بات من المعلوم بالضرورة حسب موازين الجغرافيا السياسية والواقع الميداني بأن القضاء على حركات المقاومة في غزة أمر غير ممكن، مهما بلغ حجم الموت والدمار، ومهما بلغ إجرام قوات الاحتلال النازي ووحشيتها؛ ليس فقط لأن المقاومة فكرة والأفكار لا تموت، بل بالنظر إلى معايير الصمود والبأس اللذين تبديهما المقاومة، ناهيك عن استهانتها بالموت، وحرصها على النصر، مهما بلغت التكلفة البشرية والمادية.
إن الصمود والصبر والتحدي الذي تبذله المقاومة على مذبح الوطن وقضية أبنائه عصي عن الاختراق أو التمييع أو الرضوخ لإرادة أي أحد في هذا العالم، ابتداء من الولايات المتحدة، مرورا بدول أوروبا، ودول التطبيع العربي، وانتهاء بالكيان الفاشي. وما إصرار المقاومة على شروطها في المفاوضات الجارية حول إطلاق سراح الأسرى من الطرفين وإيقاف العدوان الوحشي، إلا دليل واضح على قوة إرادتها وصمودها الأسطوري في وجه الغطرسة العسكرية والسياسية للكيان المستكبر بقوته المادية واعتداده بفصول توراته المحرفة..
على الرغم من جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال مدعومة بتأييد كثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وإن بدرجات متفاوتة، تبقى فيها الولايات المتحدة الشريك الفعلي والمباشر في جريمة الإبادة التاريخية التي لم يكن أحد ليتوقع حدوثها في القرن الواحد والعشرين بحال من الأحوال.. على الرغم مما ذكرت، فغزة صامدة، وعنوان صمودها الكلمة الخالدة التي ظل أبو عمار رحمه الله يرددها "يا جبل ما يهزك ريح" ..
إن الصبر والصمود والتحدي الذي تبديه المقاومة سيظل شاهدا على مرحلة تاريخية عزّ مثيلها، وتضاءلت أمامها كل حركات التحرر في العالم، ليس بسبب الصمود الأسطوري فقط، بل بسبب صغر المساحة التي يتحرك فيها المقاومون، وقدرتهم على استثمار هذه المساحة في أقصى درجات الإبداع الهندسي الممكن، إضافة إلى التخطيط العبقري المسبق من تطوير للسلاح المحلي، وحفر الأنفاق، والبناء الروحي والنفسي للمقاتلين، والقدرة على رصد تحركات العدو، ومواجهته من النقطة صفر، في أسوأ الظروف وأقساها وأكثرها خطورة، وهم يواجهون آلة عسكرية ضخمة، وقدرات استطلاعية هائلة لدى العدو الذي يحاصر القطاع أرضا وجوا وبحرا..!
إن الصبر والصمود والتحدي الذي تبديه المقاومة سيظل شاهدا على مرحلة تاريخية عزّ مثيلها، وتضاءلت أمامها كل حركات التحرر في العالم، ليس بسبب الصمود الأسطوري فقط، بل بسبب صغر المساحة التي يتحرك فيها المقاومون، وقدرتهم على استثمار هذه المساحة في أقصى درجات الإبداع الهندسي الممكنلقد استطاعت المقاومة بإمكاناتها البسيطة أن تقصم ظهر جيش مؤهل بأحدث الآليات والمدافع والصواريخ والطائرات بأنواعها وأحدثها على الإطلاق؛ فكان عدد من اعترف جيش الاحتلال بمقتلهم 574 جندياً، وإصابة 3468 جندياً حتى تاريخ 19 شباط/ يونيو 2024، هذا إذا لم نتحدث عن الإصابات النفسية للجنود، حيث كشفت مصادر عسكرية صهيونية عن خضوع 30 ألف جندي في صفوفه للعلاج جراء اضطرابات نفسية عانوا منها على خلفية مشاركتهم في العدوان على قطاع غزة"، كما نقلت عربي21. علما بأن عدد القتلى والجرحى في صفوف قوات الاحتلال يزداد يوميا.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن مسؤولين صهاينة وضباطا رفيعي المستوى من المتقاعدين وحاخامات على صلة بالجنود أشاروا إلى أن أعداد القتلى والجرحى التي يعلنها جيش الاحتلال غير حقيقية، وأن الأيام ستكشف عن الأعداد الحقيقية. لا سيما أن حركات المقاومة تعرض يوميا لمشاهد من استهداف جنود الاحتلال بالقنص أو التلغيم أو القصف الصاروخي. وقد تم إعطاب أو تدمير أكثر من 1000 آلية، وهو ما لم تخسره قوات الاحتلال الغاشم في أي حرب خاضتها من قبل.
