاتزال تحت سيطرة الحكومة، وفقاً للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

Hundreds injured as M23 rebels advance on eastern DR Congo’s main city https://t.co/bwnM3XKwDR

— euronews (@euronews) January 25, 2025

يذكر أن "إم 23" هي واحدة من نحو 100 حركة مسلحة، تتنافس على موطئ قدم في شرقي الكونغو الغني بالثروات المعدنية، على طول الحدود مع رواندا، في صراع يرجع لعقود أسفر عن إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. 

وأسفر القتال عن نزوح أكثر من 7 ملايين شخص. واستولت الحركة على بلدتي كتالي وماسيسي غرب جوما.

مقالات مشابهة

  • مقتل وإصابة عشرات الروانديين في قصف لقوات الكونغو الديمقراطية
  • فرنسا تسعى لاستصدار قرار من الأمم المتحدة يعتبر رواندا داعم لمتمردي حركة إم23 في الكونغو الديمقراطية
  • الكونغو الديمقراطية تقول إن الجيش الرواندي موجود في مدينة غوما
  • أنباء عن دخول متمردي إم 23 إلى غوما شرق الكونغو الديمقراطية
  • تصاعد الصراع العسكري في الكونغو الديمقراطية.. واتهامات لرواندا بالتورط
  • 13 قتيلاً من قوات حفظ السلام الدولية في اشتباكات عنيفة في شرق الكونغو الديمقراطية
  • الأمم المتحدة تنقل مؤقتًا موظفيها غير الأساسيين من جوما شرق الكونغو الديمقراطية
  • الإثنين.. اجتماع مجلس الأمن لبحث الأزمة في الكونغو الديمقراطية
  • إصابة 9 من قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية
  • الاتحاد الأوروبي قلق إزاء تصاعد الصراع شرقي الكونغو الديمقراطية