إلى ذلك فقد أشار جنرال إسرائيلي سابق بالقول: "إن الحرب على غزة فقدت بوصلتها، ونحن في وضع خطير"، ذلك أن أكبر إنجاز للمقاومة هو حالة الفشل والارتباك والاضطراب والهزيمة النفسية التي أحدثتها على المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي ، ناهيك عن الاجتماعي والاقتصادي الذي هز أركان المجتمع الإسرائيلي الذي يبدو متهالكا ومنهكا حد الصدمة، فلم يسبق منذ نكبة 1948 أن تعرض المجتمع الإسرائيلي إلى كل هذا التشرذم والتفكك وانهيار البُنى آنفة الذكر المكونة للكيان المحتل..
لقد انقسم العالم بعد 7 أكتوبر إلى معاد للمقاومة ومتآمر عليها، ومحايد ومؤيد، وما يدمي القلب أن تجد بين المعادين بوضوح وبجاحة حكومات عربية، ربما تختلف في إجراءاتها وتصريحاتها في الظاهر، بينما تتفق أهدافها في الخفاء، لكنها لا تخفى على المراقب الحصيف، وهنا لا بد من الوقوف على موقف كل من مصر والعربية السعودية والإمارات المتحدة التي تلعب دورا شريرا وماقتا وواضحا للعيان، من خلال أبواقها الإعلامية وتعاطيها الرسمي مع العدوان الفاشي، ودعمه بكل ما يلزم لاستمرار العدوان وفرضية القضاء على المقاومة؛ بما يبهت ويستفز ويجعل الحليم حيرانا..
لقد قام الموقف المصري المتخاذل والمتواطئ مع الكيان المحتل بأسوأ دور ممكن لإجاعة أهل غزة، فاحتجز مئات الشاحنات على الحدود مع القطاع، مدعيا عدم قدرته على إدخالها؛ لأن الكيان المحتل لم يسمح بدخولها؛ مما يجعلنا نضع ألف علامة استفهام على مائدة الجوع والعطش المفزعة في القطاع؛ وليطرح السؤال نفسه عن الوزن الإقليمي والدولي لمصر العربية، وعن حقيقة عجزها عن إدخال الأغذية التي تعفنت في الشاحنات المعطلة على الجانب الآخر للحدود. وفي حال عجزها الفعلي؛ فهي فعلا "شبه دولة"، كما قال (فخامته)، وفي حال الاشتراك في المؤامرة ضد أهل غزة فهي خيانة وطنية كبرى، وهنا أستذكر بيتا لأبي فراس الحمداني وهو يقول:
وقال أصحابي الفـرار أو الـردى؛
فقلـت همـا أمـران أحلاهمـا مـر
أما العربية السعودية؛ فقد باعت نفسها رخيصا لبايدن وقبله ترامب وبعدهما كوشنير الذي يعرف كيف يتعامل مع السعودية، وكيف يخضعها لإرادة الكيان الغاصب؛ حتى لنحس بأن هذا الأخير يملي على ابن سلمان، فلا يرد له طلبا..
لكن الأكثر تواطؤا هي الإمارات المتحدة التي لم تدخل مكانا إلا أحالته جحيما؛ فقد أشعلت النيران في ليبيا واليمن والسودان وشمال أفريقيا والساحل بشكل عام، وقوضت الديمقراطية في مصر، وحاولت وما زالت العبث بأمن الجزائر بإغراقها بالمخدرات، والتحريض على الحرب بين المغرب والجزائر، ودعم المغرب ـ بمشاركة الكيان المحتل ـ بتزويده بالأسلحة والمعدات الحربية المتطورة، فماذا يرتجى من دولة عربية تقوم بدور قذر في محاولة لتفكيك الوطن العربي لصالح الصهيونية؟ ماذا نتوقع أن يكون موقفها من العدوان على قطاع غزة، وهي التي لم تتوانَ عن إمداد الكيان بالغذاء والدواء والنفط عبر العربية السعودية والأردن، في حين يتم تجويع أهل غزة ببرودة أعصاب وقبح لم يشهد التاريخ له مثيلا..؟!
لكن بوارق الأمل تخرج من حناجر الشعوب العربية المقهورة والمكبلة في الشرق والغرب، في تونس والجزائر والأردن وموريتانيا واليمن والمغرب وليبيا، ولولا الاقتتال البشع في السودان لوجدناها من أكثر الدول العربية خروجا في تظاهرات مليونية ضد الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني. ولولا القمع الإجرامي للأمن المصري؛ لوجدنا مصر كلها تنتفض في وجه الكيان المحتل والمتآمرين على غزة وفلسطين، ويكفي أن نتابع ما ينشره أحرار مصر على مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات حانقة على الأوضاع المزرية لأهل غزة بخاصة وفلسطين بعامة، لتعرف حجم الوعي الذي صدّرته المقاومة للشعوب العربية، ولشعوب العالم، ولكثير من أهل السياسة في كل مكان من هذا العالم.
لكن ثقتنا في الله أولا، ثم في حركات المقاومة المجيدة في قطاع غزة والضفة الغربية، تجعلنا على يقين بنصر آت إن شاء الله، مهما كانت الكلفة المادية والبشرية كبيرة. فالعبرة في النهايات، والتضحية لا تعد هزيمة، مهما بلغ حجمها، ولنا في التاريخ عبر..!!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال الحرب الفلسطيني احتلال فلسطين غزة مواقف حرب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان المحتل قوات الاحتلال أهل غزة
إقرأ أيضاً:
خالد ميري يكتب: في انتظار الخطة العربية
نجحت مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي في فرض إرادتها من جديد.. في مواجهة محاولات إسرائيل التي لم تتوقف لتهجير الفلسطينيين من غزة وبعدها الضفة الغربية وتصفية القضية الفلسطينية، توقفت أمريكا عن الدفع لتفريغ غزة من أهلها وخرج وزير خارجيتها ليعلن أنّ أمريكا في انتظار الخطة العربية.
تحركت مصر بقوتها الدبلوماسية وثقلها السياسي لفرملة محاولات إعادة الحرب إلى غزة، ونجحت مع قطر في استكمال المرحلة الأولى للهدنة، حماس والفصائل تواصل الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، وإسرائيل تفرج عن الفلسطينيين بالمئات، والأهم تفتح الباب لدخول المساعدات ومعدات إزالة الأنقاض وإعادة البناء إلى غزة، وفي نفس الوقت توقف الحديث الأمريكي ولو مؤقتا عن الإصرار على تهجير أهل غزة وتفريغها من سكانها وتحويلها لمنتجع سياحي أمريكي إسرائيلي مع حرمان أصحاب الأرض والحق من العودة لبيوتهم.
السياسة المصرية والالتفاف العربي حولها يقودنا إلى قمة عربية نهاية هذا الشهر في القاهرة وقبلها قمة خماسية في الرياض، القادة العرب يبحثون الاتفاق على خطة لإعمار غزة ورفض كامل للتهجير، على أن يتم إعلان الخطة العربية للعالم في قمة القاهرة الطارئة.. التي سيعقبها لقاء قمة لوزراء خارجية الدول الإسلامية لتأييد الخطة العربية، نحن أصحاب القضية وأهل فلسطين أصحاب الحق ولا أحد يستطيع طرد صاحب الحق من بيته وأرضه.
إسرائيل التزمت بالمرحلة الأولى من الهدنة ولكنها تحاول إطالة أمد المرحلة الأولى، وتحاول التملص من المرحلتين الثانية والثالثة والعودة للحرب من جديد، وتجد في الدعم الأمريكي المفتوح لخططها الصهيونية للتهجير القسري فرصة ذهبية لتحقيق أطماعها التوسعية وضرب عرض الحائط بأى قانون دولي أو التزام بالسلام، إسرائيل تريد الآن القضاء على حماس وتفريغ غزة من سكانها، في نفس الوقت الذي تواصل فيه حربها للتطهير العرقي في الضفة الغربية وترفض الالتزام بأي اتفاق للخروج من لبنان في الموعد المحدد، تريد البقاء في خمسة أماكن بلبنان وترفض حتى العرض الفرنسي بوجود قوات دولية مكان قواتها، التبجح وغرور القوة وصل إلى أقصاه.
مصر القوية الواثقة أعلنتها بكل قوة: لا للتهجير ولا لتخصيص أرض مصرية للفلسطينيين، الأرض المصرية للمصريين عليها يعيشون ومن أجلها ضحوا بالدم أغلى ما يملك الإنسان.. والأردن ملتزمة بالموقف المصري ولن تمنح جزءا من أراضيها القليلة لأحد، والسعودية استنكرت ومعها العرب حديث إفك نتنياهو عن الحصول على جزء من أرضها للفلسطينيين، هذا التفاف على الحقوق والتاريخ والجغرافيا والقوانين الدولية، الفلسطينيون يعيشون فوق أرضهم ومن أجلها ضحوا بكل غالٍ ونفيس ولن يستطيع أحد إخراجهم منها ولن تحصل إسرائيل على مطامعها، فالحق فوق القوة والحق ينتصر في النهاية.
العالم يترقب القمتين العربية والإسلامية، ودول العالم الحرة أعلنت قبلهما تأييدها لرفض التهجير وللحقوق الفلسطينية، وأوروبا تسير بعيدا عن أمريكا ومخططاتها لخدمة الصهيونية، بل وثلثا أعضاء مجلس النواب من الديمقراطيين رفعوا عريضة لترامب برفض خطط التهجير وتقويض فرص السلام الحقيقي في الشرق الأوسط، وشعوب العالم كلها وفي مقدمتها الشعب الأمريكي مساندة للصمود والحقوق الفلسطينية وضد حرب التطهير العرقي الصهيونية، هذه لحظة من لحظات كتابة التاريخ والموقف العربي الموحد بقيادة مصر قادر على فرض رؤيته للسلام والدفع لإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
تعيش المنطقة على أطراف أصابعها ويعيش العالم واحدة من لحظاته العصيبة، فإما تنتصر إرادة السلام وإما نعود للحرب وسفك دماء الأبرياء، حرب سيخسر فيها الجميع وأولهم إسرائيل التي تظن نفسها -وكل ظنونها إثم- أنّها فوق القانون وفوق الأمم وفوق مقررات التاريخ ودروس الجغرافيا.
نقابة الصحفيين:
بدأت انتخابات نقابة الصحفيين لاختيار نصف أعضاء مجلس النقابة والنقيب، انتخابات بدأت ساخنة بحروب سوشيال ميديا، ودعوتي أن تتوقف هذه الحروب فورا، فحال الصحافة في مصر كما هو في العالم يستدعي وحدة الصف للحفاظ على المهنة السامية في مواجهة تحديات وجود.
عشت داخل جدران النقابة 12 عاما كاملة منحني خلالها الزملاء أعلى الأصوات في الانتخابات، وأشرفت على معظم الملفات من الإسكان لأمانة الصندوق ورئاسة لجنتي القيد والتحقيق 8 سنوات، والنقابة كانت وستظل بيتي كما هي بيت جميع الصحفيين، والحفاظ على وحدتنا فرض في ظل أوضاع صعبة وتحديات قاسية، والصحفيون أحرار سيختارون من يريدون بحرية كاملة، فهذه نقابتنا وهذا سلو نقابتنا.